مراجعة لكتاب: THE HAMADSHA
A Study in Morocan Ethnopsychiatry
انجاز: سفيان لشهب[1]
الكتاب قيد المراجعة دراسة أنجزها الأنثروبولوجي الأمريكي فينسنت كرابانزانو، أواخر الستينات، حول الطرق العلاجية للزاوية الحمدوشية بالمغرب[2]. ويتكون الكتاب من مقدمة وثلاثة أقسام
– القسم الأول:
تطرق فيه الباحث إلى الأصول التاريخية للتصوف بشكل مختصر وعام، لينتقل بعدها إلى تاريخ الوليين “سيدي علي بن حمدوش” و”سيدي أحمد الدغوغي”،ويخلص إلى أن المعطيات التاريخية حولهما وحول حياتهما قليلة جدا، اللهم بعض الإشارات المنثورة هنا وهناك. وضعف المعطيات في المصادر التاريخية يقابله، حسب الباحث، غنا في الأساطير les légendes التي عمل على التفصيل فيها بشكل “مدهش” (وما يثير الدهشة حقا هو قدرة الباحث على الغوص في التفاصيل والحصول على معطيات جد دقيقة سواء فيما يخص موضوعه بشكل مباشر أو فيما يخص الثقافة المغربية بشكل عام).
– القسم الثاني:
خصه الباحث لوصف مجال الدراسة، الذي يتكون من قرية بني رشيد (مدشر/ دْشر بني راشد حسب التسمية المحلية): وهو مكان تواجد ضريح سيدي علي، ومغارة لالة عيشة (الحفرة في الاستعمال الحالي)، والقليعة التي توجد ما بين بني راشد وبني وراد، الذي يعتبر مجال تواجد ضريح سيدي أحمد الدغوغي، الضريح الذي يوجد به مكان مخصص للالة عيشة الدغوغية. وينتمي المجال ككل لجهة مكناس تافيلات سابقا (فاس-مكناس حاليا)، وبالضبط بين مدينتي مكناس ومولاي ادريس زرهون (حولي 18 كلم عن مدينة مكناس). انتقل الباحث بعد ذلك إلى وصف “الزوايا” أو أماكن تجمع حمادشة المدينة القديمة لمكناس (les loges de Meknès)، ووصف حي سيدي بابا الصفيحي (آنذاك) ومجموعات حمادشة المتواجدة فيه. كل هذا مع ابرازه لأوجه التشابه والاختلاف بين حمادشة المدينة القديمة ونظرائهم في الحي الصفيحي وعلاقتهم بمزواري (يمكن اعتبار المزوار رئيسا الزاوية ويعين من أحفاد الولي) وأحفاد سيدي علي وسيدي أحمد وبالجن وبلالة عيشة.
ويقسم الباحث الجن إلى قسمين: جن له اسم وآخر ليس له اسم (les jnun qui portent un nom, et les jnun qui ne portent pas un nom). كل هذا مع تفصيل جد دقيق لكل ما له علاقة بموضوع بحثه الذي هو الطرق العلاجية التي يعتمدها حمادشة في مدينة مكناس ونواحيها (توجد اختلافات في الممارسات العلاجية بين المدن والقرى حسب الباحث). هذه الطرق العلاجية les pratiques thérapeutiques هي في ارتباط بكل من الوليين سيدي علي وسيدي أحمد والجن الذي يملك اسما وعلى رأسهم لالة عيشة بشكل خاص والجن الذي لا يملك اسما بشكل عام.
– القسم الثالث:
عمل الباحث فيه على توضيح نظرية العلاج عند حمادشة la théorie de la thérapie. هذه النظرية تقوم على مجموعة من المرتكزات وهي أنه:
عندما يمرض المرء (المغربي الحمدوشي بشكل خاص، أو الذي ينتمي إلى وسط تتواجد فيه هذه الممارسات الطقوسية) فإنه يبدأ في البحث عن سبب لمرضه. يكون الانطلاق دائما من الأعراض (les symptomatologie) حيث تتم استشارة الجيران/الفقيه/الشوافة/ أو مقدم فرقة حمادشة (بالنسبة لسكان الحي الصفيحي أو القرى)، ومقدم الزاوية (بالنسبة للمدينة القديمة) …الخ. هؤلاء جميعا يعملون على توجيه المريض إلى الخطوات التي ينبغي عليه اتباعها، وتبدأ من الطلاسم والبخور… وزيارة الأضرحة، وتنتهي بالليلة والحضرة الحمدوشية. الانتقال من محطة علاجية إلى أخرى لا يتم إلا بعد ثبوت عدم فعالية المحطة الأولى. يرجع المريض، والمحيطون به بشكل خاص، سبب المرض إلى أشياء مفارقة/فوق طبيعية surnaturel، وبشكل مباشر إلى الجن.
هكذا فالمريض غير مسؤول عن مرضه، لأنه إما “مقيوس” أو مطروش أو مضروب أو مسكون من طرف الجن، ويكون هذا دائما نتيجة السحر (حيث يقوم شخص له عداوة/حقد/حسد، بتسخير الجن لإلحاق الضرر بالمريض، وذلك من خلال الاستعانة بالفقيه أو الشوافة أو السحرة)، أو نتيجة اعتداء المريض على الجن بطريقة من الطرق (قطع جدول ماء دون بسملة: بسم الله الرحمان الرحيم، صب الماء الساخن في مجاري المياه، ضرب جن دون قصد…)، أو نتيجة عدم وفاء المريض أو شخص من أقاربه (أحد الأبوين خصوصا) بنذر لأحد الأولياء أو لالة عيشة، وهنا يرفع الولي حمايته عن الشخص فيصبح عرضة للإصابة.
بعد هذا يبدأ العلاج الذي قد يستدعي زيارة الأضرحة والحضرة معا أو إحداهما. فالمريض الذي يتحسن بعد زيارة الضريح لا يكون في حاجة لليلة والحضرة، حيث يفهم من ذلك بأن الولي قد استجاب (بمعنى أن الولي تدخل عند الله الذي لا يتم أي شيء دون إرادته، أو أنه كف عن المريض تسلط الجن). لكن في حال العكس (أي إذا لم يشعر بالتحسن) فإن المريض (عائلته وأقاربه) يكون ملزما بالليلة والحضرة، وهذه الأخيرة هي أهم مكون في العلاج عند حمادشة.
بعد الحضرة غالبا ما يتم الشعور بالارتياح le soulagement غير أنه قد يكون ارتياحا كليا ودائما أو جزئيا ومرحليا. هنا يكون على المريض الالتزام بمجموعة من الطقوس حتى يتجنب الوقوع في نفس الحالة، كما قد يتعين عليه الانضمام إلى الطريقة أي أن يصبح حمدوشيا (غالب المرضى يكونون حمادشة أو لهم أفراد من العائلة حمادشة، أو تربوا في وسط تكون فيه طقوس حمادشة، أو أخرى مماثلة، مألوفة)، كما قد يتعين عليه تنظيم ليلات من حين لآخر، أو على الأقل المشاركة في ليلات منظمة لمرضى آخرين.
ينتقل كرابانزانو في آخر القسم الثالث من الكتاب، إلى إعطاء تفسير لعلاج حمادشة، وفيه يذكر:
بأن الفرد الحمدوشي يعيش مجموعة من التوترات المرتبطة بوضعيته الاجتماعية والثقافية، توترات قد تكون سببا لمرضه. والطقوس الممارسة (من زيارة للضريح وللالة عيشة، وتقديم القرابين، والحضرة…الخ) تعمل على التخفيف من حدة تلك التوترات.
طريقة العلاج
طريقة العلاج التي يمارسها حمادشة، وأهمها الحضرة، لها مفعول بالنسبة للمرضى (المعتقدين فيها) لمجموعة من العوامل:
1- دعم الجماعة le support du groupe: فالمريض لا يشعر بأنه بمفرده.
2- مشاركة المريض la participation du patient: المريض يشارك في سيرورة العلاج.
3- – فهم واقتراحات compréhension et suggestion: لا المريض ولا محيطه يحاولون فهم طبيعة المشكل، بمعنى أن لا أحد يطرح أسئلة لفهم نفسية المريض، لأنه غير مسؤول عن مرضه، وبالتالي فالمشكل يوجد خارج المريض (الجن هو المسؤول وعلى المريض إرضاء رغباته من خلال ممارسة الحضرة).
4- الانتماء للزاوية l’appartenance au culte: يمنح للمريض وضعا اجتماعيا جديدا، كما أن إيمانه بحمادشة وبرؤيتهم للعالم يتقوى من خلال هذا الانتماء. ويتجلى الأهم، حسب الباحث، في كون الانتماء يعطي للمريض إمكانية ممارسة الحضرة وبالتالي التقليص من حدة الصراعات التي هي سبب حالته (مرضه).
5- الحضرة، التنفيس والتطهير Trans, abréaction et catharsis: الحضرة تمكن المريض من التنفيس عن كل ما يشكل ضغطا عليه، أي أنها نوع من التطهير.
المراجع
[1] طالب باحث في سلك الدكتوراه، مختبر STEP كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس- جامعة مولاي إسماعيل. تحت اشراف: د. محمد جحاح.
[2] نشير إلى أن النسخة المراجعة هي للترجمة الفرنسية:
Vincente crapanzano, Les Hamadcha : une étude d’ethnopsychiatrie marocaine. Traduit de l’anglais par Olivier Ralet, éd Sanofi-Synthélabo, paris, 2000. (386 pages).