يتحفني بعض الأصدقاء الرقميين ، بين فترة وأخرى ، ببوستات جندرية ، تقسم الحياة الزوجية إلى ثنائية هو/هي …
فهي تقوم بجميع المهام ، وهو لمجرد النكد !
وعندما أوضّح أن هذه الصورة نمطية تهدف إلى تأبيد الواقع لا إلى تغييره ! تنهمر عليّ تعليقات مُحبّة تستثنيني من التنميط السابق ، أو لئيمة تفترض أنني ذكوري لا أسمح حتى للمرأة بالتنفيس عن غضبها في نكتة – هي صحيحة في منظارهم …
وأريد هنا ، أن أوضح موقفي بالتفصيل ، دون أن يكون بي أرق لنقرة إعجاب من هنا ، أو تعليق مادح/ذام (دون أن يقرأ) من هناك !
المنظور الجندري التقسيمي ، ليس حتمياً …
هو واقع ، متغير ، يحتاج لكَ/ـكِ (فقط) لوعيه حتى يفقد سطوته وسلطته !
يكفي ألا يؤمن به شخص حتى يصبح للتغيير معنى وللحياة الزوجية الحقيقية نكهة التكامل !
لست إستثناءً ، لكنني أدركت أن الواقع ليس أمراً واقعاً ، بل هو مجرد تكيف من قبل أفراد ، ربما أدّوا أفضل ما لديهم ضمن ظروفهم !
والآن تبدلت الظروف …
قبل ستين سنة كان خروج المرأة للدراسة أو العمل يعد فضيحة ، الآن ، بقاؤها في المنزل هو الفضيحة !
[سيجد أصدقائي الأكاديميين في العبارة السابقة نوعاً من التعميم المخل ، خصوصاً أنني لم أربطها بسياق ثقافي (أو منطقة) ، كما أن هناك عند بعض الجماعات عودة إلى منع النساء من مزاولة الحياة ، فيقبعن في المنزل في إنتظار علاقة المسخ الزوجية] !
في غضون جيل/جيلين ، تغيرت الكثير من القيم المتعلقة بالجندر …
لكن ، لأركز على موضوع العلاقة الزوجية تحديداً …
هل يجب أن يساعد الزوج زوجته ؟
لأعيد تأكيد الأساسيات ، العلاقة الزوجية ليست علاقة تسجيل نقاط !
إذا فعلت هذا لي سأفعل هذا في المقابل ، وهي ليست أيضاً عطاءً دائماً مقابل أخذ دائم !
التوازن هو حجر الأساس في العلاقة الناجحة …
هذا التوازن لا يعني 50 % مني و50 % منها …
هو يعني ببساطة أن أقدم ما يحتاجه الشريك في العلاقة عند حاجته له .
الجملة السابقة بعد قراءتها تبدو ملغزة أكثر مما ظننت !
سأوضّح …
لا يمكن لي كزوج أن أشترط على زوجتي تقسيماً نهائياً للعمل ، لك الداخل ولي الخارج ! أو عليك الغسل والكوي ، وعليّ الطبخ … أو أنت تطبخين وأنا أأكل …!
وذات الأمر ينطبق على الزوجة ، الشرط المسبق لا يعني شيئاً سوى تعقيد الحياة الزوجية اللاحقة ، فمسألة مثل مساعدة الزوج لزوجته في أعباء المنزل ، ليست مسألة لفظية إنما سلوكية ! لذا ، موافقة الرجل عليها دون أن يعرف على ماذا تنطوي ، سيكون كمن يوافق على شراء السمك في البحر (وهو لا يطيق طعمه !) .
التجربة هي خير محدّد ، هل يساعد أمه/أخته ؟ هل والده يساعد أمه ؟
وبمعزل عن الجواب ، فالزوجة ستختار لاحقاً كيفية قيادتها لمغامرة الزواج ! هل ستحولها إلى صراع ؟ أم إلى وئام ؟!
(وفي هذا كلام وكلام) …
أن أقدم ما يحتاجه الشريك ، يعني إعترافاً بشراكته الكاملة ، التي لا تلزم أحدنا بتقسيمات مسبقة ، قدر ما هي الظروف التي نواجهها ، والخبرات التي نراكمها، والمعارف التي نتلاقحها ، فنؤسس سوياً لعلاقة متوازنة متزنة .
أن أقدم ما يحتاجه الشريك ، تحتاج منا إلى وعي بأهمية الشراكة التي نبنيها على المودة والرحمة …
أن أقدم ما يحتاجه الشريك ، تحتاج منا إلى أن نلتفت إلى حاجاته ، ورغباته ، ومخاوفه – كما حاجات بيت الزوجية – فنعمل على إشباعها قدر إستطاعتنا وظروفنا … [أتكلم عن التفاصيل اليومية العادية لا أن نقضي شهراً في باريس وأسبوعاً في هاواي … فهذا النوع من الرغبات يحتاج – إذا كان له ضرورة – إلى تخطيط مسبق منهما له] .
ولا يعني ما سبق أن أكتشف الغيب ، فأعلم ما تفكر فيه وما ترغب به قبل أن تقوله ! فهذا ليس لواحد منهما القدرة على فعله ، وهو وهم غبي ، يخوض سجاله المحبان دون فائدة ترجى – لو كان يحبني حقاً لعلم ما بي ! – تقول الزوجة هذا وكأنه قدر محتوم ! وتبني على هذه المسلمة إفتراضات ، تهدّد الحياة الزوجية ، وتفقدهما طعم الأمان والطمأنينة …
لن يعلم ما بك إلا إذا أخبرته ، ولن يعرف ما ترغبين به إلا إذا عبرت عنه بوضوح ، وبعدها لكل حادث حديث !
إذن ، التفاصيل العادية ، هي التي لا تحتاج إلا إلى إلتفات ، فيقوم بها الزوجان بدافع المحبة ، وتأمين راحة الشريك .
بدأت النص حول البوستات الجندرية التي توصّف أزمة يعيشها هو/هي ، أزمة له الغنم فيها ولها الغرم ! وهي بوستات لا تقدم أو تؤخر …
فلا من نَشَرها غيّر من أسلوبه ولا من تناقلها أظهر قدراً من المسؤولية في تخطي الأمر الواقع إلى إنجاز واقع جديد !
فلماذا تنتشر إذن ؟
لأنها تدغدغ المشاعر أولاً ، وتخدرها ثانياً …
شهر رمضان الفائت إنتشرت صورة عبر وسائط التواصل تشكر المرأة (أماً ، زوجة ، أختاً) لقيامها بتحضير الطعام طيلة الشهر ، كما بجلي الصحون والقدور لاحقاً …
وهي صورة تقول للمرأة ، هذا موقعك … الطبيعي !
وأفضل ما يمكننا القيام به ، هو شكرك ..
أنظروا إلينا ما أعظمنا …
نشكرها على قيامها بواجبها …
[ولا يتنطع أحد للقول أن من حق الزوجة أن تأخذ أجراً مقابل عملها في المنزل، وكأنه يريد أن يدافع تحت غطاء ديني ، وهو لا يقوم سوى بالغوص في متاهة – لها مقامها ومقالها –] .
تعبر الصورة عن نزعة ذكورية لتقسيم العمل …
هذا التقسيم كانت له ظروفه الموضوعية التي إنتفت الآن …
ويقع علينا واجب أن نبتدع تقسيماً متسقاً مع ظروفنا الجديدة …
هذا الإبتداع لاحق لمرحلة الوعي …
ودون الوعي ، سنبقى نرفل بحلة الملك … ونظن أن ما نلبسه عصري !