أنثروبولوجيا المؤسسة من التخصصات الحديثة المعاصرة، البعض يعتبره من التخصصات الصغيرة لا يمكن أن يحمل تضمينا مهمشا لأن فرع علم اجتماع تنظيم وعمل – الذي وجد رواجا كبيرا في الحقل السوسيولوجي – درس المؤسسة ومشكلاتها وكانت مواضيعه ذات الريادة لأن أبحاثها تحل مشكلات عالم العمل مثل دراسات ماسلو، مايو، فورد…وغيرهم، وهو ما عطل ظهور تخصص أنثروبولوجيا المؤسسة.
وبما أن هناك هوامش أخرى لم يتعرض لها علم اجتماع التنظيم والعمل نظرا لانشغاله بمواضيع أخرى. فإن أنثروبولوجيا المؤسسة اتخذت من هذه الهوامش مواضيع رئيسية لها ذلك لأن في ظل العصرنة والحداثة المعرفية أصبحت الانثروبولوجيا تهتم بالقريب وليس بالبعيد والغرائبي.
تعريفها:
لا يمكن تعريف أنثروبولوجيا المؤسسة بشكل واف إلا من خلال التعرف على موضوعها:
وموضوعها هو الاهتمام بالخصائص الهوياتية لأشغال المؤسسة (caractéristiques identitaire) أي أن هناك أشياء لا تتعلق بالتنظيم والتسيير لكنها حاضرة داخل المؤسسة وتتعلق بما هو رمزي (الرمزية داخل المؤسسة)، والذي يؤثر في حياة وتشغيل وشكل المؤسسة. ومثل هذه الانتاجات الرمزية داخل المؤسسة غير قابلة للتجاوز، وبالتالي فإن من أهم مواضيع أنثروبولوجيا المؤسسة:
مقالات
الهيمنة الذكورية معطى أنثروبولوجي أم ضرورة مجتمعية
Pierre BOURDIEU, la domination masculine, édition du seuil ,collection liber1998
يوسف توفيق
عندما كتب المأسوف على وفاته بيير بورديو * دراسته القيمة و الشيقة عن الهيمنة الذكورية قامت قيامة الحركات النسوية في فرنسا ,وثار جدل حقيقي حول ما تضمنه الكتاب من معطيات علمية ,وقد كان بمثابة صفعة قوية للمنافحات عن حقوق المرأة وللدعاة إلى مساواة حقيقية تغض الطرف عما هو جنسي و أنتروبولوجي وسوسيولوجي.
ونظرا لأهمية هذه الدراسة سأحاول التذكير ببعض ما جاء فيها , رغم أن قراءة بيير بورديو تتطلب زادا معرفيا كبيرا, والماما بكل مناحي العلوم الإنسانية من فلسفة و آداب و أنتروبولجيا و سوسيولوجيا و علم نفس.
اتخذت الدراسة مجتمع أما زيغ القبائل بالجزائر ميدانا لها(1) , كما اعتمدت على بعض المرجعيات الأدبية الخاصة بالحركة النسوية في العالم , ونقصد اعتماد بورديو على الكاتبة الانجليزية الكبيرة فيرجينيا وولف,كما حاولت الدراسة اعتماد بعض الإحصائيات الدقيقة حول انعكاس الهيمنة الذكورية على الوضع الأسري بالمجتمع الغربي من خلال دراسات ميدانية عن الزواج و الطلاق ومن خلال رصد حركة بعض التيارت الشاذة من لوطيين و سحاقيات.
الهيمنة الذكورية و المركزية الرجولية
إن بيير بورديو لا يخفي في مقدمة الدراسة دهشته المتواصلة وهو يرى خضوع عالم اليوم لنظام العالم السائد في الأزمنة الغابرة ,بوجهاته الأحادية ووجهاته الممنوعة , بإلزاماته و قوانينه , ويمثل لهذا النظام في علاقاته المعقدة و امتيازاته , بحركة السير لخمس دقائق بساحتي la bastille و la concorde بباريس .فالمركزية الرجولية التي تضع الرجل في موقع المركز و تضع المرأة في الهامش هي واقع ملموس يكشف عنه تشريح اللاشعور الجمعي للعديد من الشعوب المتوسطية .
الشيوخ والإنترنت والمرأة
د.أحمد محمد صالح
تفيض مواقع الإنترنت العربية بالأسئلة والفتاوي الدينية اليومية ، بل على مدار الساعة ، إذا تحولت من موقع إلى آخر تجد الجميع يتشنج ويتحدث باسم الله ، حتى فى الموضوعات السياسية والاقتصادية وغيرها يستخدم الدين والإسلام واسم الله في كل شيء ، بل الغريب ان المواقع تذيع رسائل الفيديو للمتأسلمين القتله وهم يذبحون ويقتلون وينحرون الرقاب ويفجرون باسم الله والإسلام .
وعندما تتمعن فى فتاوى الإنترنت ، تجدها كلها تقريبا تدور حول فقه المراحيض والمرأة ، هل يجوز للمرأة أن تفعل كذا أو تلبس كذا ، ومنها الفتوى الأخيرة للشيخين السعوديين عثمان الخميس وسعد الغامدي في “تحريم الانترنت على المرأة بسبب خبث طويتها، ولا يجوز لها فتحه إلا بحضور مَحْرَم مُدرك لعُهر المرأة ومكرها”.
وهذا يجرنا مرة أخرى إلى موضوع هل تكنولوجيا الكمبيوتر والاتصالات خير أم شر ؟! وهو سؤال أخلاقى وفلسفى يثار دائما مع كل جديد من الأفكار أو التكنولوجيا ، فكل مستحدث يحمل معه للبشرية جوانب إيجابية وجوانب سلبية ، و نكرر الأمر متوقف على الإنسان نفسه فى توظيفه واستثماره لتطبيقات التكنولوجيا. وفى كل مرة تظهر تكنولوجيات جديدة تجد دائما هناك من يوظفها فى توصيل افكاره الجنسية ، ومن يقول دائما أنها فى حاجة إلى تنظيم حتى لا تستغل فى الفحش ، ومنذ عهد قريب كنت أعبث فى إرشيف أعداد صحيفة مشهورة ، لفت نظرى مقال ملخصه يقول ان التقنيات الجديدة تكتسح العالم ، وسوف تغيير حياة الناس إلى الأبد، فى طريقة عملهم وفى طريقة حياتهم ، بشرط الا توظف تلك التكنولوجيات فى أغراض مفسدة لا أخلاقية أو غير شرعية، وإذا حدث سيكون ذلك أحد الإختراقات الأعظم للبشرية. الكاتب وقت كتابة هذا المقال منذ حوالي 150 سنة لم يكن يعرف الإنترنت ! بل كان يتكلم عن التلغراف والتليفون كتكنولوجيا جديدة وقتها ! والتليفون والتلغراف كان لهما تأثيرا فى حياة البشر اكبر من الإنترنت !
نحو نظريّة اجتماعيّة للهاتف المحمول
د.أحمد محمد صالح
منذ أكثر من عشرين عاما تضطرني ظروف العمل إلى السفر الى جنوب مصر ، بطريقة منتظمة ودورية ، ومن مقعدي الدائم المجاور لنافذة القطار تقابل الكثير كصحبة سفر ، وهم عادة من أساتذة الجامعات ، ورجال القضاء والنيابة ، والمحاماة والزراعة والري ، والشرطة والجيش ، و كانت مصر بمشاكلها دائما هى موضوع حديث السفر ، وتغير الموقف الآن ، وأصبح الكل مشغولا بالمحمول ! وأصبح السفر معاناة ، فبدلا من الاستمتاع بقراءة كتاب ، أو حديث مثمر ، او النوم استعدادا للعمل ، سيطرت أجراس التليفون المحمول على الموقف ، ولا تمضى دقيقة الا وتسمع رنينا ، ومحادثات بصوت مرتفع ، فهذا غزل ، وذاك غضب وثورة ، وتلك تحية باردة ، وانتهكت الخصوصية ! وضحكت من الدراسة الإيطالية الأخيرة التى نشرتها الأنباء حول الهاتف المحمول الذى كشف عن 90 بالمائة من حالات الخيانة الزوجية في إيطاليا في الفترة الأخيرة ! وتشير الدراسة إلى أن الإيطاليين لديهم هواتف محمولة أكثر من أي جنسية أوروبية أخرى .
وشغلني المنظور الاجتماعي للتليفون المحمول او ” سوسولوجيا المحمول ” ، واليوم نستكملها من منظور الإنثربولوجيا من خلال عدة دراسات قيمة منشورة مثل دراسة Hans Geser فى جامعة زيروخ Zürich ، فى سبتمبر عام 2003 تحت عنوان نحو نظرية اجتماعية للتليفون المحمول ، ودراسات Mathews Joe المنشورة عام 2001 فى لوس انجلوس حول تأثير المحمول داخل محيط الجامعة ، وبحوث Nilsson Andreas وآخرون فى السويد عام 2001 حول التليفون المحمول كوسيط اتصالي ، ودراسات Ling Rich فى النرويج عام 2000 حول تاثير انتشار المحمول بين مراهقين المدارس ، وتأثير المحمول على المؤسسات الاجتماعية فى أوربا ، ودراسات كثيرة أخرى فى أوربا وأمريكا ، وكلها دراسات منشورة في مجلات ومؤتمرات علمية على الإنترنت ، وأستمتعت بقراءة تلك الدراسات ، وخرجت منها بمعرفة افتتاحية حول سيسولوجيا التليفون المحمول ، نقدمها للقارئ فى عجالة. .
– منظور أنثروبولوجي
منذ فجر الإنسانية من ملايين السّنوات, كان تطوّر ونشوء الحياة على الأرض مقيدا دائما بعاملين مادّيّين متوافقين بدرجة كبيرة : الأول هو التجاور الفيزيقي ، وهو شرط مسبق للكائنات الحية لبدء العلاقات التفاعلية ، والحفاظ عليها . الثاني هو الإقامة فى أماكن المستقرة ، وكانت ضرورية لتنمية وتطوير أشكال وأنماط اتصال اكثر تعقيدا وتعاونا .
الأصولية عين الحداثة قراءة نقدية في أفكار إرنست غلنر
مصطفى لافي الحرازين*
لا ينحصر نصُّ الأنثروبولوجي الكبير إرنست غلنر -رغم ما يحمله من طاقة نقدية هائلة تعطّل الكتابة المحلية التي تنال من الإسلام من حيث قدرته على التشكّل(1) بهذه المهمة وحسب؛ إذ النص هنا يدور في حقل نفسه، حيث يحتدم الجدل حول الإسلام ليطال جوهر الذات، جدل تتشكّل أطرافه الأساسية مما تبقى من فكر التنوير أولاً. وبالمقابل من جبهة متعددة المشارب تتميز بدينامية الانشقاق والتجاذب يحتل نواتها فكر ما بعد الحداثة وفلسفة العلم اللاسلطوية(2) وتدور في محورها صيغ متنوعة وأحياناً غير متبلورة تتمسك بانتمائها إلى الإناسة محاولة من موقعها هذا التقرب مما تسميه إسلام البيانات السياقية(3).
والواقع أن غلنر لم يقع في شرك هذا المحور ولم ينضبط بتلك البيانات؛ لأن الإسلام لم يكن بالنسبة له سياقاً يقوم بذاته بل حقلاً من الأقوال التي لا بد من إعادة جمعها وفصلها وتسوية سياقاتها ليصبح منطلقاً لمواجهة حاسمة مع تلك الانشقاقات التي تمس بلحمة نظام الحداثة، أي بضرورة القواعد وصلابتها واستمراريتها. ولهذا بالضبط لا يمكننا قراءة ما كتبه إلاّ بما هو جزء من (نظام التراث)(4) لا يسعى إلى جمعه أو توحيده بل إلى إحياء ما يعتبره أصل فعّاليته ومتحركيته الكامن في قدرته على توفير هذه القواعد المنشودة.