أ. وعلي راضية
جامعة البليدة / الجزائر
إشكالية الدراسة
مع مطلع القرن الواحد والعشرين ومع كل ما حققه الإنسان من تقدم هائل في كافة الأصعدة والمجالات الحياتية، ومع كل ما يعيشه إنسان اليوم في عصر الحداثة والعولمة لم يستطع هذا التقدم أن يهدي إلى البشرية جمعاء السلام والرفق والمحبة والألفة،إذ تبقى هناك الكثير من مظاهر الهمجية والجاهلية الحاكمة في العصور الغابرة عالقة ومرسخة في النفس البشرية .
كما يشهد المجتمع الجزائري كغيره من المجتمعات سلسلة من التحولات مست جميع مكونات بنائه الاجتماعي و السلوكي و الأخلاقي ،و بالتالي أضفت على سلوك الإنسان جملة من التصرفات و الأدوار التي لم تكن موجودة من قبل في سياق النسيج الاجتماعي العام، و الذي ترتبت عليه سلوكيات جلبت انتباه الباحثين لكونها لا تتماشى مع القيم السائدة في المجتمع أو كما يعتبرها البعض بالسلوكيات الدخيلة و بالتالي تهدد المنجزات التي حققها الإنسان خلال السنوات الماضية أي الاستقرار المجتمعي ان صح القول، والأسوأ من ذلك كله عندما يتعدى ويمتد هذا العنف إلى الفئات الضعيفة في المجتمع منها العنف ضدّ النساء و الأطفال والتي تشكل اخطر مظهر من مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان ،فهي ظاهرة منتشرة في كل المجتمعات ولا تتقيد بالحدود الانثروبولوجة والإقليمية والدينيّة، إذ أن هناك العديد من الدراسات التي ساهمت بالتعريف بخطورة الظاهرة و نتائجها كما أوضحت أن العنف العائلي هو الخطر الأكبر الذي يهدد حياة أغلبية النساء، كما يمثل احد الأسباب الرئيسية لموتهن وقد ظلت المرأة مهددة في صلب عائلتها ومن قبل اقرب المقربين لها الذين يشكلون خطرا على حياتها وعلى نفسيتها و مستقبلا على أفراد عائلتها والتي أصبحت تتجاوز نتائجه ضحايا حوادث الطرقات ومرض السرطان.ومن هنا من خلال هذه الدراسة حاولنا البحث على:
أهم الخلفيات السوسيو ثقافية وراء انتشار ظاهرة العنف على المرأة عامة و انعكاساتها على الأولاد، وهذا بالتطرق الى التنشئة الاجتماعية التي لها الدور الفعال تكوين فكرة العنف
أولا : تنشئة المرأة العربية :
تشكل العائلة العربية عامة و العائلة الجزائرية خاصة مؤسسة نواتيه يتمحور حولها المجتمع ، و هذا لاتصالها العضوي بالمؤسسات الأخرى و كونها تقوم بعدة وظائف أساسية تشمل الإنجاب و التنشئة و الإعالة المادية و النفسية و التوسط بين الأفراد المجتمع ، حيث تعتبر” العائلة تقليديا المؤسسة الأولى التي تقوم بمهمة تنشئة الأجيال القادمة و إعدادها للعيش و العمل في المجتمع عن طريق تعليمها ثقافته الخاصة “(1).، القيم ، المبادئ ، العادات ، اللغة ، المهارات ، إلى جانب تكوين شخصيتها في العائلة ثم تأتي المؤسسات الأخرى كالمدرسة و الأحزاب و غيرها لتنم أو تعدل أو تغير ذلك،فتعمل المرأة العربية على المحافظة على القيم و العادات و التقاليد الموروثة من خلال الممارسات اليومية في الأسرة و المجتمع،لأنها تتوفر على جميع مقومات التماسك و الترابط الثقافي و الاجتماعي و الحضاري و التاريخي ، وهذا رغم تعرضها المستمر” للتأثرات الثقافية الخارجية نتيجة الاحتكاك و الاتصال الثقافي و الحضاري المستمر بين المجتمعات العربية و الغربية”(2) كون العائلة العربية تعمل على غرس و ترسيخ في نفوس أفرادها مبادئ القيم الدينية و الخلقية التي يعمل بها المجتمع ، و تعمل على إكسابهم السلوك الاجتماعي الذي يتماشى و تلك القيم السائدة في المجتمع و الذي تنقله عن طريق التربية من جيل إلى جيل (3) ذلك أن التنشئة الاجتماعية تخضع لعادات و تقاليد اجتماعية متداخلة مع الدين الإسلامي ، مما يشكل القاعدة الأساسية للتنشئة الاجتماعية للمرأة العربية كقوة اجتماعية تجد نفسها أمام قواعد تنظم وجودها في المجتمع (4)، فالبنت تنشأ منذ الصغر على دورها الذي وجدت من أجله كامرأة إذ أن معتقدات الوالدين و الأهل بالنسبة للجنس من حيث هو مذكر و مؤنث تؤدي دورها بالإيحاء و التوجيه ، بما هو مناسب أو غير مناسب لكل منهما (5) أما الرجال فيشكلون قوة سياسية و رمزية تعمل كشرط أساسي لرعاية الجماعة و تطورها و حمايتها(6).
فالأنوثة عموما و خاصة في المجتمعات العربية تكون نتاجا للتنشئة الاجتماعية فهي لا تعود منذ الصغر على القيادة و على المسؤولية و على اتخاذ القرار ضمانا لحياتها المستقبلية(1) و إنما تعود دائما على أن تكون خاضعة للسلطة الوالدية و خاصة السلطة الأبوية ، التي ما تزال منتشرة حيث عبرها تتجسد ارتهانات متعددة أهمها إرتهان المرأة لأبيها أو أخيها أو زوجها(2) ، كما اعتبرها البعض بأنها جانب مساهم في تردي الأوضاع أو تطويرها وفي ذالك القول الشعبي المأثور ” الشر المرأة و الخير فيها”، فإذا كانت صالحة صلح معها المجتمع و إذا كانت فاسدة فسد المجتمع ، و تتحكم بالأوضاع النسائية داخل الوطن العربي مجموعة من الأعراف الدينية التي لا تستند إلى أي تشريع ديني غير أنه يحمل من الفعالية ما يساوي أو يفوق النص المقدس الصريح (8)،و يرجع البعض الآخر مكانتها الدونية في المجتمعات العربية لموقعها في البنى الاجتماعية و تقسيم العمل المعتمد في المجتمع و دورها في العمليات الإنتاج و هامشيا في النظام العام السائد ، كما يظهر من خلال أنماط المعيشة و النظام الطبقي الأبوي في المجتمع العربي.
إن الوضع العام للمرأة تحدده الفرص السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تفرزها التصورات النمطية بالمجتمعات العربية لحقوق المرأة ، و المتمثلة ظاهريا في حق التعليم و العمل و الملكية و الاستقلال المادي و نسبيا في حق اختيار الزوج و الزواج و الطلاق إلى غير ذلك و أول ما تصطدم به خلال تنشئتها هي :
– في الأسرة :
تعد الأسرة نواة المجتمع و وحدته الإنتاجية و البيولوجية ، حيث تزوده بأعضاء فاعلين عن طريق الإنجاب ، و تتكون فيها العلاقات قائمة على أساس الروابط العاطفية ،فتكمن وظيفة الأسرة في التكفل بالطفل سواء كان ذكرا أم أنثى نفسيا و اجتماعيا و جسميا ، ففيها يتزود الطفل بالقيم و المعايير التي تجعله عضوا في المجتمع و تكوين شخصيته و تحديد ملامحه و اتجاهاته و أدواره المخولة له اجتماعيا ، و يرى بعض العلماء منهم علماء النفس و علماء الاجتماع على أن الأسرة مؤسسة اجتماعية لأنها تقوم بوظائف متعددة و جوهرية للفرد و المجتمع معا، بتحويل الكائن البشري إلى إنسان مؤنس متطبع بطباع مجتمعه بواسطة التلقين و النسيب المبني على أساس التفاعل الرمزي الاجتماعي بين الأفراد ، و بناءا عليه تقوم العلاقات الاجتماعية و بالتالي تكيف الفرد مع مجتمعه. إذ تقوم الأسرة بتلقين المولود الجديد ، أسس السلوك الخاص به ، كالسلوك الخاص بالجنسين (الذكور و الإناث) و تحديد أدوارهم الاجتماعية في المجتمع الكبير ، فتقوم التنشئة الاجتماعية بتهيئتهم و تأنيسهم و تطبيعهم على ماهو متفق عليه اجتماعيا من مسموحات و ممنوعات عن طريق الترغيب و التهريب و العقوبة و المكافئة من أجل جعلهم أفراد اجتماعيين يعيشون و يتأقلمون مع الوسط الموجودين فيه ، فيقوم الأبوان باكساب أبنائهم توقعات دورية يحددها المجتمع لكلا الجنسين فالذكر يتم تنشئته اجتماعيا على أنه ذكر فعمله يكمن خارج البيت ، أما الفتاة فيتم تهيئتها على أساس أنها ستصبح فيما بعد أما مستقبلية لذلك تلقن ما يهيئها لتصبح كذلك ، كما يقوم الأبوان على رعرعة الذات الاجتماعية مع قدراتهم و طموحاتهم ، كما تعزز ممارسات آلية الضبط الأسرية داخل النظام الاجتماعي الذي سوف يخدم الهيكل ( البناء) الاجتماعي ، على المدى البعيد .(1)
و من هنا تعد الأسرة مؤسسة اجتماعية تتضمن نظام تقسيم العمل قائم على الاختلافات الجنسية ، الذي بدوره يحدد الأدوار الاجتماعية الخاصة بالمرأة كدور البنت ، الأم ، الزوجة ، الخالة ، العمة ، و الجدة ، و مدى ارتباطها بدور الرجل ( الذكر) كدور الأب ، الزوج ، العم ، الخال ، و الجد ، فضلا عن تحديد مهام و مستلزمات الدور لكلا الجنسين ، و لكل مرحلة عمرية يمر بها الرجل و المرأة ، أي أن هناك تنشئة خاصة بالإناث و تنشئة خاصة بالذكور (2) .
كما تعتبر التنشئة الأسرية من ناحية تخصيص أدوار للذكور و أدوار خاصة بالإناث ، واحدة من أهم التجارب التعليمية للطفل الصغير ، فالأطفال يتعلمون عن أدوار الجنس أو النوع في وقت مبكر جدا من حياتهم و هذا قبل التحاقهم بالمدرسة أو الروضة ، و هذا من خلال الاستراتيجية التي تقوم بها الأسرة على أساس التنميط الجنسي من خلال اللباس و اختيار اللعب ، فالفتاة تخصص لها الدمية كلعبة خاصة بها مع كل مستلزماها من لباس و أواني و فراش ، و كل ملحقات المنزل ، فهي تحاول تقليد أمها في الاعتناء بالدمية على أساس أنها فتاة صغيرة ، و القيام بكل أعمال المنزل من نظافة و ترتيب الاواني أي أنها تكون بيتا من اللعب و تكون هي السيدة و الأم في عالمها الخاص ، حيث يكون مجالها محصورا في ساحة البيت أو في غرفة من غرف البيت ، بينما نجد الطفل ( الذكر) يكون اهتمامه منصبا على الالعاب و كل الأشياء الخاصة بالذكر محاولا هنا تقليد أباه بالذهاب خارج البيت للعب بألعاب خاصة بالذكور مثل الكرة ، السيارات ، الشاحنات ، السيوف و تقليد بعض الأبطال في لباسهم و في حمل السيف و الأخذ بشجاعتهم و الإنشاد ببطولاتهم لقهر الأعداء و التخلص منهم ، فتراه البطل الذي لا يقهر ، بينما الفتاة يقتصر دورها في كونها ربة منزل تقوم بإعداد الطعام و القيام بالأعمال المنزلية إذ تولى دور الوسيط الايديولوجي بين المجتمع و العائلة و كمربية تتولى نقل الايدولوجيا الاجتماعية إلى داخل العائلة(1) ،كذلك تقوم الأبوان بزرع نوع من الوعي الاجتماعي عند الطفل مثلا تقول الأم ” ابنتي سوف تصبحين معلمة أو طبيبة ، بينما الأب يقول أن ابني سيصبح عسكريا أو مهندسا بناءا ” فهنا يكون تخصيص المهن و التحبيب فيها منذ الطفولة و هذا ما نجده مستقبلا أو في بعض الأحيان.
2- في المدرسة :
تقوم التنشئة الاجتماعية في المدرسة ، على نقل لائحة من المعارف و القيم و المهارات تشمل ما هو لغوي و ما هو غير ذلك ، و هذه المكونات الثلاثة تكون أحيانا متداخلة و أحيانا أخرى منفصلة كما نجد أيضا التداخل بين المواد المدرسية ، و كل هذه الأمور تنص عليها عادة المنهج المقررة ، لكن القيم لا تظهر و إ نما نستشفها من خلال المضمون أي تبث أحيانا كبيرة بصورة خفية ، بسبب ما يحمله مؤلفو الكتب المدرسية منها ما تكون سائدة في المجتمع حيث تهدف إلى إعداد الفرد إلى الاندماج في أنساق البناء و التوافق مع المعايير الاجتماعية المقبولة و مطالب الأدوار المختلفة و لا تتم هذه العملية تلقائيا بل عن طريق التدريب على أنماط السلوك في مواقف معينة و يحدد لها أدوارا نظمها المجتمع لها ( الخاصة بالأنثى ، و الخاصة بالذكر ) ، كما لا يحكم سلوكها القيم الشخصية بل يمثلان قيم المجتمع السائدة. (2)
فيشمل المنهج الخفي قيما تتعلق بالجنسين ( أدوارها ) و قيما تتعلق بالمكانة الاجتماعية و المهنية ( الثقافة الطبقية ) و قيما تتعلق بالسياسة و عليها ، و سر تبطين هذه القيم يرجع إلى انحياز واضعي النصوص بصورة واعية أو غير واعية و إلى نمو اتجاهات معينة ، مما يعكس الأنماط الثقافية السائدة في المجتمع عامة أو الثقافات الفرعية و للتعرف و اكتشاف المنهج الخفي في الكتب المدرسية و المواد التعليمية بواسطة تحليل المواضيع المتعددة ، و من بينها تلك المتعلقة بالجنس أو التنميط الجنسي إذ نجد أن هناك أفعال و أدور خاصة بالذكر دونه عند الأنثى . (13)
فتتوزع الأدوار الاجتماعية بين الجنسين على نمط معين ، و هذا التنميط يأخذ شكلا خفيا في متون و نصوص الكتب المقروءة أو المنطوقة ، على لسان المعلمين ثم يظهر في نصوص التلاميذ و تمارينهم و فروضهم و امتحاناتهم ، لكي يظهر لاحقا في العقوبة و في الممارسات كذلك على قوة التنميط الجنسي في المدرسة بين الجنسين و يظهر كلما كان حجم الأفعال الحصرية جنسيا كبيرا ، و كلما كان الفرق كبيرا ، في التنميط الجنسي بين الأفعال الخاصة بالإناث و الأفعال الخاصة بالذكور مثل : هي تطبخ و هو يقرأ ، هي تدبر و هو يقود ، هي تخيط و هو ينتج ، هو شجاع و هي جميلة ، هو الأمير و هي الممرضة ، هي شخصية أسرية و هو شخصية عامة14) ،وثمة مجال حيوي خاص لكل من الجنسين إلى جانب مهن و أفعال و أدوار خاصة بالأنثى و الأخرى بالذكر في الثقافة التقليدية ، حيث يتكون هذا المجال من شبكة من العلاقات ، فالعلاقات التي يقيمها الذكر تعد أوسع من الشخصيات التي تقوم بها الأنثى فعلاقاتها تتركز بالأم و النساء عموما في حين أن علاقات الأنثى الراشدة مركزة حول زوجها و أبنائها كما تتسم ثقافة المرأة المغربية كما تعكسها الروايات ، بصورة أساسية بالطابع التقليدي مع التركيز الكبير على الشعوذة و المعتقدات الخرافية فنجد هذا التركيز عند المثقفة و غيرها و هذا ما يفسر تمسك المرأة بالمعتقدات و انحصارها أكثر عند النساء دونها عند الرجال ، و هذا لضيق المجال الذي تتحرك فيه الأنثى ، من حيث عدد الأشخاص
و مكان حدوث هذه العلاقات و هو المجال الاسري ” بين أربعة جدران ” و اتساع المساحات المفتوحة أمام الشخصيات الذكرية من الغابات القارات ، الأسواق ، المدن ، القرى ، البساتين و الشواطئ ، و تنوع المجال الحيوي للذكور و ممارسة الرياضة للترويج عن النفس ، و ليس من باب التنافس مع أحد ، و تجرى في هذه المناسبات حوادث تزيد من مرحهم .(1)و هذا ما يفسر لنا اكتساب المرأة السمات الخاصة بأمها لأن مجال الأم مقتصر في القيام بالواجبات المنزلية ، و تربية الأبناء ، إلى جانب ذلك فإن مجالها محصورا في الحفاظ على العادات و التقاليد و الأعراف المتعارف عليها بين النساء ، كالأعراس و المناسبات العائلية ، وهي أكثر احتكاكا بأمها ، فتعبر رفيقة لها ، فتقتدي البنت بأمها التي مستمدة أعمالها من الرعاية و التغذية والدعم و التدبير و الجمال و الحنان فتتحول من الصبية الأم إلى الزوجة إلى الجدة.
فعلاقة الأبوين بأولادهما مختلفة و مميزة حيث تكون علاقة الأب بابنه تقوم على الصحبة و التعاون و الاحترام أما علاقة الأم ببنتها تحصر في الحيز المنزلي، والأب في هذه العلاقة هو السلطة التي تطاع و هو السلطة التي تعاقب، ثم المدرس في المدرسة و المدير و يرجع د/ حطيط بإجراء مقارنة بين العوامل الذاتية و الخارجية التي تساعد أو تعيق مسار الارتقاء نحو النجاح أن من معيقات الأنثى هي العوامل الذاتية مثل الغرور ، الحنين ، الدلع ، العناد ، الأنانية ، الغيرة ، الغباء ، و الطموح ، بمعنى أن مسار الأنثى مكبوح بسبب العوائق تكمن فيها أما الذكر فمعيقات النجاح لديه هي معيقات خارجية قصدية قد تكون من قبل الأم ،أو الأب ، المنافسون ، الحرب ، خيانة الأصدقاء ، إلى غير ذلك (1) كذلك تصور المدرسة المرأة قبل كل شيء ربة بيت أي اقتصارها على العمل المنزلي داخل البيت ، بينما الرجل خارج البيت و إن تنشئة الطفل في هذا المناخ ترسخ عنده صور عزل المرأة في البيت باعتباره المجال الخاص لها (2) .
إن التنميط الجنسي التقليدي له معنى في الثقافة و التنشئة الاجتماعية إلا من زاوية تثمين وضع الذكور و تبخيس وضع الإناث ، و إعطاء قيمة أعلى للذكور على الإناث و هذا ما يسمح للتنشئة المتعلقة بالجنسين بخدمة التنشئة السياسية القائمة على الإملاء و الخضوع و يسمح للتنشئة السياسية بخدمة التنميط المعياري ” القدسي ” (2)السائد في الثقافة التقليدية في دراسة حول الجزائر ( تحليل الكتب المدرسية) كيف أن الآباء و الأجداد يوضعون في وضعية سامية لدرجة يتخيل المرء كأنهم يأتون في الدرجة الثالثة بعد الله و الرسول و بالتالي ما على الباقين إلا الطاعة و الخضوع لبعض أوجه القهر و الاستغلال حيث تخضع المناهج التربوية المتبعة في البلدان العربية في نظرتها لكل من الجنسين سواء في القواعد السائدة عبر التوجهات العائلية أو المدرسية ، فتقتل في الفتاة معظم جوانب الإيجابية الفعالة و تسلبها ما تمتع به من قدرات فطرية ، بينما تعزز في الشاب إمكانية وهمية تتهاوى أمام أدنى انخراط في الحياة العملية، و تقوم المدرسة أيضا بدور مهم في إحباط الدافع للإنجاز لدى البنات و هذا من خلال ما تورده في الكتب المدرسية بأن المرأة في الداخل و الرجال في الخارج و دافع الإنجاز ينمي في مرحلة مبكرة من عمر الإنسان ، و في السنوات الأخيرة بدأت المدرسة الابتدائية في استخدام أنماط التغذية المرتدة التي تشجع التمكن و الكفاءة في مواقف الإنجاز لدى الأفراد ( الأولاد ) بينما لا يشجع هذا السلوك عند البنات فالأولاد يعاقبون على الأداء الضعيف أو نقص في الدافعية لديهم أو انخفاضها و لكن عند مواجهة البنات لصعوبة تتعلق بالإنجاز يملن إلى إلقاء اللوم على قدرتهن و اشعارهن بالإحباط و هذا ما تؤديه بقية مؤسسات المجتمع الأخرى كوسائل الإعلام المسموعة و المرئية و دور العبادة و النوادي و المؤسسات الترفيهية و أيضا لا نغفل دور الأقران و التي تعتبر محددات داخلية و قيم و معايير مستدمجة تكن دافعية المرأة للإنجاز و تعوقها في إطار التنميط الجنسي و الاجتماعي(17) .
ثانيا: التراث و مشكلة التفرقة بين الذكور و الإناث :
يمثل الذكور في الثقافة العربية مكانة خاصة ، و من ثم كان التأكيد عليهم منذ أيام القبيلة العربية في البادية ، فحياة القبيلة في بيئة عدوانية و غير مواتية حيث الإغارة عليها من قبل القبائل الأخرى أو هي التي تقوم بالإغارة . و من ثم احتل الذكور مكانة خاصة باعتبارهم فرسان الإغارة و أنهم المدافعون عن حياة القبيلة والمؤمنين بالدفاع عنها و حمايتها .
أما الإناث فقد كن موضوعا للسبي و الأسر دائما ، و من ثم كن عبئا على القبيلة و موضوع للمعايرة ، و في ظل الظروف تمايزت مكانة الذكور على الإناث اللائي تدنت مكانتهن ، حتى أصبحت عادة وأد البنات حماية للشرف ، تجنبا للمعايرة و هذا ما أدى إلى وجود التفرقة بين الذكور و الإناث و احتلالها عنصرا محوريا في ثقافة العرب و استمرار هذا التميز الثقافي طيلة التاريخ رغم تغير الظروف ، و احتضان الثقافة التقليدية و الشعبية بأن الذكر يتعامل مع العالم الخارجي ، بينما جدران البيت هي حدود تفاعل الأنثى ، فالذكر يحمل اسم العائلة و يكون مصدرا اعتماد للوالدين في الكبر و هو أحيانا مصدر دخل الاقتصادي بينما الأنثى عاجزة عن القيام بهذه الوظائف(2).
كما أن للأسرة تأثير في تكوين حاجات الإنجاز الأكاديمي و العقلي ، و المواجهة مهنيا و يؤكد الآباء على الأبناء ( الصبية ) الذين يحصلون على درجات عالية في اختبار دافعية الإنجاز على أهمية النجاح و الاستقلال و هم يكافئون أولادهم على الإنجاز ، كأن يصبحوا روادا هذا فضلا عن أمور أخرى مثل تكوين الصدقات و محاولة القيام بالمهام الصعبة بأنفسهم و المثابرة في الأداء ، و يشترك كلا الأبوين في الاشتراك انفعاليا في الأعمال التي يؤديها أولادهم و التي ترتبط بالإنجاز .
و يضع هؤلاء الآباء المعايير للتفوق ، و يرفعون من توقعاتهم ، كلما أحرز أولادهم الذكور تقدما، أما بالنسبة للإناث فإن الإنجازات العلمية و العقلية تعد غير ملائمة بالنسبة لهن(3)، كما قال “شوبنهاور” في تعبيره لدور المرأة في المجتمع بقوله ” إن المرأة لا تصلح إلا لحفاظ النسل و تدوير الساعة و غسل الصحون “، فاختلاف التكويني و العضوي بين الرجل و المرأة منذ القدم على تساوي حقوقهم و واجهاتهم ، تلك الاختلافات التي ضلت قائمة حتى وقت متأخر من عصرنا هذا ، و التي كانت نتيجتها المباشرة لدى المجتمعات المختلفة إرادة واضحة في ربط الرجل بالمرأة ، ذلك الذي انعكست آثاره ، على كل مناحي حياة المرأة بصورة عامة و على ترتيبها و فعليها بصورة خاصة فيكفي تدليلا على ذلك موف المفكرين الأوروبيين الذين ظلوا حتى القرن الماضي ، يحصرون أهداف تربية النساء في واجبات المنزل و متطلباته الداخلية (1) ، و مهما يكن ، فإن المرأة في منزلة سفلى لا تتحمل أي مسؤولية ، حتى و إن تطور الوضع و رغم أن المرأة صارت تشارك الرجل في الحياة الاقتصادية ، فدور المرأة يبقى منحصرا في القيام بشؤون البيت و تربية الأبناء و العناية بأهل زوجها (2) كما تشير الدراسات إلى وجود ثلاثة اتجاهات حول وضع المرأة في المجتمع العربي أولا : اتجاه تقليدي يرى أن المرأة كائن ضعيف و يحصر وظيفتها في الشؤون البيت فقط و إنتاجها للقوى البشرية التي يحتاج إليها المجتمع ، و يرى هذا الاتجاه أن عمل المرأة خارج المنزل و اختلاطها ، أمرا منافيا لتعاليم الدين و الأعراف الاجتماعية و هذا الاتجاه لا يعارض عمل المرأة في المزرعة بجانب زوجها أو أخيها أي مع أسرتها ، فهذا يثبت أن التمسك بهذا الموقف لا يعود لأسباب دينية و إنما سببه التشبث بالتقاليد و الرغبة في امتلاك المرأة و السيطرة عليها وثانيا : اتجاه يرى أن المرأة متحررة من الرجل و قيوده ثالثا : اتجاه يؤيد المساواة بين الرجل و المرأة في جميع الحقوق و الواجبات
ثالثا : تربيةالمرأة العربية :
تؤدي الطرق التي تتبع في تنشئة البنت إلى إحباط نمط الدافعية لإنجازها و هذا لأن الوالدين يعملان على حماية بناتهن من الخطر و الضغط عليهن ، فالتربية التي تتلقاها البنت داخل أسرتها تؤدي دورا مهما في تشكيل شخصيتها و توجيه سلوكها نحو الخير أو الشر ، نحو الحرام أو الحلال ، نحو الاستقامة أو الخيانة حيث قال النبي (ص) ” تخيروا لنطفكم فإن العراق دساس ” و من خلال الحديث الشريف تتجلى الأهمية الكبرى التي يحظى بها الوسط الاجتماعي ، الذي نشات فيه البنت و نهلت منه قيمها و عاداتها و ضوابط سلوكها في الأسرة و المدرسة و في المؤسسات التي تصطدم بها في حياتها (3) فتتم تنشئة الفتاة العربية على :
1- العفة : اعتبرت المرأة في الطور الأول من تاريخها ، والدة و أما التي تمتلك القوة للإنجاب المكتنفة بالأسرار تلك التي تسكنها قوة سحرية دينية تعود بتعميم الفائدة على النوع و المجتمع و الأسرة ، يومئذ كانت المرأة تحط بضروب الاحترام و التكريم و التقدير كأم ، و لاسيما إذ أنجبت الذكور(2) و همها الوحيد هو تربية أبنائها و السهر على راحتهم ، فتعد المرأة جميع وجبات الطعام ، معززة مكرمة في بيتها ، فقد كرمها الإسلام ” كأم ” فأوجب حسن معاملتها حتى و لو كانت كافرة حيث حفظ للمرأة شخصيتها و كرامتها و شرفها الذي يكمن في صيانة عرضها و عفتها حتى تتزوج حماية شرفها و شرف العائلة ، حيث يؤكد الاسلام على عفة المرأة و طهارتها حيث يعتبرها من الواجبات الدينية على المرأة المسلمة الالتزام بها و التقيد بها .
2- الطاعة : بما أن العائلة العربية التقليدية تتبع نظاما أبويا صارما ، يمارس رب العائلة من خلاله سلطة مطلقة على جميع أفراد أسرته الذين يتوجب(3) عليه طاعته و الخضوع له و على الزوجة أن ترعى زوجها باعتباره رئيس العائلة و عليها طاعته و احترام ارادته و الكل يعلم أن الطاعة تفترض وجود علاقات سلطة و ذلك بوجود رئيس و مرؤوس و في هذه الوضعية يرى الرجل نفسه في وضعية رئيس العائلة و إليه ترجع كامل المسؤولية العائلية و على المرأة أن تستجيب إلى أوامره ، و مهما يكن من أمر فهو الذي يراقب حياتها العامة و الخاصة ، و هو الذي يعطيها الإذن بالسفر و التمتع بما ، و لزيادة التثبت من هذه القاعدة ، فنجدها لا تستطيع أن تمارس أي مهنة إلا بالحصول على ترخيص من زوجها.
إن المرأة المثالية الصالحة في المجتمعات العربية هي المرأة المطيعة الخاضعة لقانون الطاعة المرأة التي تضحي بعملها و مستقبلها و إبداعها من أجل طاعة زوجها ، دون مناقشة أو جدل التي تخضع لقانون الاحتباس ، و التي تصبح ناشز إذ خرجت لعملها دون إذن زوجها و من هنا إرجاعها إلى الخضوع للقيم السائدة عن الأنوثة أو الصحة النفسية والأخلاق (4) فهي معرضة دائما للسيطرة من الزوج ، الأب ، أو الأخ أو المسؤول عنها (2) .
فيعتقد إذن زوجها في نظر “فاطمة المرنيسي” أقوى من المرأة خلقيا و فكريا و جسديا و هو المخول طبيعيا بالسيطرة على المرأة و حمايتها و لذلك فإن مظاهر العفة و الحجاب و الانزواء الذي يفرض على المرأة ينظر إليه على أنها حلول لحماية المجتمع من أية عواقب تجرها عليه طاقة المرأة الجنسية و تهذيبها (1) .
3- التضحية : فالمرأة العربية و خاصة الجزائرية في تضحية دائما من أجل السهر على راحة زوجها و عائلتها ، فهي تعمل من أجل التوفيق بين متطلبات الحياة العملية و الحياة العائلية ، و هذا ما يجعل المرأة و إصرارها تعويضا لما لاقت من غبن في مكانتها الاجتماعية في المجتمع و لذا تحاول بإصرار و الاجتهاد أن تتفوق و تثبت وجودها في أي مجال من مجالات الحياة أي أن المفاهيم الثقافية المرتبطة بالجنس تغيرت تغيرا ملحوظا بالمقارنة إلى تلك المفاهيم التي كانت سائدة من فترة خلت ، و التي كانت تنظر إلى الأنثى ككائن له دور اجتماعي ، محدد لا يتجاوزه و لا يتعداه الأنثى هي مخلوق ناقص عاجز لا يستطيع أن يفعل شيئا و هو دائما تحت سيطرة الرجل(2)، فالعمل الذي منحها الاستقلال ، جردها من المسحة الناعمة و الرقة ، لأنها مضطرة لمساعدة زوجها و إعالته ، و أن تثبت قدميها في هذا العمل ، و عند عودتها إلى المنزل فإنها تتابع نشاطها في أداء واجباتها المنزلية و واجباتها نحو أسرتها و زوجها ، إنها تسعى للتوفيق بين العمل خارج المنزل و داخله ، إنها تتحمل مسؤوليات كبيرة و شاقة ” إنها تتلاشى بين السندان و المطرقة” ، و تعتقد أن جدتها كانت أسعد منها و هي تعيش في حقلها و حمارها و غسيلها و زوجها ، فهي تسعى في الوقت نفسه إيجاد حلول لتخفف على الأقل من وطأة هذه الحياة المزدوجة(3).
4- المحافظة على العادات و القيم الثقافة الموروثة :
فالأسرة أو العائلة تعمل على اكساب الفتاة السلوك الاجتماعي الذي يتماشى و تلك القيم ، ذلك لأن المصدر الأساسي للقيم عند الأفراد هو كثافة المجتمع الذي تنشأ فيه و تعيش فيه و مصدرا للقيم الثقافية السائدة في المجتمع الذي تنقله عن طريق
التربية من جيل إلى جيل (26) ، حيث أن الأطفال يكتسبون القسط من الثقافة عن طريق الممارسة و المشاركة و التقليد في مدرسة الحياة ذاتها ، إضافة إلى تعاون مؤسسات اجتماعية أخرى و الثقافة تشمل جميع ما ورثناه من أسلافنا بما في ذلك أساليب العمل لكسب العيش ، و العادات و التقاليد و أنماط السلوك بما يشبع حاجات الفرد و يمده بأساليب جاهزة لمواجهة المواقف و المشكلات وبالتالي تساعده في التكيف مع مجتمعه و ظروف بيئته ، إذ تعتبر بمثابة القانون الذي تتبعه الفتاة أو المرأة في المجتمع فالخروج عنه يعني إهمالها ويعني الانحراف و بالتالي تتعرض للرفض و القهر الاجتماعي ،حيث تعتبر العادات و التقاليد و المعايير و القيم الموروثة من أدوات الضبط الاجتماعي ، ففي مرات عديدة نجد الأعراف و العادات و التقاليد تأخذ المكان الأول قبل القانون لأن بالقانون يسعى إلى تنظيم أحوال الناس و الذي هو مجموعة من الأعراف و الدساتير و المواد الخاصة بمجتمع معين دون غيره من المجتمعات كذلك نجد أن المرأة هي الأكثر تمسكا بالعادات و التقاليد حيث تقوم بتلقينها للأبناء و الأحفاد و المحافظة عليها من الاندثار و الزوال ، فتخلي على أحد الأعراف و المعتقدات ، يسببه لها الكآبة و الحزن ، و الخوف من عدم تطبيق ذلك المعتقد أو العرف و ما يأتيه بعد ذلك من كوارث ، ترجعه لعدم تطبيقها للعادات و التقاليد ، و هذا ما يفسر تمسك الأنثى أكثر بالمعتقدات
رابعا: تنشئة المرأة الجزائرية :
إن الحديث عن تنشئة المرأة الجزائرية لا يختلف كثيرا عما أوردناه في الحديث عن تنشئة المرأة العربية ، و ذلك أن هناك تشابه كبيرا في بعض المعتقدات و القيم و ذلك لعوامل ثقافية و تاريخية و جغرافية كثيرة ، ألغت نوعا من الفوارق ، حيث أن المرأة في جميع البلدان العربية على غرار أفراد المجتمع الآخرين يتشابهون في عدة جوانب ، كاللغة ، الدين ، و التاريخ و المصير المشترك أحيانا أخرى .
فتماما مثل ما هو موجود في المجتمع العربي ما تزال عملية التنشئة الاجتماعية تشكل محورا أساسيا و مهما في المجتمع الجزائري ، إذ تتم التنشئة الاجتماعية للفتاة الجزائرية التقليدية بمشاركة كل أفراد الأسرة حيث أن الطفل يبقى دائما مع أمه ، و يتشارك في تربيته كل من الجد و الجدة ، و في بعض الأحيان نجد العمة و العم ، و الخال و الخالة أيضا ، و لا يمكن تجاهل دورهم التربوي في تربية الطفل ، و بهذا تكتسي عملية التنشئة الاجتماعية طابعا جماعيا للحياة الاجتماعية . وبالتالي فالطفل سواء كان ذكر أم أنثى ، في هذه المرحلة يمر بمراحل متفرقة في تنشئته و في تربيته بحيث تعمل الأسرة على تثبيت و غرس ملامح الضمير الخلقي عند الطفل ، و تكسبه أيضا بعض العادات الروحية و البدنية و تعلمه كيفية التعامل مع الآخرين .
فيكمن دور الأب خارج المنزل ، بالعمل على تلبية حاجات أسرته ، من مأكل و مشرب و ملبس و حاجيات أبنائه ، و بالتالي فإن الأب يمثل السلطة في البيت ، فأول ما يتعلمه الأطفال هو احترامه و طاعته ، و الخوف منه ، و هذه السلطة نابعة من التقاليد الموروثة من الأجداد ، حيث تضع الأب على قاعدة أساسية إن الكل و شخصيته السائدة(1) ، و أمام سلطة الأب المطلقة تخضع له الأم و الأطفال و هذا باحترامه و تقديره ، و الانصياع لجميع رغباته و طلباته ، لأن الأب المحافظ لا يحتكر لنفسه مبدأ السيطرة و السلطة و لكن عند الجزائريين يملك عورا وراثيا لعملية السيطرة فهي متأصلة في الدم و الأب في المجتمع الجزائري الذي يفقد سلطته على أهله ليس برجل (2) ،فمن هنا تتحدد معالم سيطرة الرجل على أسرته ، و محاولة الحفاظ على كيانها و بنائها الاجتماعي ، و بالتالي تتكون نظرة البنت أو الفتاة في المجتمع الجزائري بأن الأب يمثل السلطة على الأسرة ، لأنه يقوم بإعالتها ماديا و معنويا ، أو ما يسمى بركيزة العائلة ، و هذا ما يبين فرحة الآباء حين يرزقهم الله بالمولود الذكر دليل الحماية و العون و السند لأبيه و أمه و حتى أخته ، و من هنا تبرز لنا مكانة الرجل في الأسرة الجزائرية التقليدية ، و كذلك لا نهمل دور الأجداد في تلقين الأبناء من خلال القصص و الحكايات و الأمثال الشعبية والمأثورات و التي تكون أغلبها تربوية نابعة من دبننا الحنيف ، و التي تساهم في تربية الطفل ، فأغلب الحكايات التي تسردها الجدة أو الجد دائما يكون فيها الأب رب الأسرة الشجاع الذي يعيل أسرته و يحافظ عليها ، أما المرأة في أغلب الحكايات فهي المرأة التي تهتم بتربية أبنائها و توفير كل متطلباتهم ، و القيام بكل أعمال المنزل من طهي ، و غزل و نسج ، وصنع الملابس ، و بأن المرأة هي أساس الأسرة ، و إذ أهملت بيتها و أبناءها ، فقد يؤدي بهم إلى الهلاك ، و أن المرأة دون زوجها لا تساوي شيئا في نظر العامة .
كما يؤكد كبار الأطباء النفسايين و العلماء المختصين الذين و ضعوا نظرات التربية أن خيال الابن أو البنت في العالم الثالث يبدأ بتقمص سلوك الآباء و الأمهات و يحتفظ الأبناء بالنماذج السلوكية التي يلاحظونها على آبائهم في خيالهم و نفسيتهم، ثم تعد سلوكا تلقائيا في حياتهم الاجتماعية ، فإذا كانت هذه النماذج السلوكية صالحة و معتدلة ، فهذا يدل على أن شخصية الطفل شخصية سليمة تتوفر على الخصائص الكريمة و المحبوبة و المدرة من قبل المجتمع و إذا كانت النماذج السلوكية فاسدة تحمل في ثناياها الانحراف و الفساد الخلقي و السلوكي و هذا ما ينتج فسادا في طبع الطفل و اضطراب شخصيته(3).
أما الفتاة في المجتمع الجزائري فهي أكثر تأثرا بالأم ، باعتبارها المسؤولة الأولى في تربيتها ، و هذا لأنها تقضي معظم وقتها في البيت ، و بالتالي فالفتاة تكون مستعدة لاكتساب القيم و عادات و تقليد أمها في اللباس و العمل المنزلي و كذا دورها الاجتماعي فالطفل سواء كان ذكرا أم أنثى ، يولد بنفس صافية و بريئة ، ومهيئة للخضوع لسمات التقاليد و لاكتساب العادات ، فبالممارسات اليومية المتكررة تكتسب السلوك الاجتماعي الذي يؤهلها لأن تكون امرأة الغد و حفظ و تربية الجيل الصالح و كذلك نجد أن تجربة المرأة ( الأم ) ، الابنة ، تجربة مشابهة في العلاقة مع الدولة ،(1) و الخضوع إلى السلطة الرجل ، كما أن وضع المرأة الأم و دورها في الأسرة يجعل من واقع المرأة تجربة متميزة ، حتى و إن كانت الأم قد عاشتها ، غير أنها تصبح بعد ذلك أحد العناصر الأساسية لمعالمها و ملالمحها و هذا لأن المرأة الزوجة و الأم ربة البيت منافذ للقوة و التأثير في قيامها بدورها و هذا لكون النظرة التقليدية للقوة موجهة توجيها ذكريا (2) .و هذا ما نستخلصه من خلال بعض الأمثال التي تؤكد ذلك مثل القول الشعبي ” ارمي القدرة على فمها تخرج البنت كي أمها “، فبتالي تعد المرأة ( الأم ) حاملة لثقافة مجتمعها و تلقنها لأبنائها منذ الصغر و هذا بفضل عملية التنشئة الاجتماعية و من خلال التربية السليمة التي تمنحها لأبنائها و التي تكون نابعة من قيم و عادات المكتسبة من خلال الأجيال السابقة حيث كان يكمن دور المرأة العائلة التقليدية في صيانة استقامتها و كمالها الجسمي و الأخلاقي و في تنظيم البيت باعتباره العالم الوحيد الذي تؤدي فيه دور القائدة .
و تختلف عملية التنشئة الاجتماعية في الأسرة الجزائرية الحديثة ، كما كانت عليه في الأسرة التقليدية ، و هذا راجع لعدة عوامل ساهمت في ذلك كانتشار التعليم و خروج المرأة للعمل ، و تغير المهام ، فأصبحت المرأة تقوم بالعمل خارج البيت ، و بالتالي قد تتغير الحاضنة كل شهر و بالتالي فالطفل سواء كان ذكر أو أنثى يتعرض لمؤثرات نفسية صعبة و مختلفة ، تتمثل في غياب دور الأم الأصلي في تنشئة الأبناء ، و تكفل الحاضنات بذلك ، فالطفل يكون عرضة لعدة مؤثرات و عدم تمكنها من و هذا لعدم تمكنها من معرفة القيم و المبادئ التي تسير عليها في حياتها، إلى جانب تأثير وسائل الإعلام المختلفة في التنشئة الاجتماعية ، و ما تبثه من برامج تربوية مختلفة و تساهم(3) في تربية الطفل إلى جانب ذلك بروز المدرسة كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية و كمنبع و منهل لبث القيم ، يفقد العائلة وظائفها ، حيث تقوم المدرسة بغرس قيم مختلفة عن القيم التي تلقاها في الأسرة ، و هذا ما يجعل في أحيان عديدة صراعا بين القيم التي تلقاها الفرد في الأسرة ، و بين القيم التي يتلقاها في المدرسة و بالتالي يحدث الانحراف ، كما تساهم وسائل الإعلام المختلفة، من الانترنيت و تلفزيون ، و صحف و مجلات في تنشئة الفتاة الجزائرية و هو على أساس التقليد ، فالفتاة الجزائرية تكتسب القيم الجديدة التي كانت تراها في التلفزيون من ثقافة اللباس و المطالعة و في بعض الأحيان قد نجد لها سلبيات كما نجد لها ايجابيات ، فوسائل الاتصال قد تزعزع النظام الداخلي للأسرة ، خاصة على مستوى القيم ، و هذا مع العلم بأن القيم و الرموز التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة و خاصة التلفزيون و الانترنت مختلفة تماما عن البيئة الاجتماعية التقليدية للجزائري و عن معطياته السوسيو ثقافية
نتائج الدراسة:
من خلال الدراسة الميدانية حول البحث على أهم الخلفيات العنف على المراة عامة ومن خلال قيامنا بدراسة 20 حالة توصلنا الى النتائج التالية :
– ان المرأة الجزائرية يمارس عليها نوع من العنف الاجتماعي اما من طرف أحد الولدين او الاخوة الذكور و التي تعتبرنه كنوع من الحماية له و بالتالي فإن المراة تنساق الى تقبله تلقائيا و هذا ما يجعل الكثيير من النساء لا يبغن على العنف المطبق عليهن من طرف أزواجهن لأنهن يعتبرن أن الزوج بضربهن بأنه يمارس أحد واجباته ، و ان المرأة يجب ان تلبي حقوق الطاعة للزوج و إرضاء لعائلتهاو سكوتها يعني حماية أسرته و أولادها من الضياع و التفكك لأن نظرة الدونية من طرف المجتمع لا توجه للرجل بقدر ماهي موجهة للمراة ، وهذا ما استنتجناه من دراستنا لعشرون حالة.
– ان المرأة الجزائري تسعى جاهدة في الحفاظ على ما اكتسبته خلال تنشئتها الاجتماعية و تلقينه لأولادها و خاصة لبناتها و انتهاجه كعرف اجتماعي .
وهذا ما يفسر لنا بعدم وجود احصائيات دقيقة حول العنف الاسري ، لأن أغلب النساء يعتبرن العنف المسلط عليهن من طرف الزوج أو الاخوة و حتى في اجيان كثيرة من طرف الاولاد بأنه عادي ولا يستحق التبليغ عنه ، ولأعتباره عملا يحط من قيمتها وقيمة أسرتها.
– كما أن التنشئة الاجتماعية دور أساسي في التنميط الجنسي لكل من الذكر والأنثى ، حيث تحدد أنماط السلوك المختلفة باعتبارها نقل للثقافة و التراث والحضارة كما لها تأثير بالغ الأهمية في تحديد الجوانب المختلفة من الحياة والعلاقات الاجتماعية و المحافظة على العادات و التقاليد و التمسك بها .
و من هنا يمكننا القول ، إذ كانت تنشئة الأفراد جيدة ، فنحصل على مجتمع خال من العاهات و توازن اجتماعيا
فعندما تبحث المرأة عن ملاذ آمن و أجواء مريحة، زوج يعمل ويتحمل مسؤولية، أطفال يلعبون ويلهون وهم يملأون مشهد الحياة بهجة ومسرة، إمكانات مادية كبيرة أو على الأقل كافية لإشباع الحاجات بتنوعها، وسد الثغرات التي تؤدي الى تفكيك أجواء الحياة الزوجية، هذا ما يمكن عده طبيعياً ويتماشى مع توجهات المرأة وحاجتها النفسية والاجتماعية
الهوامش
(1) حليم بركات ، المجتمع العربي المعاصر بحث استطلاعي ، مركز الوحدة العربية ، مصر ، ط3، 1976، ص 221.
(2) فادية عمر الجولاني ، دراسات الأسرة العربية ، تحليل اجتماع لبناء الأسرة و تغير اتجاهات الأجيال ، مؤسسة شباب الجامعة ، بيروت ، 1995، ص ص 7، 9.
(3) محمد عماد الدين اسماعيل ، كيف نربي أطفالنا – التنشئة الاجتماعية للطفل في الأسرة العربية ،مرجع سبق ذكره ، ص ص 246.
(4) سميرعبده ، المرأة العربية بين التخلف و التحرر ، منشورات دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، 1980، ط1، ص 16.
Bourdieu ( pierre ) : Esquisse d’une théorie de la pratique ، Présidé de trois études d(5)
(1) هشام شرابي ، مقدمات لدراسة المجتمع العربي ، مرجع سابق ، ص 30.
(2) تغاريد بيضون ، المرأة و الحياة الاجتماعية في الاسلام ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1985، ص 26.
(3) تغاريد بيضون ، المرأة و الحياة الاجتماعية في الاسلام ،المرجع سابق ذكره ، ص ص 15 ، 16.
(1) معن خليل العمر ، البناء الاجتماعي أنساقه نظمه ،مرجع سابق ذكره ،ص 75
(2) معن خليل العمر ، علم اجتماع الأسرة ، مرجع سابق ، ص 186.
(1) هيلين قان قيلد و آخرون ، المرأة الجزائرية ، تر قسطون سليم ، اشراف ، عبد القادر جغلول، دار الحداثة ، بيروت ، ط1، 1973، ص 142.
(2) فاطمة محمد علي عثمان ، القيادة النسائية في عالم متغير ، الملتقى المصري للإبداع و التنمية ، توزيع البيطاش سنتر و للتوزيع، الاسكندرية ، ( د. س ) ، ص 43.عدنان الأمين ، التنشئة الاجتماعية و تكوين الطباع ، مرجع سابق ، ص ص 113- 114.
(1) مرجع سبق ذكره ، ص 128.
(1) عدنان الأمين ، مرجع سابق ذكره، ، ص 134.
(2) دلال نردي ، فاطمة الزهراء أوربيل ، المرأة العربية بين الواقع والتصور ، دار المرأة العربية للنشر ، مصر ، ط1، 1995، ص 94
(1) مجدي أحمد محمد عبد الله ، مرجع سابق ، ص 127.
(2) نورة فرح المساعد ، ” علاقة الام بالإبنة من منظور نسوي” ، مجلة العلوم الاجتماعية ، مجلس النشر العلمي ، المجلد 31، العدد 3، 2003، ص 726.
(3) مجدي أحمد محمد عبد الله ، علم النفس التربوي بين النظرية و التطبيق ، دار المعرفة الجامعية ، الاسكندرية ، 2003 ، ص 126.
(1) جمانة البخاري ، التعلم عند الغزالي ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر ، ط2، 1991، ص 164.
(2) علي شلق و آخرون ، المرأة و دورها في الوحدة العربية ، مرجع سابق ، ص ص ، 100، 101.
(3) علي أفرفار ، صورة المرأة بين المنظور الديني و الشعبي العلماني ، دار الطليعة ، بيروت ، ط1 ، 1996، ص 25.
(1) مونيك بيتر ، المرأة عبر التاريخ تطور الوضع النسوي من بداية الحضارة إلى يومنا هذا ، تر: هنريت عبودي ، دار الطليعة للطباعة و النشر ، بيروت ، ط1، 1979، ص 07.
(2) علي شلق و آخرون ، المرأة و دورها في حركة الوحدة العربية ، مرجع سابق ، ص 100- 101.
(3) نوال السعداوي ، هبة رؤوف عزت ، المرأة و الدين و الأخلاق ، دار الفكر المعاصر ، لبنان ، ط1، 2000، ص ص 38 ، 39.
(4) Khodja ( sonad) : les algérienne du quotidien ، ، ENAL Alger، 1985 ، p 20 .
(1) فاطمة المرنيسي ، ما وراء الحجاب الدراسات الاجتماعية في العالم العربي ، المؤسسة العرفية للدراسات و النشر مع اليونيسكو ، بيروت ط 2 ، 1984، ص 234.
(2) مجدي أحمد محمد عبد الله ، علم النفس الاجتماعي ، مرجع سابق ذكره ، ص 128.
(3) جدوان السابق ، المرأة في القرن العشرين ، مرجع سابق ، ص ص 127، 128.
(4) Le coster ( s) : la sociologie de éducation ، ed ، de l’université de Bruxelles insistut de sociologie ، 2eme ed Bruxelles 1977 p 40.
(2) IBID ، P 162 .
(2) IBID ، P 163.
(3) Nefissa Zerdoumi ، opcit ، p 59.
(1) منير عامر شريف عامر ، تربية الأبناء في زمن الصعب ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1989 ، ص 79.
(2) نورة فرج مساعد ” علاقة الأم بالابنة من منظور نسوي ” مجلة العلوم الاجتماعية ، النشر العلمي م 31 ، عدد 3 ، 2003 ، ص 726.
(3) Djamchid (b) ، et Bouraoui(s) ، famille musulmanes et modernité le défi des tradition ، publisud ، paris 1986 : p 51.
تنشئة المرأة الجزائرية