مقاربة معلقة امرئ القيس في ضوء المنهج الأنثروبولوجي

فريد أمعضشو

حين نستحضر امرأ القيس فإننا نكون أمام أحد أبرز وأشهر شعراء العربية، وإن لم نقل أمام أبرزهم وأشهرهم على الإطلاق. إنه يعد، كما قال المرحوم شوقي ضيف، “أباً للشعر الجاهلي، بل للشعر العربي جميعه”1. وقد وضعه محمد بن سلام الجُمَحي (ت231هـ) على رأس الطبقة الأولى من شعراء الجاهلية، يليه، في الطبقة نفسها، النابغة الذبياني، فزهير بن أبي سُلمى المُزني، ثم الأعشى ميمون بن قيس2. وكان مقدَّماً، أيضاً، لدى علماء البصرة، ولدى كثير من فُحول الشعراء العرب في الجاهلية والإسلام؛ فقد سُئل لبيد بن ربيعة العامري عن أشعر الناس، فأجاب: “الملك الضّـلّيل”؛ وهو لقب لامرئ القيس، وُسِم به لأنه كان ملكاً ابن ملك ابن ملك، قُدر له أن يعيش حياة التشرد والتنقل بين الأحياء والقبائل؛ سعياً لاسترداد مجْد أجداده، وللثأر لمقتل أبيه الذي اغتالته بنو أسد. وقيل للفرزدق، الذي كان راوية مُكثِراً لامرئ القيس: “مَن أشعر الناس يا أبا فراس؟”، فقال: “ذو القروح”؛ وهو لقبٌ آخرُ لامرئ القيس لُقب به مِن بعد التحاقه بيوستينْيانُس؛ قيصر الروم، الذي رحّب به وأكرمه وأعانه، إلى أن وشى به أحدُهم لدى القيصر، كما تقول بعض الروايات، متهماً إياه بتطاوُله على شرف ابنة مُضيِّفه وكرامة أهلها، فما كان من القيصر إلا أن ابتعث له بحُلة جميلة، لكنها كانت مسمومة، بداعي رغبته في إسعاده وإكرامه، ولما ارتداها امرؤ القيس، في يوم صائف، بدأ لحمه يتناثر، وجسدُه يتقرّح، إلى أن مات؛ فسُمي باللقب المذكور. وقال عمر بنُ الخطاب رضي الله عنه للعباس بن عبد المطلب لما سأله عن الشعراء: “امرؤ القيس سابقهم، خَسَف لهم عين الشعر”. ولهؤلاء وغيره، ممّن يُقدِّمون امرَأ القيس، مُسَوِّغاتٌ يسوِّغون بها إيثارَهم الشاعرَ على باقي شعراء العربية. قال أبو عبيدة مَعْمر بن المثنى (ت210هـ): “يقول مَن فضّله (أي امرأ القيس): إنه أولُ من فتح الشعر واستوْقف، وبكى في الدِّمَن، ووصف ما فيها. ثم قال: دَعْ ذا رغبةً عن المَنْسَبَة،

إقرأ المزيد