إعداد الأستاذة باشيخ أسماء – جامعة أدرار “دولة الجزائر”
لطالما عرفنا أن المفاهيم تمتلك دورة حياتية شأنها شأن الانسان فهي تولد وتحيا ثم تموت، والمفهوم هو أساسا إشارة ترميزية لواقع ما، مع أنه كثيرا ما تكرس تلك القطيعة بين الواقع والعلم بحيث نجد للمفهوم دلالات في الواقع تختلف عنها في المعرفة العلمية، اذ قد يشار فقط الى بعض جوانب الواقع أو قد يأتي بفكرة مناقضة للواقع تماما.
وفي الحديث عن مفهوم “ذوي الاحتياجات الخاصة” نجد أنه مفهوم وكأنه يريد الاشارة الى جماعة ما بعينها ومن ثمة فهو يقصي جماعات أخرى على وجه التحديد والقصد، وذلك بغية تمييز تلك الفئة عن غيرها من شرائح المجتمع، ناهيك عن أنه مفهوم قد ارتبطت به مفاهيم عدة كالعاجزين، المعاقين، ذوي العاهات، غير العاديين… وغيرها.
لنجد أنفسنا بذلك في خضم مفاهيم عدة نتساءل أحيانا على وجه الربط بينها: هل هي مرادفات أو متضادات أو أن بينهما علاقة احتواء؟
فربما يكون لكل مفهوم مناسباته، حيث يفضل استخدام مصطلح “غير عاديين” عندما نكون بصدد الحديث عن أولئك الأفراد اللذين ينحرفون عن أقرانهم من نفس السن والجنس بدرجة ملحوظة سواء ايجابيا أو سلبيا، بحيث يلزم تقديم خدمات خاصة لهم، أما مصطلح “معاقين” فغالبا ما يستخدم لوصف أولئك الأفراد اللذين ينحرفون سلبا عن أقرانهم العاديين بدرجة ملحوظة وبصورة مستمرة من جراء قصور بدني أو حسي أو ذهني، وينشأ ذلك نتيجة اصابة الجهاز العصبي المركزي أو اصابة احد الحواس أو غيرها من أعضاء الجسم نتيجة مرض طارئ أو عيب وراثي تكويني، وينتج عن ذلك عدم قدرة الفرد “المعاق” الاستجابة لمتطلبات الحياة اليومية في مجتمع معين بصورة عادية.
فإذن الفاصل هنا هو صبغة الانحراف عن – العادي – هل هي سلبية أم إيجابية؟ فإذا كانت سلبية فهو يحمل مسمى “معاق”، هذا مع أن اصطلاح “غير عادي” يضم الاثنين معا [من كان انحرافه عن العادي سلبيا أوايجابيا] فكلا الحالين هو “غير عادي”.
في حين يُقترح اصطلاح “ذوي الاحتياجات الخاصة” كبديل انساني أكثر منه اصطلاحي، حيث هو بحسب الكثيرين اصطلاح لا يترك تأثيرا سلبيا على هذه الفئة، اذ هناك من ينبذ تلك المفاهيم التي فحواها الاشارة الى صفة سلبية في هذه الفئة «ونذكر هنا مثلا مصطلح “غير العاديين”، و “العاجزين” و”المعوقين”، و “غير الأسوياء”… وغيرها من التسميات المنبوذة التي لا تعكس إلا الآثار السلبية على الفرد وأسرته؛ لأنها في مكنونها تدل على الضعف والاختلاف السلبي، والأبرز من ذلك الوصمة الاجتماعية بالقصور والعجز، بدل البحث عن الإيجابية والكفاءة في شخصياتهم»[1].
وعلى العموم نجد اصطلاح “ذوي الاحتياجات الخاصة” هو أشمل الاصطلاحات، اذ يضم المعاق والعاجز والمتفوق، فهو يضم كل من شكلت حالته انحرافا عن المتوسط المتعارف عليه اجتماعيا، ويطلق هذا المصطلح لكونهم بحاجة الى رعاية خاصة غير أولئك العاديين .
وهذا الاصطلاح كما سبق لنا الذكر تم التوجه اليه بدواعي انسانية أكثر من أي شيء آخر، وذلك حفاظا على الأثر الذي قد يخلقه على نفسية هذه الفئة وعلى ذويهم، هذا مع أن المشرع الجزائري يبقى محافظا على اصطلاح “معاق” في تحديد حقوق هذه الفئة حيث نجد في المادة 02 من القانون 09/02 «يُعرف المعاق أنه كل شخص مهما كان سنه وجنسه يعاني من إعاقة أو أكثر وراثية أو خلقية أو مكتسبة، تحد من قدرته على ممارسة نشاط أو عدة نشاطات أولية في حياته اليومية الشخصية والاجتماعية نتيجة لإصابة وظائفه الذهنية و/أو الحركية و/أو العضوية الحسية».
أما عن التعريفات السوسيو ثقافية نجدها مثلا تشير الى هذه الفئة «على أنه ينتسب اليها كل شخص فقد الكثير من قدرته على أداء أدواره الاجتماعية بسبب عجزه كما يحيطه ذلك بدائرة من القلق والخوف على مستقبله ومستقبل أسرته»[2].
فذوي الاحتياجات الخاصة هي فئة بحسب المعيار الاجتماعي تعد استثنائية لأنها تخرج عن القاعدة الاجتماعية في عدة نواحي خاصة في ممارسة الأدوار الاجتماعية، وفي التفاعل الاجتماعي، وكذا في الانطباعات الاجتماعية نحوهم.
إلاّ أن الشائع عند الاستعمال توظيف هذا الاصطلاح “ذوي الاحتياجات الخاصة” للمصابين بعاهة ما مهما كان مجالها، ولا يشار كثيرا إلى أن من ضمنهم فئة المبدعين والعباقرة والمتفوقين (لأنهم أيضا بحسب القاعدة العلمية يعدون ضمنها)، فهم أيضا بحاجة الى رعاية خاصة للحفاظ على تفوقهم وابداعهم، ومرد تلافي الحديث عن هذه الأخيرة عند الحديث عن ذوي الاحتياجات الخاصة، أن أصحاب العاهات هي الفئة المتضررة وهي التي تحظى بسوء المعاملة الاجتماعية في أحيان كثيرة، ولكن العباقرة والموهوبين هم محل فخر اجتماعي ومحل مجاملة وتقدير، الأمر الذي لا يستدعي كثيرا الوقوف عندهم، هذا بالرغم من أن الدراسات العلمية باتت تثير تساؤلات نفسية واجتماعية وثقافية حولهم خاصة في سمات التفوق والإبداع.
وفي خضم هذا الاشكال المفاهيمي يمكن القول أن المفاهيم هي أساسا عبارات تجريدية حيادية ولا علاقة لها بالسلبية والايجابية إلا ما يعطيه لها الوسط الثقافي، فكما يقول “الثقافويون” إن جميع المفاهيم الاجتماعية لا معنى لها إلا ما تعطيه لها الثقافة من معنى، فمفهوم معين مثلا قد تكون له دلالة مستحسنة في مجتمع ما وفي آخر قد يكون له مدلول مناقض تماما، فالثقافة بذلك هي روح المفاهيم المجتمعية.
فعندما نقول “معاق” أو “عاجز” أو “غير عادي” أو “ذو احتياجات خاصة” كلها مفاهيم مجتمعية من أعلى أو أدنى من مضمون دلالاتها، فالإشكالية هنا ليس بتغيير المفاهيم بل بتغيير النظرة لهذه الفئة لكي تتغير دلالات المفاهيم تبعا لذلك.
فالفرد عندما يحتقر شيئا ما سيصبح أي مفهوم له ارتباط به محل احتقار أيضا، لأن الأفراد لا تحتقر المصطلح لذات المصطلح بل تحتقر الشيء المنسوب للمصطلح، فإذن عندما نقول أن “ذوي الاحتياجات الخاصة” هو اصطلاح فيه اشارة الى الايجابية وندعو الى التحول نحوه هو أمر اجتهادي غير جاد كثيرا، لأنه غيّر الاصطلاح دون تغيير المعنى، فالأرجح هو أن تتغير الرؤية الاجتماعية لهذه الفئة لكي تتغير مضامين المفاهيم كتحصيل حاصل لذلك.
الأستاذة باشيخ أسماء:
أستاذة بقسم العلوم الاجتماعية بجامعة أدرار ـ دولة الجزائر.
حاصلة على شهادة التفوق العلمي لسنة 2010 من الجامعة الافريقية (أدرار) الأولى على مستوى الجامعة.
مختصة في علم اجتماع ( حاصلة على دبلومين: دراسات عليا في سوسيولوجيا التنظيم والعمل/ ودراسات عليا في سوسيولوجيا التربية والدين).
حاصلة على شهادات في التنمية البشرية والتدريب والاستشارة.
مشاركة في عدة مؤتمرات دولية ووطنية وكذا المشاركة في النشر العلمي بعدة مقالات في مجلات محكمة وفي مجلات الكترونية.
الاهتمام العلمي: قضايا التنظيم والعمل والمانجمنت، القضايا المنهجية، القضايا الأنتروبولوجية، وقضايا الفكر العربي والثقافة المشرقية.
الايميل: asma.bachikh@yahoo.fr
الهوامش:
[1] عبد الرحمان سيد سليمان، سيكولوجيا ذوي الاحتياجات الخاصة، مكتبة زهراء الشروق،ج1، القاهرة، 1999، ص 12
[2] نفس المرجع، ص 20.
شكرا أستاذنا الفاضل وهناك مقترح أصطلاحاأخر على هذه الفئة وهو ذوي الكفاءات الخاصة