الحضارة الغربية والبروميثية الغائبة 2\2

eurocentrisme

من هنا يتضح أن الطرح المُعلن للمركزية الأوروبية هو مجرد قناع بروميثي، يحلو للذات الغربية ـ إن وُجدت ـ أن ترى نفسها من خلاله، ويوظفه الآخر الغربي/العالمي فى استغلال الذات غير الغربية، وتعميتها عن الأنسنية! ويساهم فى تزخيم هذا الرأى، نزوع الآخر الغربي/العالمي دوما إلى أمور، تتعارض بفجاجة مع الطرح البروميثي المُعلن للمركزية الأوروبية، ومن ذلك:

[1] تكريس فكرة “الأسلاف الإغريق” للغربيين:

تقول فكرة “الأسلاف الإغريق”، التى لا ينفك الآخر الغربي/العالمي ينفخ فيها، إن الوراثة اليونانية مهدت السبيل إلى غلبة العقلانية! والفلسفة اليونانية هي المصدر الوحيد للعقلانية فى التاريخ الانساني، بينما لم تتجاوز الفلسفات الأخرى حدود الميتافيزيقا! والفكر الأوروبي هو الذى أنمى هذه الوراثة، بدءا بعصر النهضة، إلى أن ازدهرت روح العقلانية فى المراحل اللاحقة لتطور العلم المعاصر. أما القرون التى تفصل اليونان القديم عن النهضة الأوروبية فقد اعتُبرت مرحلة انتقالية طويلة محفوفة بضباب التعمية التى حالت دون تجاوز الفكر القديم!

إقرأ المزيد

الحضارة الغربية والبروميثية الغائبة 1\2

د.حازم خيري

“القوة المطلقة خطيئة” بروميثيوس

eurocentrism

تحكي الأسطورة اليونانية أن الإله بروميثيوس أحب الإنسان كثيرا وأشفق عليه، لِما قُضي عليه من خوف وذل وأمل عقيم، فسرق النار الإلهية، نار المعرفة، ومنحها لبنى الإنسان، فكان عقابه الأبدي أن شده كبير الآلهة، بالأغلال الفولاذية التى لا يمكن تحطيمها، إلى صخرة مرتفعة، ذات نتوءات بارزة، تُطل على ماء المحيط، وأطلق عليه النسور تنهش جلده، وكلما طلع الصباح كساه جلدا جديدا لتطعم به النسور! عذاب أبدى، شاركت المارد المُعذب فيه كل عناصر الطبيعة! بيد أن كبير الآلهة لم يكفه من بروميثيوس كل هذا العذاب الجسدي، فأرسل إليه وفدا من ربات الانتقام يعذبنه! فبروميثيوس، ككل الأبطال، له روح قوية لا تكسرها الآلام الجسدية، ولكن يكسرها أن تُفجع فى الفكرة التى تمثلها!

تلك هى أسطورة بروميثيوس، أوردتها فى صدر المقال، لارتباطها المُلهم بموضوعه، وهو الحضارة الغربية. فالغرب يحلو له دوما أن يرى نفسه بروميثيا، نسبة إلى الإله اليوناني بروميثيوس الذى سرق نار المعرفة من الآلهة ليعطيها إلى البشر! والغرب يحلو له أيضا أن يرى الحضارات الأخرى غير بروميثية!

إقرأ المزيد

تراجع الزوايا والأضرحة.. أزمة التدين التقليدي في المغرب

الزوايا

في الوقت الذي يزداد فيه الحديث عن تأهيل الحقل الديني بالمغرب، وتستكمل فيه وضع اللبنات العقائدية (العقيدة الأشعرية)، والمذهبية (مذهب مالك)، والمؤسساتية (الزوايا والأضرحة) الداعمة لهذا التأهيل والمجسدة له، يكثر الحديث عن البنيات الفكرية والتنظيمية التي يراد لها أن تعاود اشتغالها بعد الاعتراف الرسمي بتراجع أنماط التدين المحلية، وبروز أخرى “غريبة” عن البيئات المحلية، لكنها متوافقة مع ما يشهده المحيط العالمي من عولمة لم ينج منها الدين ومتعلقاته من معتقدات وتمثلات وطقوس.

بدايات التراجع

ولا يرتبط الحديث عن تراجع الزوايا والأضرحة ببداية ظهور وانتشار الحركات السلفية، بل يرجع إلى ما قبل ذلك بكثير؛ فقد أدى التدخل الاستعماري الغربي إلى ردة فعل قوية ضد التقاليد الدينية الكلاسيكية، أي الزوايا والأضرحة؛ مما أدى إلى ازدهار الإسلام النصوصي المعتمد على القرآن والسنة باعتبارهما الأساسين الوحيدين المقبولين للسلطة الدينية، بحيث اعتبرت الحركة السلفية الوطنية أن ما تقوم عليه هذه المؤسسات من مربوطية وطرقية ما هو إلا هرطقة بالية، وهي معركة انتهت ليس إلى انتصار السلفية على مستوى المناقشات العلمية، وإنما أيضا على المناقشات الشعبية.

استأنفت التنظيمات السلفية الجديدة عملها في السبعينيات، وأبانت عن قوتها في الثمانينيات بضرب المرتكزات الاجتماعية والثقافية والنفسية لهذا التدين، تماما كما كان الشأن بالنسبة للسلفية في صيغتها الأولى؛ مما كان له كبير الأثر على قدرة الزوايا لممارسة نفس الفعالية. ومن المسائل التي لها دلالة في هذا الباب اعتراف العديد من شيوخ الطرق ومقدمي الزوايا التي تمتلك مقرات داخل المدينة عن الدور المهم الذي لعبته هذه التنظيمات في محاربة التدين التقليدي بشكل أدى إلى انحصار ممارساته في مجالات جد ضيقة ومعزولة داخل المدينة.

إقرأ المزيد

الزوايا، المجتمع والسلطة بالمغرب : مقاربة سوسيو-أنثروبولوجية

محمد جحاح*

زاوية

يتركز موضوع هذا البحث-الذي يقع في 820 صفحة (بجزئيه الأول والثاني)- حول ظاهرة الزوايا بالمجتمع المغربي، وهي ظاهرة لها أهميتها بالطبع وأصالتها التي تستمدها من عمق تجذرها في بنيات هذا المجتمع، وفي تاريخه الديني والسياسي. وانسجاما مع الإشكالية المطروحة للبحث، فإن أهمية الزوايا تتأكد بالنظر إلى ما اضطلع به هذا التنظيم الديني-السياسي من أدوار اجتماعية وسياسية حاسمة، في سياق مغرب ما قبل المرحلة الكولونيالية.

هذه الفترة من تاريخ المغرب، التي ستعرف- وكما تطلعنا المصادر التاريخية- مجموعة من الأحداث والوقائع السياسية التي تشهد  بتأزم العلاقة، وعلى مستويات عدة، بين السلطة والمجتمع. وهنا بالذات ومن هذا المنطلق، سيرتبط تاريخ الزوايا وبشكل وثيق، بالتاريخ الاجتماعي والسياسي للمغرب الماقبل كولوينالي، بحيث شكلت في هذا الإطار قوة سياسية وازنة، استطاعت أن تفرض نفسها على المخزن (كسلطة محلية قائمة بذاتها) تسندها قاعدة قبلية عريضة.

إقرأ المزيد

نقد ليفي شتراوس للنزعة التاريخية

د. نبيل رشاد سعيد*

تمهيد:
كان لعلم اللغة المعاصر أثر كبير على تصور (كلود ليفي شتراوس)(1) للتاريخ، لا سيما المنهج اللغوي الوصفي عنه (فرديناند دي سوسير)(2) الذي صب اهتمامه على «النسق» أو «البنية» اللغوية، فجعل دراسة اللغة من حيث تاريخها وتطورها أمرا ثانويا، فكان يرى بأن واجب علماء اللغة تأسيس علم ثابت أو قانون للغة، والتخلي عن دراسة قضايا اللغة وتجزئتها لمعرفة تاريخها، بل الصحيح هو دراسة اللغة بصورتها الراهنة.
لقد بذل ليفي شتراوس جهودا كبيرة ليثبت بأن الحوادث التاريخية تدور كلها ضمن النسق أو البناء اللغوي الذي ظل موجودا من ألوف السنين. وإن ما تريده جميع البنيات المناقضة للتاريخية ـ حسب جان بياجيه ـ هو وضع أسس ثابتة تشبه الأسس الرياضية التي لا تخضع للزمنية المتغيرة، وهذه الصفة وجدتها البنيوية(3) في اللغة.
استعان ليفي شتراوس بالمنهج اللغوي لـ (دي سوسير) الذي اعتبر اللغة فوق الواقع والتاريخ، فدرسها من حيث علاقتها بأساسها الاجتماعي. ونظر ليفي شتراوس إلى اللغة من حيث هي نتاج لمجتمعها، ولكنه مضى أبعد مما ذهب إليه دي سوسير، فقد استعان بالقوانين التي تتحدد بها اللغة المنطوقة، ليصل عن طريقها إلى أصل العادات والمعتقدات، بل أنه رأى ان أصل كل الظواهر الثقافية التي يتضمنها المجتمع من إبداع اللغة.

إقرأ المزيد