ستروس : إنني أعيش في عالم لم اعد أنتمي إليه

ترجمة: مدني قصري


لم يكن كلود ليفي شتراوس يرغب في حديثٍ مطول يلخص فكره وحياته المهنية، لكنه شاء بمناسبة “سنة البرازيل في فرنسا” أن يعود بنا إلى علاقته مع “في بلاد غابات الجمر”.

ففي العام 1935 وصل وهو ما يزال استاذا شابا في التاسعة والعشرين من العمر، إلى ساو باولو، ثم توغل في اعماق ماتو غروسو في قلب الاقاليم الهندية التي خطا فيها خطواته الأولى على طريق الأمركة americanism.

هذه الفترة من الدراسة الميدانية التي تابعها حتى العام 1939، هي التي شكلت القاعدة الأساسية للبناء النظري الذي قامت عليه انثروبولوجيته البنيوية.

بعد إقامة طويلة في الولايات المتحدة، اصدر العام 1955 “مدارات حزينة” التي بدأها بجملة ما لبثت ان صارت مشهورة: البرازيل بلد يمثل أهم تجربة في حياتي على الاطلاق بحكم بعده عنا، وبحكم التناقضات ما بين هنا وهناك، وبحكم كونه هو الذي رسم مصير تجربتي المهنية الاساسية.

إقرأ المزيد

سيميائية الفضاء وتعقل المشكلات المدينية

د.شهاب اليحياوي– تونس


دعنا نتّفق أوّلا ، قبل استدعاء مختلف مقاربات الفضاء ، على شبه أو تغييب عديد حقول البحث العلمي لمفهوم الفضاء ، لا فحسب ضمن علم الإجتماع بل أيضا لدى غالبية علماء الإقتصاد مثلما علماء النفس . يبدو الاهتمام بالفضاء غائبا أو إن سجّل حضوره فلا يتعدّى العرضي والهامشي . ذلك أنّنا لم نجد تخصيصا لمجال تعريفيّ بمفهوم الفضاء والفضاء الإجتماعي ضمن عدد هائل من البحوث الإجتماعية والحضرية بالخصوص نظرا للعلاقة الترابطيّة بين إثارة المديني وإستدعاء مفهوم الفضاء وحتّى إن وردت في البعض منها فإشارة لا تعميقا (1) . وهي ذات الملاحظة التي وقف عليها كلّ من : بيارمرلان و فرنسواز كواي في معجمهما (2)
تشكّل المقاربة السيميائية للفضاء أهمّ المنطلقات النظرية التي يستوجبها البحث الإمبريقي الذي ينشد إستقراء الفضاء المديني وكيفيات شغله من قبل الفاعلين الإجتماعيين وإنعـكاساته على متعدّد أصعدة تمظهر المدينة . وينكشف الفضاء في مدلوله السيميائيّ كمنظومة علامات يقتضي لدى أوستكوفتسكي إستدعاء مقولة الإستعمال أو الإستخدام الذي يقيمه الفاعل للفضاء الذي يحتلّه ويشغله . فمعنى الفضاء وهذا هو المهمّ يستدلّ عـليه لدى فايري أيضا عبر ومن زاوية الممارسة الإجتماعية للفضاء . يدعو فايري الى مقاربة الفضاء ضمن سيميائيّة متمفصلة في منظومة دلالة . فالفضاء  ” لا يعني البحث إذا لم يكن دالاّ من زاوية ممارسة إجتماعية وإن لم يكن دالاّ لشخص ما ” (3) ولعلّ وجهة النظر المعيّنة التي يجب أن يتّجه التحليل السيميائي للفضاء إليها التي يتحدّث عنها تابوري هي ذاتها التي يؤكّد عليها إتّجاه فايري أي الممارسات التي تحدث داخل هذه الفضاءات التي يقاربها تابوري كأمكنة مجرّدة أين يمكن للسيميائيّ أن يصف الأشياء الحقيقيّة لكن في علاقتها ببعضها . هذه العلاقات وبالمثل دلالة الفضاء السيميائي هما معطيان للتحليل من زاوية الممارسات داخل الفضاءات أو الأمكنة . فلفضاء ما ” هنالك ممارسة إجتماعيّة ” (4) .

إقرأ المزيد

أنثروبولوجيا المؤسسة


أنثروبولوجيا المؤسسة من التخصصات الحديثة المعاصرة، البعض يعتبره من التخصصات الصغيرة لا يمكن أن يحمل تضمينا مهمشا لأن فرع علم اجتماع تنظيم وعمل – الذي وجد رواجا كبيرا في الحقل السوسيولوجي – درس المؤسسة ومشكلاتها وكانت مواضيعه ذات الريادة لأن أبحاثها تحل مشكلات عالم العمل مثل دراسات ماسلو، مايو، فورد…وغيرهم، وهو ما عطل ظهور تخصص أنثروبولوجيا المؤسسة.
وبما أن هناك هوامش أخرى لم يتعرض لها علم اجتماع التنظيم والعمل نظرا لانشغاله بمواضيع أخرى. فإن أنثروبولوجيا المؤسسة اتخذت من هذه الهوامش مواضيع رئيسية لها ذلك لأن في ظل العصرنة والحداثة المعرفية أصبحت الانثروبولوجيا تهتم بالقريب وليس بالبعيد والغرائبي.
تعريفها:
لا يمكن تعريف أنثروبولوجيا المؤسسة بشكل واف إلا من خلال التعرف على موضوعها:
وموضوعها هو الاهتمام بالخصائص الهوياتية لأشغال المؤسسة (caractéristiques identitaire) أي أن هناك أشياء لا تتعلق بالتنظيم والتسيير لكنها حاضرة داخل المؤسسة وتتعلق بما هو رمزي (الرمزية داخل المؤسسة)، والذي يؤثر في حياة وتشغيل وشكل المؤسسة. ومثل هذه الانتاجات الرمزية داخل المؤسسة غير قابلة للتجاوز، وبالتالي فإن من أهم مواضيع أنثروبولوجيا المؤسسة:

إقرأ المزيد

الهيمنة الذكورية معطى أنثروبولوجي أم ضرورة مجتمعية

Pierre BOURDIEU, la domination masculine, édition du   seuil ,collection liber1998

يوسف توفيق

عندما كتب المأسوف على وفاته بيير بورديو * دراسته القيمة و الشيقة عن الهيمنة الذكورية قامت قيامة الحركات النسوية في فرنسا ,وثار جدل حقيقي حول ما تضمنه الكتاب من معطيات علمية ,وقد كان  بمثابة صفعة قوية للمنافحات عن حقوق المرأة وللدعاة إلى مساواة حقيقية تغض الطرف عما هو جنسي و أنتروبولوجي وسوسيولوجي.

ونظرا لأهمية هذه الدراسة سأحاول التذكير ببعض ما جاء فيها  , رغم أن قراءة بيير بورديو تتطلب زادا معرفيا كبيرا, والماما بكل مناحي العلوم الإنسانية من فلسفة و آداب و أنتروبولجيا و سوسيولوجيا و علم نفس.

اتخذت الدراسة مجتمع أما زيغ  القبائل بالجزائر ميدانا لها(1) , كما اعتمدت على بعض المرجعيات الأدبية الخاصة بالحركة النسوية في العالم , ونقصد اعتماد بورديو على الكاتبة الانجليزية الكبيرة فيرجينيا وولف,كما حاولت الدراسة اعتماد بعض الإحصائيات الدقيقة حول انعكاس الهيمنة الذكورية على الوضع الأسري بالمجتمع الغربي من خلال دراسات ميدانية عن الزواج و الطلاق ومن خلال رصد حركة  بعض التيارت الشاذة من لوطيين و سحاقيات.

الهيمنة الذكورية و المركزية الرجولية

إن بيير بورديو لا يخفي في مقدمة الدراسة دهشته المتواصلة وهو يرى خضوع  عالم اليوم  لنظام العالم  السائد في الأزمنة الغابرة ,بوجهاته الأحادية ووجهاته الممنوعة , بإلزاماته و قوانينه , ويمثل لهذا النظام في علاقاته المعقدة و امتيازاته ,  بحركة السير لخمس دقائق بساحتي la bastille  و la concorde بباريس .فالمركزية الرجولية التي تضع الرجل في موقع المركز و تضع المرأة في الهامش هي واقع ملموس يكشف عنه تشريح اللاشعور الجمعي للعديد من الشعوب المتوسطية .

إقرأ المزيد

عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي

المنافحة عن النساء ضدا على ثقافة الحريم

عبد الرحيم العطري

كاتب و باحث سوسيولوجي


شهرزاد ليست مغربية، و من المفروض ألا تكون عربية، “شهرزاد ليست مغربية”، عنوان من ضمن عناوين أخرى، تعلن من تلقاء نفسها عن ملامح المشروع الفكري و النضالي الذي ارتضته فاطمة المرنيسي لنفسها، فقد اختارت من داخل قارة علم الاجتماع أن تكون في صف المرأة، تنافح عنها ضدا في ثقافة الحريم السائدة محليا، من البحر إلى البحر.

الانتماء إلى هكذا صف، في مجتمع فائق الذكورية، لا بد و أن يكون له ثمن، يؤديه المرء، تهميشا و تبخيسا و منعا و هدرا للدم، أو في أبسط الحالات “حقدا” أعمى من طرف زملاء الحرفة، لكن ما يجعل المرء ينتشي أخيرا، و يتحرر من آلام “ضريبة النجاح” هو الاعتراف بصيغة “العالمية”، و لو جاء متأخرا، و من توقيع “الآخر”. ففي سنة 2003 سيأتي هذا الاعتراف من الضفة الأخرى، في صيغة جائزة أستورياس للآداب في إسبانيا والتي أحرزتها المرنيسي مناصفة مع الكاتبة الأميركية سوزان سونتاغ.

كانت سنة 2003 فاتحة تتويج عالمي بالنسبة للمرنيسي، ففي ذات السنة ستنال جائزة أستورياس، و ستختار من طرف رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي، لعضوية فريق الحكماء للحوار بين الشعوب والثقافات، إلى جانب كل من أومبيرتو إيكو و خوان دييث نيكولاس و أحمد كمال و آخرين، و ذلك من أجل التأمل حول مستقبل العلاقات الأوروبية المتوسطية. لم تكن الجائزة الإسبانية إلا إيذانا بانطلاق موسم الاعتراف العالمي، ففي السنة الموالية ستحصل المرنيسي على جائزة إراسموس الهولندية مناصفة مع عبد الكريم سوروش و وصادق جلال العظم.

إقرأ المزيد