تأليف:
ميشيل تومبسون- ريتشارد إليس- آرون فيلدافسكي
ترجمة:
د. علي الصاوي
مراجعة:
د. الفاروق يونس
الناشر:
عالم المعرفة
سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب – الكويت
صدرت هذه السلسلة في شعبان 1998 باشراف أحمد العدواني 1923-1990
إضغط على الصورة لتحميل الكتاب
عرض: الاستاذ على هاشم
تتمحور الإشكالية حول السؤال التالي : كيف تحافظ أنماط الحياة على بقائها ؟ والجواب الأوّلي هو : إن استمرارية نمط الحياة ، تعتمد على وجود علاقةٍ تسانديةٍ متبادلة بين تحيّز ثقافي معين ونمط محدد للعلاقات الإجتماعية .
والسؤال هنا ، ماذا يعني هذا الحشد المفاهيمي ؟! وقبل هذا ، ما هي الثقافة ؟
إن الثقافة طريق متميز لحياة الجماعة ، ونمط متكامل لحياة أفرادها ، فهي التي تؤكد الصفة الإنسانية في الجنس البشري ، وتتكون من القيم والمعتقدات والمعايير والتفسيرات العقلية والرموز والإيديولوجيات وما شاكلها من المنتجات العقلية ، فهي تشير إلى النمط الكلي لحياة شعب ما ، والعلاقات الشخصية بين أفراده وكذلك توجهاتهم . إذن ، المفهوم المركب للثقافة يشتمل على :
– التحيزات الثقافية .
– العلاقات الإجتماعية .
– أنماط أو أساليب الحياة .
التحيز الثقافي يشير إلى القيم والمعتقدات المشتركة . والعلاقات الإجتماعية هي أنماط العلاقات الشخصية بين الأفراد ، أما نمط الحياة فهو تركيبة حية من العلاقات الإجتماعية والتحيز الثقافي .
وعنوان الكتاب ’’نظرية الثقافة‘‘ إنما يدل على النظرية التي ابتدعها المؤلفون ، وهي ’’نظرية القابلية الإجتماعية- الثقافية للنمو‘‘ ، التي تقوم على العلاقة الإرتباطية بين قابلية نمط الحياة للنمو ، وبين التوافق والإنسجام بين العلاقات الإجتماعية والتحيزات الثقافية . وأنماط الحياة التي توصل إليها المؤلفون هي : التدرجية ، الفردية ، المساواتية ، القدرية ، الإنعزالية . بمعنى آخر :
– الفردية = الخصخصة (Privatization) .
– المساواتية = الراديكالية (Radicalization) .
– التدرجية = البيروقراطية (Bureaucracy) .
– القدرية = التهميش (Marginalization) .
– الإنعزالية / الإستقلالية (الإنسحاب من الحياة) .
لتفسير هذا الفرض وتأكيده ، يعتمد المؤلفون على مصطلح ’’الشبكة- الجماعة‘‘، فـ”الجماعة” تشير إلى مدى اندماج الفرد في وحدات متماسكة ، وكلما زاد الإندماج ، خضع اختيار المرء لقواعد مفروضة عليه من الخارج ، وكلما كان نطاق تلك القواعد شاملاً وملزماً ، تقلّصت مساحة التفاوض المتاحة في حياة الفرد . فبُعد “الجماعة” يتناول مدى تأثير عضوية الجماعة في استغراق حياة الفرد ودعمها . أما “الشبكة” فهي القيود المفروضة إجتماعياً على السلوك . إن الحدود القوية للجماعة مع أقل قدر من القيود هي التي تفرز علاقات إجتماعية مساواتية .
– فردية = حدود للجماعة ضعيفة ـ قيود على الأفراد ضعيفة .
– تدرجية = حدود للجماعة قوية ـ قيود على الأفراد قوية .
– قدرية = حدود للجماعة ضعيفة ـ قيود على الأفراد قوية .
– مساواتية = حدود للجماعة قوية ـ قيود على الأفراد ضعيفة .
إضافة إلى اعتماد المؤلفين الأساسي على التفسير الوظيفي ، الذي تُعد فيه نتائج سلوك ما أو ترتيب إجتماعي ما ، عناصر جوهرية في أسباب ذلك السلوك . فبحسب ’’ماكس فيبر‘‘، ’’ينتشر الدين تبعاً للنتيجة النافعة‘‘. ودلالة الثقافة تتشكل من العلاقة بين مكوناتها (2). إن سمة التحليل الوظيفي في معالجته للسؤال : ’’من المستفيد ؟‘‘ ، فما هو وظيفي بالنسبة لبعض أجزاء المجتمع ، ربما يكون غير وظيفي بالنسبة للأجزاء الأخرى .
إن الإنحيازات الثقافية تقوم بتشكيل تفضيلاتنا على الدوام ، والعلاقات الإجتماعية يحافَظ عليها بتوليد تفضيلات تعيد بدورها إنتاج هذه العلاقات الإجتماعية . فالتفضيلات حول المخاطرة مثلاً ، يمكن شرحها من خلال الوظيفة التي تؤديها هذه التفضيلات لنمط حياة الفرد .
يمكن تلخيص النتائج التي توصل إليها المؤلفون بما يلي :
1. هناك خمسة أنماط للحياة ، فقط ، قابلة للنماء .
2. كل من هذه الأنماط يكون قابلاً للنماء ، فقط ، في حضور كل الأنماط الأخرى ، إن العلاقات العدائية أمر ضروري لاستمرار التعايش المشترك بين هذه الأنماط المختلفة ، بينما تؤدي العلاقات التبادلية [بينها] إلى نهاية المجموع .
3. يمكن تصنيف هذه العلاقات الجوهرية المتبادلة في حلقتين شديدتي الدوران ومترابطتين ، هما : الحلقة الأولية ، التي يقوم فيها كل من أنماط الحياة الأربعة بتحقيق أمور حيوية للأنماط الأخرى لا تستطيع تحقيقها لنفسها ، والحلقة الثانوية ، التي يستطيع فيها الإعتزالي أن ينسحب من كل أنشطة المعاملات الكثيفة التي تفرزها الحلقة الأولية .
4. كل نمط حياة مستقر على نحو دينامي [ إن الإستقرار لا يعني الجمود أو اللاحركة ، وعلى الأصح ، فإن الإستقرار يتطلب طاقة مستمرة وجارية لمجرد البقاء في الموقع ، فالتغير إذن هو الرفيق الدائم للإستقرار ] ، بمعنى أن حركة الأفراد للداخل والخارج هي بمنزلة شرط ضروري لبقائه عبر الزمن ، فالتغير :
– كلي الحدوث وداخلي .
– ضروري للإستقرار .
– ليس أحادي الخط ولا الإتجاه .
5. (إذا ما نظرنا فقط للحلقة الأولية) فإن هذه التحركات للداخل والخارج قد تتبع أياً من أشكال التحولات الإثني عشر الممكنة منطقياً .
6. إن المفارقات المتراكمة بين الوعد والأداء ، هي التي تقوم ، من وقت لآخر ، بإزاحة المرء عن نمط حياته .
إن مؤيدي كل نمط حياة ، يكوّنون غاياتهم بطريقة تجعل انحيازاتهم الثقافية ، تتلاقى مع أنماطهم المفضلة للعلاقات الإجتماعية ، وتعمل استراتيجياتهم (3) على تحقيق أهم الأمور بالنسبة لهم ، ألا وهو مؤازرة نمط حياتهم . بعد اختيار الأفراد لنمط الحياة ، يقوم نمط الحياة عندئذ بالإختيار للأفراد ، فالأنماط السلوكية المتولدة عن طريق نمط حياة ما ، تدعم ذلك النمط بدورها . إن تقسيم الذات أداة مهمة يتغلب بها الأفراد على سياقاتهم الإجتماعية المتعددة ، فالنزوع نحو الإتساق لا يقضي تماماً على التنوع في السياقات الإجتماعية للمرء وتفضيلاته .
كخلاصة ، نستطيع القول أن السمة المميزة لنظرية الثقافة هي أنها نظرية للتوازنات المتعددة . إن ما نعتبره مجالاً لنظرية الثقافة هو تفسيرُ كيفية اختيار الناس لأساليب حياتهم ، والنتائج التي تترتب على تلك الإختيارات .
هذا باختصار ، محتوى هذا الكتاب ، يبقى أن نشير بقليلٍ من التفاصيل ، إلى طريقة العرض التي اتبعها المؤلفون .
قسّم المؤلفون كتابهم إلى ثلاثة أبواب ، الباب الأول عرضوا فيه للنظرية ’’نظرية القابلية الإجتماعية- الثقافية للنماء‘‘ ، من خلال شرحهم للمفاهيم والمصطلحات المستخدمة ، ومن خلال تأكيدهم على أهمية التفسير الوظيفي ، واستخدامه في قولبة هذه النظرية .
في الباب الثاني ، تتبعوا خطى رواد السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا ، في استخدامهم لهذا التفسير [الوظيفي] ، مؤكدين أن كلاً منهم قد اعتمد عليه ، حتى أشد المعارضين له [ماركس مثلاً] .
انطلقوا بداية من “مونتسكيو” الذي يحلل في كتابه ’’روح القوانين‘‘ الطرق التي تؤدي من خلالها الأشياء – التي تبدو في مظهرها عديمة الغرض – وظيفة لدعم التكوين الأساسي للنظام الإجتماعي . أما “كونت” فقد افترض وجود علاقة اعتماد متبادل بين الأجزاء في النظام الإجتماعي . ويعتبر “سبنسر” أنه لا يمكن أن يكون هناك فهم حقيقي للبنية دون فهم حقيقي لوظيفتها ، فلكي نفهم كيف نشأت منظمة ما وتطورت ، من الضروري أن نفهم الحاجة وراء تلك المنظمة حين نشأتها وبعد ذلك .
ويقف المؤلفون فصلاً كاملاً على “دوركايم” (4) الذي له فضلٌ واضح في عدة مجالات ، على رأسها علم اجتماع المعرفة . فـ”دوركايم” يشير إلى أن أفكارنا حول العالم مستمدة من علاقاتنا الإجتماعية . ويجادل بأن الإجرام ليس كامناً في الفعل ذاته ، ولكنه بالأحرى يحدد إجتماعياً ، فلا ينبغي أن نقول إن فعلاً ما يصدم الضمير العام لأنه إجرامي ، ولكنه بالأحرى إجرامي لأنه يصدم الضمير العام . إن ما يضفي على الأحداث الصفة الإجرامية ليس هو الطبيعة العضوية للفعل ، ولكنه التعريف الذي يعطيه الضمير الجمعي له .
لن أذكر بالتأكيد كل عالمٍ في هذه العجالة ، لكن علينا ألا ننسى أن لكل عالمٍ من هؤلاء ، فضلا في تطوير التحليل الوظيفي ، ودفعه خطواتٍ إلى الأمام .
في الباب الثالث ، يُقيّم المؤلفون عملهم ، ويثبتون دقة ’’نظريتهم‘‘ ، من خلال مقارنتها بغيرها من الأعمال وتطبيقها على الميدان ، وعلينا ألا ننسى أن هذه النظرية تحاول أساساً شرح وتعليل التعدد السياسي داخل الأمة الواحدة ، والذي يعتبرونه أعمق من الإختلاف بين الأمم . فهم يحاولون تفسير لما يختار الناس أمام الطوفان ، كمثالٍ مبسّطٍ حول السلوك ، موقف [أنا ومن بعدي الطوفان (الفردية)] ، بينما يدافع آخرون عن مبدأ [النساء والأطفال أولاً (المساواتية)] ، أو [اتبع القائد (التدرجية)] ، بينما لا يزال آخرون يقولون [لا فائدة من كل هذا ، سوف أبقى هنا (القدرية)] .
وينهي المؤلفون الفصل الأخير (5) بالقول : ’’ولكن ما الذي يُعد دليلاً ضد نظريتنا ؟ على أسوأ تقدير ، فهو إظهار أن القيم لا تتقيد كثيراً بالعلاقات المؤسسية ، ولو كان نفس الإنحياز الثقافي ينمو في سياقات إجتماعية متباينة ، أو على العكس من ذلك ، أن الإنحيازات المتباينة توجد في سياقات إجتماعية متشابهة ، إذن لضعف إيماننا في نظرية الثقافة على نحو خطر . ولو وجدت دراسة تؤكد ، على سبيل المثال ، أن المعتقدات حول الطبيعة البشرية أو المادية ضعيفة أو منعدمة الصلة بكيفية تنظيم الناس لحياتهم ، لوضعت الإفتراضات الأساسية للنظرية محل تساؤل … وبالنهاية ، فإن نظرية الثقافة تقوم بما على النظريات أن تفعله‘‘. ويعني إثارة النقاش ، وإعمال الفكر للوصول إلى تأكيد أو نفي !!
الهوامش :
(1) أنظر : ميشيل تومبسون- ريتشارد إليس- آرون فيلدافسكي، (تموز / 1997) ، نظرية الثقافة ، ترجمة : علي سيد الصاوي ، الكويت ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، سلسلة عالم المعرفة / عدد 223 .
(2) الفصل الخامس عشر : أسئلة صعبة .. إجابات سهلة (411- 432) .
(3) بحسب ما يقول : رادكليف- براون ومالينوفسكي ، أنظر الفصل العاشر ، ص 290 .
(4) هناك خمس استراتيجيات منطقية هي :
1. عدم القدرة على إدارة كل من الاحتياجات والموارد ـ القدرية ـ
2. القدرة على إدارة الاحتياجات دون الموارد ـ المساواتية ـ
3. القدرة على إدارة الموارد دون الاحتياجات ـ التدرجية ـ
4. القدرة على إدارة كل من الاحتياجات والموارد ـ الفردية ـ
5. القدرة على تدبير الاحتياجات والموارد وحجم التشابك بينهما أيضاً ـ الإنعزالية ـ [إذ لا يحتاج إلا إلى الضئيل من الإثنين].
(5) الفصل السابع : دوركايم (223- 249) .
MERCI BIEN