صدور كتاب جديد تحت عنوان “حرفيون بالوراثة” للدكتور صلاح الدين أركيبي
صدر حديثا عن مركز الدراسات الصحراوية بالرباط، وبدعم من وكالة الجنوب والمكتب الشريف للفوسفاط وكلية الآداب محمد الخامس بالرباط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، دراسة بعنوان “حرفيون بالوراثة” للدكتور صلاح الدين أركيبي، والتي تعتبر وبشهادة عدد من الباحثين الأولى من نوعها حول “مجتمع الصناع”، تتسم بالجرأة ومثيرة للاهتمام. ولعلها تمثل أيضا اضافة نوعية للمكتبة الوطنية تستحق القراءة.
وفي مايلي ملخص الدراسة:
منذ مئات السنين عُرفت الأقاليم الجنوبية للملكة المغربية بتخصص فئة اجتماعية في مجال الحرف التقليدية تحمل اسم “لمْعَلْمِينْ” أو “صّْنَّاعْ”؛ فمن جيل إلى جيل تناقل هؤلاء أصول الصنعة وأسرارها وكذلك طقوسها داخل مجتمع البيضان. من الناحية التنظيمية لم يكن “صناع” الصحراء مرتبطين بشيخ للصنعة كما كان عليه الحال في بعض المناطق الأخرى من المغرب ودول الجوار وأيضا بمصر والشام وجزيرة العرب، وإنما كانوا يشكلون مجموعة من العائلات الحرفية الموزعة بين مختلف القبائل. وكما هو الشأن في مجمل أنحاء عالم البيضان، وأيضا عند العديد من المجموعات الإثنية المجاورة ، كونت هذه العائلات الحرفية مجموعات مغلقة تحمل بعض خصائص وصفات نظام الطوائف الهندي.
وقد تفاجؤون بما تجود به قريحة “الصناع” و”الصانعات” من منتجات متنوعة تعبر عن سحر الثقافة المادية الحسانية وذوق المجتمع البيضاني عامة والصحراوي خاصة، حيث تشهد الثقافة المادية والروحية الصحراوية المجسدة في المنتوجات الحرفية على رفاهية هذه الحضارة الترحالية، فالقيام بإلقاء نظرة عامة على هاته المنتوجات تعطينا لمحة عن تنوع الإبداع في هذا المجال، الذي يشد أنظار الباحثين والدارسين، ويجعل الملاحظ يحترم ويقدر كل هاته الأشياء، التي تثير الفضول لاكتشاف أسرارها، فعلى مر القرون أبدعت أنامل الحرفيين منتوجات حرفية وتحف فنية غاية في الجمال والروعة. وبشكل استثنائي، لا زالت تعبر منتوجاتهم عن عمق ثقافة البدو الرحل التي أضحى صوتها خافتا يعبر عن ثقافة الأقليات التي في طور الهلاك.
إن الذي لا تاريخ له في الحرفة لا يمكنه أن يتعلمها تقول “دومينيك كاساجوس“ Dominique Casajus في معرض حديثها عن الأفكار السائدة عن حرفيي الطوارق “الإيناضان” وهو قول ينطبق على حالة فئة “الصَّنَّاعْ”، فسؤال الأقدمية بالنسبة لهم جد أساسي وأيضا عند باقي فئات المجتمع الأخرى، فالذي تنحدر أصوله من هذه المجموعة الحرفية سواء أكان يمارس نشاطا حرفيا أم لا، يملك المؤهلات الضرورية وله الاستعدادات الداخلية التي تجعله قادرا على تعلم فنون الصنعة بكل سهولة، وهو الشيء الذي لا يملكه الآخرون، لكون هذه الموهبة متوارثة دمويا حسب الاعتقاد السائد، وتبعا لذلك يعتبر “الصَّنَّاعْ” الورثة الشرعيين لتقنيات التصنيع داخل المجتمع البيضاني عامة والصحراوي خاصة.
ويمكن اعتبار هذا الكتاب، بصفة عامة، محاولة لتغطية بعض جوانب القصور المتعلق بتسجيل جزء من الذاكرة السوسيو-ثقافية المرتبط بشكل وثيق بمجال الحرف التقليدية، من خلال رصد أهم أشكالها والمواد والأدوات والتقنيات والرموز المتصلة بها، أي توثيق جزء من الثقافة التقليدية المادية التي تعكس البناء الاجتماعي والتقاليد والأعراف والقيم الثقافية البدوية بجنوب المغرب وأرشفة عناصرها. وهناك جانب آخر لا يقل أهمية عما سبق يتعلق بمحاولة إحياء الدلالات السوسيولوجية لعناصرها، وكذلك الوقوف عند وسائل وطقوس نقل الخبرة لدى أبناء فئة “صَّنَّاعْ”، مع الانفتاح على الأبعاد الأنثروبولوجية المتصلة بمنتوجاتهم.