شمس الدين الكيلاني*
احتل الرحالة العرب, في مجال التعرف إلى العالم, موقعاً مركزياً داخل أروقة الثقافة العربية, وحفلت مدوناتهم بالصور الحية عن الشعوب التي زاروها في أوروبا, وشرق آسيا, وفي عمق أفريقيا السوداء, عكسوا فيها طريقة نظر الثقافة العربية تجاه الآخر, ودرجة اعترافها به كشريك في عمارة العالم, وفي عروج طريق (التقوى), حيث مزجوا بين ما شاهدوه واختبروه في ترحالهم وبين معاييرهم الثقافية في الحكم على الآخر. لقد حفزهم الإسلام على الترحال, لعمارة الدنيا (جعل لكم الأرض ذلولاً), وللتأمل في خلق الله, وفي آثار الأمم الباقية, (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف عاقبة المكذبين), وحفزتهم أيضاً الرغبة في المعرفة, والثراء التجاري, إلا أن العامل الحاسم, هو تحول العرب المسلمين الى حضارة كونية في قلب العالم القديم, تمسك بمعظم الخطوط التجارية الدولية, ومداخل بحاره, والى دولة شاسعة تمتد من قلب أوروبا الى قلب الهند وبحارها, فغدت معرفة الآخر المجاور والبعيد من ضرورات السيادة, قبل أن تغدو شغفاً معرفياً, وبحثاً عن التجارة, فوقفت الدولة وراء الكثير من الرحلات فضلاً عن السفارات وهيأت لها الرباطات ذات الوظائف العسكرية لخدمة الرحالة, والمسافرين. فتحولت رحلات (عبادة بن الصامت) في عهد أبو بكر, وعمارة بن حمزة, في عهد المنصور, ونصر بن الأزهر في عهد المتوكل الى حوار كثيف بين حضارتين, عندما امتد لقاء هؤلاء (بملك الروم) وحوارهم معه.