يونس لوكيلي
باحث بمركز أديان للبحث والترجمة
في السياق العام
تبلورت في نهاية القرن التاسع عشر في فرنسا ثلاث توجهات حول الاكتشاف المعرفي للمغرب، الأول: اتجاه المغرب المجهول Le Maroc inconnu، وهو عمل الرحالة والمستكشفين. والثاني: اتجاه المغرب المتحف Le Maroc musée، وهو للعلماء والباحثين. وثالثا: اتجاه المغرب العجائبي# Le Maroc pittoresque ، وهو لعلماء الآثار والفنانين#. وبحق يمكن القول مع دانييل ريفي أن إرادة المعرفة في هذه المرحلة كانت رغبة جمالية لا أكثر، وتميزت بكونها مبادرات فردية “بطولية”، وبمساعدة المخزن/السلطة والأهالي.
سرعان ما سيصبح المغرب هدفا توسعيا لفرنسا، وهو ما يتطلب مؤسسة علمية تضطلع بهذه المهمة. في أكتوبر 1903 سوف يتم الإعلان عن تأسيس البعثة العلمية في المغرب، باعتبارها مؤسسة ومرصدا لإنتاج المعرفة من أجل الاستعمار، وكذلك من أجل تكوين وكلاء فرنسيين لتدبير شؤون المغرب تحت الحماية، وهو اصطلح عليهم لاحقا ب “المراقبين المدنيين”. وكان وراء هذا التأسيس الحزب الكولونيالي في فرنسا بزعامة ”لوشاتولييي” الأستاذ بالكوليج دي فرانس، ممثلا للتوجه الأكاديمي المدافع عن الاحتلال السلمي للمغرب، وكان من بين مشايعيه أوجين إيتيان ولوكي دورسي و غاستون ماسبيرو، ولم تخل هذه الفترة من صراع حول السلطة، وموقع العلم في عملية النفاذ إلى المغرب. أما العلماء الفرنسيين الذين يشتغلون في الجزائر في إطار “مدرسة الجزائر” و”هيأة إفريقيا الشمالية”، فكانوا يطمحون إلى احتلال المغرب مهما كان الثمن، وكان من أبرزهم إدموند دوتي.#
لقد عبّر ميشو بيلير، بوضوح، عن هدف البعثة بالقول:” إن موضوع هذه البعثة هو البحث في عين المكان عن الوثائق لدراسة المغرب وإعادة بناء التنظيم والحياة، ليس، فقط، بالاستعانة بالكتب والمخطوطات، بل أيضا من خلال الأخبار الشفوية، وتقاليد القبائل، والزوايا، والعائلات […] وذلك من أجل إنشاء الأرشيف المغربي، وإن صح التعبير، فهرس المغرب le catalogue du Maroc بكل قبائله، ومدنه، وزواياه، والبحث في أصوله، وتفرعاته، وصراعاته، وتحالفاته […] وهذا يساعدنا على القيام بسياسة أهلية دون الوقوع في أخطاء كبيرة”#.
أشرف على إدارة هذه المؤسسة مستشرق واعد وغير معروف في الأوساط العلمية الفرنسية، هو جورج سالمون. الذي سيعبر عن كفاءته في وقت قياسي كما سنبين لاحقا.
كانت مجلة الأرشيف المغربي الإصدار الوحيد لهذه المؤسسة، وفي سنة 1906 أُحدث منشور آخر في البعثة باسم مجلة العالم الإسلامي، ثم منشور آخر سنة 1914 بعنوان المدن والقبائل في المغرب. وفي 14 أكتوبر 1919 ألحقت البعثة بمديرية الشؤون الأهلية للإقامة العامة، وأصبحت قسما للدراسات السوسيولوجية، وإلى حدود هذا التاريخ، استطاعت البعثة إصدار 24 جزءا من الأرشيف المغربي، و 35 جزءا من مجلة العالم الإسلامي، و 6 أجزاء من مدن وقبائل المغرب، منها “الدار البيضاء” و”الشاوية”، و”الرباط ونواحيها”.
جورج سالمون: المسار
ولد جورج سالمون# George Salmon في فرنسا سنة 1876، وتوفي سنة 1906 بفاس، تلميذ مدرسة اللغات الشرقية الحية، ثم تابع تعليمه في السوربون بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا# في باريس التي تأسست سنة 1868، و التي درس فيها العديد من مفكري فرنسا، مثل: إيميل بينفينست، وكلود برنارد، و لوسبان فيبفر، وكلود ليفي ستروس، ومارسل موس، وفردناند دي سوسير وميرسيا إلياد. وهدف المدرسة هو التكوين من خلال البحث الأساسي المطبق في علوم الحياة والأرض والعلوم التاريخية والفلسفية والدينية.
سوف يصبح سالمون موظفا في مؤسسة علمية بالقاهرة سنة 1899، وفيها سيهتم ب الدراسات العربية مثل ترجمة النصوص التاريخية والشعرية. وفي القاهرة شارك مع رافيز وكازانوفا في بحث حول طوبوغرافيا تاريخية حول مدينة قديمة، والدراسة بعنوان: ” دراسة حول طوبوغرافية القاهرة: “قلعة الكبش وبِركة الفيل” نشرت هذه الدراسة سنة 1902. وأنجز دراسة حول أصول أسماء الأماكن المصرية- التوبونيميا-. وأيضا، عدة أعمال حول “الواحات الكبرى للفيوم”. وترجم من العربية إلى الفرنسية بعض النصوص الشعرية للشاعر العربي الأعمى أبي العلاء المعري. ولا شك أن إتقانه للغة العربية ساهم في متانة دراساته حول مختلف المواضيع التي كتب عنها.
سيغادر القاهرة سنة 1902 في اتجاه المغرب، وبعد سنتين، سيعين على رأس البعثة العلمية في المغرب، كمدير مساعد متدرب، بتوصية من غاستون ماسبيرو. ويعود الفضل في تعيين سالمون في هذا المنصب ل “لوشاتوليي” ، الذي كان حريصا على إبراز الكفاءة الإدارية والعلمية لسالمون من خلال إصدار الأرشيف، وكان يحثه أن يكون تقنوقراطيا حتى يتجنب تشابك خيوط اللعبة السياسية بالبحث العلمي. ولم تكد تمر عليه أكثر من ثلاث سنوات على رأس البعثة حتى لقي حتفه بفاس في سن الثلاثين تماما.
لم يكن من السهل التعرف على حياة جورج سالمون، حيث أننا لم نجد من الباحثين من اهتم بحياته، عكس ما ناله باحثون آخرون من اهتمام، مثل ميشو بيلير. فهو لا يُذكر في التأريخ للسوسيولوجيا، ولذلك لم يذكره عبد الكبير الخطيبي في “حصيلة السوسيولوجيا في المغرب”#، وذلك لأنه لا يعترف ببداية السوسيولوجيا إلا مع عهد الحماية سنة 1912. وقد جاء على ذكره أندري آدم في كتابه “البيبليوغرافيا النقدية للسوسيولوجيا والإثنوغرافيا والجغرافيا البشرية في المغرب”#، وأحصى له 22 دراسة، مصححا المعلومة التي أوردها محرر مادة جورج سالمون في “قاموس مستشرقوا اللغة الفرنسية”# الذي قال بأنه ساهم بحوالي 40 دراسة عن المغرب.
ونشرت كل هذه الدراسات ال 22 في مجلة الأرشيف المغربي، الصادر آنذاك عن البعثة العلمية بالمغرب، وطبع من قبل دار النشر “إرنست لورو”، سنة 1904، وهو تاريخ العدد الأول من مجلة الأرشيف المغربي. وسيعاد طبع هذا العدد، وكل أجزاء مجلة الأرشيف المغربي، سنة 1974 في مطبعة “كروس” بلينستاين بألمانيا، بموافقة دار المطبوعات الجامعية الفرنسية.
وعلى كل حال، فإنه رغم هذا التاريخ البيولوجي والعلمي القصيرين، استطاع سالمون إصدار دراسات هامة حول المجتمع المغربي، وخاصة طنجة التي كانت مقر البعثة العلمية. توزعت أعمال سالمون على عدة مجالات بحثية، في التاريخ، والبنيات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والترجمات. كما كانت له، أيضا، دراسات مشتركة مع ميشو بيلير الذي سوف يتولى الإشراف على البعثة العلمية بعد وفاة سالمون. ولكن يبقى اهتمامه الأبرز حول التاريخ السياسي وظاهرة الشرفاء وأنسابهم. وسوف نخصص هذا المقال لتقديم وصفي لأعماله التي نشرت في الأرشيف المغربي، واهتمت بالإسلام.
الأعمال العلمية: وصف بيبليو-موضوعي
نعرض في الصفحات التالية الدراسات التي أنجزها سالمون، مع تعريف بسيط بمحتوياتها، ومرتبة حسب الورود في المجلة، وهي:
“ملاحظات حول الخرافات الشعبية في منطقة طنجة”
Notes sur les superstitions populaires dans la région de Tanger
وهو مؤلف باللغة الفرنسية، نشر في مارس 1904، في العدد الأول لمجلة الأرشيف المغربي، ولا تتوفر أي ترجمة لهذه الدراسة، ويمكن تحديد دواعي تأليفه ضمن الدراسات التي أنجزت عن المغرب تحت إشراف البعثة العلمية بالمغرب فس سببين، أولاها: سبب غير مباشر يتمثل في تقديم مونوغراغية للحكومة الفرنسية من أجل الإعداد لاحتلال. والثاني: مباشر؛ يهدف إلى التعرف العلمي على الموضوع المدروس، وهو في هذه الدراسة “الخرافات الشعبية-الجن- مثلا، في طنجة”. وخاصة دراسة الخرافات الشعبية ذات الأصول الإحيائية-الوثنية، من خلال ممارسات الزنوج وبعض السكان الأمازيع، والنساء منهم خصوصا. والدراسة تعتمد الملاحظة الميدانية، وهي ليست الأولى من نوعها فقد سبقتها دراسات أخرى من قبل فرنسيين وإسبان أيضا، ولذلك يمكن تصنيفها مرجعا في هذا المجال.
“الزواج الإسلامي في طنجة”
Les Mariages musulmans à Tanger
كتبت هذه الدراسة باللغة الفرنسية، ونشرت في مارس 1904، العدد الأول لمجلة الأرشيف المغربي، ولا تتوفر أي ترجمة لهذه الدراسة في أي لغة من اللغات، وقد قمنا بترجمة هذا النص الى اللغة العربية، وسينشر قريبا. وتعالج هذه الدراسة احتفالات الزواج عند المسلمين في طنجة، ويعرّف بطقس الزواج بكل تفاصيله، مفهوم الزواج في الاسلام، مفهوم المهر وشكل تطبيقه في طنجة، ومؤسسة “الخطبة”…الخ. وحقا يمكن اعتبار هذه الدراسة إثنوغرافية بامتياز، قامت على الملاحظة الدقيقة، ووصفت مختلف جوانب الزواج في طنجة. وأعطى أراءا هامة تستحق النقاش، مثل اعتباره الزواج عقد بيع.
“القانون العرفي في الشمال المغربي”
Droit Coutumier du Nord-Marocain
نشر سالمون هذه الدراسة في مجلة الأرشيف المغربي، الجزء الأول، لسنة 1904 ، ولا توجد أي ترجمة للنص. ولعل القانونيين اهتموا بهذا النص، الذي يمكن تصنيفه في الدرجة الأولى في مجال القانون. وهدف هذه الدراسة تقديم الأعراف الذي تسود في منطقة الشمال المغربي، وهو ما يسميه أهل المنطقة “القاعدة”، وهو يعني عرف قرية، أو مدينة، أو منطقة بكاملها، وكل هذا يسمى “العادة” أو “العرف”، “طرْق لْبلاد”. ويتناول سالمون مفهومه، وأصوله -التي يعيدها الى دخول الاسلام الى شمال إفريقيا، وبعدها سيتكيف مع الواقع المحلي حسب كل “اجْماعة”-، وكيفية معرفته، وتطبيقه.
بعد ذلك، يتطرق إلى أشكاله: في الجمعية الفلاحية عامة، وفيها:” الشُركة”، و”الخُمس”، من خلال العقد، والاستغلال، والمشاركة. وجمعيات أخرى تنتمي الى الثقافة الكبرى، وفيها: “نص الخُمس”، و”النُص”، و”الخُبزة”، و” لْكرا”، و”لْفَرض”. وجمعيات تربية النحل. وجمعيات المراعي. وشبه شَركة “اشرْكة”.
وتزداد أهمية هذا النص باعتباره يعتمد الملاحظة الميدانية، والوثائق المحلية التي يستعملها السكان المحليون في هذه المعاملات، ويقدم نماذج منها مترجمة إلى الفرنسية في متن النص.
“الشرفاء الأدارسة في فاس: من خلال ابن الطيب القادري”
Les Chorfa idrisides de Fès :d’après ibn at-tayyib ALQADIRY
نشر سالمون هذه الدراسة مارس 1904، باللغة الفرنسية، في مجلة الأرشيف المغربي، العدد الأول، الصادر عن البعثة العلمية الفرنسية. ولحدود الآن لا توجد أي ترجمة لهذا النص. وتهدف الدراسة إلى معرفة ظاهرة الشرفاء في التاريخ الديني والسياسي للمغرب، وذلك من أجل معرفة التطور الاجتماعي. وخصوصا الشرفاء الأدارسة في فاس. و فكرة انحدار الشرفاء الأدارسة من نسب الرسول صلى الله عليه وسلم عبر فاطمة الزهراء، وأهمية النسب سياسيا واجتماعيا في بلدان شمال افريقيا. والتعريف بمختلف عائلات الأدارسة في فاس. وهذه الدراسة ليست كباقي الدراسات الأخرى التي اعتمدت الملاحظة الميدانية بل اعتمدت كتاب “الدُر السَني” لابن الطيب القادري. وهي على وجه التحديد تلخيص لأهم ما جاء في “الدُر السَني”. وفيه تناول أصول الشرفاء الأدارسة، ومجموعاتهم، مثل: الجوطيون، والطاهريون، والعمرانيون، والطالبيون، والغالبيون، والدباغيون، والشفشاونيون، والريسونيون، والرحمانيون، واللحيانيون.
“الطرق والزوايا في طنجة”
Confréries et Zaouyas de Tanger
نشر جورج سالمون هذا المقال سنة 1905، في الجزء الثاني من مجلة الأرشيف المغربي، واللغة الأولى التي كتب بها المقال هي الفرنسية. وموضوعه كما هو واضح في العنوان، الزوايا والأخويات في طنجة. وفيه يلاحظ سالمون انخراط معظم الساكنة الطنجاوية في الزاوية العيساوية والحمدوشية خاصة الريفيين، والجنود، والفقراء. ويعالج موضوعه من خلال المقدمة التي يلمح فيها للفرق بين الزاوية والأخوية، أن الأولى هي الأصل، وفيها يوجد الولي، والثانية أي الزاوية، وهي فرع لإحدى الزوايا. وفي الدراسة يعرف ب: عيساوة، وحمادشة، والتجانيين، والجيلاليين، ودرقاوة، والناصريين، والكتانيين، الطيبيين، الشيخاوة، وحداوة، وكناوة. و يقدم ملاحظات هامة، فمثلا يرى أن من بين وظائف الزاوية العيساوية الوظيفة الطبية عبر طقوس الحضرة. واعتمد الباحث الملاحظة الميدانية، حيث لا نجد أية إشارة الى كتاب ما في المقال.
“أضرحة طنجة”
Marabouts de Tanger
ألف جورج سالمون هذا النص باللغة الفرنسية، في مارس 1904، حيث صدر في العدد الأول من مجلة الأرشيف المغربي. والدراسة تقدم وصف الأولياء والأضرحة في طنجة، و يعرف بهم: سيدي محمد الحاج بوعرافية، سيدي محمد بريسول، وسيدي الحسني، وسيدي علال الحاج، وسيدي محمد البقال، ومولى بوشتى، وسيدي أحمد بوكوجه، وسيدي بن داود، وسي عمار عليلش، وسيدي المختار، وسيدي سعيد، وسيدي بوعبيد الطنجي، وسيدي المخفي. ويرى سالمون أن الأولياء في طنجة يكتسبون قداستهم بعد وفاتهم بفترة زمنية ليست بالقصيرة، حيث أن أتباعه المحيطون به من يبنون له “حوشا”، يصبح من بعد قبة، ثم يضعون عَلَما، وبالتالي يصبح وليا-قديسا. بعد أن يؤسسو بالموازاة أساطير تنسب إليه.
ويقسم سالمون المؤسسات الدينية في طنجة إلى ثلاثة أصناف: المساجد، والزوايا، والأولياء. وهذا الأخير يعبر عنه بالدارجة المغربية ب” السَيّد.”
و يعتمد الكتاب الملاحظة الميدانية في طنجة، ومن تم يعتبر مصدرا في الموضوع في هذا المجال.
“الخِرقة الدرقاوية والخِرقة الصوفية”
La kherqa des Derqaoua et La kherqa Soufya
نشرت هذه الدراسة بمجلة الأرشيف المغربي في مارس 1904، باللغة الفرنسية، ولا تتوفر أي ترجمة للمقال إلى لغة أخرى. و تهدف الدراسة إلى معرفة الطقوس اليومية للزوايا، من خلال تسليط الضوء على طقس الخرقة الصوفية، وخاصة في الزاوية الدرقاوية، وما تمثله في نسق الزاوية في العلاقة بين الشيخ والمريد، وهي عبارة عن جلابة من عدة قطع من الثوب بدون تنظيم، يلبسها المريد، وتسمى أيضا “المرقع”. والقصد من ارتداء الخِرقة من قبل المريد التعبير عن خضوع المريد للشيخ وأدبه معه، وأن يكون أداة طائعة بين يديه. ويتناول سالمون هذا التعبير السلوكي في عناوين كالتالي: أصل الخرقة، وتقليد الخرقة، والمعنى الرمزي-الصوفي للخرقة، والزوايا التي تتبنى الخرقة. وتعد الملاحظة الميدانية في كل من غرب طنجة ومنطقة أنجرة المصدر الأساسي لهذا البحث.
ولابد، في النهاية، من الإشارة الى أن انتباه سالمون لطقس الخرقة وتحليله له يعد فطنة أنثروبولوجية تستحق التحليل، وتصنفه ضمن الباحثين الأنثربولوجيين.
“القصر الكبير: الحياة الدينية”
El-qcar El-kebir: La vie religieuse
ألف جورج سالمون هذه الدراسة بالاشتراك مع إدوارد ميشو بيلير، وليست الوحيدة التي يؤلفها بالاشتراك، بل هناك دراسات أخرى، غير أنها الوحيدة التي يؤلفها مع ميشو بيليرMichau-Bellaire. ونشرت باللغة الفرنسية، في مجلة الأرشيف المغربي الجزء الثاني سنة 1905. وفي حدود اطلاعي لا توجد ترجمة عربية لهذا النص.
وهذه الدراسة ليست إلا قسما صغيرا من دراسة شاملة هدفت تقديم مونوغرافيا شاملة لمدينة القصر الكبير التي تقع في شمال المغرب، قرب طنجة. وفي هذا القسم الذي يتناول الحياة الدينية، يسعى الباحثان إلى رصد مختلف المؤسسات الدينية في القصر الكبير: المساجد والزوايا، والأولياء. وهي تعبير عن كثافة الحضور الديني عبر التاريخ في هذه المدينة. والدراسة اعتمدت البحث الميداني في توثيق مادتها. ولاغنى لأي باحث حول مدينة القصر الكبير عن هذه دراسة، لجدتها آنذاك، وسبقها الزمني.
“مخطوط الشيخ الزموري: حول الشرفاء والقبائل في المغرب”
L’OPUSCULE DU CHAIKH ZEMMOURY: Sur les Chorfa et les tribus du Maroc
نشرت هذه الدراسة في مجلة الأرشيف المغربي، في الجزء الثاني سنة 1905. وكتبت باللغة الفرنسية، وتعتبر تلخيصا لما جاء في كتاب الشيخ عبد العظيم الزموري، يشير سالمون أنه حصل على الكتاب حينما كان في مدينة القصر، وهو كتاب من عدة صفحات بدون عنوان أو تاريخ. و يبدو الكتاب كتلخيص لعمل كامل يتكون من ثلاثة أجزاء: الشرفاء، والأولياء، وقبائل المغرب. وبما أنه تلخيص لما جاء في الكتاب فإنه من الدرجة الثانية. وأهمية الكتاب تبرز في أنه لا يتناول الشرفاء في فاس فقط، كما قام بذلك ابن الطيب القادري في “الدُر السَّني”، بل في عدة مناطق من شمال المغرب وجنوبه، وسوس وتافيلالت. و يتناول الشرفاء في سياقهم الثقافي والمجالي، أي القبائل في المغرب.
ومن هذا المنطلق يعرف بكل من: العائلات الشريفة، والشرفاء المغارين، وشرفاء سملالة، وشرفاء أولاد سيدي خالد، وشرفاء عين أرغم، والشرفاء السرغيين، وأولاد بوعنان، وأولاد بوسباع، وأولاد سيدي علي بن داود، وشرفاء غرب فاس، وأولاد كانون، وأولاد بواكيل، آيت عتاب، والشرفاء العلميين، والشرفاء الدرقاويين، والشرفاء الجوطيين، وأولاد جنون، وشرفاء سجلماسة، والشرفاء السكراشنيين، والشرفاء العروصيين، وشرفاء بني كولان، وبني خالد، وبني عون، فرافرة، واولاد سيدي عبد الله، وأولاد مولاي حساين، وأولاد بوعلي سالم، وبني ميمون، والشرفاء الخرشوفيين، والشرفاء الصقليين، وشرفاء تلمسان، وشرفاء أهل الجيلان، وشرفاء أهل جبل راشد، وشرفاء أهل فيجيج، وكبولة، ومغراوة، والغزوانيين، وشرفاء توات، وشرفاء حسنين المدينة، وشرفاء الحسنيين، والزوايا، والقبائل العربية والبربرية في المغرب.
“الشرفاء الفيلاليين والجيلاليين في فاس من خلال ابن الطيب القادري”
Les Chorfa FILALA et DJILALA de Fès d’après Ibn at-tayib AL-QADIRY
نشرت هذه الدراسة بمجلة الأرشيف المغربي في الجزء الثاني، سنة 1905، باللغة الفرنسية. وموضوعه الشرفاء الفيلاليون في فاس، أي الذين ينحدرون من سجلماسة، عبر محمد النفس الزكية ابن عبد الله الكامل، الذي هو أب مولاي إدريس. والشرفاء الجيلاليون أي القادريون، وينحدرون من موسى الجون عبر قطب الإسلام عبد القادر الجيلاني. ثم الشرفاء الحسينيون في فاس أيضا. ولذلك انقسمت هذه الدراسة إلى ثلاثة أجزاء: نسب محمد النفس الزكية، ونسب موسى الجون، ونسب الحسين. والدراسة تعتمد كتاب “الدر السني” لابن الطيب القادري، و يقدم فيه إحصاء عن الشرفاء في فاس سنة 1090 هـ( 1679م).
“طقوس مولاي إدريس ومسجد الشرفاء في فاس”
Le Culte de Moulay Idris et la mosquée de chorfa à Fés
نشر جورج سالمون هذه الدراسة في مجلة الأرشيف المغربي، الجزء الثالث سنة 1905، باللغة الفرنسية. ويعالج فيه طقوس مولاي ادريس باعتباره أقدس ولي في المغرب، والحفيد السادس للرسول صلى الله عليه وسلم، ومؤسس الدولة الوطنية الإدريسية. وهناك أيضا إدريس الثاني مؤسس مدينة فاس( باني فاس). وذلك انطلاقا من فكرة أساسية مفادها أن تقاليد الشرفاء تنتعش بشكل بارز حول أضرحة الشرفاء، خاصة من خلال الزيارات الظرفية والمواسم السنوية.
ويقوم سالمون بتلخيص ما جاء في كتاب “الأزهار العطرة” لمحمد بن جعفر بن إدريس. الذي ألفه في فاس سنة 1314، بدءا من مكان تأسيس مسجد مولاي ادريس الثاني، والهندسة المعمارية للمسجد، والزيارات التي تتوجه إليه، ثم انتهاء بوصف “حُرْمْ” المسجد.
“بعض الأساطير حول مولاي بوسلهام”
Quelques légends relatives a Moulay bou Selham
نشرت هذه الدراسة في الجزء الثالث من مجلة الأرشيف المغربي، سنة 1905، باللغة الفرنسية. ولم تتوفر لحدود الآن أي ترجمة لهذا النص. اهتم سالمون بمولاي بوسلهام باعتباره أكبر ولي في منطقة الغرب، وكل القبائل العربية على واديي سَبُو ولوكوس. عرّف بأصله الشريفي الحسني. وانتقل مباشرة إلى حكاية بعض الأساطير التي نسجت حول ولادته، وطفولته، ودراسته في القيروان، ومهنته في الخياطة التي كان ينفق من عائداتها على الفقراء، ثم انتقل الى أصيلة بالمغرب، وبعدها استقر للعبادة في مدينة العرائش. ويحكي أنه أمر البحر ففاض على اليابسة بمكان اسمه “باب السرير”، وبعد أن طلب منه أبو سعيد أن يأمر البحر بأن يعود إلى مكانه، استجاب، وتكونت هناك “بُحيْرة”، وببركته أصبح ماء البحيرة مباركا وعلاجا للعديد من الأمراض، وفي النهاية يختم بالأساطير المنسوجة حول موته. واعتمد سالمون في هذا النص على مخطوط مجهول حول المناقب نسخه في القصر الكبير.
خلاصات وملاحظات
تشير الدراسات التي أوردناها أعلاه إلى تطور نوعي في معالجة مظاهر الإسلام في المغرب لدى سالمون. فقبله، كانت أعمال الرحالة والمستكشفين أقرب إلى الحكايات والانطباعات. ولكن معه سوف يصبح البحث مؤسسا ضمن بعثة علمية، لقد صبح البحث مهنة، وهو سياق أعمال سالمون. ورغم ذلك، لم تتميز أعماله بانسجام مطرد، ولا اختيارات نظرية واضحة، ولا أدوات منهجية صريحة. ولذلك أعتبرها كتابة إثنوغرافية أسست لمرحلة انتقالية في الكتابة الأنثروبولوجية- وليست كذلك بالنسبة للتاريخ، لأنها الطريقة المتداولة في الكتابة، بالنظر إلى ما قبلها عند الرحالة والمستكشفين، وما سيأتي بعيدها مباشرة مع إدوارد ميشو بيلير وإدموند دوتي، وغيرهما.
ونضيف، أيضا، أن كتابته تعتبر نموذجا في الانتقال من الاستشراق إلى الإثنوغرافيا#؛ فهي تجمع بين الكتابة من وجهة نظر المستشرق الذي يتعامل بحس تاريخي مع النصوص والمدونات الكبرى﴿مثل الشرفاء الأدارسة في فاس من خلال ابن الطيّب القادري﴾، و وجهة نظر الإثنوغرافي الذي يستند إلى دراسات ميدانية، والبحث في الإسلام المعيش في المجتمعات﴿نموذج زواج المسلمين في طنجة﴾.
وإجمالا، يمكن تسجيل أربع ملاحظات عامة بخصوص هذه الدراسات:
أولا: اهتمامها بموضوع الشرفاء بشكل بارز، باعتباره ظاهرة تميز الإسلام في المغرب.
ثانيا: اختيارها للمدينة كمجال للبحث، إحداهما في شمال المغرب وهي طنجة، والأخرى في وسط المغرب وهي فاس. ولا يخفى ما تشكله هاتان المدينتان من أهمية تاريخية وسياسية. إضافة إلى الدراسة المونوغرافية الشاملة حول مدينة القصر الكبير.
ثالثا: اتخاذها لمنظورين في تناول موضوعاتها، وهما: التاريخ، من حيث اعتماده على الوثيقة مصدرا للمعلومات، والإثنوغرافيا، من حيث الزيارات الميدانية التي يقوم بها لإنجاز دراساته.
رابعا: اهتمامها بشخصيات دينية تاريخية، من حيث الترجمة لحياتها العلمية، ودورها في التاريخ الديني والاجتماعي للمغرب.
نعتقد أن طبيعة هذا الاهتمام سوف يساهم في تحديد الخطوات الأولى لمنهج وموضوع البحث الكولونيالي حول الإسلام في المغرب، خاصة أن جورج سالمون- المعروف في الأوساط العلمية الفرنسية بالمستشرق- يعتبر أول مشرف على مؤسسة للبحث العلمي في المغرب تُعنى بتقديم المعلومات اللازمة من أجل التهيئ للحماية.
المراجع:
Adam André, Bibliographie critique de la sociologie, ethnographie et Géographie humaine du Maroc, Mémoire du centre de recherches Anthropologiques préhistoriques et Ethnographiques, Publié avec le concours du centre national de la recherche scientifique, Alger, 1972.
Burke III Idmund, La Mission Scientifique au Maroc, In Connaissances du Maghreb, Editions du CNRS, 1984 , Paris ,pp45-56.
Daniel Rivet, Exotisme et pénétration scientifique: l’effort de découverte du Maroc par les Français au début du XX siécle, In Connaissances du Maghreb, Editions du CNRS, 1984 , Paris ,pp 93-109.
Michaux-Bellaire, «Sociologie marocaine», Archives marocaines , T.XXVI, 1927.
Salmon Georges, In “Dictionnaire des Orientalistes de Langue Française, POUILLON François, KHARTALA, Paris.
Khatibi Abdelkbir, Bilan de la sociologie au Maroc, Publication de l’association pour la recherche e, sciences humaines, Rabat, 1967.
Salmon G., 1904c, «Notes sur les superstitutions populaires dans la région de Tanger », Archives Marocaines, nº 1.
Salmon G., 1904d, «Les mariages musulmans », Archives Marocaines, nº 1.
Salmon G., 1904e, «Les chorfas Idrisides de Fés », Archives Marocaines, nº 1.
Salmon, Georges. (1905) Contribution à l’étude du droit coutumier du nord-marocain : de l’association agricole et de ses différentes formes / [M. G. Salmon]
In Archives marocaines . – T. 3. – p. 331-412.
Salmon, Georges. (1905) Ibn Rahmoun et les généalogies chérifiennes / [M. G. Salmon], In Archives marocaines. – T. 3. – p. 159-265.
Salmon, Georges. (1905). Le culte de Moulay Idris et la mosquée des Chorfa à Fès / [M. G. Salmon In Archives marocaines. – T. 3. – p. 411-429.
Salmon, Georges. (1905) Les chorfa Filâla et Djilâla de Fès, d’après Ibn at-Tayyib al-Qâdiry / [M. G. Salmon]
In Archives marocaines. T3. p. 97-118.
Salmon, Georges. (1904) Les chorfa idrisides de Fès / G. Salmo-
In Archives marocaines. T. 1. p. 425-453.
Salmon Georges .mariages musulmans à Tanger /
In Archives marocaines . T 1 . p. 273-289.
Salmon, Georges. (1905). L’opuscule de chaïkh Zemmoury sur les chorfa et les tribus du Maroc / G. Salmon In Archives marocaines . – T. 2, fasc. 3 . – p. 258-287.
كم هو ممتع قراءة ما تكتب .. دمت دخرا لنا .. و .. للغة الظاد ..
اشكركم علي حسن متابعتكم متمنيا لكم دوام التقدم والازدهار
موضوع جيد أفاد جدا في دراستي في علم الإجتماع وضح لي أمورا لجورج سالمون جزاكم الله خيراً
هل يحق الاستعانة بمنشوركم في انجاز تقرير حول الارشيف المغربي للبعثة العلمية
Street in Algeria y اللوحة بعنوان
Frederick Arthur Bridgman, 1885 الرسام