بورديو عالم الاجتماع الملتزم

عماد موعد

بورديو

عن عمر يناهز الحادية والسبعين، توفي في باريس (23/1/2002)، المفكر وعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو إثر مرض عضال. وقد أثارت وفاته الكثير من ردود الفعل التي لا يحظى بها إلا القليل من المفكرين. فقد قال عنه جاك شيراك بأنه كان معلماً في علم الاجتماع المعاصر، أوجد الكثير من المفاهيم التي ستظل مستخدمة عند أجيال عديدة من الباحثين. واعتبره جوسبان أحد رموز ا لحياة الثقافية لفرنسا. أما رد الفعل الأهم، جاء من جاك دريدا الذي قال بأنه فقد صديقاً وفي الوقت نفسه شاهداً لا يمكن تعويضه.‏

يعتبر أتباع بيير بورديو وعلى رأسهم لويس بينتو، في كتاب مكرس لبورديو ونظرية العالم الاجتماعي، أن أعمال بورديو كانت “ثورة رمزية”، مماثلة لتلك الثورات التي نراها في الحقول الأخرى كالموسيقى أو الفن التشكيلي أو الفلسفة أو الفيزياء. ويشرح بينتو أن ماقدمه بورديو إلى علم الاجتماع يتمثل قبل كل شيء، بالرؤية الجديدة للعالم الاجتماعي التي أعطت وظيفة رئيسية للهياكل الرمزية. وقد كانت التربية والثقافة والأدب، أولى المواضيع التي درسها بورديو، من خلال رؤيته هذه. غير أن الإعلام والسياسة، والتي كانت مجال بحثه المفضل، كشفت أيضاً هذه المقاربة، ومايميز “حقل الإنتاج الرمزي”. حسب لويس، أن علاقات القوة بين القوى الفاعلة لا تتمثل فيه إلا في أشكال التورية للعلاقات.‏

ولد بيير بورديو في 10/آب/ عام 1930، في مقاطعة البيرنيه الأطلسية جنوب غرب فرنسا. بعد انتهائه من الدراسة الثانوية في بو وباريس، دخل إلى معهد المعلمين العالي عام 1951، ليحصل على شهادته في الفلسفة عام 1954. في السنة التالية: سمي أستاذاً للفلسفة في ثانوية مولان. أدى خدمته العسكرية في الجزائر، وعين مساعداً في كلية الآداب في الجزائر مابين 1958 و1960.‏

إقرأ المزيد

ماذا بعد البنيويَّة؟ ـ عبد النبي اصطيف

عبد النبي اصطيف

يشير بتركوس في مراجعته لكتاب “البنيوية مدخل”(1) (من تحرير وتقديم د. ديفيد روبي، مطبعة جامعة اكسفورد، 1973) والتي ظهرت في مجلة الأدب المقارن في عدد الخريف من عام 1979، إلى أن للتأخير فضائله، لأن الكتاب الذي بين يديه يبدو اليوم –وعلى وجه الإجمال- أكثر أهمية منه عندما ظهر عام 1973، “ففي خلال هذا الوقت، انحسرت موجة البنيوية، وثمة ما يشبه الإجماع الآن إلى أنه إذا ما كان هناك “بنيوية” فقد انتهت، إنها بالنسبة إلى النقد المعاصر أشبه ما تكون باللا نسونية المزدراة”(2).‏

ورغم أن دارس النقد المعاصر يقرأ ملاحظات كهذه في مختلف الكتب والمجلات المتخصصة، وخاصة من قبل بعض الدارسين. والنقاد الذين لم يروا في البنيوية غير تقليعة فرنسية لا تقوى على مجابهة تحدي الزمن، تقليعة يحلو للمرء أن يصفها بأنها لم تصمم لتناسب أو لتدوم”، فإنه يظل أميل إلى الاعتقاد بأنها ما زالت تمارس تأثيراً لا بأس به في الأوساط النقدية. وحتى ما يسمى اليوم بالنقد ما بعد البنيوي Post-Structuralist Criticism يتخذها أساساً له، سواء أفترض في نفسه تطويراً لها أم ردة فعل معاد ومناهض.‏

إن نهاية السبعينات التي بشرت بانحسار موجة البنيوية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلى حد ما، قد أرهصت بولادة ما بعدها. وهكذا ومن خلال المزاوجة الواعية بين النقد الأنكلو- أمريكي الجديد، والنقد الأسطوري اللذين سادا الساحة الأدبية الأمريكية لعدة عقود من جهة، وبين الفكر الأوربي (والفرنسي بشكل خاص) من جهة أخرى، ولد نقد جديد جديد New New Criticism نقد ربما كان أهم ما يميزه هو أنه لا يعتمد أساساً على النصوص الأدبية، بل هو يستنكر أن يكون تابعاً لها. وينظر إلى نفسه على أنه فعالية فكرية خلاقة تنهض للمقارنة مع الأدب كنشاط إبداعي مكافئ للأدب في القيمة والمستوى.‏

إقرأ المزيد

كتاب بؤس البنيوية…؟!

سلام مراد

structuralism

الكتاب: بؤس البنوية، الأدب والنظرية البنيوية

الكاتب: ليونارد جاكسون، ت. ثائر ديب
الناشر: دار الفرقد دمشق 2009م.

إن البنيوية في معناها الواسع، هي دراسة ظواهر مختلفة كالمجتمعات، والعقول، واللغات، والآداب، والأساطير، فتنظر إلى كل ظاهرة من هذه الظواهر بوصفها نظاماً تاماً، أو كلاً مترابطاً؛ أي بوصفها بنيةً، فتدرسها من حيث نسق ترابطهما الداخلي لا من حيث تعاقبها وتطورها التاريخيين. كما تُعنى أيضاً بدراسة الكيفية التي تؤثر بما بنى هذه الكيانات على طريقة قيامها بوظائفهما.
أمّا في معناها الضيق والمألوف، فالبنيوية محاولة لإيجاد نموذج لكلِّ من بنية هذه الظواهر ووظيفتها على غرار النموذج البنيوي للغة، وهو النموذج الذي وضعته الألسنية في أوائل القرن العشرين. ففي حين عمل الفلاسفة وعلماء الاجتماع، ونقاد الأدب على دراسة اللغة من وجهات نظرهم المختلفة وتبعاً لغاياتهم المتباينة، نجد أن الألسنيين قد درسوا اللغة بذاتها ولذاتها. ويمثل كتاب فرديناند دوسوسور محاضرات في الألسنية العامة (1916)”، هو نسخة باكرة من النموذج البنيوي للغة كان لها أثرها البعيد. أما محاولات تطبيق هذا النموذج على الأدب فتعود إلى عام 1928، حين وضع كل من جاكوبسون وتينيانوف برنامجاً بهذا الخصوص وكانت تلك بداية البنيوية الأدبية.
ـ طور البنيوية الخلاّق: الثلاثينيات
ثمة أطوار أربعة أساسية مرّت بها الحركة البنيوية، على الرغم من عدم دقة الفصل الزمني بين هذه الأطوار.

إقرأ المزيد

الرمزي و المتخيل في بنية و اشتغال الحقل الصوفي

 نحو رؤية سوسيو أنثروبولوجية

محمد جحاح*

تـقديم:

لقد ارتبط ظهور التصوف وتطوره- كتجربة دينية- بفكرة الموت، بل أكثر من ذلك، فقد اكتسى مفهوم الموت لدى المتصوفة أبعادا فلسفية عميقة، سيكون لها- بشكل أو بآخر- نتائج وامتدادات على مستوى الحياة الإجتماعية والسياسية أيضا. وقد مـيز هؤلاء بين شكلـين من الـموت: موت

إقرأ المزيد

المفاهيم الأساسية للبنيوية

دراسة: د.يوسف حامد جابر


إن أية فعالية معرفية لا بد أن تستند في تشكيلها وتحديد خصائصها والإطار العام لها إلى أسس تعطي هذه الفعالية سماتها العامة، وتعمل على تجذير محتواها وتعميقه، كما تسهم في تنظيم حركتها وعلاقاتها. والبنيوية باعتبارها منهجاً نقدياً شاملاً، أو لنقل طريقة بحث في مكونات الواقع وكشف علائق هذه المكونات وتفاعلاتها، تطمح لكي تسجل إضافة حقيقية في مضمار المعارف الإنسانية، وهي بذلك، تستند إلى مفاهيم أساسية تحدد طبيعتها ومنطلقاتها، وترسم حركتها ومساراتها.‏

ويمكننا أن نجد ثلاثة مفاهيم أساسية، تشكل في علاقاتها وتفاعلاتها الإطار العام للبنيوية، هي: البنية، النظام، الوظيفة.‏

أولاً: البنية:‏

لم تنل أية ظاهرة معرفية من الاهتمام والدراسة قدر ما ناله مفهوم البنية في القرن الحالي، حيث أصبح هذا المفهوم يحتل مكان الصدارة في مختلف الدراسات الإنسانية الحديثة، سواء كانت هذه الدراسات نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو لغوية أو رياضية وغيرها. وأصبحنا نجد الباحثين العاملين في إطار هذه المفهومات يتحدثون عن بنية نفسية وأخرى رياضية ومنطقية وثالثة لغوية.. الخ.‏

إقرأ المزيد