كتاب الأنثروبولوجيا: حقل علمي وأربع مدارس
يؤرخ كتاب حقل علمي واحد وأربع مدارس: أنثروبولوجيا بريطانية وألمانية وفرنسية وأميركية، الصادر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (608 صفحات من القطع المتوسط، موثقًا ومفهرسًا)، لأربع مدارس أنثروبولوجية، بريطانية وألمانية وفرنسية وأميركية، مقدمًا محاضرات ألقاها الأنثروبولوجيون فريدريك بارث وأندريه غينغريتش وروبرت باركن وسيدل سيلفرمان، مقتفيًا أثر كل مدرسة في المدارس الأخرى، ومقوّمًا إمكاناتها المستقبلية. وهذا الكتاب ترجمة عربية للكتاب (One Discipline, Four Ways: British, German, French, and American Anthropology) صاغها أبو بكر أحمد باقادر وإيمان الوكيلي
الأنثروبولوجيا البريطانية
في الكتاب أربعة أقسام. يتألف القسم الأول، ‘بريطانيا والكومنولث’، من خمسة فصول. وفي الفصل الأول، ‘بروز الأنثروبولوجيا في بريطانيا (1830–1898)’، يقول فريدريك بارث إنّ علم الأنثروبولوجيا البريطانية برز على أطراف العالم العلمي ‘الذي اعتبر موضوعات أخرى على أنها أكثر أهمية وإثارةً من دراسة التنوع الاجتماعي والثقافي البشري، والذي واجه مؤسسةً أكاديميةً يظهر أنها كانت مترددةً جدًا لاستقباله كحقل علمي مقبول داخل إطار سياق التخصصات الأكاديمية التي تستحق الاهتمام’؛ ولذلك، يتعذّر قصْر وصفٍ للتقليد البريطاني في الأنثروبولوجيا على حكاية داخلية لباحثين يتصارعون حول أفكار وإبداعات وأصوليات مثقفين، مع أخْذ الرغبات والتميزات التي سادت في المجتمع الكبير والتي كان على العلماء التكيف معها في الحسبان.
في الفصل الثاني، ‘من مضايق توريس إلى الأرغونوتس (1898-1922)’، يقول بارث إنّ أول بداية جادة لضمان نوعية البيانات الأنثروبولوجية أتَت من ألفرد كورت هادون الذي سمح له بالدراسة في كامبريدج في سبعينيات القرن التاسع عشر والتخصص في الثدييات. وفي عام 1888، ذهب إلى مضايق توريس بين غينيا الجديدة وأستراليا في رحلة استكشافية، فتعايش مع السكان الأصليين، ونجح في القيام ببحث في علم الحيوان، وحاول بوصفه عالمًا أنثروبولوجيًا أن يتساءل ويبحث عن الأساطير والمعتقدات والعادات الأُسرية عند قبائل الجزيرة المختلفة.
في الفصل الثالث، ‘مالينوفسكي ورادكليف براون (1920-1945)’، يرى بارث أنّ التحول العظيم في البراديغم النظري في التقليد البريطاني حصل في عام 1922 مع نشْر كتاب برونيسلاف مالينوفسكي أرغونوتس غرب المحيط الهادئ، ونشْر كتاب رادكليف براون سكان جزر الأندمان، اللذين شكّلا سُلّمَي الفرضيات القادرة على البقاء لقيام الأنثروبولوجيا الاجتماعية البريطانية. وفي هذا السياق، يقول بارث: ‘اقتضى مكانهما المشترك ترك البحث وتجاوزه عن الأصول كتفسيرات تاريخية، واستبدالها بمتطلبات جديدة ترى أنّ التحليل الإثنوغرافي للبيانات يمكن إنجازه عن طريق الاستغراق في دراسة تفصيلات تصرفات السكان الأصليين التي تتكشف في اللحظة المعاصرة، أيْ إنّها تتطلب أن يقوم الباحث الأنثروبولوجي بالبحث عن فهم موضوع دراسته وشرحه داخل إطاره بنفسه’.
تقليد مستمر
يقول بارث في الفصل الرابع، ‘العصر الذهبي (1945-1970)’، إنّ هذا العصر بدأ مع اعتلاء رايموند فيرث كرسي الدراسات الأنثروبولوجية في مدرسة لندن للاقتصاد، واعتلاء إدوارد إيفانز بريتشارد كرسي الأنثروبولوجيا في أكسفورد، وماكس غلوكمان لرئاسة قسم جديد في مانشستر، وماير فورتس لكرسي الأنثروبولوجيا في كامبريدج، وانضمام إدموند ليتش إليهم بعد فترة وجيزة، وجميعهم من جيل جديد من الباحثين تقلدوا قيادة المراكز الأكاديمية الأساسية في بريطانيا مع أنثروبولوجيتهم الجديدة، و’تشكّل’ كل واحد منهم على يد مالينوفسكي وبراون، وأتى كل واحد منهم إلى منصبه بأسلوب فكري متميز وبمعرفة إثنوغرافية.
في الفصل الخامس، ‘الإرث المستمر للتقليد البريطاني (1970-2000)’، يقول بارث: ‘في إطار التسلسل الزمني الذي اخترناه جميعًا في سلسلة المحاضرات المقدمة هنا، انتقلنا من ماضٍ بعيد نحو حوادث وأشخاص هم أكثر وأكثر معروفون ومشهورون، ونشعر ونحس بعالمهم بشكل متزايد، لأنه أصبح خطوةً خطوةً يشكّل عالمنا بشكل أكبر، على الرغم من أننا ما زلنا نستطيع أن نراه بحكمة الإدراك المتأخر الإضافية. لكن عند هذه النقطة تداخلت الحكاية بمساري الشخصي لدرجة أنّ مهمتي الآن أصبحت مهمة الحديث عن أفكار وأوضاع أنا على اطلاع عليها وهي اليوم تشكّل حاضري، وهو وقت لا يمكنني أن أجربه سوى كمعاصر فيه’. وبالنسبة إليه، حدث التحول الأساس في المناخ النظري داخل السياق البريطاني في نهاية الستينيات كنتيجة لبحوث إدموند ليتش، ‘فمنذ أن نشر مقالاته الأولى عن بنى القرابة، عمل ليتش على تجريب أنواع أخرى من البنيوية، النوع الذي يقوم على استكشاف نظائر تجريدية غالبًا، ويقوم على تصميم عمليات من مثل ارتكاسات، متأملًا في أسلوب تفكيره الهندسي والرياضي’.
مشهدية أنثروبولوجية
في القسم الثاني، ‘البلدان الناطقة بالألمانية: انقطاعات ومدارس وغياب التراث – إعادة تقويم التاريخ السوسيوثقافي للأنثروبولوجيا في ألمانيا’، خمسة فصول أخرى. في الفصل الأول، ‘مدخل وصورة عامة للمشهد من كتب الرحالة المبكرين إلى الأنوار الألمانية’، يعرض أندريه غينغريتش بعض القضايا المنهجية المتعلقة بكيفية تتبّع التقويم التاريخي للأنثروبولوجيا الناطقة بالألمانية، فيقول إنّ الجدل الحاضر ومهمات المستقبل في الأنثروبولوجيا تتطلب عدم اختصار مساءلة الآراء الراسخة والسابقة ببساطة، بل مساءلتها لأنها تظهر كما لو أنها أحادية الجانب. ولهذا عدة تبعات؛ منها التقاليد التاريخية التي كانت لها تبعات على الأنثروبولوجيا السوسيوثقافية، والأبعاد الدولية والعابرة القوميات والأبعاد المعولمة للخطابات والجدل الأنثروبولوجي الحالي، والحدود اللسانية والزمانية لفحص السجل التاريخي للأنثروبولوجيا في ألمانيا.
يمثّل الفصل الثاني، ‘من الولادة القومية للفولكلور إلى التأسيس الأكاديمي للانتشارية: الذهاب بعيدًا عن التيار الدولي العامّ’، محاضرةً غطى فيها غينغريتش الفترة من أربعينيات القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين، أي نحو ستّين سنةً، وتناول فيها ثلاثة موضوعات مختلفة ‘وإن كانت متداخلة العلاقة: أولًا، تأسيس مؤسسات الدراسات الفولكلورية المنفصلة وإن كانت المتجذرة بشكل عامّ داخل وخارج الأكاديميات والتي كان يوازيها ظهور سابق للأنثروبولوجيا الأكاديمية المتخصصة؛ وثانيًا، ظهور النظرية الاشتراكية لماركس وإنغلز في ألمانيا وأخذها الظاهر لموضوعات أنثروبولوجية؛ وثالثًا، ظهور أُولى مرحلتَي تأسيس الأنثروبولوجيا الأكاديمية الرسمية التي ارتبطت بصورة أو أخرى باسم أدولف باستيان’.
في الفصل الثالث، ‘من الفترة الإمبريالية المتأخرة إلى نهاية الفترة الجمهورية الفاصلة: توجهات مبدعة في دراسات التابع ومدارس أنثروبولوجية كبيرة وصغيرة’، يعرض غينغريتش مجموعات أساسيةً مثيرةً للنشاط المهني الأنثروبولوجي: التدخل الاستعماري، وبروز عناصر إثنوغرافية واقتصادية إبداعية، والأنثروبولوجيا الماركسية، وأنثروبولوجيا النساء، وتطور المدارس الصغيرة والكبيرة. ويقول في هذا السياق: ‘يتطلب نقاش المدارس الأنثروبولوجية الصغيرة والكبيرة في ألمانيا تقديم تقويم نقدي لسيرة ريتشارد تورنوالد وأعماله المتناقضة جدًا. ويتوجب في مثل هذا التقويم تقدير جهده الذي كان يهدف إلى انفتاح علم الفولكلور على علم الاجتماع في شكل تأكيد على تفاعل إقليمي أوسع. وبشكل مشابه، مساهمته العظيمة على الأنثروبولوجيا الاقتصادية وأنثروبولوجيا القانون الذي يجب أن يُؤخذ في الاعتبار’.
انكفاء ألماني
في الفصل الرابع، ‘الأنثروبولوجيا الألمانية في خلال الفترة النازية: سيناريوات معقدة حول التعاون والاضطهاد والتنافس’، يقول غينغريتش إنّ الأنثروبولوجيين الألمان في الحقبة النازية تنافسوا لنيل رضا النظام. وانطلاقًا من هذه الفرضية، يلخص في هذه المحاضرة موضوعات أساسيةً بخصوص خطوات اندماج الأنثروبولوجيا في رحم الرايخ الثالث، ويقدّم مراجعةً سريعةً لما هو معروف اليوم عن أنثروبولوجيين كانوا قد اضطهدوا، بمن فيهم أولئك الذين اضطُهدوا على أيدي أنثروبولوجيين آخرين، ويصف بعض الاتجاهات الأساسية للأنثروبولوجيا في ألمانيا حتى عام 1945، ويثير السؤال الصعب عن مسؤولية الشراكة في الجريمة من خلال تقديم بعض الأمثلة المحددة، ويوضح بعض التأثيرات الأساسية المميزة لفترة ما بعد عام 1945.
في الفصل الخامس، ‘الأنثروبولوجيا في أربعة بلدان ناطقة بالألمانية: عناصر أساسية لتطورات ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى عام 1989’، يتتبع غينغريتش التسلسل التاريخي لتجربة الأنثروبولوجية الألمانية من عام 1945 حتى أواخر ثمانينيات القرن العشرين، وهي تجربة ‘أحدثَ عندها سقوط جدار برلين تحولًا جديدًا في المناخ السياسي والمؤسسي وسرّع في تغيّر جيلي قائم’. ويقول: ‘بعد عام 1945، أصبحت الإنكليزية لغة التواصل الأكاديمي الوحيدة في الغرب وإلى حدّ ما أصبحت الروسية هي لغة التواصل في الشرق. وقليل من الأنثروبولوجيين في المنطقة الناطقة بالألمانية كانوا قد دُربوا أو أُعدوا لهذه الحالة لسانيًا، وكذلك فكريًا. لهذه الأسباب جميعها، أصبحت الأنثروبولوجيا القادمة من المنطقة الناطقة بالألمانية تحتل نسبيًا عالمًا منكفئًا على ذاته’. ويختم بقوله: ‘بحلول ثمانينيات القرن العشرين نجد أنّ الأنثروبولوجيين الاجتماعيين والتاريخيين في المنطقة الناطقة بالألمانية كانوا قد بدؤوا في تقويم الماضي اللاتراثي كشرط مسبق ضروري للتقدم إلى الأمام. وكانت الإثنولوجيا في عام 1989 لا تزال على هامش التيار السائد الدولي ولكن بشكل أقلّ حاليًا، وشكلت عالمًا خاصًا بنفسها، لكنها كانت تيارًا تفاعليًا له نوافذ وأبواب لا تزال مفتوحةً بشكل واسع’.
ما قبل دوركهايم… ودوركهايم
في القسم الثالث، ‘البلدان الناطقة بالفرنسية’، خمسة فصول ثالثة. وفي الفصل الأول، ‘أصول ما قبل الدوركهايمية’، يقول روبرت باركن إنّ المدرسة النظرية المهيمنة المحيطة بإميل دوركهايم ظلت على مقربة من علم الاجتماع الأوروبي حتى وقت متأخر جدًا من المسار المهني لدوركهايم، لتصبح بشكل ملحوظ أكثر أنثروبولوجيةً فحسب عندما اقتبس مارسيل موس من دوركهايم بعد الحرب العالمية الأولى. وتناول في محاضرته هذه أسلاف السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا الأساسيين في فرنسا، فضلًا عن أصول التخصصات المتأخرة في المتاحف الفرنسية وجمعيات العلماء في القرن التاسع عشر، باحثًا في أصول ما قبل الثورة في الفكر الاجتماعي الفرنسي، وردّات فعل القرن التاسع عشر المبكرة على عصر الأنوار، وأصول القرن التاسع عشر للإثنولوجيا الفرنسية من متاحف ومجتمعات عالمة.
في الفصل الثاني، ‘دوركهايم وعصره’، يقدّم باركن في إسهاب، نسبيًّا، موجزًا عن إميل دوركهايم ونظريته حول الحتمية الاجتماعية والتعليم وموقفه من الدين، إذ يقول: ‘تجدر الإشارة هنا، وبإيجاز، إلى تأثيرين آخرين، يتعلقان خصوصًا بعمل دوركهايم عن الدين، أحدهما السوسيولوجيا التاريخية لنوما دينيس فوستيل دي كولانج الذي ركز من خلال كتابه المدينة القديمة على عبادة الأجداد والتعامل معها على أساس مكانتها في المجتمع بشكل عامّ. ثانيًا: أنثروبولوجيا روبرتسون سميث، التي ربطت نظام العشيرة العربية بجوانب من الأديان السامية كمدخل مهمّ في نظرية دوركهايم للطوطمية، باعتبارها الشكل الأصلي للدين’. ثمّ يتناول أرنولد فان غينيب الذي يسميه الفولكلوري أو الأنثروبولوجي الأول ونقده دوركهايم، وفردينان دو سوسير واللسانيات البنيوية، والعلوم الاجتماعية اليمينية النزعة؛ أي الحشد وعلم الاجتماع الأنثروبولوجي.
أنثروبولوجيا فرنسا
في الفصل الثالث، ‘موس، الدوركهايميون الآخرون، وتطورات ما بين الحربين’، يتناول باركن العلاقة بين مارسيل موس وإميل دوركهايم، واعتماد موس كلّيًا على النظام الذي اختطه دوركهايم، وتركيزهما المشترك على التطورية. ويتناول كذلك علم الاجتماع الديني عند روبرت هيرتز وهنري هوبير. فهيرتز كان ابن مدرسة دوركهايم النجيب، في حين اقترن اسم هوبير بموس في أغلب الأحيان؛ إذ كان مساعده في دراسات عن السحر والتضحية، وحاضرًا معه في ما يتعلّق بالأديان الأوروبية القديمة في المدرسة العملية للدراسات العليا. وتحدّث أيضًا عن موريس هالبواك وعن دوركهايميين وآخرين في معرض كلامه على علم الاجتماع بوجهٍ عامّ، وعن غياب الدوركهايمية في فترة ما بين الحربين العالميتين.
وفي الفصل الرابع، ‘البنيوية والماركسية’، يحاضر باركن في كلود ليفي ستروس والبنيوية واللسانيات والطوطمية والأضحية والأسطورة ومعارضته الديكارتية، وفي إثنوغرافيا ما بعد الحرب، والبحث الميداني المؤطر نظريًا، متخذًا الأنثروبولوجيا الماركسية الفرنسية أنموذجًا، ثمّ البنيويين والمحللين النفسانيين والذهنيين وغيرهم أنموذجًا آخر.
وفي المحاضرة التي تشكّل الفصل الخامس، ‘الممارسة والهرمية التراتبية وما بعد الحداثة’، يتناول باركن البيئة المؤسسية للأنثروبولوجيا في فرنسا في ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ يقول: ‘بحلول عام 1980، إضافةً إلى الكراسي العلمية الثلاثة للأنثروبولوجيا في باريس، كانت هناك كراسيّ في جامعات آكس أن بروفانس، وليل، وليون، وستراسبورغ، وتولوز. لكن على الرغم من ذلك فإنّ من بين الأربعة وخمسين جامعةً وكلية آداب في ذلك الوقت، كان هناك أحد عشر قسمًا فقط في الأقاليم وثلاثة منها في باريس تقدّم دروسًا في الأنثروبولوجيا. ومع نهاية القرن، تحسّن هذا إلى نصف الخمسة وخمسين مؤسسةً تعليميةً قائمةً الآن وكان هناك ما مجموعه الكلّي أربعمئة منصب تدريسي وبحثي في الأنثروبولوجيا في طول البلاد وعرضها’. ويعرض بارك أسماء أعلام في هذه البيئة، مثل المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية، والمدرسة العملية للدراسات العليا، ومركز البحث العلمي والتقاني لأعالي البحار، ومتحف الفنون والتقاليد الشعبية، والمركز القومي للبحوث، ومختبر الأنثروبولوجيا الاجتماعية، وبعثة دراسة الأبوية الإثنوغرافية، وذلك في سياق رسمه صورةً كاملةً لأنثروبولوجيا فرنسا. ويتناول كذلك ميشال فوكو، وبيير بورديو، أو ما سماه ‘الدوركهايمية الجديدة’.
أنثروبولوجيا أميركية
في القسم الرابع، وهو القسم الأخير، ‘مدرسة الولايات المتحدة’، خمسة فصول. وفي الفصل الأول، ‘أنصار بواز وإحداث الأنثروبولوجيا الثقافية’، يقول سيدل سيلفرمان إنّه قد جاء مع بواز نقد مبدأ النشوئية التطورية، والدفاع عن التاريخانية لفهم توزّع الصفات العرقية، وإضفاء الطابع المؤسساتي على الأنثروبولوجيا في أقسام الجامعة العلمية، والمتاحف، والوحدات المهنية، وبنية الحقل الرباعية التي كانت في البداية جهازًا منهجيًا لدراسة الهنود الحمر، ليصبح في ما بعد راسخًا في إطار منطق نظري، ‘لكن تاريخ الأنثروبولوجيا الأميركية لم يكن ظاهرًا للعيان بشكل منظّم، مُحكم وموحّد من مدرسة تتكون من أتباع بواز بغية استبعاد أصوات أخرى كانت موجهةً بإطار نظري منهجي. بل كان عوضًا عن ذلك ميدانًا للنقاش والصراع والخلافات من شتى الأنواع: نظرية، اجتماعية، ثقافية ومؤسساتية’.
وفي الفصل الثاني، ‘توسع ما بعد الحرب: المادية والذهنية’، يقول سيلفرمان: ‘إنّ الحرب الباردة أثّرت في الأنثروبولوجيا الأميركية بطريقتين: من جهة، ألقت المكارثية بظلالها العصبية وهالة من الشك على الحياة الأكاديمية، إضافةً إلى المضايقات والطرد من الوظائف، ومن جهة ثانية، وبما أنّ الحكومة شرعت في إطلاق مشروعات لتنمية العالم الثالث وجعله آمنًا لمصلحة الرأسمالية، توجهت الحكومة إلى الباحثين في العلوم الاجتماعية وقدّمت لهم اعتمادات ماليةً’. وتناول سيلفرمان التطورية الجديدة والمادية الجديدة، واعتراض ليزلي وايت وجوليان ستيوارد على الأنموذج البوازي، ثمّ سياق الأنثروبولوجيا الأميركية ما بعد الحرب، حين كان العالم النامي يشكّل اهتمامًا إستراتيجيًا لحكومة الولايات المتحدة الأميركية، وأصبح المال متاحًا للبحث هناك، وأدى هذا الزخم إلى إنشاء مراكز دراسات المناطق في العديد من الجامعات، حيث أُتيحت لعلماء الأنثروبولوجيا فرصة التقاء متخصصين في مجالات مختلفة في منطقة ما. وقد اختيرت المناطق التي سيركز عليها، وفقًا لأولويات سياسية.
انقسام أنثروبولوجي
في الفصل الثالث، ‘جلب الأنثروبولوجيا إلى العالم الجديد’، يؤكد سيلفرمان أنّ دراسة المجتمعات المركّبة حظيت باهتمام الأنثروبولوجيا الأميركية، منذ فترة ما بين الحربين العالميتين، ولا تزال عبارة ‘المجتمعات المركّبة’ تُستعمل في ميدان الأنثروبولوجيا للدلالة على أنظمة الدولة المنظمة بما في ذلك أنظمة العصر ما قبل الحديث وأنظمة العصر الصناعي الحديث، من دون أن ننسى الأنظمة المنبثقة دولها من فترة ما بعد الاستعمار أو غيرها من الفترات التي عرفت تحولات سياسيًة حديثًا. وفي هذه المحاضرة، يتناول سيلفرمان دراسات المجتمع المحلي المبكرة ودراسات الشخصية الوطنية والفلاحين والشعب، ونظريات التحديث ونقد التحديث، والأنثروبولوجيا الحضرية والإثنية.
في الفصل الرابع، ‘تمردات وإعادة اختراعات’، يقول سيلفرمان إنّ الأنثروبولوجيين الأميركيين اتخذوا ‘مقاربةً تلفيقيةً انتقائيةً من الماركسية. وبحسب أوصافهم لذواتهم، فإنّ أنثروبولوجيِّي فترة ما بعد الحرب، الذين اعتبروا أنفسهم يساريين، أشاروا إلى مصادر متنوعة من التأثير السياسي يتراوح على مدى نشاطات سياسية […] لكن كان الأمر كذلك جزئيًا بسبب المناخ العدائي للفترة المكارثية، وجزئيًا بسبب أنّ المفاهيم الماركسية ما كانت قد ترجمت داخل أطر إثنوغرافية والأطر النظرية كان يعمل على أسسها الأنثروبولوجيون، إذ كانت الإحالات المباشرة على ماركس نادرةً في البداية وحددت قلة من الأنثروبولوجيين الأميركيين هويّتها كماركسيين في ستينيات القرن العشرين’. ويتناول سيلفرمان هنا الماديين والثقافيين في سبعينيات القرن العشرين، وتطورات ما بعد الحداثة بحلول ثمانينيات القرن العشرين.
وفي الفصل الخامس، ‘الأنثروبولوجيا الأميركية عند نهاية القرن’، يرى سيلفرمان أنّ تسعينيات القرن العشرين كانت سنوات تحدٍّ للأنثروبولوجيا في الولايات المتحدة، إذ أُغلقت عدة ساحات أنثروبولوجية في وجه البحث الأنثروبولوجي، إمّا بسبب اضطرابات سياسية، وإمّا بسبب عدم رغبة المحليين في أن يكونوا أهدافًا لبحوث الباحثين الأجانب. وارتفعت وتيرة توتر العلاقات بالهنود الأميركيين عاليًا، مع زيادة المطالب حول عودة الهياكل العظمية والمواد الآثارية والثقافية إلى السكان الأصليين، وحول تعويضات حقوق الملكية الفكرية. ووُضع قانون حماية المقابر وترميم المتاحف في حالة استنفار، واتُّخذت خطوات في التزام ما يجب عليهم من التزامات.
تعاون على تأليف هذا الكتاب فرديريك بارث، الباحث في وزارة الثقافة النرويجية، وأستاذ مادة الأنثروبولوجيا في جامعة بوسطن، وأندريه غينغريتش، الأستاذ في قسم أنثروبولوجيا الاجتماع والثقافة في جامعة فيينا، ورئيس وحدة الأنثروبولوجيا في الأكاديمية النمساوية للعلوم، وروبرت باركن، المحاضر في أنثروبولوجيا الاجتماع في جامعة أوكسفورد، وسيدل سيلفرمان، الرئيس الفخري لمؤسسة فينير غرين للبحوث الأنثروبولوجية، والأستاذ الفخري للأنثروبولوجيا في جامعة نيويورك العامة.
كما تعاون على ترجمته أبو بكر باقادر، الباحث السعودي وأستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة الملك عبد العزيز، وإيمان الوكيلي، الباحثة المغربية في حقول علم الاجتماع والأنثروبولوجيا.
السلام عليكم
بارك الله فيكم على هذه الكتب القيمة و التي حقا استفدنا منها ، من فضلك اريد نسخة من كتاب الانتوبولوجيا حقل علمي واحد و اربع مدارس