ربما هي سلسلة جديدة مفتوحة على إحتمالات شتى ، وأفكار منهجية ومعرفية مختلفة ، كيف نقوم بإجراء بحث ، عبر إستعراض شاهد واحد ، فتتنوع الطرائق والشواهد ، وهي لا بد متنوعة بتنوع الباحثين وطرائقهم المتبعة !
لا يوجد هناك طريقة مثالية !
ليست الإنسانيات بعلم حسابي حيث الواحد زائد واحد تساوي إثنين !
كنت أقول لطلابي أن واحداً زائد واحد قد تساوي ثلاثة أو صفراً أو أكثر أو أقل ، تبعاً للسياق الثقافي (الذي يندرج ضمنه متصل الزمكان) ، كما اللحظة المعرفية للباحث .
لذا الطريقة المعيارية المعتمدة ضمن الكتب التدريسية هي لتقديم أسلوب للمبتدئين ، على أن يعدّلوا عليه تبعاً لخبرتهم الحقلية والمعرفية ، لتتحول هذه الطريقة المعيارية إلى أسلوبهم ، بصمتهم الخاصة .
ولذا ، يؤمّن تدريس أساليب المؤسّسين كما المجدّدين إلى توسيع الإطار الذي يخشى الباحث من الخروج عليه ، خشية عدم الإعتراف الأكاديمي بطريقته !
وهي خشية كابحة للتغيير ، ومع تأكيد الباحثين على إختلاف أساليبهم أنه الثابت الوحيد ، فكيف يمكن كبح تغيّرها ؟!
بالنسبة للشاهد الأول ، ضمن هذه السلسلة المقترحة ، سيكون موضوع الأحلام ، وضمن هذا الموضوع ، يمكن الإضاءة على :
النوم ، منشأ الأحلام ، الموتيفات والرموز المحلية والعالمية ، نظام التأويل ، الأحلام الإستبصارية ، الأحلام التي تتحقق ، مشاركة الأحلام ، وغيرها …
هناك ثلاثة أسئلة على الباحث أن يحاول الإجابة عليها عند اختياره أي بحث ، وهي :
- ماذا ؟
- كيف ؟
- لماذا ؟
ومن هذه الأسئلة يمكن له أن ينطلق في الفضاء البحثي .
إن السؤال : “ماذا ؟” ، يسمح للباحث أن يختار كشّافاته التي يريد تسليطها على الموضوع أو جانب منه ، وهو في هذه الحالة مثلاً «مشاركة الأحلام» .
السؤال : “كيف ؟” ، يشير إلى الوسيلة التي سيتبعها الباحث لدراسة مشاركة الأحلام ، وهي المعايشة الحقلية للمبحوثين .
أما السؤال : “لماذا ؟” ، فهو يقدّم البُعد المعرفي لهكذا بحث .
إن موضوع الأحلام بشكل عام يثير/يحفّز التواصل و/أو هو موضوع تتم مشاركته ، دون أن يكون يومياً (أو متواتراً) إضافة إلى كونه جذاباً وجديداً .
والفكرة التي قد ينطلق منها هي أن مشاركة الأحلام تنبني على تصور رغبة لاواعية في إيصال رسالة من الحالم للمستمعين ، ولذا تتم المشاركة ، وهو ما قد يؤكده البحث في سياق ووظيفة المشاركة ، عبر المعايشة الحقلية .
إن دراسة مشاركة الأحلام ، تشير إلى مدى قوة (أو ضعف) شبكة العلاقات الإجتماعية ، إن تفكيك هذه الشبكة (بما تعنيه من تواصل إنساني لشأن “غيـبي” يزيد من اللحمة الإجتماعية ، ويحافظ على الذاكرة حية) قد يؤدي إلى تذرّر هووي .
إن المحافظة على الذاكرة ، لا تنبني فقط في المحافظة على الآثار الحجرية ، أو المأثورات الشعبية .. هي تحديداً ، في الحفاظ على التواصل الحيوي والديناميكي بين السلف والخلف (أو بين الأجيال) ، لتبقى الذاكرة حية ، وكذلك الثقافة .. فالهوية . إذ أن هذا التواصل هو ما يسمح لهذا المأثور بالإنتقال ، وهو أيضاً ما يمكّن الخلف (الجيل الجديد) من فهم التراث للإنطلاق منه ..
إن هذا التواصل “الحيوي” ، ضروريٌ لردم الهوة بين الأجيال ، والتي يكثر الكلام عنها حالياً ، وأحد مظاهرها هو سيطرة وسائط التكنولوجيا التي أزّمت التواصل وكبحته فقزّمته إلى “إيموجي” !
هذا بالنسبة للفكرة والمنطلق ، وقد تحدّدت طريقة البحث الأساسية وهي المعايشة الحقلية ضمن المجتمع المحلي ، لكشف شبكة العلاقات ، وكيف ينتقل الحلم من شخص لآخر ؟ ومن يتواصل مع من ؟ ومن يشارك من ؟!
الكتابة هي آنية ، ليس هناك من فصل بين جمْع المعطيات ، وتدوين النص ، والقراءة خاضعة لطبيعة البحث ذاته ، وهي في هذه الحالة تابعة لتحليل المعطيات وفهم التشبيك العلائقي .
ليس هناك من تدرّج في التدوين ، وهذه نقطة على الباحث أن يتنبّه لها ، فقد تكتب شيئاً ضمن فصل ، ثم تقفز إلى فصل آخر ، وهكذا …
وهناك نقطة أساسية متعلقة بطبيعة البحث ، هل هو دراسة أكاديمية لنيل شهادة ، أم أنه كتاب ، أو لمجلة علمية محكمة ، أو ثقافية ، أو لصحيفة …؟ لأن شروط وآليات الكتابة تختلف تبعاً للفئة المستهدفة !
لأوجز : إذا أراد باحث أن يدرس موضوع مشاركة الأحلام ، عليه أن يعايش المجتمع الذي يدرسه ، ليفهم شبكة العلاقات ، ومن خلالها سببية ووظيفة المشاركة !
هنا قد يختلف الباحثون ، في تقييم أسلوب المعايشة ، ومنهم من يعتبر أن المقابلات المفتوحة قد تفي بالغرض ، وهذا يعود تحديده للباحث ، هل يريد الإندماج العاطفي ، أم أنه يريد أن يبقى على مسافة ؟ يريد أن يبقي على العلاقة رسمية !
وليس هناك من إجابة وحيدة ، أو مثالية ، هذا متعلق بكثير من المتغيرات التي تلزّ الباحث لإختيار أسلوب مع قبول مساوئه ومحاسنه !
ويعود إلى خبرة الباحث ونضجه المعرفي في أن يتقبّل العجز كجزء من التجربة الإنسانية ككل (لا البحثية فقط) ، وأن الفهم الكامل لموضوع ما متعذر .
ولهذا الحديث صلة …