عن دار الأهلية، عمّان، صدر كتاب جديد للكاتب زكريا محمد بعنوان: (ذات النحيين: الأمثال الجاهلية بين الطقس والأسطورة). الكتاب الجديد دراسة في أديان العرب قبل الإسلام، لكن من خلال الأمثال الجاهلية هذه المرة. الاستنتاج المركزي لهذا الكتاب هو أن كثرة من الأمثال الجاهلية هي متحجرات طقسية وأسطورية، وأنه لا يمكن فهمها إلا على هذا الأساس. أما الغموض الذي تبديه هذه الأمثال ناتج عن فصلها عن قاعدتها الدينية. تقول مقدمة الكتاب: (يستطيع المرء تشبيه وضع الأمثال الجاهلية بتمثال فقد قاعدته التي نقشت عليها المعلومات الخاصة به، وبمن نصبه، وبالعهد الذي نصب فيه. فمن دون العثور على هذه القاعدة لا يمكن رد التمثال إلى أصله، ولا إلى عصره المحدد. يجب العثور على قاعدته، وإعادة نصبه عليها كي نفهمه. وكذا الأمر في ما خص المثل عموما. إذ يجب أن نعيد نصبه على قاعدته الدينية حتى نتمكن من فهمه وفهم مغزاه).
أما الاستنتاج الآخر الذي يصل إليه الكتاب فهو أن المثل ربما يكون ولد في الأصل في خيمة الكاهن لا في السوق، أي أن الأمثال الجاهلية، في غالبيتها، ملكية ميثولوجية دينية قبل أن تكون ملكية لغوية أدبية، وأنها: (أفلتت من أيدي الكهنة، لتتلقفها أيدي اللغويين. أي أنها انتقلت من ملكية كهنة المعابد إلى ملكية كهنة اللغة. مما أدى كل هذا إلى أن سكن المثل في بيت غير بيته، أي في كتب اللغة والأدب، لا في كتب بيت الطقوس والأساطير. وقد أمضى المثل في هذا البيت المستعار ما يقرب من خمسة عشر قرنا).
يستعرض الكتاب أكثر من أربعين مثلا جاهليا، بعضها شائع، وبعضها الآخر لا يعرفه إلا اللغويون، ويحاول أن يبين أصلها الديني، واصلا إلى أنه يستحيل فهم أديان العرب من دون فهم المثال الجاهلية.
والكتاب يربط بعمق بين المثل والأسطورة: (المثل أداة رئيسة من أدوات الأسطورة. تختصر نفسها به، ثم تعيد نفسها من جديد عبر قصته. فالأسطورة ملزمة، كي تعيش، أن تختصر وتكثف، ثم أن تشرح وتطيل. هي لعب دائم على حبلي الاختصار والشرح. وفي هذا التوتر تعيش، ويعيش طقسها. أسطورة جذيمة الأبرش، مثلا، ليست أسطورة من دون المثل. المثل روحها، وأداتها الأولى. وتصاعدها، الذي يأخذ شكل الانتقال من مثل إلى مثل، ليس من اختراع لغويين مهرة، بل من اختراع كهنة، في غالب الظن… حلف المثل والأسطورة حلف متين وعميق، حد أنه يمكن القول أن المثل ابن للأسطورة، بل هو ابنها حقا).
كتاب (ذات النحيين..) استكمال لكتاب زكريا محمد السابق: (عبادة إيزيس وأوزيريس في مكة الجاهلية) وتعميق له وتطوير لاستنتاجاته المركزية، ودفع لها إلى آفاق جديدة.