حذرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) من أن ما يقرب من خمسمائة لغة محكية في العالم مهددة بالانقراض بحلول نهاية القرن الحالي يستخدم ستة وتسعين بالمائة منها أربعة بالمائة من سكان العالم فقط· ونقل راديو الأمم المتحدة عن المديرة العامة لليونسكو ايرينا بوكوفا دعوتها بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم الذي يصادف الواحد والعشرين من كل عام إلى تنمية الوعي بالتقاليد اللغوية والثقافية القائمة على التسامح والتفاهم والحوار·
وقالت بوكوفا: (إن اللغات تمثلنا نحن البشر وحمايتها بمثابة حماية لنا وإن التنوع اللغوي يكتسب أهمية إستراتيجية لدى مختلف شعوب العالم بفضل تعزيزه لوحدة المجتمعات وتماسكها) مبينة أن التعدد اللغوي (يعد عاملا مساعدا لضمان التعليم الجيد للجميع وتيسير الاستيعاب ومكافحة أشكال التمييز ولا يمكن إقامة حوار حقيقي إلا باحترام اللغات)، مضيفة: (إن التعليم باستخدام اللغات التي يفهمها الأطفال أمر حتمي لتمكينهم من التمتع بحقهم في التعليم الجيد) مشيرة إلى أن (التعليم باللغة الأم واللغات المتعددة هو المفتاح للحد من التمييز وتعزيز الاندماج وتحسين نتائج التعليم للجميع)·
يذكر أن اليوم العالمي للغة الأم أعلن في المؤتمر العام لليونسكو الذي عقد في نوفمبر عام 1999 للاعتراف بأهمية التعدد اللغوي وكذا لتنمية الوعي بالتقاليد اللغوية والثقافية القائمة على التسامح والتفاهم والحوار·
اللغات المهددة بالانقراض
لم تفقد أوروبا، خلال القرون الثلاثة الأخيرة، أكثر من عشر لغات، في حين أدى استعمار يلدان هذه القارة لعدة مناطق في العالم إلى فرض لغاتها على الشعوب المستعمرة و انقراض ما يزيد على 15% من اللغات المحلية. ففي البرازيل، على سبيل المثال، انقرض أكثر من ثلاثة أرباع اللغات المحلية، (حوالي 540 لغة) منذ بداية الاستعمار البرتغالي في عام 1530 م. و في أستراليا، فلم يبق الاستعمار الأوروبي، في نهاية القرن الثامن عشر، إلا 20 من أصل 250 لغة محلية.
أما بخصوص الثورة الرقمية، و دعامتها الأساسية شبكة الإنترنت، فقد ورد في أحد تقارير منظمة اليونسكو، الصادر مؤخراً، أن، من ضمن الستة آلاف لغة، هناك 500 لغة فقط ممثلة على الشبكة، معظمها ذو وجود ضعيف للغاية. و حسب إحصائيات سنة 2004 لمكاتب دراسات موثوقة، تسع لغات منها فقط تسيطر على بقية اللغات الأخرى بصفة واضحة لا لبس فيها. فلو أخذنا عدد الموزعات المتوفرة على شبكة الإنترنت و التي تعطينا فكرة عن محتوى تلك الشبكة و مصدره، يمكن أن نستنتج الجدول الموالي لتفصيل نصيب تلك اللغات:
اللغة |
النسبة |
الانجليزية |
68.4% |
اليابانية |
5.9% |
الجرمانية |
5.8% |
الصينية |
3.9% |
الفرنسية |
3% |
الاسبانية |
2.4% |
الروسية |
1.9% |
البرتغالية |
1.4% |
الايطالية |
1.4% |
الكورية الجنوبية |
1.3% |
بقية اللغات (و عددها 491 لغة) |
4.6% |
هذا، مع العلم أن نسبة رصيد الدول العربية مجمعة على الشبكة لم يتجاوز صفر فاصل بعض الكسور (0.28%) ، في حين أن العرب يمثلون ما يناهز 4.5% من مجموع سكان العالم.
تبرز هذه المؤشرات أن هناك فجوة لغوية فاصلة بين الإنجليزية و الثماني لغات التي تليها من ناحية و هوة لغوية عميقة قائمة بين الإنجليزية و غيرها من اللغات المتبقية، من ناحية أخرى.
و هذا الوضع، ينذر، حسبما تؤكده كذلك تقارير منظمة اليونسكو، بتسارع معدل انقراض اللغات التي لا تتطور و لا تتفاعل مع التكنولوجيات الحديثة للمعلومات و الاتصال. و قد وصل هذا المعدل حالياً إلى انقراض لغة إنسانية كل أسبوعين. و يتوقع علماء التنوع اللغوي انقراض نصف الموروث اللغوي لعامة البشرية، أي 3000 لغة من جملة 6000 لغة المستخدمة حاليا بحلول منتصف هذا القرن. كما يتوقعون اختفاء 90% من اللغات بحلول 2100.
صراع اللغات في عصر المعلومات
يبدو من خلال ما سبق أن هنالك علاقة بين تسارع التكنولوجيات و تأثيرها القوي في تزايد انقراض اللغات، وهو ما قد يبرر تشاؤم البعض بخصوص مستقبل التنوع اللغوي و الحفاظ على لغات الشعوب و لكن، في مقابل ذلك، للبعض الآخر الحق في التفاؤل حين يرى أن طغيان اللغة الإنجليزية في تقلص مستمر, فبينما مثلت الإنجليزية في بداية ظهور الإنترنت ما يزيد على 95% من حجم البيانات المتبادلة، تراجعت هذه النسبة إلى حوالي 80% في سنة 2001 و إلى 68.4% في سنة 2004. و هناك من يتوقع أن تفقد اللغة الإنجليزية وضعها الرقمي المهيمن بحلول عام 2015. و يعود هذا التراجع إلى نمو و ازدهار لغات أخرى مثل اليابانية و الصينية و الجرمانية. فعلى أي شعب، إذا أراد الحفاظ على لغته من الانقراض، أن يطورها و ينميها و يثري بواسطتها الرصيد العالمي على شبكة الشبكات. فالفترة الراهنة تعد فترة صراع بين اللغات، هدفها، في عصر المعلومات، احتلال مكانة مرموقة في سلم الحي و المزدهر من لغات العالم.
نستذكر هذه الوصية مع تصاعد الشكوى وتلاحقها مما تتعرض لغتنا العربية له من تحديات خارجية وداخلية. لا يكفينا هنا الاطمئنان القدري إلى أن اللغة العربية أكثر حصانة من سواها تجاه خطر الاندثار أمام اجتياح لغة أخرى، والفضل في هذا للقرآن الكريم الذي التزم الله عز وجل بحفظه. لقد أدرك الغزاة والمستعمرون الأوائل هذا مبكراً، فقال غلادستون، رئيس الحكومة البريطانية الأسبق مثلاً، إن أوربا لن تستطيع السيطرة على الشرق مادام القرآن متداولاً في أيدي المسلمين. كذلك قول الحاكم العام الفرنسي للجزائر يوماً “لن ننتصر على الجزائريين ماداموا –على الرغم من مرور مائة عام على وجودنا هنا- لايزالون يقرؤون القرآن ويتحدثون بالعربية”. لقد تعلمت الولايات المتحدة الدرس من المستعمرين القدامى، ولذلك لا سبيل للتراخي في مسؤولياتنا وواجباتنا –أفراداً ومجتمعات وأمة- لحماية لغتنا. إن ما تعانيه لغتنا في العقود الأخيرة نتيجة استهتار أهلها وإهمالهم قد بات يشكل حلقة مفرغة بالغة الخطورة، تحمل في طياتها مخاطر سياسية وثقافية للحياة العربية، تبدأ بالبيت وتمر بالمدرسة وتنتهي بالإعلام، كما كتب المفكر البحريني د.محمد علي فخرو