كتاب: الأنثروبولوجيا، مفهومها وفروعها واتجاهاتها

كتاب:  الأنثروبولوجيا، مفهومها وفروعها واتجاهاتها

المؤلف: محمد سعيدي

الناشر: دار الخلدونية 2013

عدد الصفحات: 94 صفحة

مبروك بوطقوقة

في مقدمة الكتاب يذكر المؤلف أن فكرة كتابة الكتاب هي نتاج ألم ومخاض عسير يعود تاريخه إلى سنوات الثمانينات، أثناء التحاقه كأستاذ بمعهد الثقافة الشعبية بجامعة تلمسان ومعايشته للمعاناة التي كان يعانيها الطلبة الجامعيون في مادة الأنثروبولوجيا، والمفاهيم المغالطة التي كانت تحيط بهذا العلم،  وقلة الكتاب الأنثروبولوجي باللغة العربية ، مما جعل المؤلف يقطع عهدا على نفسه بطباعة محاضراته التي كان يلقيها على طلبته في كتاب حتى تعم فائدته، إلا أن تحقيق الفكرة كان يتأجل في كل مرة لأسباب كثيرة وهو الأمر الذي سمح لمحتوى الكتاب أن ينضج ويتطور ويتنقح ليصبح على الهيئة التي تم اخراجه فيها اليوم.

لعل المقدمة النقدية للكتاب هي أهم محتوياته حيث قام المؤلف بمقاربة نقدية ممتازة لمفهوم الأنثروبولوجيا وتاريخها مبينا المزالق المنهجية والمعرفية والأخلاقية التي انحرفت بالأنثروبولوجيا من مسار العلم الموضوعي إلى مسار الإيديولوجيا المركزية الاستعمارية ومفندا للمغالطات التي تنشر حولها ومدافعا عن أطروحاتها ومنوها بالجهود التي بذلها الجيل الثاني من الأنثروبولوجيين من أجل تخليص الأنثروبولوجيا من الانحرافات التي وقع فيها الآباء الأوائل على مستوى المفاهيم والمصطلحات والمراجعات الكبيرة التي قاموا بها لجعل الأنثروبولوجيا علما انسانيا موضوعيا.

كما حاول المؤلف شرح مفاهيم الإثنوغرافيا والإثنولوجيا والأنثروبولوجيا وتاريخها وعلاقتها ببعضها البعض بأسلوب سهل وبسيط ومفهوم.

القسم الثاني للكتاب خصصه المؤلف للحديث عن  الأنثروبولوجيا والعلوم الإنسانية وتطرق فيه لعلاقة الأنثروبولوجيا باللسانيات وعلم الآثار كما خصص جزءا لمناقشة إشكالية العلاقة بين التاريخ والأنثروبولوجيا والصراع بين اتجاهين يرفض أحدهما رفضا مطلقا استخدام التاريخ في مقاربة الظواهر الانسانية على أساس أنها لا تقدم جديدا وبين اتجاه يذهب الى الاستعانة بالتاريخ للمساعدة في فهم هذه الظواهر

كما خصص المؤلف جزء لا بأس به لمناقشة العلاقة بين الأنثروبولوجيا والاستعمار ساردا المسارات التاريخية لهذه العلاقة بدء من نشوء الأنثروبولوجيا في حضن الاستعمار كعلم مساعد في السيطرة على الشعوب المستضعفة واستنزاف ثرواتها  وهي التهمة التي ظلت تلاحق الأنثروبولوجيا إلى يومنا هذا، كما أشار إلى حالة الوعي الجديدة المطالبة بتحرير الأنثروبولوجيا من الأحكام المسبقة والإيديولوجيا واستخدامها من أجل المساهمة في تطوير المجتمعات النامية.

القسم الثالث من الكتاب خصصه المؤلف لفروع الأنثروبولوجيا الثلاثة الكبرى والتقليدية والتي تعد المصدر الرئيسي لبقية فروعها وتخصصاتها وهي الأنثروبولوجيا الفيزيائية والثقافية والاجتماعية وشرح فيها مواضيع كل فرع ومفاهيمه ومناهجه ومصطلحاته.

القسم الرابع والأخير خصصه المؤلف لاتجاهات الأنثروبولوجيا ومدارسها مركزا على أربع تيارات أساسية وهي الاتجاه التطوري والانتشاري والوظيفي والبنيوي حيث شرح الأسس المعرفية والفلسفية التي قام عليها كل اتجاه وأهم مؤسسيه ورواده وأهم الانتقادات التي وجهت اليه.

والخلاصة أن الكتاب على صغر حجمه قد حقق ما يرنو إليه من أهداف وعلى رأسها التعريف بالأنثروبولوجيا و فضاءاتها المعرفية والمنهجية  والعمل من أجل نشر الوعي المعرفي الخاص بالأنثروبولوجيا ضمن الصيرورة التعليمية والفكرية والثقافية العربية كما أن بساطة لغته وسلاستها يجعل أفضل كتاب للقارئ العادي الذي يرغب في فهم هذا العلم والاطلاع على أساسياته.