عنوان الكتاب : المغرب والتجارة العابرة للصحراء من القرن 15 إلى القرن 18
المؤلف:الحسين عماري
مقدمــة المؤلف
لم تشكل الصحراء أبدا حاجزا طبيعيا أمام تطور العلاقات بين المغرب وعمقه الإفريقي، بل ساهمت في نسج صلات متينة ووشائج عميقة بين الجانبين المغربي والسوداني، إذ شكلت بفضل موقعها المتميز كملتقى لطرق التجارة العالمية مجالا حيويا ومنطقة تحول وصلة وصل بين ضفتيها الشمالية والجنوبية، وظلت دوما حاضرة في مجمل التطور الذي عرفه المجتمع المغربي.
وقد تم هذا التواصل عبر قنوات مختلفة، أهمها التجارة العابرة للصحراء التي كان لها حضور وازن وفاعل في تاريخ المغرب الحديث، بحكم موقعها داخل التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عرفها، ومساهمتها في بلورتها وتأطير العديد منها.
وبالنظر إلى الدور الهام الذي ظل هذا النشاط يلعبه لمدة طويلة في حياة البلاد وهويتها على مستويات مختلفة من خلال مساهمته في صنع الأحداث والوقائع التي عرفتها، وتحكمه في مسار المغرب السياسي وعلاقاته مع القوى المجاورة، من أتراك، وبرتغال وإسبان، وممالك سودانية…، يروم هذا البحث الكشف عن الجوانب التالية:
- إبراز الدور الفاعل الذي ظلت التجارة العابرة للصحراء تلعبه في حياة البلاد وتفاعلاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، من خلال مقاربة بنيتها والتساؤل حول طبيعتها والبحث في مكوناتها والعناصر المتفاعلة داخلها، حيث تطرق للمحاور التجارية العابرة للصحراء، والأهمية البالغة التي اكتستها بالنسبة للعلاقات التجارية التي جمعت بين المغرب وبلاد السودان والعوامل التي تحكمت في رسمها، وما عرفته من تحولات في المكان والزمان.
- تسليط الضوء على المراكز التجارية التي امتدت على طول وأطراف المحاور التجارية العابرة للصحراء، مبينا الأهمية القصوى التي حظيت بها في العلاقات التجارية التي جمعت بين ضفتي الصحراء بفضل الأدوار المختلفة التي اضطلعت بها في تلك العلاقات، مصنفا هذه المراكز إلى ثلاث مجموعات كبرى، مراكز شمالية، ومراكز صحراوية، وأخرى جنوبية/سودانية.
- تحديد الإطار المنظم للتجارة من خلال إبراز دور كل طرف من الأطراف المشرفة على تنظيم هذا النشاط من مخزن وتجار، وزعامات محلية، كما اهتم برصد تقنيات التبادل التجاري بين المغرب وبلاد السودان والتنظيم الذي خضع له هذا النشاط.
- دراسة المواد التجارية التي تم تبادلها بين الجانبين المغربي والسوداني، مع التركيز على مادتي الذهب والعبيد وميز في هذه المواد بين المحلية المغربية أو الصحراوية، ومواد أوربية، وأخرى شرقية، كما أوضح المكانة الخاصة والمتميزة التي احتلها كل من الملح والذهب في هذه العلاقات.
- التطرق لظاهرة الاسترقاق معرفا بها ومقدما فكرة موجزة عن مراحل تطورها، كما قام برصد تجارة الرقيق والعوامل الخارجية التي كانت وراء استفحالها، مع إبراز موقع الرقيق ضمن التجارة العابرة للصحراء وظروف نقل العبيد نحو المغرب وتسويقهم، والآليات المتحكمة فيه، من أسعار وما خضعت له من شروط ومقاييس، وأسواق ومراكز بيع العبيد، مع إبراز موقف الفقهاء من هذا النشاط والتجاوزات التي عرفها.
- إبراز علاقة التجارة العابرة للصحراء بالدولة والمجتمع المغربيين، وكيف أنها شكلت بالفعل إحدى الدعائم الأساسية التي ارتكزت عليها الدولة المغربية، ومصدرا من مصادر قوتها، حيث تحكمت في صنع هوية وتاريخ المغرب الأقصى وتحديد مساره ومنعطفاته الكبرى بفضل التأثير الواضح على نسيج مجتمعه ومنظومته الحضارية إذ ساهمت في تنشيط اقتصادها وتوفير مداخيل لخزينتها، كما كانت وراء ظهور بعض الظواهر الاجتماعية، وحدوث تحولات لدى بعض الشرائح الاجتماعية، وانصهار في الدماء المغربية /السودانية ، وتنوع في تشكيلات البلاد الاجتماعية، ناهيك عن كونها كانت حاضرة بقوة في التفاعل الحضاري الذي تم بين المغرب وبلاد السودان، إذ كانت بمثابة أداة لتمرير ونقل القيم والأفكار الثقافية بين البلدين، وحدوث تمازج وتلاقح بينهما مما سمح بتعدد وتنوع الثقافة المغربية.
- الإجابة على الإشكالية التي تم طرحها في البداية، والتي تم من خلالها التساؤل عن عدم مساهمة التجارة الصحراوية في خلق التوازنات المالية الضرورية لتطوير بنيات المغرب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وعدم تمكن هذا الأخير من الإقلاع في وقت عرفت فيه أوربا تحولات عميقة، وذلك من خلال إدراج مجموعة من الآراء والتفسيرات المبررة لذلك.
- إبراز الحضور الوازن الذي ظل هذا النشاط يحظى به ضمن علاقة المغرب مع القوى المجاورة، من أتراك وبرتغال، وإسبان وممالك سودانية.
وفي ختام هذه المقدمة، يسرني أن أقدم للقراء هذا العمل الذي أتمنى صادقا أن يكون نافعا ومفيدا لهم وللأجيال المقبلة.
والله أسأل التوفيق والسداد.