صدرت حديثًا ترجمة شحدة فارع لكتاب سوتيريوس سارانتاكوس، البحث الاجتماعي، عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (736 صفحة بالقطع الوسط)، فكانت كتابًا موجزًا وشاملًا في البحث الاجتماعي لطلاب العلوم الاجتماعية والفروع الأخرى المتصلة بها.
يعرض هذا الكتاب بطريقة ناقدة لطبيعة البحث الاجتماعي المتنوعة والمتعددة الجوانب، ويشتمل على منهجيات وطرائق بحث كثيرة، ويغطي مساحة واسعة من البحث الاجتماعي، ابتداء من التحليل الوضعي وانتهاء بالبحوث البنائية والنسوية، كما يركز على التأويل وتحليل الخطاب والبحث ما بعد الحديث والبحث التطبيقي.
يشرح الكتاب سيرورة البحث ابتداء من اختيار موضوع البحث وانتهاء بكتابة التقرير، ومن الأسئلة إلى الإجابات، موضحًا كيف يتقدّم البحث من مرحلة إلى مرحلة أخرى تالية، مُبيّنًا كيفية اتخاذ القرارات وانتقاء الخيارات واستخلاص النتائج. ويتضمن جميع طرائق البحث الاجتماعي التي تدرس في المساقات المعروفة، كما يحوي فصولًا في البحث النسوي والبحث التطبيقي.
أسس وأنواع
يتألف القسم الأول، أسس البحث الاجتماعي، من أربعة فصول. يبدأ الفصل الأول، المقدمة، بتاريخ موجز للبحث الاجتماعي، ثمّ يحدد أنواع البحث الاجتماعي الأساسية ودوافعه، ويتناول بإيجاز بعض القضايا السياسية الرئيسة المتعلقة بالبحث الاجتماعي، ويلخص المعايير الأخلاقية للبحث الاجتماعي. وبحسب سارانتاكوس، “يمكن اختصار تعريف البحث الاجتماعي بأنه سيرورة بحث واستقصاء دقيقة وهادفة تسعى إلى إنتاج معرفة جديدة. وهو الأداة العقلية التي تسمح للعلماء الاجتماعيين بدخول ميادين أو موضوعات ذات أهمية خاصة أو عامة غير معروفة لديهم، بحثًا عن إجابات لتساؤلاتهم. ويمكننا القول أيضًا إن البحث الاجتماعي هو سيرورة استكشاف وتوسيع الآفاق في ما هو معروف، وزيادة الثقة، والتوصل إلى أفكار ونتائج جديدة في جميع نواحي الحياة”.
ويتناول المؤلف مسألة الأخلاق في البحث الاجتماعي، فيقول إن المعايير الأخلاقية تتطلب من الباحثين المحافظة على الموضوعية في البحث الاجتماعي، وعلى النزاهة المهنية، وعلى إظهار المسؤولية والكفاءة واللياقة، واستخدام طرائق دقيقة في جمع البيانات وتحليلها، واستخدام منهجية البحث الملائمة.
يتفحص الفصل الثاني، أنواع البحث الاجتماعي، طبيعة البحث الكمي، ويشرح بالتفصيل مواصفات البحث النوعي الأساسية، والأسس المعرفية لكلا النوعين من البحوث، كما يقارن بين مناهج البحث الكمية والنوعية. يقول المؤلف: “البحث الاجتماعي عملية معقدة ومتنوعة ومتعددة الجوانب، وتختلف طريقة إجراء البحث وأهدافه والافتراضات الأساسية التي يرتكز عليها اختلافًا جذريًا من حالة إلى أخرى. ويظهر التنوع والاختلاف في التصاميم المتقنة التي توفّر في النهاية المعايير والمبادئ لممارسة البحث. ويُعدّ البحث الكمي والبحث النوعي من أكثر أنواع البحوث شيوعًا، فهما الطريقتان اللتان يتبعهما معظم الباحثين في العلوم الاجتماعية”.
أمّا الفصل الثالث، البحث النسوي، فيبحث في طبيعة البحث النسوي وأهدافه، ويناقش بإيجاز الأسس النظرية الأساسية لهذا النوع من البحوث، ويوضح المواقع البحثية الرئيسة فيه، ويناقش الموقع الإبستيمولوجي والأنطولوجي لهذا البحث. والبحث النسوي نوع من الاستقصاء يستحقّ ذكره في هذا الكتاب، لا بسبب طبيعة الطرائق التي يستخدمها أو المخرجات التي ينتجها فحسب، بل أيضًا بسبب كيفية استخدامه الطرائق التقليدية، والميادين التي يركز عليها، وكيفية استغلاله نتائجه، “وبذلك يكون البحث النسوي من أنواع الاستقصاء التي تسعى إلى التحرير. ويعني ذلك أنه لا يوثّق بعض جوانب الواقع فحسب، بل يتخذ موقفًا شخصيًا وسياسيًا وفاعلًا تجاه العالم”.
في الفصل الرابع، مبادئ البحث الاجتماعي، تركيز على القواعد الأساسية للبحث، وتقديم لأنواع القياس الرئيسة بالتفصيل، وتعريف بطبيعة الصدق والثبات في البحث، وإيضاح دور التمثيل والتعميم، ومناقشة أهمية هذه المبادئ بالنسبة إلى النوعي. يقول المؤلف: ” يُتوقع من البحث الاجتماعي الالتزام بمبادئ ومعايير معيّنة على الرغم من التنوع والتعدد في طبيعته وبنيته وعمليته. وقد تتغيّر طبيعة هذه المبادئ والمعايير، لكن وجودها وأهميتها أمر مسلّم به. ويعتبر معظم الباحثين أن ذلك يعكس طبيعة البحث الاجتماعي التي تتطلب أن يرتكز هذا البحث على معايير موثوقة ومعقولة”. يضيف: ” الصدق هو إحدى خصائص أداة البحث التي تقيس مدى ملاءمته ودقته وصوابيته. ويوضح الصدق للباحث ما إذا كانت الأداة تقيس ما يفترض بها أن تقيسه، وما إذا كان القياس دقيقًا وصائبًا”.
التخطيط والشروع
يضمّ القسم الثاني، تخطيط البحث، ثلاثة فصول. في الفصل الخامس، تصميم البحث، يراجع المؤلف سيرورة البحث الاجتماعي، ويقدّم أمثلة على بنيته وموقعه في البحث الاجتماعي، ويراجع أهميته بالنسبة إلى البحث الاجتماعي والبحث النوعي والبحث الكمي. ويوضح كيفية تطبيق هذه الأنواع من البحوث بتقديم أمثلة على بناء التصميم، وكيفية بناء مشروع البحث الخاص بك. يقول: “يوضح التصميم كيف ينوي الباحث إجراء البحث بالتفصيل، لذلك ينبغي للباحث أن ينفّذ خطوات البحث خطوة خطوة ويصف النشاط الواجب القيام به في كل خطوة. هناك أشكال عدة لتصميم البحث، بعضها يركز على جمع البيانات فحسب. لكن معظم الباحثين ينظر إلى تصميم البحث في سياق أوسع، حيث يشمل التصميم جميع جوانب البحث ابتداء من اختيار الموضوع إلى نشر النتائج”.
في الفصل السادس، الشروع في البحث الاجتماعي، يصف سارانتاكوس كيف تبدأ سيرورة البحث، ويحدد المهمات المطلوبة في هذه المرحلة من البحث، ويقدّم فكرة تحديد المفاهيم إجرائيًا وتثليث البيانات، ثمّ يوضح هذه العملية في البحث الكمي والبحث النوعي، وطبيعة الفرضيات ودورها في البحث الاجتماعي. وبحسب المؤلف، تعتمد مسيرة البحث على عوامل كثيرة، لكن المنهجية التي سيرتكز عليها البحث هي الأهم، ولذلك فلا بد للباحث في هذه المرحلة أن يحدد ويوضح نوع المنهجية التي سيستخدمها في بحثه. وقد يكفي في بعض الحالات أن يصرّح الباحث بأنه يستخدم الأنموذج الكمي أو النوعي في دراسته، وفي حالات أخرى لا بد من زيادة المعلومات والتفصيلات.
يعرض المؤلف في الفصل السابع، اختيار العيّنة، لطبيعة العيّنات وأنواعها، ويوضح مبررات اختيار العيّنة ومبادئه، ويشرح طرائق اختيار العيّنات في البحث الكمي والبحث النوعي. كما يوضح معنى حجم العيّنة وكيفية حسابها. يكتب: “تختلف إجراءات اختيار العيّنات اختلافًا ملحوظًا؛ إذ ربما تُبنى العيّنة بالاختيار الذاتي (كأن يقرر بعض المبحوثين المشاركة في الدراسة استجابة للنداءات الإعلامية التي تطلب متطوعين) أو من خلال الباحث كما هو شائع. وهناك إجراءات لاختيار العيّنة ترتكز على معايير الاحتمال (العيّنات العشوائية أو الاحتمالية)، وأخرى ترتكز على معايير غير احتمالية (العيّنات غير الاحتمالية)”.
هذا البحث أو ذاك
في القسم الثالث، طرائق جمع البيانات، سبعة فصول. يركز المؤلف في الفصل الثامن، الدراسات متعددة العيّنات، على دراسات تستخدم أكثر من عيّنة، متطرقًا إلى طبيعة التجارب وأنواعها، ملخصًا معايير الدراسات الطولية وهدفها، موضحًا طبيعة الدراسات المقطعية ودراسات الجزء وأنواعها، ومناقشًا مجموعات التركيز. ويمكن وصف البحث بطريقة مجموعة التركيز بأنّه مناقشة غير منظمة مع مجموعة من الناس جُمعوا لهذا الغرض، يقودها الباحث الذي يخاطب الأفراد بصفتهم مجموعة، وتسمى هذه الطريقة أحيانًا “مقابلة مجموعة التركيز” بسبب استخدام المقابلة فيها، كما تسمى طريقة النقاش الجماعي لأنها تتعامل مع المجموعة كلها وليس مع الأفراد.
في الفصل التاسع، البحث الميداني، يُعنى سارانتاكوس بإجراء البحوث في الميدان، فيشرح ميزات البحوث الميدانية الرئيسة، ويناقش طبيعة البحث الإثنوغرافي وتصميمه، ويقدّم مناقشة موجزة لدراسات الحالة. ودراسة الحالة هي دراسة تجريبية تبحث في ظاهرة معاصرة في سياقها الحياتي الفعلي عندما تكون الحدود بين الظاهرة والسياق غير واضحة، وتستعمل فيها مصادر متعددة للأدلة. وتتضمن دراسة الحالة حالات فردية ودراسات على مدى مدة زمنية طويلة، وهي ليست طريقة لجمع البيانات، لكنها قالب بحثي يستخدم طرائق عدة لجمع البيانات ويحللها في سياقات مختلفة.
وينتهز المؤلف في الفصل العاشر، الملاحظة، فرصةً ليقدّم إطلالةً على الملاحظة من حيث هي طريقة للبحث الاجتماعي، وليحدد أنواع الملاحظة في البحث الاجتماعي، ويلخص الخطوات الرئيسة للملاحظة، وليشير أخيرًا إلى بعض مشكلات الملاحظة. وبحسب المؤلف، فأنواع الملاحظة هي: الملاحظة الإنسانية والمادية، والملاحظة الساذجة، والملاحظة العلمية، والملاحظة الطبيعية، والملاحظة المخبرية، والملاحظة المفتوحة، والملاحظة الخفية، والملاحظة الفاعلة، والملاحظة السلبية، والملاحظة المباشرة، والملاحظة غير المباشرة، وملاحظة الذات، وملاحظة الآخرين.
في الفصل الحادي عشر، المُسوح – الاستبيانات، يشرح المؤلف استخدام الاستبيانات بصفتها طريقة لجمع البيانات، ويوضح أنواع الاستبيانات واستعمالاتها، وكيفية بناء الاستبيان، وحالات عدم الاستجابة في الاستبيانات. والاستبيانات دراسة مسحية مكتوبة، وأهم أجزاء الاستبيان رسالة التغطية والتعليمات ومحتوى الاستبيان. ويتضمن الاستبيان أسئلة رئيسة وثانوية و/ أو أسئلة من الدرجة الثالثة من الأهمية، مفتوحة أو مغلقة، ويجب أن تكون الخيارات في الأسئلة المغلقة دقيقة وشاملة وأحادية البعد، كما يجب ألّا تسمح بتكرار الإجابة الصحيحة.
نظريًا وتطبيقيًا
يتناول الفصل الثاني عشر، المُسوح – المقابلات، المقابلات بصفتها طرائقَ لجمع البيانات، ويعرّف أنواع المقابلات ويوضح استخداماتها، ويوضح عملية المقابلة، ويحدد مزايا المقابلات وعيوبها والمشكلات المرتبطة بها. والاستبيان الشفوي طريقة مسحية، وتُستخدم المقابلات طرائقَ لجمع البيانات في معظم أنواع تصاميم البحوث، بغض النظر عن منهجية البحث الأساسية. فمثلًا، يستخدم الباحثون الكميون غالبًا المقابلات المقننة وشبه المقننة، بينما يستخدم الباحثون النسويون المقابلات غير المقننة مثل المقابلات المكثفة والمركزة.
في الفصل الثالث عشر، دراسة الوثائق، يوضح سارانتاكوس طبيعة الطرائق الوثائقية وأنواعها، ويقدّم موجزًا عن التحليل الثانوي، ويوضح عملية تحليل المحتوى، ويصف طريقة السيرة الذاتية، ويشرح بالتفصيل ثلاث طرائق محددة لتحليل النص. يقول: “الطرائق الوثائقية غير مباشرة لأنها تساعد في جمع البيانات من دون المشاركة المباشرة للمبحوثين، لذلك فهي تسمى الطرائق غير المتطفلة”.
يعرّف الفصل الرابع عشر، البحث التطبيقي، طبيعة البحث التطبيقي وأنواعه، ويركز على تصاميم البحث التقويمي المعروفة، ويصف عملية تحليل الحاجات، ويوضح طبيعة البحث العملي. فالبحث التطبيقي يعالج مشكلات محددة، ويبحث عن حلول لها، والدافع ليس المعرفة العلمية في حد ذاتها بل التطبيق، وحلّ المشكلات والتغيير. أمّا البحث التقويمي، فيُستخدم لتقويم قيمة أو جدوى سياسة مطبقة أو برنامج علاجي مخطط له، وله أنواع عدة: الختامي، والتكويني، وتحليل الحاجات، وتحليل التأثير، وتحليل العملية.
حلّل وقرّر
يضم القسم الرابع، تحليل البيانات، فصلين. في الفصل الخامس عشر، التحليل النوعي، يركز المؤلف على طبيعة التحليل النوعي وخصائصه، ويوضح عرض البيانات في البحث النوعي، والنظرية المؤسَّسة والاستقراء التحليلي، ويناقش المقابلات السردية، ليقدّم أساسًا للمقارنة بين التحليل النوعي والتحليل الكمي. يقول: “يتميز التحليل النوعي بأنه يتعامل مع بيانات مكتوبة بالكلمات، وبأنّه يتضمن القليل من القياسات الكمية والتقنيات المعيارية والإحصائية، ويهدف إلى تحويل البيانات النوعية وتفسيرها بطريقة علمية منظمة ودقيقة، وفي ما عدا ذلك ليس هناك إجماع على كيفية إجراء التحليل النوعي، ولا على مواصفات قبوله”.
وفي الفصل السادس عشر، التحليل الكمي، يركز المؤلف على طبيعة البحث الكمي وخصائصه، ويوضح كيفية عرض البيانات الكمية المبوبة، ويقدّم تحليلًا وصفيًا وعلائقيًا، ويقدّم اختبارات ذات دلالة، كما يوضح كيفية استخدام الاختبارات الإحصائية من دون رياضيات. وهو يعرّف هذا التحليل بالآتي: “التحليل الكمي عملية متنوعة ومعقدة، ويتطلب تحليلًا أوليًا (التعامل مع البيانات الخام التي تنتجها الدراسة)، وتحليلًا ثانويًا (التعامل مع البيانات التي حللت سابقًا)، أو تحليلًا لنتائج دراسات أخرى. علاوة على ذلك، يتضمن التحليل الكمي أساليب إحصائية متباينة. ويمكن إجراء المعالجات الإحصائية إمّا يدويًا أو إلكترونيًا”.
أمّا القسم الخامس، النشر، فيضم فصلًا واحدًا. يقدّم الفصل السابع عشر، كتابة التقرير، إرشادات لكيفية كتابة تقرير البحث، ويوضح بنية تقرير البحث ومحتواها، ويصف تقارير البحوث في سياقات محددة، ويعرض أساليب كتابة تقرير البحث، ويناقش تقارير البحث النوعية والكمية. ويرى المؤلف أن معايير التقرير الجيّد هي الوضوح والإيجاز واللغة الملائمة والكمال والموضوعية والنزاهة والقابلية للتحقق والإثبات وتغييب الذات واحترام الأخلاق. وتكون تقارير البحوث الكمية أكثر انتظامًا وانضباطًا مما هي عليه في البحوث النوعية.
المؤلف: سوتيريوس سارانتاكوس، أستاذ مساعد في جامعة شارلز ستورت الأسترالية. له مؤلفات عدة، منها: الزواج والعائلة، وأزواج مثليون، وبيانات أساسية بلا رياضيات، والمساكنة في مرحلة انتقالية.
المترجم: شحدة فارع، حائز شهادة الدكتوراه في اللغويات من جامعة كانساس الأميركية في عام 1988. درّس في الجامعة الأردنية حتى عام 20011، ويدرّس الآن اللغويات والترجمة في جامعة الشارقة. نشر بحوثًا عدة في مجلات عالمية محكّمة عن الترجمة واللغويات المقارنة وتعليم اللغة الإنكليزية. ألّف سلسلة من الكتب لتعليم اللغة الإنكليزية، وترجم كتبًا عربية عدة بالإنكليزية، وبالعكس.