لتحميل الكتاب أنقر فوق صورة الغلاف أو أنقر هنا
العنوان: مقام الجلوس في بيت عارف آغا
تأليف: رفعت الجادرجي
الناشر: رياض الريس للكتب والنشر
قراءة: آزاد أحمد علي
هل يمكن الانطلاق من وضعيات الجلوس وشكل المصنعات المنزلية من الأدوات والأثاث والفراش لفهم أكثر عمقاً لهوية المجتمع وبالتالي لخصوصياته الفنية والحياتية والسلوكية ؟ ربما كان هذا التساؤل هو الدافع من وراء محاولة الباحث رفعت الجادرجي لتأليف كتاب: “مقام الجلوس في بيت عارف آغا” والذي يعتبر أحد المحاولات الجادة للمعماري والمفكر العراقي رفعت الجادرجي التي تندرج في سياق الدراسات النظرية والتنظيرية النادرة التي تحاول تفسير الظواهر العمرانية وتأثيرها على صيغ الاجتماع البشري، وبالتالي الكشف عن طبيعة العلاقة بين أنماط البناء المتشكل تاريخياً وسمات المجتمعات المنتجة لها، فهذه الدراسات تعالج موضوع التأطير الحاصل للشكل الهندسي ـ المعماري وانعكاس الشكل المعماري على المضمون والوظيفة الاجتماعية للمنزل، وفي المحصلة تشكل دراسة المصنعات مفاتيحا ومداخلا لفهم طبيعة المجتمع نفسه.
ومن الأهمية في هذا السياق التركيز على الظواهر الاجتماعية والسلوكية كالجلوس، وضعياتها وأشكالها والأدوات المستخدمة في عملية الجلوس واشتقاق الأفكار والدلالات الأنثروبولوجية منها، لربط كل ذلك بمحيطه المعماري وبالتالي بالنسيج الاجتماعي. لقد جاء هذا البحث كأحد المحاولات الخاصة والمتميزة من حيث المعالجة والمدخل إلى هذا الموضوع الذي يربط بين سلوك الأفراد والفضاء المعماري الذي يغلفهم ويؤطر حياتهم المعاشية. إن الانطلاق من وضعيات الجلوس وترا تبييتها نحو فهم مجمل الحركة والوظيفة الاجتماعية والأسرية داخل المنزل التقليدي البغدادي هو في الواقع خطوة علمية جديرة بالاهتمام.
يقول الكاتب في هذا السياق: (( ولكن يقوم الحارس ويحرك موقع الكرسي إذا تطلب مقام الزائر ذلك. وموقع الكرسي قرب جدار ينثر ذرات بيضاء من الغبار، وهي عبارة عن أملاح تنثرها الجدران بسبب قدمها، فإذا كان الزائر هو السركال ” ممثل المالك في البستان والأراضي الزراعية ومسؤول عن إدارتها وتحصيل الوارد” مثلاً، وهو في انتظار مقابلة وصفي أو رؤوف المسؤولين عن المزارع وإدارتها وحساباتها، عند ذاك يقوم الحارس بتحريك الكرسي إلى موقع في منتصف الحيز تحت الطارمة / الشرفة المسقوفة، بعيداً عن الجدار. فيمنح الكرسي بهذه الحركة موقعاً أرقى مقاماً، يتناسب مع مقام السركال، بالمقارنة مع الجلوس على الدكة أو الكرسي الملاصق للجدار)) .
الدراسة تنطلق من الجذر التاريخي ـ الاجتماعي للعائلة، عائلة عارف آغا في بغداد، ومن تشابك وتعقيدات الحياة داخل هذا النموذج من المنزل البغدادي، وذلك لفك شبكة العلاقات الفراغية داخل المنزل بالتوازي مع الوظيفة الاجتماعية المنوطة بكل ركن ( المضافة، المطبخ، غرف النوم، التنور، البستان )
إن الممارسة اليومية لشؤون الحياة والمعيشة داخل المنزل ودور كل فرد ووظيفته وإحداثيات جلوسه أو نومه وسكونه داخل جغرافية المنزل هو مؤشر على مقامه وعلى تراتبيته على السلم الاجتماعي التقليدي داخل العائلة.
وعلى اعتبار أن موضوع الربط بين التراتبية الاجتماعية ومقام الجلوس مازال عائماً ورجراجاً نجد أن الكاتب قد استطرد كثيرا للتحدث عن الأسرة ودور الأب التاريخي في قيادتها وعن الأم ومعاناة الأنثى، ليستعين بها لمؤازرة التفسير التاريخي ـ الأنثروبولوجي لشكل ونمط المنزل البغدادي ولإعطاء صورة جديدة للدراسات المعمارية غير النمطية التي تعالج الموضوع المعماري ـ الاجتماعي بعيداً عن التصوير الوصفي ـ السياحي الدارج، وربما لكي يتحاشى هذا التصوير والوصف، لأنه حتى لو حدث لن يأتي لصالح المنزل البغدادي الأرستقراطي التقليدي “منزل عارف آغا نموذجاً ” حيث يبدو لأي متخصص أن المنزل البغدادي فقير ومتواضع بالمقارنة مع المنزل الحضري في كل من حلب ودمشق والقاهرة وإستانبول وغيرها من حواضر المشرق، وذلك في ظل تواضع الزينة والزخرف والحلي المعمارية، كما أن مادة البناء تبدو أقل ثراء من ما يوازيها في الحواضر العربية والإسلامية.
وعلى الرغم من بعض الملاحظات نؤكد على أنه ليس من السهولة التأسيس لهكذا أبحاث نظرية وتنظيرية تختلط فيها الذكريات والانطباعات الشخصية مع التحليل العلمي التاريخي المثقل والمنضوي تحت سطوة الأيديولوجيا المادية التاريخية.
وكمحصلة يعتبر هذا البحث ـ الكتاب جهد علمي متميز وجديد. ومن المفيد اعتماده كانطلاقة لمشاريع أكثر عمقاً وشمولاً في مجال فهم علاقة المجتمع ـ الفرد مع محيطه الاصطناعي عموماً ومع العمارة والأثاث المنزلي بشكل خاص ووضعيات الجلوس بشكل أكثر تخصيصا.
ــــــــــــــــــــ
عن المؤلف
السكـــن في العمـــارة، غيب عنــــا تأثيث الفضـــاء وأنســـانا الكثيـــر من فـــن العيش المشتـــرك. ليتنـــا ما عشنـــــا هذه الوضعيـــة الغـــريبة عنـــا والتي حـــولت الجـــوار عمـــوديا، بعــــد أن عـــرفناه وخبـــرناه أفقيـــا.