“القفازة”(الشطارة) أو المفهوم الجديد للنجاح

أ. زين الدين خرشي*

القفازة

مقدمة:
أول ما يتبادر إلى الذهن عند سماعنا لكلمة “القفازة” أو لإحدى المقولات -المروج لها في مجتمعنا- المتضمنة لها على شاكلة “إقفز تعيش”، هو الانتشار الواسع الذي يعرفه استعمال هذه المفردة اللغز. الشيء الذي يدفعنا للتساؤل عن ما هي “القفازة”؟ ما هو مضمونها؟ ما هي دلالاتها الاجتماعية؟ لماذا هذا الربط “المنطقي” بين العيش والقفازة؟ من هو الشخص القافز؟ … هي أسئلة، تتطلب الإجابة عنها تجاوز مرحلة الوصف -التي لابد منها كخطوة أولى للفهم والإحاطة– إلى البحث في “القفازة” باعتبارها ظاهرة اجتماعية تستوعب مجموعة من القيم والسلوكات. وذلك من خلال وضعها في السياق المجتمعي العام الذي ظهرت ونمت فيه وربطها بمختلف أبعاده الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية.
إن أهمية دراسة قيمة وسلوك “القفازة” في المجتمع الجزائري تكمن في طابعها الخاص، الذي يتأكد لنا من خلال مؤشرين رئيسيين. الأول هو أنها من القوة والحضور عند معظم شرائح المجتمع (على اختلاف الفئات العمرية) لدرجة أنها صارت لوحدها مرادفا لمكانة اجتماعية مميزة. فالشخص القافز هو الشخص الذي يتحلّى بمجموعة من القيم والسلوكات المحددة (فهو: فحل، راجل، فاهم، عارف بخبايا الحياة والمجتمع، مرن في تعاملاته وعلاقاته، يخرج من المواقف الصعبة بسهولة تامة، يستغل كل الفرص الممنوحة له …الخ)، التي تمكنه من تحقيق وبلوغ الهدف السامي وهو النجاح في الحياة (إذن هي سلوك هادف و عقلاني؟). أما المؤشر الثاني فهو كونها تلعب دورا مركزيا في دينامية التغير القيمي في المجتمع الجزائري عن طريق “شرعنتها” و”تبريرها” لوجود مجموعة أخرى من القيم، بأن توفر لها شروط الانتقال من نطاق المحرم (اجتماعيا وأخلاقيا) إلى نطاق المسموح به والمقبول.

1. تحديد مفهوم القفازة:
لغة: بالرغم من أن مفردة “القفازة” هي كلمة دارجة يشيع استعمالها في اللهجة الجزائرية -وبذلك حاملة لمضامين، ومعبرة عن دلالات اجتماعية وثقافية خاصة بهذا المجتمع-، إلا أن أصلها اللغوي مستمد من العربية الفصحى، فـكلمة:”القفازة” مشتقة من الفعل “قفز”،

إقرأ المزيد