لتحميل الكتاب أنقر فوق صورة الغلاف أو أنقر هنا
إذا واجهت مشكلة في تحميل الكتاب أنقر هنا
الكتاب: أوراق في الثقافة الشعبية
تأليف: عبد الحميد حواس
سلسلة: الدراسات الشعبية، العدد 102
الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة
الطبعة: 2005
مؤلف هذا الكتاب “أوراق في الثقافة الشعبية”عبدالحميد محمد حواس، مستشار أبحاث الثقافة الشعبية بمركز البحوث العربية والأفريقية، وهو أستاذ بالمعهد العالي للفنون الشعبية “أكاديمية الفنون” بالقارة، وعضو في العديد من اللجان مثل لجنة الفنون الشعبية وجمعية بحوث القص الشعبي الدولية.
وتأتي أهمية كتابه “أوراق في الثقافة الشعبية” في أنه يحوي اثني عشر بحثًا في الثقافة الشعبية المصرية تعتمد منهجية التحليل الثقافي للظواهر الفولكلورية والبنائي أيضًا من أجل ثقافة وطنية تبني على محاولة فهم التناقض بين “الثقافة العالمة” ثقاقة النخبة و”الثقافة الشعبية” ثقافة السواد أو عموم الناس في الريف والبادية والحضر ودراسة الازدواجية الثقافية.
في الفصل الأول يقدم المؤلف أشكال الأغاني الشعبية النسوية، التي تم تحديدها على النحو التالي: أغاني الحمل والوضع، أغاني الهدهدة وتنويم الأطفال، وأغاني حث الأطفال على المشي والنظام… إلخ وهذه الأشكال الغنائية لها خصائصها الشكلية سواء من حيث التركيب الشعري لغويًا، أو من حيث التكوين الغنائي الموسيقي في الهيئة واللحن والإيقاع، وهي خصائص جلية بالنسبة لأبناء مجتمعها حتى إنهم يستطيعون تمييز أي من هذه الأشكال فور سماعها.
وهناك أغاني ترددها النساء تعبر عن الصوت الجمعي المشترك، الذي يبث القيم ويعززها ونجد هذا الصوت يتجلى في تكوينات متباينة، وتظهر فيها تنغيمات على اللحن الأساسي، ومن هذه الملامح المخصوصة كما تتبدى في الأغاني المرتبطة بمناسبة العرس بمراحله وإجراءاته المختلفة مثلًا، فتمجد هذه الأغاني المرأة العروس بصور منمطة تركز على صفاتها الجسدية باعتبارها موضع رغبة.
• وضع المرأة
وتهدف هذه الأغاني أيضًا إلى تعزيز مكانة العروس معنويًا فيأتي من مكانة أهلها، وتظهر المرأة عمومًا هنا بوصفها “متاعًا” يتبادله عالم الرجال، وتبرز الأغاني في هذا السياق ما يردده الأنثروبولوجيون عن القيمة التبادلية للمرأة في عالم الرجال، ومن المعاني المكررة في هذه الأغاني معاني الاقتناء والشراء والبيع، إذ يتوجب على العربي وأهله أن يظهروا تقديرهم للزيجة بمظاهر عينية تدفع من المقابل، بينما يغالى أهل العروس في إبراز قيمة المقابل بمظاهر حية، وها هي أغنية فلسطينية تتحدث عن البيع والشراء وهي تمدح العروسة:
يا سعدي طيرك دهب ** مادمتها صيانع
يا سعد اللي اشترى ** ويعوض على البايع
ونرى أحد صور رفض الأغاني، التي يهيمن عليها الصوت السائد بما تمثله وتعبر عنه اللجوء إلى التوقف عن تداول الأغاني واستعارة الأغاني الدارجة، التي كان يذيعيها الراديو، ثم ما أصبحت تشيعه أجهزة التليفزيون وشرائط الكاسيت، وقد يتم استعارة بعض هذه الأغاني المذاعة أو تتم عملية تعديل وتكييف لبعضها ليتوافق مع الأغراض والأذواق والتكوينات المحلية، ولكنها في كل حال أخذت تزيح جانبًا من مأثور الأغاني الشعبية وتحل محله.
ويرى المؤلف أن استخدام الثقافة الشعبية لمفهوم الدولة “لفظ الحكومة” يأخذ وجهين: فهو من جهة يتضمن تجريد مفهوم السلطة، التي تقف على رأس المجتمع وتفرض هيمنتها بواسطة قرارات علوية وأجهزة تنفيذية ذات طبيعة، وتوطد نظامًا يعتمد على قانون متعالٍ، ومن جهة أخرى نجد أن الاستعمال الشعبي لكلمة الحكومة تشير إلى تجسيد هذه السلطة المجردة في أجهزة تنفيذية وخاصة في الرتب والوظائف الرسمية المتصاعدة للقائمين على التنفيذ، وعلى الأخص في رجال الشرطة، وما يرتبط بتنفيذهم لقرارات النظام من إجراءات قهرية.
• التصور التاريخي
أما عن التصور الشعبي والتاريخ، فنرى أن الثقافة الشعبية قد صاغت تاريخها عن طريق السير والحكايات والنوادر والموال القصصي، بيد أنها ابتعدت عن الأخذ المباشر من الوقائع التاريخية “سوى النويات التكوينية” واعتمدت عملية ترميز تحويلية قد تغرب فيها بالأحداث والشخصيات والمواقف، لكي تباين الواقع التاريخي، حتى وإن أدى إلى انتقالها إلى عالم خرافي، ولعل أبرز مثال على ذلك الدائرة القصصية الشعبية، التي لا تزال تتواتر عن الإمام علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ وسعيه الدائب لنشر الحق وبسط العدل وإقامة دولة الضعفاء في أرض سادها الكفر والظلم والطغيان.
• عروق درامية
أما عن ثقافة الطفل الدرامية يذكر المؤلف أن أبرز الأنواع الفنية، التي يتداولها الأطفال ويبرز فيها خصوصية إبداعهم الأدبي واستقلاليته عن إنتاجات الكبار، فأغاني الأطفال المصاحبة لألعابهم هي في الواقع الوجه القولي المصاحب لحركة اللعبة وإشاراتها.
وهذا يعني أننا لن نتمكن من فهم الأغنية كلماتها وتراكيبها وصورها إذا انتزعناها بعيدًا عن إيماءات اللعبة وتركيبها والحركة الجسدية للاعبين، وهذا يعني أن تتجه محاولة منهم بداية لفك إجراءات اللعبة وحل رموزها لاستخراج الدلالة الكامنة في ممارسة اللعبة.
ويلاحظ المؤلف أن ألعاب البنات أقل عددًا وحركة من ألعاب الصبيان، ولكنها في المقابل أكثر ثراءً وصولًا بالجانب الفني، سواء من حيث الظواهر التمثيلية أو التعبيرات الغنائية، ويبدو أن الصغيرات يبدأن تدريبهن على الألعاب التمثيلية بلعبة الدور “البيوت” والتنويعات القريبة منها، مثل: لعبة “الزيارة” أو “العزيمة” وأضرابهما، والأساس فيها جميعًا هو تخطيط لإحدى الدور وتوزيع الوحدات السكنية بها في حدود الأدوات والخامات المتاحة للاعبة، ثم تبادل الزيارات بين المشاركات وتوزيع “أدوار” المضيفات والضيفات والقيام بواجبات الضيافة والعزيمة وما إلى ذلك.
• السيرة الهلالية
يرى الباحث أن رواية وقائع السيرة الهلالية يقوم بها أشخاص احترفوا الرواية في الوقت نفسه الذي لا يزال غير المحترفين يرون جوانب من وقائع هذه السيرة، وذلك داخل المدارس المتميزة التالية، وهي الحكي سردًا لقص أحداث أو مواقف لشخصيات تنتمي لهلالية الحكي سردًا لقص الأحداث والمواقف مع إيراد بعض الأشعار على لسان إحدى الشخصيات أو لتصوير موقف، وأخيرًا الحكي سردًا لقص الأحداث مع الترنم بالأشعار، التي تردد على لسان إحدى الشخصيات.
والملاحظ أن الرواية في هذه المدارس الثلاث تعتمد على السرد الذي يقر بها من نمط الحكاية الشعبية شكلًا وأداءً، ودخول الشعر في السرد والترنم به لا يبعدها كثيرًا عن نمط الحكاية الشعبية، وإذا عرفنا أن غير قليل من الحكايات الشعبية تتضمن بعض الأشعار والأغاني.
• رواة السيرة
أما مدارس رواية وقائع فن السيرة الهلالية عند المحترفين، فالملاحظ أن الأداء الغنائي يبرز أمامنا كسمة أساسية فارقة عن الرواية غير المحترفة، ومن هذه الطرق طريقة في الرواية تعتمد على الصوت البشري بتلوين وسرعة خاصتين، والتحكم في شدة الصوت ارتفاعًا وانخفاضًا مع تقطيع فقرات وشطرات النص الشعري، الذي يلقى.
وهناك أيضًا الغناء المدائحي وتكون فرق المداحين مصاحبة بأربعة دفوف، وفي تلك الحالة يجلس اثنان منهم في ناحية من مجلس الغناء السامر، بينما يواجههما في الناحية الأخرى الآخران، وتتبادل المجموعتان توقيع “ضربين” أساسيين يصطلح عليهما بالفردة والجوز، وتقوم مجموعة العازفين بالرد على المغني، أما “بلازمة” غنائية ثابتة حسب القصة المغناة أو بتردد الشطر الأخير من الغناء المغني لمرتين أو أكثر.
• نوادر فكاهية
يشير المؤلف إلى أن المصادر العربية القديمة ذكرت شخصا اشتهر بلقب “جحا”، وتتفق هذه المصادر على أن كنيته كانت “أبو الغصن” بينما اختلفت في صحة اسمه، وإن كان أغلبها يقول: بأنه “وجين بن ثابت”، وتقول هذه المصادر: أنه نسب إلى “جحا”، هذه فكاهات قد يكون هو صاحب بعضها ولكن بعضها موضوع عليه.
أما الصورة المتحصلة من النوادر والأخبار التي رويت عن “جحا” تلك المصادر أنه كان أحمق لدرجة أن بعضهم شاهده يحفر موضعًا بظهر الكوفة فسأله عن السبب، فقال: إني دفنت في هذه الصحراء دراهم، ولست أهتدي إلى مكانها، فلما قال له السائل: كان ينبغي أن تجعل عليها علامة، قال: لقد فعلت قد علمت المكان بسحابة كانت تظله.
وإلى جانب النوادر القديمة، التي تصور حمقه نسبت إليه مجموعة أخرى تؤكد هذه الصفة، كالنادرة التي تحكي أن أحمقين كانا يمشيان في الطريق، فقال أحدهما للآخر: تعال فتمنَ، فقال أولهما: أتمنى أن يكون لي قطيع من الغنم عدده ألف، وقال الآخر: أتمنى أن يكون لي قطيع من الذئاب عدده ألف ليأكل غنمك، فغضب الأول، فمر بهما جحا، وعرف منهما القصة وكان جحا محملًا حمارة قدرين مملوءين عسلًا، فأنزل القدرين وكبهما، وقال: الله يهرق دمي مثل هذا العسل إن لم تكونا أحمقين، وكانت تلك النادرة تروي من قبل أحد الحمقى المجهولين.
وأخيرًا يقول المؤلف: لقد حدث الكثير من صور التعديل والتكيف لصورة جحا في مصر، فلقد سواه المصريون مصريًا لحمًا ودمًا، ففي مصر أصبح جحا أكثر ميلًا للفقر الاجتماعي والسخرية من الأوضاع الفاسدة، وصارت أبرز سماته الذكاء الماكر، وغدا صاحب حيل يرد الصاع صاعين حتى أصبحت تضرب بحيله الأمثال وكثير من أسماء نوادره، التي من هذا النوع يكف ليكون مثلًا أو قولًا مأثورًا، من ذلك مثلاً “مسمار جحا” بلوك فين يا جحا؟” عد غنماتك يا جحا واحدة واقفة وواحدة نايمة.. إلخ، وعلى هذه الصورة تكاملت نوادر جحا وأخذت شكلها الأخير وإن لم يكن النهائي، لتصبح الواجهة البارزة التي تعبر عن النادرة العربية وتكثف سماتها.