«الصورة حكاية أنثروبولوجية» عنوان كتاب هام لموضوع بحث ودراسة تهتم بالتعريف بفضاء أنثروبولوجي واعد (الانثروبولوجيا المرئية) كما تمثل خطوة تجديدية في مجال قراءة الصورة وهذا الكتاب صدر مؤخرا عن دار التنوير للطباعة والنشر تونس، ويقع في 232 صفحة من القطع المتوسط وهو من تأليف د. علاء جواد كاظم.
ومما جاء في كلمة الإهداء: إذا كان بين هذه الأوراق ما يستحق الإهداء فسيكون باعتزاز بالغ الى الإنسان الطيب الذي يسكن هذه الصور.. الإنسان الذي تمتزج نظرته الى العالم بعناء لا محدود.. الإنسان الذي لم يعدْ يقوى على الخروج من مجالات الصورة وأطرها الثقافية والاجتماعية.
ما يميز الصورة عن الحكاية
في تصدير لهذا الكتاب لـأ. د. علي عبد الأمير ما يشير له بالخصوص ان ما يميز الصورة عن الحكاية إنما يتجسد في طبيعة اللغة المستخدمة في سرد الأحداث، ففي الوقت الذي تكتب فيه الحكاية المقروءة، أو المسموعة، بلغة لا يفهمها الا المتحدثون بها، فإن الحكاية التي تقدمها الصورة غالبا ما تكون مفهومة من قبل الجميع، بمعنى أنّ للصورة لغة عالمية لا تحتاج معها الى ان يترجمها، والى تعدد الجوانب التي تعرض لها هذا الكتاب، فإنها تنتظم لتقدم معالجة أنثروبولوجيا للصورة بوصفها مرئية، بذل في إخراجها وتقديمها الكاتب الدكتور علاء جواد كاظم جهدا متميزا واستثنائيا في الوقت نفسه.
كما قدم المؤلف في مقدمة مبحث دراسته يقول: تنطوي هذه الدراسة على محاولة الدفاع عن حقيقة أن الإنسان تيمة أساسية لوجود عادل، ورغبة في الوصول إلى نقطة ضوء تستبد بها عتمة مجتمع تقليدي، كما أنّها مقابلة ندية للقسوة التي شكلت هاجسا عميقا في نفس الباحث للكشف عن التفاصيل الصغيرة الشاردة من أفق الرؤية والمتخفية عن رصد النظرة.
وبمقدار ما شكّلت الصورة تحديا خطيرا للإنسان ولعلمه (الانثروبولوجي) يمكنها أن تؤسس الآن مدخلا مهما للمواجهة، وهو بالطبع مدخل انثروبولوجي يعترض على تحييد الصورة وتهميش فعاليتها، داعيا الى تفعيل حقيقة أنها (الصورة) تشكل دعما لأقدارنا حول إمكانية إعادة بناء العالم من حولنا اثنوغرافيا وتحويله الى نصّ، أو خطاب، يمكن قراءته وتفكيكه من قبل المختصين في كل زمان ومكان، فالصورة التي تمثل قبل كل ذلك، أداة أنثروبولوجية خطيرة لفهم
الإنسان وأفعاله وسلوكياته الواعية واللاواعية في حياته عندما تستقر، وتستجمع نفسها وعناصرها وقواها، في القطاع اللاواعي من العقل البشري، تمارس تأثيرا عميقا على سلوكنا، وعلى رؤيتنا للعالم فضلا عن ذلك هي تؤثر في نظرتنا إلى أنفسنا وحتى في تقييمنا للحقيقة وبمرور الوقت باتت قدرتنا على التفكير من دونها شبه مستحيلة، ذلك أن حضورها في شتى مجالات الحياة جعلها تأخذ دورا أساسيا في تشكيل وعينا وتفصيلاته الذهنية وتعلق روحنا بتواردها الساحر، فـ«الروح مشدودة الى الصورة ولا تفكر من دونها» حتى باتت محاولات الانسان المعاصر لفهم العالم من خلال لغة الشكل والصورة نمطا ذهنيا واتجاها تفسيريا سائدا.
كما يؤكد المؤلف قوله حاولت أن أقدم تحريرا للصورة نفسها لكي تقول ما ترغب بقوله وأكثر، وتكشف عما لا يكشف عنه عادة في الدراسات التقليدية عن المجتمع العربي، التي تناولت كل ما ليس له علاقة بالانسان، وتنكرت للانسان نفسه.
لقد جاهدت هذه الدراسة كثيرا لتحقيق درجة ما من الموضوعية المستحيلة في رصدها للحركة الذاتية (للكائن الانساني) التي هي الاخرى مهمة تبدو مستحيلة. ويتوزع الكتاب الى خمسة فصول.
ففي الفصل الاول يبحث المؤلف في دراسته موضوع الانثروبولوجيا (Anthropology) في اشتقاقه الى الأصل اليوناني (Anthropos) اي الانسان، والكلمة (logy) تعني (العلم) من هنا يكون المعنى اللغوي لها: الدراسة العلمية للانسان، وتجدر الاشارة إلى أن هذا التوصيف الكلاسيكي ظل شائعا، ومن ثم مصدرا لتعريب المصطلح في الدراسات العربية على أنه (علم الإنسان).
إن مصطلح (الانثروبولوجيا) مصطلح شامل وواسع إذ يشمل دراسة الموضوعات المختلفة، كالتطور البيولوجي والحضاري للإنسان، والمبادئ التي تحكم التفكير البشري…
صورة… وصف
ويشير المؤلف أن هذه الدراسة تسعى إلى تقديم تطوير معرفي لمستوى التفكير الإبداعي (للصورة والانظمة الدلالية والبصرية) لدى طلبة الجامعات العربية بشكل عام ، الأمر الذي سيساهم في وضع مقترحات علمية وعملية في العمل على تنميته وتوسيعه ذلك أن الصورة وبناء القدرة على قراءتها من شأنه أن ياخذ دورا في إتاحة الفرصة أمام خيال الطالب والباحث على حد سواء، لأن يفكر في اتجاهات متعددة للواقعة أو الحدث الموثقة في الصورة.
في الفصل الثاني تناول المؤلف موضوع الحكاية الأنثروبولوجية موضّحا قوله صار من المألوف حضور الصورة والوصف وتقنياتهما في النصوص الانثروبولجية والعنصران الأخيران يمثلان صلب موضوع الحكاية، بل الفعل المركزي فيها.
وتشكّل الصورة في التوصيف العام للانثروبولوجيا أعلى مراحل الوصف الإثنوغرافي الداعم للدراسات الميدانية، إذ تعتبر إلى جانب الوصف كإحدى الدعمات الأساسية للتيار الحداثي في الانثروبولوجيا إلى جانب الوصف، فهي أدوات للتعريف بالمكان على نحو موضوعي وابداعي خلاق، وهي من التقنيات المتطورة التي تعتمد على بناء واقع تعبيري للمكان ومكوناته ولأن (الصورة الفوتوغرافية) تشكل المحور الأكثر أهمية في العملية الانثوغرافية فقد اعتبرت «مصدرا موثقا له وزنه في جمع المعلومات الميدانية والبيانات الأولية».
بينما في الفصل الثالث تطرق المؤلف إلى موضوع الانثروبولوجيا المرئية وأورد أن الأنثروبولوجيا المرئية تشكل ميدانا حديثا نسبيا من ميادين التخصّص الأنثروبولوجي وموضوعها واسع ومتنوع، فهي تتناول الابعاد البصرية للسلوك الإنساني.
كما تتولى تطوير الوسائل البصرية التي تزداد كل يوم حدّة وتعقيدا بهدف توظيفها في البحث الانثروبولوجي وكذلك استخدام منتجاتها البصرية من صور وأفلام في التبادل الثقافي.
وتنطوي الإنثروبولوجيا المرئية على أنماط ثلاثة من النشاط هي:
ـ أولا: الاستقصاء الاثنوغرافي الذي يقوم على تقنيات التسجيل المرئي والمسموع.
ـ ثانيا: استخدام هذه التقنيات في عملية التدوين والكتابة انتهاء بالنشر.
ـ ثالثا: دراسة الصورة بالمعنى الواسع (صور فوتوغرافية تصويرية، أفلام ، فيديو) بوصفها موضوع بحث.
الفصل الرابع قبل الأخير فقد تعرض المؤلف إلى أسس الدراسة الانثوغرافيا والتوثيق الفوتوغرافي لدى مارغريت ميد والذي يخص بالذكر أن مارغريت ميد (1901 ـ 1978) واحدة من أكثر علماء الانثروبولوجيا الثقافية شهرة في الولايات المتحدة الأمريكية لما لها من تأثير امتد إلى أوروبا وبلدان أخرى. وقد نالت شهرتها من ثلاث إضافات أساسية قدمتها للانثروبولوجيا الثقافية هي:
1 ـ لقد أولت اهتماما خاصا بدراسة موضوع الثقافة والشخصية.
2 ـ مما يؤكد أن هذه العالمة هي التي وضعت الأسس لبناء وتأسيس هذا الإتجاه الجديد للانثروبولوجيا المرئية.
3 ـ لقد أجرت مجموعة من الدراسات الاثنوغرافية التي وثّقتها بالصور والأفلام وضعتها في مجموعة من الكتب الأساسية التي باتت مشهورة جدا في العالم.
وأما الفصل الخامس والأخير فقد تناول فيه المؤلف
معاينات مونوغرافية
ومن خلال الألبوم الأثنوغرافي للصورة وألبوم صور اعتمد المؤلف على توثيق مجموعة من الصور المختارة وعمد إلى ارداف كل واحدة منها بالحكاية التي توحي بها.
وألحق في آخر الكتاب بالمصادر الأساسية التي أستند لها المؤلف مراجع دراسته.