الكتاب: ألوان من التراث الشعبي في العراق
عدد الصفحات :161
عرض: محفوظ فرج ابراهيم
ألوان من التراث الشعبي في العراق تأليف الأستاذ محمد رجب السامرائي كتاب صدر عن الموسوعة الثقافية وهي سلسلة ثقافية شهرية تصدر عن دار الشؤون الثقافية العامة بغداد
وقد تضمن الكتاب ظواهر اجتماعية مهمة في حياة العراقيين عبر التحولات الحضارية في تاريخ العراق وقد قسم الباحث كتابه على فصول خمسة كان الفصل الأول : المطر وظاهرة الاستسقاء والفصل الثاني: محمل الحج والثالث : رمضان وعيد الفطر والرابع: صور من الألعاب الشعبية والخامس: عادات وتقاليد الزواج
وحسنا فعل الباحث الكريم حين أعطى الفصول الثلاثة الأولى تلك العناية لأنها ترتبط بالدين وشعائره مما يوضح أن للعقيدة اثر كبير في إبداع الشعب ظواهر اجتماعية فلكلورية سامية
ففي إشارة الباحث في الفصل الأول عن المطر وظاهرة الاستسقاء وجد أن الآثاريين قد عثروا على دمى لبنات تشبه ألعاب الأطفال في منطقة تل الصوان جنوب سامراء وأوضحت هذه الدمى على اختلاف اتجاه شعر رأس البنات الذي توزع في الاتجاهات الأربعة حيث أشار الدكتور فوزي رشيد بأنهم خلال تدقيقهم في هذه الدمى وجدوا بان هناك طقوسا كانت تمارس عند سكان منطقة سامراء قبل الميلاد لأنها منطقة تقع تحت الخط المطري الممتد منها شمالا ليصل مدينة بيجي في محافظة صلاح الدين وتبين من الدمى المكتشفة بأن طقوس النساء كانت تتمثل بتطويل شعر الرأس والقيام بتشكيل دائرة منهن ليقمن بعد ذلك بهز شعر الرأس في مختلف الاتجاهات لكي يثرن تراب الأرض وليتصاعد إلى الأعلى في الجو ثم يثير الطبقات العليا للجو التي تساعد على استنزال المطر
وقد ربط الباحث ذلك بالاستسقاء الحديث في سامراء مباشرة على انه كان بودي لو أشار إلى الاستسقاء قبل ذلك كأن يذكر الاستسقاء عند الجاهليين مثلا*نار الاستسقاء:
وفي تراث العرب الجاهليين نجد طقساً غريباً للمطر يُعرف بنار الاستسقاء، يقول الجاحظ عنها: “ونار أخرى، وهي النار التي كانوا يستمطرون بها في الجاهلية الأولى. فإنهم كانوا إذا تتابعت عليهم الأزمات، وركد عليهم البلاء، واشتدّ الجدب واحتاجوا إلى الاستمطار. اجتمعوا، وجمعوا ما قدروا عليه من البقر، ثم عقدوا في أذنابها، وبين عراقيبها السَّلع، والعُشَر. ثم صعدوا بها في جبل وعر، وأشعلوا فيها النيران. وضجّوا بالدعاء، والتضرّع. فكان يرون أنّ ذلك من أسباب السُقّيا. ولذلك قال أميّة (5):
سنة أزْمةٌ تخيّلُ بالنا سِ ترى للعِضاهِ فيها صريرا
اذِ يسفُّون بالدَّقيق وكانوا قبلُ لا يأكلون شيئاً فطيرا
ويسوقون باقراً يطردُ السَّهلَ مهازيلَ خشيةً أن يبورا
عاقدين النيّران في شُكُرِ الأذ نابِ عمداً كيما تهيجُ البحورا
فاشتوت كلُّها فهاج عليهم ثم هاجت إلى صَبيرٍ، صَبيرا
فرآها الإلهُ تُرْشِمُ بالقطرِ، وأمسى جَنابُهم ممطورا
ويذكر دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء فقد روي أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام جدب فقال أتيناك يا رسول الله ولم يبق لنا صبي يرتضع ولا شارف يجتر :
أتيناك والعذراء يدمى لبانها = وقد شغلت أم الرضيع عن الطفل
وألقى بكفيه الفتى لاستكانة = من الجوع حتى ما يمر ولا يحلي
ولا شيء مما يأكل الناس عندنا = سوى الحنظل العامي والعلهز الغسل
وليس لنا إلا إليك فرارنا = وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فقام النبي صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله واثني عليه وقال :
((اللهم اسقنا غيثا مريئا مريعا سحا سجالا غدقا طبقا ديما درراء تحي به الأرض وتنبت به الزرع وتدر به الضرع واجعله سقيا نافعة عاجلا غير رائث))
فوالله مارد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى نحره حتى ألقت السماء أرواقها وجاء الناس يضجون الغرق الغرق يارسول الله فقال:
((اللهم حوالينا ولا علينا)) فانجاب السحاب عن المدينة حتى استدار حولها كالإكليل فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ينظر في ذلك المعجم الكبير للطبراني 25/ 216 والقصد من ذلك كلاه ان الاستسقاء لا يخص سامراء وحدها ولكنها اختصت بطابع يميزها
وقد كان الأستاذ محمد رجب رائعا حين نقلنا إلى الأناشيد الشعبية عند سقوط المطر انه يلامس إكسير الحياة في التفاتاته الجميلة إلى مطر مطر عاصي أو طلعت الشميسة
أما الفصل الثاني وهو محمل الحج فأكاد أقول أن الباحث قد أوفى بالموضوع من جميع جوانبه وتدرج بالمحمل العراقي إلى الحج في الإحاطة به من جميع جوانبه التاريخية والأخلاقية وقد كان دقيقا في الاعتماد على الخبر الموثوق به وهذه هي مزية الباحث الوفي لتاريخه إذ وضح ما يخص المحمل وذكر آبار على إحرام العراقيين وكذلك إمارة وامن طريق الحج العراقي وذكر أمور الحج عند العباسيين والمهدي والثلج في مكة والرشيد يحج ماشيا ودرب وعين زبيدة زوج الرشيد وطريق حاج البصرة و أربعة وعشرين منزلا من البصرة إلى مكة والحج في ذاكرة الرحالة وابن جبير والأمير العراقي ونقل الكسوة على أربعة جمال وابن بطوطة مع ركب العراق ووداع واستقبال الحجاج في العراق في القرن العشرين
وكان بودي أيضا لو التفت الكاتب النبيه إلى محمل الحج العراقي في العصر الأموي وكذلك أحببت أن يطلع على الرحلة المكية للعلامة الشيخ عبد الله السويدي وهي بتحقيق الدكتور عماد عبد السلام رؤوف
في الفصل الثالث رمضان وعيد الفطر ينقلنا الكاتب إلى طقوس وشعائر وعادات جميلة ورائعة على امتداد شهر رمضان الكريم في بلاد المسلمين ومن ثم يخص العراق بالعادات الشعبية المتوارثة فيه أيام رمضان والعيد عيد الفطر انها رحلة ممتعة يذهب بنا عن طريق الرحالة وعن طريق علمه هو ومعرفته هو لانه نشأ في مدينة عريقة هي مدينة سامراء
في الفصل الرابع صور من الألعاب الشعبية يعيد الذاكرة إلى أيام الصفاء والنقاء
الجلكة الدامة الختيلة المصاريع الدعبل وصلنة لو بعد الحاح السنبيلة ويذهب الى العاب البنات مثل طم خريزة ويلي يا رمانة توكي والطاش الخ وكلها لعب الفها الكاتب الحصيف من بيئته
في الفصل الخامس عادات وتقاليد الزواج كان هذا الفصل هو أوسع دراساته في الكتاب وقد تناوله زمانا ومكانا بشكل واسع فعلى مستوى التاريخ ذهب الى طقوس الزواج في حضارات العراق القديمة يعني ذلك انه ذهب إلى ستة آلاف عام قبل الميلاد وفي المكان ذهب إلى الشمال كالزواج في الموصل وأهل القوش وتكريت في احتفال الدبكة والساس وسامراء مبارك عرسك يا خونه والكاظمية والحلة والزواج عند الصابئة والزواج في البصرة
وفي الختام أقول انه بحث بذل فيه الكاتب جهدا يستحق منا الوقوف عنده والثناء عليه لما فيه من توجيهات تربوية وعادات كلها تنطق بالدعوة الى المحبة والألفة بين العراقيين
شكرا جزيلا للاستاذ محمد رجب السامرائي وفقك الله لما فيه الخير