الفرد والمجموعة والبناء الزعامي للظاهرة السياسية
للدكتور المولدي الأحمر
بقلم : مؤلف الكتاب
موضوع الكتاب و أسئلته
الموضوع العام لهذه الدراسة هو الجذور الاجتماعية للدولة الحديثة في ليبيا. والموضوع الدقيق الذي اشتغل به صاحب البحث هو الكيفية المتعددة الآليات والأشكال والرموز التي كان الأفراد والمجموعات يبنون بها الظاهرة السياسيّة في ليبيا خلال القرن 19، والمسارات الاجتماعية الداخلية والخارجيّة، المتنوعة واللاّيقينية التي عرفتها هذه الظاهرة وتولّدت عنها في منتصف القرن العشرين “دولة ليبية حديثة”. وظاهرة نشأة “الدولة الحديثة” مازالت في البلاد المغاربيّة والعربيّة عموما، كما في كثير من مناطق العالم الأخرى ( و هو ما تبينه المقارنة التي يقوم بها الباحث في أطروحته –الفصل الأخير- بين المثال الليبي و المثال المغربي)، بمثابة اللّغز الذي تستعصي عناصره عن التفكيك والتفسير والفهم. هل تعدّ الدولة في هذه البلاد حديثة وبأي مقياس؟ وما معنى أن تكون الدولة حديثة ومتى تصبح كذلك، وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر فيها لنقول إنها حديثة؟ ما الذي يفسّر في البلاد المغاربيّة أننا نتحدث الآن عن وجود دولة حديثة دون الإقرار بوجود الحداثة السياسية؟ هل يمكن وجود أحدهما دون الآخر؟ ثم ما هي الرهانات المعرفية و الإيديولوجية التي تكمن وراء طرح سؤال الدولة الحديثة في حد ذاته ؟
الموضوع في سياقه المعرفي
بالنسبة للحالة المغاربية والعربية عموما، ظلت أجوبة العلوم الإنسانية على هذه الأسئلة: إما سجينة فرضيات ” العلوم الاستعمارية” ومفاهيمها ، وإما سجينة إيديولوجيا الوطنية والقوميّة، أو تعاني من أزمة النماذج النظرية الكليّة التي اعتمدت في وصف وتحليل الحياة الاجتماعية لسكان هذه المنطقة وفي كتابة تاريخهم.
لقد انتهت مرحلة “العلوم الاستعمارية” تقريبا بنفي وجود هذه الدولة في التاريخ المغاربي قبل الاستعمار. لقد كان الإطار الذي اشتغلت فيه استعماريا، وكانت وظيفتها غير المباشرة تبرير هذا الاستعمار، و تبرير الاستعمار استدعى إثبات وجود الفراغ السياسي أي الحضارة، والحضارة كانت هي الحداثة الأوربية.
و في المقابل دفعت الايدولوجيا الوطنية بالمؤرخين وعلماء الاجتماع المغاربيين إلى محاولة تفنيد الطروحات الاستعماريّة عبر إثبات: أولا أن الدولة قديمة في بلاد المغرب العربي، وثانيا أن الكيانات السياسيّة الحالية على الأقل في تونس والجزائر والمغرب وليبيا، بدأت باكتساب خصائص الدولة الحديثة (السلطة المركزيّة والمجال الترابي شبه الثابت) قبل مجيء الاستعمار بفترة، وأن هذا الأخير لم يقم في حقيقة الأمر إلاّ بتثبيت هذا الواقع.
أمّا أزمة النماذج النظريّة الكليّة، وبالتحديد الانقساميّة – ذات الجذور الدوركايمية – والماركسية وإلي حدّ ما الفيبرية ( كما طبقت على الحالة المغاربية)، فقد بدأ يظهر قصورها في عمليّة مشاهدة الظاهرة السياسيّة، والدولة تحديدا، لا فقط لأسباب منهجية لعلّ أهمها شدّة ارتباط هذه النظريات – على مستوى أدوات التفكير – بالتجربة التاريخية الأوربيّة بشقيها الداخلي والاستعماري الخارجي، وإنما أيضا لأسباب عمليّة ربّما أكثرها استفزازا ما كشفته أزمة الجزائر والحرب على العراق من هشاشة العلاقة بين الدولة الوطنية التي شيدت وفق المنظور السياسي الحديث (في الشكل على الأقل) من جهة، ومن يفترض أنهم “مواطنون” من جهة أخرى.
إنّ المشروع الذي نقترحه هنا هو التفكير في إشكالية “الدولة الحديثة”، كما تطرحها الدولة الليبية والتجربة المغاربية عموما، من خلال محاولة التحرّر المنهجي من مشكلتين أساسيتين هما:
– الغشاوة التي تبسطها المقاربات الكليّة على خصائص اشتغال الظاهرة السياسيّة وآلياتها على المستوى الميكروسوسيولوجي. ونرمي من وراء نقل المشاهدة إلى هذا المستوى إلى إعادة تركيب أسس هذه الظاهرة بما يساعدنا على إضاءتها بأفكار جديدة.
– غموض العلاقة الإدراكيّة، إن صحّ التعبير، التي نشأت في السياق المعرفي الأوربي بين أدوات التحليل والتأويل، من جهة، و دينامية التجربة الحضارية (النموذج وإيديولوجيته التوسعية)، من جهة أخرى. وأملنا هو أن نتخلصّ إلى حدّ مقبول من مشكلة التفسير بالغياب، و من حالة الإرباك المنهجي الذي يحدثه استخدام فرضيات بحث كبرى مثل البيروقراطية أو الباترمونيالية أو الطبقة أو غيرها خارج السياق التاريخي والمعرفي الذي نشأت فيه.
الفرضية الأساسية للدراسة
تقوم الفرضيّة الرئيسية التي يحاول هذا البحث مناقشتها على فكرة أن نشأة ما يسمى “الدولة الحديثة” في ليبيا، خلال القرن التاسع عشر والنصف الأوّل من القرن العشرين، جرى وفق ما كان يحدث من تغيرات على مستوى الشروط الاجتماعية الماديّة والذهنية، التي يرتبط بها الفاعلون الاجتماعيون (كموضوع لها وكذات فاعلة فيها) و يبنون على أساسها الوحدات السياسيّة التي يمارسون من خلالها نشاطهم السياسي بأبعاده الماديّة والفكريّة المختلفة. ونقصد بذلك أن البحث في عناصر الحداثة في الظاهرة السياسية في البلاد العربيّة عموما وليبيا تحديدا في تلك الفترة، لا بدّ له من إخضاع الظاهرة إلى الاختبار الذي يفترض أنه بقدر ما تتغيٍّر( كمّا وكيفا) وتتوسع شروط صناعة الوحدة الاجتماعية- السياسية (سنستخدّم مفهوم المجموعة السياسية للتعبير على ما نعنيه بهذه العبارة)، التي هي عماد الممارسة السياسية، وكذلك بقدر ما تتوسّع وتتغير أدوات المجموعة في تنشئة الأفراد، بصفتهم الفاعلين الاجتماعيين الذين يلعبون دورا مميزا في بناء هذه المجموعة، بقدر ما يحدث توسّع وتغيّر كمي ونوعي في الظاهرة السياسيّة، وبالتالي في بلورة ما نسميّه عناصر الحداثة السياسيّة كما يتجلّى ذلك في ظاهرة بروز مؤسسة الدولة الحديثة.
من الناحية الإجرائية تعني هذه الفرضية أن الوحدات الاجتماعية التي اعتبر الأنتربولوجيون والمؤرخون أنها تشكل الأسس الأولية التي قام عليها نسيج الحياة الاجتماعية لسكان البلاد المغاربية في فترة ما قبل الاستعمار (العائلة، الدوّار، المحلّة، الزنقة، القبيلة، القرية، الطريقة الصوفية، البلاط…) ليست إلاّ مجموعات اصطناعية نسبيّة، مختلفة الأشكال و غير ثابتة، يلعب الأفراد في بنائها دورا يعادل الدور الذي تلعبه هي في تشكيلهم. وتأخذ هذه المجموعات صفتها الاصطناعية ( يرتبط تشكلها بالسياق وبفعل النشطين السياسيين وبخبرتهم في هذا الميدان مما يجعل منها شيئا تاريخيا ولذلك نستخدم هنا كلمة اصطناعية) من طابعها السياسي الذي يسهر على تغذية وصيانة ديناميته أفراد متميزون، هم الزعماء الذين يختلفون في خصائصهم ومرجعياتهم وقوّتهم وأهدافهم واستراتجياتهم باختلاف المجموعات التي يتزعمونها.
و من ثم فإنّ الظاهرة السيّاسية هي قبل كل شيء بناء زعامي. و نعني بالبناء الزعامي للظاهرة السياسية أن تشكّل المجموعات، التي هي عماد النشاط السياسي، يجري غالبا وفق مبادئ تقوم على بروز الزعيم( سنشرح هذا المفهوم)، الذي يعمل بدوره على تمتين علاقة زعامية بمجموعة الأتباع والأحلاف و الزبائن والمغلوبين التي يقودها. وفي المثال الليبي، وينسحب هذا بتفاوت على الحالة المغاربية، تنافست تاريخيا على بناء الظاهرة السياسية ثلاثة أصناف من الزعامات : في الريف الزعامة البدوية المحاربة والزعامة الدينية الطرقية ، و في المدينة الزعامة العسكرية البيروقراطية. وينتج عن البناء الزعامي للمجموعة السياسيّة دينامية ذات ملامح محددة أساسها تشكل زعامة مميّزة تسهر على إبراز ذاتها وتكثيف رموزها، وذلك من خلال السعي إلى احتكار الموارد المساعدة على إعادة إنتاج هذه الزعامة، والعمل على إعطاء المجموعة التي تسندها هوية خاصة تخرجها، إن ظرفيا أو بشكل أكثر ديمومة، من حالة العمومية إلى حالة التميّز.
وفي المثال الليبي وما شابهه من التجارب يشكل النموذج السياسي الزعامي تاريخيا أساس الظاهرة السياسيّة وبالتالي أساس الدولة. ومن هذا المنظور فإن الدولة الزعامية، كما تجلت في الحالة الليبية على الأقل إلى حدود الثلاثينات من القرن 19، هي دولة تقودها مجموعة زعامية اكتسبت القدرة على جلب واحتكار أهم الموارد الماديّة والرمزية التي تسمح لها: أولا بإعادة إنتاج ذاتها كمجموعة زعامية تحتكر الدولة، وثانيا بالتحكم النسبي في دينامية المجموعات السياسيّة المنافسة وذلك ضمن مساحة جغرافية سياسية ضبابية.
ويشكل هذا النسيج نسقا سياسيا يرتبط فيه الجميع بعلاقات متنوعة ومعقّدة تقوم: أوّلا على الاشتراك في نفس الثقافة السياسيّة التي تمجّد الزعامة ولا تتمثل وجود الكيانات السياسيّة إلاّ في شكل مجموعات زعامية مستقلة نسبيا. ثانيا على غياب الشروط الموضوعية المادية والإيديولوجية التي تسمح لمثل هذه الدولة بالتنكّر لهذا الواقع ونفيه بشكل حاسم. ومن ثم فإن مجال دينامية الدولة الزعامية، ببعديه السياسي والترابي، مجال ضبابي الحدود وهش التوازنات ومتعدد الديناميات والطاقات.
لقد كانت هذه حالة ليبيا في بداية القرن التاسع عشر. ويمكن القول بأن كامل الفترة التي عاد فيها العثمانيون الأتراك – بعد انهيار الحكم القرمانلي في طرابلس سنة 1835- إلى حكم البلاد المباشر، وكامل الفترة الاستعمارية الايطالية التي امتدت من 1911 حتى الحرب العالمية الثانية، كانت عبارة عن حرب ضد النموذج الزعامي الذي ذكرناه. وبما أن هذه المعركة كانت معركة مصالح أكثر منها معركة مبادئ، فإن عنوانها الأساسي كان التكيّف المتبادل بين النموذج السياسي الوافد، في نسختيه العثمانية والأوروبية الايطالية، والنموذج الزعامي المحلّي.
و لقد ظهرت النتيجة الحاسمة لهذه التجربة في منتصف القرن العشرين عندما أفضت حركة التحرير الليبية سنة 1951 ، بمساعدة خارجية نشطة، إلى ولادة دولة زعامية جديدة، أساس حداثتها قيامها على محاولة مكثفة لإعادة ترتيب شروط بناء المجموعة السياسية وفق مبادئ تعتمد في المقام الأول على مركزة واحتكار إنتاج الزعامة.
مفاهيم الدراسة
الفرد .خلال النقد الذي وجهناه للمقاربات الكليّة ذكرنا أن من جملة المشاكل التي تعاني منها هذه المقاربات أنها أسقطت من برنامج مشاهدتها للظواهر وحدة الفرد. إن هذا القول يعنى أننا نفترض أنه من غير الممكن تحليل الظاهرة الاجتماعية، والظاهرة السياسيّة بالذات، وتفسيرها وفهمها، بالاقتصار على مشاهدة الوحدات الاجتماعية الماكروسوسيولوجية. وقد وضحنا في ما يخص هذه النقطة أن هناك مشكلة إبستمولوحية كبيرة تواجهنا في هذا المجال مفادها أن مفهوم الفرد كوحدة تفكير ارتبط تاريخيا بنشأة ما يسمى بالفردانية الاجتماعية، التي قامت على أساس تقدّم تقسيم العمل ونشأة المجتمع الصناعي، ومن ثم فإن مجال استعمال هذا المفهوم في دراسة مجتمع “ما قبل حداثى” قد يصبح ضيقا إلى حدّ كبير.
إن التمرين الذي سنقوم به هنا يتمحور حول نقاط ثلاثة. أولا محاولة فصل مفهوم الفرد، كفرضية بحث وكوحدة مشاهدة، عن سياق نشأته الإيديولوجية التاريخيّة ذات الارتباط الوثيق بالتجربة الأوروبية. إن المنهج العلمي كما يشير إلى ذلك بورديو Bourdieu لا يمكن أن يكون كذلك إلاّ إذا استقل عن موضوعه التجريبي الضيّق واكتسب صفتي الخارجيّة والعالميّة. وفي هذا الإطار بدا لنا أنه من وجهة النظر المنهجية ليس هناك ما يمنع من افتراض أنه بالإمكان طرح سؤال الفرد، مهما كان نوع الاجتماع الإنساني موضوع المشاهدة، ما دام أساس هذا النوع من الاجتماع هو الأفراد والعلاقات التي تنشأ بينهم.
ثانيا محاولة الإفلات من فخّ الفردانيّة المنهجية الصرفة التي يستخدمها الاقتصاديون في تحليل ظاهرة السّوق الرأسمالية. و تقوم مقاربة هؤلاء على فرضية الفرد الحرّ والعقلاني، الذي له القدرة على توجيه سلوكه بشكل واع وفق مبدأ الربح والخسارة ولا شيء سوى ذلك. لقد ثبت أن هذا الفرد لا وجود له إمبيريقيا، وأن إمكانية اختبار هذه الفرضية لا يمكن أن تكون إلاّ انتقائية، وأنها لا يمكن أن تتعدّى بنجاح حدود الحالة الميكروسوسيولوجيّة الضيقة إذ أنها تصدم بسرعة بالمقولة الثقافية.
ثالثا محاولة مشاهدة الأفراد ليس من منظور يفترض أن لكل منهم عالمه الخاص المستقل، أو أنهم يشكلون وحدات لها وجود تقابلي مع الوحدات الجماعية، إنّما بصفتهم فاعلين اجتماعيين يشكلون في ذات الوقت أساس الظاهرة وموضوعها.
من الناحية الإجرائية ستتركز مشاهدتنا على الجزء والكل في نفس الوقت. و يعنى هذا التوجه في البحث –ونحن نعترف بصعوبة السير فيه- أننا سنجعل من الفرد والمجموعة وحدتي تحليل ومشاهدة متميّزتين، لكنهما غير متقابلتين أو منفصلتين بعضهما عن البعض. ويمكن القول هنا بأننا استوحينا هذا الحلّ من الطريقة التي طرح بها إلياس Elias مشكل الفرد والمجتمع الذي ناقشه قبله زمّل Simmel وفيبرWeber وبعده الفردانيون المنهجيون وخصومهم من أمثال بورديو Bourdieu وغيره.
ويعتبر إلياس أن كل تفكير في هذه المسألة من منظور ثنائي مجانب للصواب، لأن الفرد لا وجود له خارج شبكة العلاقات التي تربطه بالآخرين. ويقوم نسيج شبكة العلاقات هذه على التبعيّة الوظيفيّة المتبادلة بين الأفراد، وهو ما يصنع المجتمع. غير أنه يجدر بنا أن نلاحظ بهذا الخصوص أن الطريقة التي يطرح بها إلياس المسألة تكاد تنتهي بحلقة مفرغة تدور داخلها دينامية المجتمع والفرد على نفسها دون منفذ يساعد على التجاوز أي التغيّر. وهو ما جعل إلياس ينسّب قليلا من حتمية التبعية الوظيفيّة المتبادلة بين الأفراد ليحدد مجالا من حريّة الفعل لهؤلاء الآخرين يتسع لكل واحد منهم بحسب موقعه في شبكة العلاقات التي تجمعه بهم ، ويسمح هذا بالتفكير في دور الأفراد في تغيير المجتمع خلافا لما هو عند بورديو حيث لا يمثل الأفراد سوى أدوات في خدمة البنية.
ونظيف نحن إلى هذه النقطة عنصرا آخر لا يقل أهمية وهو أن عدم تكافؤ الأفراد في شبكة العلاقات الاجتماعية ينتج عنه عدم تطابق لعلاقاتهم العملية بالقيم الاجتماعية المشتركة (التمسك بها أو رفضها بشكل انتقائي نفعي) وهو ما يجعل منهم فاعلين غير متكافئين أمام مقتضياتها.
المجموعة السياسية. نعنى بالمجموعة (وليس الجماعة التي غلب عليها مفهوم الكيان الذي يكتسب أسبقيّة حاسمة على الفرد ما يفقد مشاهدة هذا الأخير كل قيمة كشفيّة تهمّ تفسير الظواهر الاجتماعية) كل كيان اجتماعي يتكوّن في الزمان والمكان، سواء أخذ الأمر طابع “التلقائية” أو شكل العملية الاصطناعية مثل تشكيل حلف أو غيره، من مجموعة من الأفراد يرتبطون بعلاقات متنوعة تبلغ درجة كافية من الكثافة والاستمرارية تكفي لبناء أرضية تتبلور على أساسها، بفعل التفاعل الثنائي والجماعي للأفراد الذين تتشكل منهم، تصوّرات ومشاريع فردية و/ أو جماعية تكون مؤقتة أو مستمرة نسبيّا.
إن المجموعة بالمفهوم الذي قدّمناه هي النواة الرئيسية للظاهرة السياسيّة، باعتبار أن تشكل المجموعات هو شرط تبلور العمل السياسي، وبالتالي شرط تشكل الظاهرة السياسية. يعني ذلك أن بناء المجموعة، التي هي عمليّة تتطلب استغلال شتى الروابط الاجتماعية ومدّ جسورها بين الأفراد من خلال التأكيد على جانبها الوظيفي وعلى قيمتها التبادلية المادية والرمزية، لا تجري باستقلال عن المواقع غير المتكافئة التي يحتلها هؤلاء في النسيج الاجتماعي (علاقات العمل والإنتاج والاستهلاك، علاقات الشرف…). ومن ثم فإن هذه العمليّة تتضمّن دوما علاقات سلطوية سياسيّة تأخذ أشكالا مختلفة بحسب حجم المجموعة المعنيّة والسياق السياسي- الثقافي المهيمن والرهانات المطروحة، وبحسب حدود الفضاء الاجتماعي –السياسي الذي يشتغل فيه الفاعلون السياسيون، وكذلك بحسب التصورات التي يعطيها هؤلاء لهذا الفضاء (إثني، طرقي، ديني، وطني..). و يمكن لهذه المجموعة السياسية أن تأخذ شكل العائلة- البيت أو العشيرة أو ما يعرف بالحلف القبلي أو شكل التنظيم الطرقى الدينى أو شكل الحزب السياسي. وتبلغ هذه الوحدات درجة متفاوتة من الكثافة بحسب نوع كل مجموعة وبحسب درجة استخدامها السياسي من قبل الفاعلين السياسيين فيها، وهم الزعماء بشتى أنواعهم.
الزعيم و المجموعة الزعامية. منذ نشأة العلوم الإنسانية شكلت ظاهرة الزعماء والقادة السياسيين المشهورين موضوعا مثيرا شغف به الكثير من الرواد. و قد مثلت محاولة فيبر بناء نموذج نظري لما يسميه بالسلطة الكاريزمية مرجعا كلاسيكيا لكل من اشتغل بهذه المسألة. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أكثر البلدان التي تطور فيها البحث في هذا الاتجاه خلال العقود الأخيرة، حيث أدى النقاش الدائر حول هذا الموضوع إلى نقد مقترحات فيبر و إثراء البحث في عدة اتجاهات.
وفي واقع الأمر يمكن القول بأن الطرح الفيبري لهذه المسألة قد وضع العناوين الكبرى للقضايا التي تثيرها ظاهرة الزعامة. فقد أكد فيبر على الخصائص المتفردة للشخصية القيادية، وعلى الكيفية التي يتمثل بها الأتباع هذه الشخصية، وأهمية ذلك في خلق روابط مميزة بين الطرفين. كما بين في ذات الوقت أن هذه الروابط تشكل في نهاية الأمر بنية اجتماعية تقوم عليها علاقة سياسية تتجاوز العلاقة الفردية التي تجمع صاحب الكاريزما بكل واحد من أتباعه.
وبما أن هذه العلاقة تعتمد في التفكير الفيبري على عناصر ذات أبعاد ذاتية قوية، فإن فيبر قد اعتمد على مفهوم الكاريزما – الذي يختزل هذه الأبعاد – للكشف عن أسس ظاهرة هشاشة السلطة الكاريزمية. بيد أن الواقع الإجرائي اضطر فيبر إلى نحت عدة نماذج للسلطة الكاريزمية، منها ما هو خالص، إن صح التعبير، ويمثله الأنبياء، ومنها ما هو مركب ويمثله بعض القواد السياسيين الذين يجمعون بين السلطة الكاريزمية والسلطة البيروقراطية أو التقليدية الروتينية، مثلما هو حال نابليون.
إن المشكلة الرئيسية التي واجهها التصنيف الفيبري هو أنه أسقط تقريبا من حسابه عنصر العنف المادي من نموذج السلطة الكاريزمية الخالصة والحال أن بعض ممثليها محاربون (مثلما هو الحال في التجربة الإسلامية)، كما واجه في ذات الوقت صعوبة في الدمج بين الكاريزما ومبدأ الروتين إذ أن أسس سلطة الكاريزما و ديناميتها تتنافر إلى حد ما مع هذا المبدأ.
لقد انتبه الباحثون الذين درسوا موضوع الزعامة إلى هذه المشاكل، ملاحظين أن القيمة الوصفية للتصنيف الفيبري هي في الحقيقة أعلى بكثير من قيمته التفسيرية. وتثير ظاهرة الزعامة التي ندرسها هذه المشاكل بوضوح. فالزعامة السياسية في ليبيا خلال القرن 19 بأشكالها الثلاثة التي ذكرناها تقوم : أولا على عنصر الكاريزما الذي يتمحور حول الخصال المتفردة للزعيم و تمثلات من يتزعمهم لعلاقته بهم. وثانيا على العنف الذي يتنافى إلى حد ما مع أسس سلطة الكاريزما. وثالثا على عنصر الروتين الذي يضعف من دور الكاريزما ويستوعب إلى حد كبير عنصر العنف. وتتفاعل هذه العناصر في تجربة الزعيم بأشكال مختلفة وبصيغ متنوعة وبقدرات غير متكافئة على التأقلم مع المستجدات الداخلية والمحيطة.
فالزعامة عند البدوي المحارب ترتكز على خصال شخصية يكتسبها الزعيم، و تنشأ عن تجربة قيادية متفردة دون أن تنفي عنصر العنف –الزعيم البدوي محارب أو لا يكون- أو عنصر التقليد (عبر آلية الاحتكار المادي والرمزي من طرف عائلات دون غيرها لعملية إنتاج الزعماء). ولكن ديناميتها لا تولد أدوات السلطة الروتينية الممأسسة. فالزعيم البدوي ليس له أتباع إلا في إطار ضيق، وهو يعتمد عموما على أحلاف مستقلين بإمكانهم التخلي عنه باستمرار. وفي المقابل يعتمد الزعيم الديني الطرقي على الكاريزما التي يكتسبها عبر تجربة تؤدي إلى نشأة أتباع له على نطاق أوسع، و هي تختلف عن تلك التي يخوضها الزعيم البدوي المحارب. وفي حين يكون عنصر الروتين في تجربة هذا الأخير ضعيف، تقود دينامية الزعامة الطرقية إلى تقوية هذا العنصر الذي يزيد من ارتباط الأتباع به وإلى تغليب عنصر العنف الرمزي على العنف المادي. أما الزعيم العسكري البيروقراطي الحضري فهو زعيم محارب يعتمد في نشاطه على نواة بيروقراطية وعلى بعض آليات الروتين التي تؤكد السلطة السياسية وتساعد على إعادة بنائها. لكن أهمية الخصال الشخصية لمثل هذا الزعيم والأساس الحربي العنيف لهذه الزعامة تضعف أثناء الممارسة من فعالية الروتين و من حظوظ تطور القيم والتقاليد السياسية الملزمة و آلياتها الإدارية و التشريعية، وهو ما يخلق عادة حالة من عدم الاستقرار المزمنة على مستوى توارث القيادة، ويتسبب في قيام عراقيل جمة أمام توسع سلطة الدولة الزعامية من هذا القبيل.
تبدأ التجربة القيادية للزعيم عموما عند مستوى أصغر المجموعات التي يمكن أن ينتمي إليها الفرد، وهي العائلة، لتتأكد أو تتلاشى بعد ذلك بقدر ما تتوسع الوحدات الاجتماعية موضوع الزعامة. و تدخل في عملية بناء الزعامة متغيّرات عديدة ومترابطة، منها ما يتعلّق بالتجربة الاجتماعية الخاصة بالزعيم عند مستوى نجاحه أو فشله في فرض شخصيته القياديّة داخل الإطار الأولى الذي يعيش فيه. ومنها ما يتعلق بنوع الزعامة و بالمعايير والقيم العامّة التي تحدد ملامح الزعيم. وكما أن رئيس العائلة يحتكر التصّرف في موارد المجموعة العائلية، فإن الزعيم في النسق السياسي الزعامي يسعى، هو و أتباعه وأقربائه وأحلافه، وعند مستوى أوسع من تقدم تقسيم العمل موظفيه ومقاتليه، إلى مراكمة الثروة واحتكار التصّرف في موارد المجموعة أو الاستفادة القصوى منها، وهو ما يسمح له بتوزيع الفوائض على الزبائن والأحلاف، ويمنحه في ذات الوقت سلطة أو هيمنة سياسية يمكن أن تكون مطلقة ويمكن تكييفها – ولكن بشكل لا متكافئ حسب أصناف الزعامات – مع أي مؤسسات إدارية وقانونية رقابيّة. و من ثم فإن مجالات العام والخاص تختلط في بناء العلاقة السياسيّة الزعامية وفي ممارسة السلطة.
منهج الدراسة
تحتل المادة التّاريخيّة كامل مساحة البحث. ومن وجهة نظر التصنيف التقليدي للعلاقات بين مختلف فروع العلوم الإنسانية يمكن أن يعتبر البعض بحثّنا عملا تأريخيا. غير أن مثل هذا التصنيف لا يمكن له إلاّ أن يجانب الصواب بسبب تجاهله لثلاثة أمور أساسيّة.
الأمر الأوّل هو أن علمي الاجتماع و الأنثربولوجيا قد نشآ في الحقيقة في ارتباط وثيق مع التأريخ، ويرجع الفضل في توضيح هذه المسألة من منطلق معرفي صرف إلى عبد الرحمان ابن خلدون الذي قدّم علم العمران، وهو علم يشمل كل فروع العلوم الاجتماعية الجديدة التي نعرفها اليوم، على أنه يمثل الحل المواتي لمعضلة كتابة التاريخ. فالتاريخ العلمي، إن جاز التعبير، عند ابن خلدون لا يمكن أن يستقيم دون أن يستند إلى علم العمران. والوظيفة الأساسية لهذا العلم، على الأقل في المشروع التجريبي الخلدوني، هي تزويد المؤرخ بالمعرفة الصحيحة بأحوال العمران حتى يمكنه أن يؤرخ لحياة الناس بما لا يتعارض مع ما يحكم حياتهم من أحوال، أي من قوانين أو نواميس كبرى. وهكذا فإنّ فنّ التاريخ وعلم العمران يشتركان في الحقيقة في ذات الأصل من وجهة النظر الخلدونية، وهو ما أكده لاحقا تطوّر العلوم الإنسانية.
الأمر الثاني هو أن تاريخ نشأة العلوم الإنسانية الحديثة يختلف من تجربة ثقافية إلى أخرى في ما يخصّ العلاقة بين الفروع المختلفة لهذه العلوم. فإذا نظرنا من هذه الزاوية إلى التجربتين الألمانية والفرنسية على سبيل المثال، أدركنا أن التقليد الموسوعي الفرنسي في مجال تصنيف العلوم قد أورث التجربة الفرنسية لمدّة طويلة نسبيّا نوعا من الفصل الاصطناعي بين الاختصاصات، وهو ما لم تعرفه ألمانيا إلاّ بشكل ضبابي، إذ لا حديث في هذه التجربة إلاّ عن العلوم الاجتماعية أو الإنسانية بوصفها متداخلة الحدود موضوعا ومنهجا.
الأمر الثالث هو أن تطوّر العلوم الإنسانية في أواخر القرن العشرين قد حسم قضية الفصل بين مجالات العلوم لصالح التصوّر الخلدوني القديم والتقليد الألماني في العصور الحديثة.
هل يعنى هذا أن ما سنقوم به في بحثنا هو كتابة تاريخ نشأة الدولة الحديثة في ليبيا؟ الجواب هو أن مثل هذا المشروع غير ممكن من وجهة النظر المعرفية، كما يؤكد ذلك فيبر. والسبب وراء ذلك هو أنه من غير الجائز عمليا توصيف الواقع الحاضر أو الذي أصبح ماضيا، بكامل تفاصيله اللامتناهية ، ومن ثم فإن المعرفة لا يمكن أن تكون إلا جزئية وانتقائية وتعميمية.
و مادام من غير الممكن توصيف الواقع ومجمل العلاقات اللامتناهية التي تربط بين عناصره بشكل كامل وشامل، مع اعتبار الزمان والمكان، فإن الوقائع التي تتشكل منها مادة البحث، سواء تعلّق الأمر بالماضي أو بالحاضر، لا يمكن أن تكون إلاّ متناثرة ومنقوصة و مقطوعة عن سياقها التجريبي الدقيق، وغير واضحة العلاقة ببعضها. وهذا يعني- وهنا يلتقي المؤرخ وعالم الاجتماع و الأنثروبولوجي ومختلف المختصين في العلوم الإنسانية في مواجهة نفس المشكلة- أن إنتاج معرفة انطلاقا من مثل هذه المادّة يمثل إشكالا في غاية التعقيد. فإما معرفة إمبيريقية تقف عند مستوى توصيف الحالة ومحاولة الإلمام بسيرورة تشكلها، وهذا غير ممكن للأسباب التي أتينا على ذكرها ولأن الذات العارفة متورطة باستمرار في علاقة تصنيفية ما قبلية بموضوع الوصف والتصنيف. وإمّا معرفة تركيبية أساسها صناعة الأداة النظرية التي تسمح للباحث بالانتقال من مشاهدة الحالة التجريبية إلى مشاهدة النموذج الاجتماعي و ديناميته، وهذا يعني تعاملا مختلفا مع الموضوع.
إن العمل الذي سنقوم به لا يعترف بالحدود الاصطناعية التي ولدتها التكتلات الحرفيّة وفق التقسيم المدرسي للعلوم الإنسانية. ونحن نلتقي في هذا التوجّه في البحث مع دعوة بورديو، وهي دعوة خلدونية قديمة، إلى العمل على بلورة علم جديد موحد “يكون فيه التّأريخ علم اجتماع تاريخي بالماضي ويكون فيه علم الاجتماع علما تأريخيا للحاضر”.
نتائج البحث
من خلال تفحص عناصر الحياة السياسيّة في ليبيا في القرن 19 بيّنا أن هناك ثلاثة أنماط من المجموعات الزعامية، لكل خصائصه وعلاقته ببناء الدولة. وقد سمح لنا ذلك بتتبّع التحوّلات المتذبذبة التي حدثت على مستوى الأسس المختلفة التي كانت تقوم عليها هذه الأنماط، والاتجاهات اللايقينيّة المحدثة التي سارت فيها وأفضت في منتصف القرن العشرين إلى دمج النماذج الثلاثة المذكورة في بعضها ونشأة الدولة الزعامية الحديثة.
وخلال بحثنا في هذه المسائل حفرنا مسافة بيننا وبين المقاربة الانقسامية التي ظهر ضعفها بمجرّد أن فتحنا الصناديق المغلقة للقبيلة والزاوية والصفّ، وبيننا وبين المقاربة الماركسيّة التي استنفذ أصحابها قوّتها الكشفيّة في البحث عن نمط إنتاج مهيمن تنتظم حوله جميع عناصر التشكيلية الاجتماعية المغاربيّة. كما وضحّنا، متفقين في ذلك مع عبد الله الحمودي، أنه من غير الممكن إنتاج معرفة بالنموذج الحضاري الذي تميز به التّاريخ المغاربي وفق مقولة الغياب. فالانطلاق مثلا من ظاهرتي البيروقراطية ونمط الإنتاج الرأسمالي، على أساس أنهما من السّمات الرئيسيّة العالمية للعصر الحديث، ثم إثبات عدم تطوّرهما في البلاد المغاربيّة خلال فترة ما قبل الاستعمار، لا يقدّمنا كثيرا على طريق معرفة ماذا كان التّاريخ المغاربي يمثل في حدّ ذاته سوسيولوجيا وأنثرويولوجيّا.
من ناحية أخرى، بيّن البحث في علاقة بناء المجموعة السياسيّة الزعامية بالدولة أن نموذج السلطة الباتريمونيالية لا يساعد على تفسير التوتّر الذي يميّز بنية الدولة من الداخل، ويجعل من شرعية امتلاك السلطة ( بالمفهوم الفيبرى للعبارة ) و من عملية انتقالها بسلاسة و دون عنف عبر الأجيال أمرا غير يقيني أو محسوم، وهذا رغم وجود بنيات ثقافيّة تساعد على التخفيف من حدّة ذلك (مبدأ توارث سلطة الأب حسب السنّ والجنس).
و في نفس السياق بيّنت المقاربة التي اعتمدناها أن فكرة خارجيّة هذه الدولة و تغرّبها (نسبتها إلى الغرب) لا تساعد كثيرا على فهمها بوصفها ظاهرة اجتماعيّة منغرسة في التّاريخ والجغرافيا المحليين، حتّى وإن لعب العامل الخارجي أهميّة كبيرة في الدفع باحتمالات تبلورها وتطوّرها في هذا الاتجاه أو ذاك. و في المقابل أظهر مفهوم النسق السياسي الزعامي قدرة أكبر على النفاذ إلى هذه القضايا وعلى الكشف بدقة أكبر عن آليات عمل الظاهرة السياسية و مرتكزات الدولة بوجه عام.
أخيرا بين البحث أننا سواء كنا في ليبيا أو في المغرب، فإن التطور التاريخي العام للنشاط السياسي أفضى في كلا الحالتين إلى إعادة صياغة البناء الزعامي للظاهرة السياسية وفق ما تطلبته شروط الحداثة التي ولدتها – بشكل متفاوت – إصلاحات نهاية القرن 19 والاستعمار. فدولة الاستقلال الليبية و المغربية التي نشأت في منتصف القرن العشرين دولة زعامية من نوع جديد: مؤسساتها وقوانين إدارتها وجهازها البيروقراطي وتشعب مجالها الاقتصادي والاجتماعي واستجابتها الشكلية للمقاييس العالمية في تنظيم العلاقات الدولية حديثة. لكن ديناميتها الداخلية، التي كرستها الحركة الوطنية وتواصلت بعد الاستقلال ، لم تقطع مع المبادئ الزعامية في بناء المجموعات السياسية التي تسمح للقادة بعدم التقيد بقواعد العمل المؤسساتي أو بتطويعه لخدمة المصالح الخاصة. ومن ثم أصبحت الدولة جهازا يساعد على احتكار إنتاج الزعامة الواحدة. إنّ ذلك هو الأساس السوسيولوجي والأنثروبولوجي التّاريخي للاستبداد الحديث في كثير من البلدان العربية ، وهو ما تضعه التحوّلات السياسيّة الجديدة على المستوى المحلّي و العالمي موضع سؤال.
لتحليل جميع هذه المسائل اتبعنا المخطط التالي. في البداية أفردنا فصلا نظريا كاملا لشرح سؤالنا الرئيسي ووضعه في سياقه المعرفي، ثم وضحنا فرضياته ومفاهيمه والمنهج الذي سرنا عليه في دراسته. بعد ذلك قدّمنا ليبيا خلال القرن 19 وبداية القرن العشرين، وحرصنا على أن يتضمن هذا التقديم بالخصوص العناصر الاجتماعية الأساسيّة التي اعتمدناها في الصياغة النظرية لإشكالية بناء الظاهرة السياسيّة. أمّا في الفصول الموالية فقد قدّمنا النماذج الرئيسيّة الثلاثة لكيفيّة بناء الزعامة السياسيّة في ليبيا خلال القرن 19، معتبرين أن لهذه النماذج أسسا مشتركة رغم اختلافها، وأن بناء الزعامة هو أساس بناء الظاهرة السياسيّة.
في مرحلة لاحقة شرحنا أزمة النسق السياسي الزعامي تحت تأثير الإصلاحات العثمانية. لكننا وضّحنا بعد ذلك كيف أن الحرب الاستعماريّة التي خاضتها إيطاليا في ليبيا أعادت لهذا النسق حيويته، قبل أن تفكك عن طريق سياستها الأمنية والاستيطانية العديد من عناصره الأساسيّة. وطوال هذه الفصول حاولنا تتبّع المسارات المختلفة التي آلت إليها النماذج الثلاثة لبناء الزعامة السياسية، تلك التي كنّا قد شرحنا دعائمها في الفصول الثالث والرابع والخامس، مركزين تحليلنا على علاقة ذلك بنشأة الدولة اللّيبيّة الحديثة وما ارتبط بها من مفاهيم وتصّورات سياسيّة. وفي ما خصصنا الفصل الثامن لدراسة حركة التحرير اللّيبيّة بوصفها محكا ظهر على سطحه ما شهده النسق السياسي الزعامي من عمليّة تحديث معقّدة – داخليّة وخارجيّة –تولّد عنها سنة 1951 تشكل دولة وطنيّة زعامية حديثة، أفردنا الفصل الأخير للقيام بمقارنة مع الحالة المغربية، محاولين من خلال التركيز على نموذج السلطان إثبات أن التجارب التاريخية السياسية للبلدان المغاربية متشابهة في الأساس رغم مظاهر الاختلاف الكثيرة بينها .
الدكتور المولدي الأحمر
بريد إلكتروني: lahmarm@yahoo.fr
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته .
الأخ الدكتور المحترم – المولدي الأحمر
انا طالب دكتور أرجو منك المساعده ،
موضوع الرساله ؟
الثقافة الاجتماعيه فى ليبيا.
– مفهوم الثقافة ، أي تعريفها
– عوامل نشات وأستمرار الثقافة .
– ليبيا والممتلكات الثقافية والمعالم لاثرية والسياحية.
– دور السياحة في تغير مفهوم الثقافة .
– تاثير السياحة في ثقافة الشعب الليبي .
– دور السياحة في الحفاظ علي الثراث التقافي .
والسلام عليكم ورحمه الله تعالي وبركاته .