مدخل إلى التحليل البنيوي للمحكيات ـــ رولان بارت/ ت: د. غسان السيد

رولان بارت/ ت: د. غسان السيد

يعد الناقد الفرنسي رولان بارت أحد أعمدة النقد العالمي في النصف الثاني من القرن العشرين. وما زال تأثيره يثير جدلاً بين المؤيدين والمعارضين لتوجهاته النقدية والفكرية. ومع ذلك يبقى مرجعاً أساسياً، لا يمكن تجاوزه سواء اتفقنا معه أو خالفناه. وتعود مقالته التي أقدّم ترجمتها هنا، إلى منتصف الستينيات حيث كان الاتجاه البنيوي في النقد يمتد على مساحة واسعة من الحركة النقدية العالمية.‏

وهناك أكثر من ترجمة لهذه المقالة: منها ترجمة أنطوان أبو زيد المنشورة في كتاب بعنوان (النقد البنيوي للحكاية) ضمن منشورات عويدات في بيروت، في سلسلة (زدني علماً). أما الترجمة الأهم فهي ترجمة د. منذر عياشي الصادرة عن مركز الإنماء الحضاري، في حلب، عام 1993. وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي بذلـه الدكتور منذر إلاّ أنه ابتعد أحياناً عن روح النص، وخرج بذلك عن المعنى المقصود، بالإضافة إلى بعض الأخطاء في تقديم المصطلح البديل للمصطلح الفرنسي.‏

وسأترك للقارئ أمر الموازنة، والتأكد من أهمية هذه الترجمة، والمادة العلمية التي تقدمها.‏

مدخل إلى التحليل البنيوي للمحكيات*‏

لا يمكن حصر المحكيات في العالم. فهناك أولاً تنوع كبير في الأجناس، والتي تتوزع، هي نفسها، على ماهيات مختلفة كما لو أن كل مادة كانت مناسبة للإنسان لكي تمنحه محكياته: يمكن أن يدعم المحكى من خلال اللغة الواضحة، سواء كانت مكتوبة أو شفهية، ومن خلال الصورة الثابتة أو المتحركة، ومن خلال الحركة، أو من خلال خليط منظم من هذه المواد كلها، والمحكي حاضر في الأسطورة، والحكاية الخرافية، والحكاية، والقصة، والملحمة، والتاريخ، والتراجيديا، والدراما، والكوميديا، والمسرحية الإيمائية، واللوحة المرسومة (ونحن نفكر بالقديسة يورزول لكارباستو)، والرسم على الزجاج الملون، والسينما ومجالس الشعب*، والوقائع المختلفة، والمحادثة. بالإضافة إلى ذلك، وتحت هذه الأشكال التي لا تعد تقريباً، فإن المحكى حاضر في الأزمنة، والأمكنة، والمجتمعات كلها؛ لقد بدأت الحكاية مع تاريخ الإنسانية نفسه، لا يوجد، ولم يكن يوجد قط شعب من دون حكاية؛ فلكل الطبقات الاجتماعية، ولكل الجماعات البشرية حكاياتها الخاصة بها، وغالباً ما يتم التذوق الجماعي المشترك لهذه الحكايات من خلال ناس من ثقافات مختلفة، وحتى متناقضة1: المحكى يسخر من الأدب الجيد أو الأدب الضعيف: المحكى حاضر، مثل الحياة، فهو عالمي، ومتجاوز للتاريخ، والثقافات. أيجب أن تقود مثل هذه الشمولية للمحكي إلى ضياع معناه؟ وهل هو عام إلى هذا الحد الذي لا يبقى لنا فيه شيء نضيفه إلا وصف بعض أصنافه الخاصة جداً بصورة متواضعة، مثلما يفعل أحياناً التاريخ الأدبي؟ ولكن كيف يمكن السيطرة على هذه الأصناف نفسها، وكيف نؤسس قانوننا لتمييزها، والتعرف عليها؟ كيف نضع الرواية مقابل القصة، والحكاية مقابل الأسطورة، والدراما مقابل التراجيديا (وحدث ذلك ألف مرة) من دون العودة إلى نموذج عام؟ هذا النموذج مشترك في كل كلام عن الشيء الأكثر خصوصية، وتاريخية في الأشكال السردية. ولكي لا يقال إننا نهرب من الحديث عن المحكي، بحجة أن الأمر يتعلق بشيء عام، فإنه من المشروع، إذن، الاهتمام، بين حين وآخر، بالشكل المحكي (منذ أرسطو)؛ ومن الطبيعي أن تجعل البنيوية حديثة الولادة، من هذا الشكل من أوائل اهتماماتها: ألا يتعلق الأمر دائماً بالنسبة للمحكي، بحصرٍ مطلق أنواع الكلام، عبر الوصول إلى تحديد اللغة التي انبثقت منها هذه الأنواع، والتي يمكننا، انطلاقاً منها، توليدها (الأنواع)؟‏

إقرأ المزيد