محمد حبيدة، المغرب النباتي: الزراعة والأغذية قبل الاستعمار، الدار البيضاء، منشورات ملتقى الطرق، 2018.
قبل البنيات الحديثة التي أدخلها الاستعمار الأوربي في القرن العشرين، كان المغاربة يعيشون، بصفة رئيسية، من الشعير والزيت. إنهـا “نبــاتيةٌ عفوية”، خالية من أي تصور بيئي أو طبي.. النباتيةُ في الوقت الراهن اختيارٌ، لكنها في الماضي كانت ضرورة، لأن قساوة البيئة وضعف التقنيات وتدنّي مستوى العيش وتواتر المجاعات جعلت أهالي المدن والبوادي على السواء يكتفون بطعام مكونٍ من حبوب ونباتات. أما اللحم، فكان طعاما احتفاليا بالدرجة الأولى، لا يأكله الناس إلا في المناسبات الكبرى، الدينية أو العائلية، ومؤشرا قويا على التمايز الاجتماعي بين الأعيان وسائر الناس.. اليوم، تدفعنا الوفرة الغذائية وما تطرحه من مشاكل، خاصة في المدن الكبرى، بسبب كثرة المواد الغذائية المصنعة التي تغزو الأسواق، وانتشار المطعمة السريعة المقترنة بـِ “الأكل المضر”، وما بيّنته العلوم الطبية فيما يتصل بالضرر الصحي الذي يسبِّبه استهلاك اللحوم، إلى تغيير المقاييس التقليدية والنظر إلى الأشياء ليس من زاوية الرخاء والهشاشة، وإنما على ضوء الفيزيولوجية البشرية، لأن الأطعمة النباتية، الفقيرة اجتماعيا لكن الغنية غذائيا، هي التي حافظت على الكيان البيوكميائي للمغاربة على مرِّ التاريخ.