لتحميل العدد أنقر فوق الصورة أو أنقر هنا
مفتتح
الثقافة الشعبية . . عمقاً استراتيجياً
دعا فرع إحدى الجمعيات السياسية الناشطة في البحرين إلى اجتماع تمهيدي مع نخبة من الباحثين في ميدان الثقافة الشعبية للإعداد لتنظيم ندوة بمستوى رفيع حول وضعية التراث الشعبي في البحرين. وكان لافتا أن تبادر جمعية سياسية إلى الاهتمام بالثقافة الشعبية في جو سياسي محلي يمور بمختلف التوجهات والاهتمامات السياسية المتباينة الأهداف والأغراض في جو ديموقراطي مفتوح. وحين أيقن ضيوف هذا الاجتماع – من بعد التداول – بأن الهدف من إقامة هذه الندوة هو مجرد الإسهام في الأنشطة الثقافية العامة، وهو هدف نبيل دون شك، أجمعوا على أن هذه الفعالية أو ما يماثلها من المستطاع أن يكون في متناول يد أي نادٍ صغيرٍ من أندية المدينة أو القرية، وارتأوا بأن الدور الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات الثقافية والسياسية والاجتماعية ذات المكانة والتاريخ العريق دور يجب أن يتجاوز هذه المحطة الأولى بكثير.
فعلى مدى ما يقرب من أربعة عقود، حين تنبهت المنطقة إلى أهمية هذا الجانب في ثقافتها الوطنية والقومية، وحين كانت بعض أقطار الوطن العربي في وعيها الأولي بالضرورات العلمية في تناول هذه المادة الثقافية القابلة للتحول والتدهور والضياع، أقيمت محاضرات وندوات ومؤتمرات ودورات تدريبية لا حصر لعددها،صرفت على تنظيمها أموال طائلة، بهدف التوعية والتدريب على جمع وتدوين وحفظ مواد التراث الشعبي، وقد أدت دورها في التوعية على نطاق ليس بقليل، إلا أنها دون طائل ودون منجز ميداني حقيقي يذكر إلا فيما ندر وبجهود فردية تطوعية. وظل ميدان جمع مادة الثقافة الشعبية مقفرا وظلت هذه المادة الثمينة نهبا لفقدان البصيرة والبصر ورهن تشتت الجهود وعدم جدية التعامل. فلو أن جزءا من هذه الأموال قد صرف منذ البداية على تأهيل كوادر أكاديمية متخصصة تأهيلا يتجاوز كل ما هو مطروح ومتداول في بلادنا العربية لكان في هذه المنطقة الآن عدد لا بأس به من الخبراء والاستشاريين الذين سيؤهِلون بدورهم أعداداً من الباحثين الشغوفين بالعمل في الميدان، ولانتقلت مواد الثقافة الشعبية بفضل جهودهم المرتقبة من صدور وذواكر الحفاظ والممارسين والرواة والإخباريين إلى مكانها المفترض في المكانز والحافظات الإلكترونية وأتيحت على شبكة الإنترنت للعديد من الاستخدامات المتنوعة.
إن أية فعالية – من أي نوع ومن أية جهة – الآن ستعمل على إعادة وتكرار واجترار ما تم القيام به عبر السنوات الطويلة الفائتة نعتبرها مضيعة للوقت والجهد والمال، فقد كفى ما فات من ضياع لهذه المادة وما تم التفريط فيه بفقد رواتها وحفاظها الثقاة وممارسيها المجيدين وفنانيها الأصلاء، فإن كانت هناك جهود حقيقية وعزم جدي للعمل أو الإسهام في هذا المجال لابد أن يوجه مباشرة إلى البحث الميداني بأدواته وطرائقه ومناهجه العلمية للحاق بما تبقى من مواد تراثنا الشعبي، وما عدا ذلك لا قيمة له ولا طائل من ورائه.
قد يكون هذا الأمر ليس من الضرورات الملحة من وجهة نظر أية جمعية سياسية، وقد يرونه خارج نطاق العمل السياسي ! إلا أننا نرى فيه عمقا استراتيجيا لأية سياسة، أليست ثقافتنا الشعبية ثقافة الأعراق والتعدد وهي خلاصة تجاربنا العربية في تفاعلها مع تجارب الحضارات المجاورة؟ أليست هذه الثقافة الشعبية المتميزة رافدا غنيا من روافد ثقافتنا الوطنية؟ أليست الثقافة الوطنية مكونا أساسَ للهوية الوطنية؟ أليست الثقافة عمقا استراتيجيا لمشروع الإصلاح الوطني؟ أليست مجلة (الثقافة الشعبية) هذه، على سبيل المثال، إحدى ثمرات الرؤية السياسية البعيدة النظر لجلالة ملك مملكة البحرين لتعزيز ثقافتنا الوطنية وتأكيد رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم؟؟
إن جمع وتدوين وحفظ مواد الثقافة الشعبية قضية مهمة، تخص جهاز الدولة المعني بالدرجة الأولى إلى جانب كل مؤسسات المجتمع المدني من أندية وجمعيات ثقافية وعلمية وسياسية واجتماعية، وتخص كل أسرة وكل فرد، فهي قضيتنا ومهمتنا جميعا