لا أحاول من خلال هذه القراءة أن أقول أن كل ما ابتدعه فرويد (Freud) هو خطأ بالمطلق ، لكنني أحاول عقلنة مشروعه النفسي ، وتحديداً أسلوبه في قراءة الأحلام وتفسيرها ، منطلقاً من أطروحة مناقضة ، أو لأقل مختلفة .
لقد تعرفت على فرويد كعلَم من أعلام علم النفس ، منذ بدايات مراهقتي الفكرية ، ثم اطلعت على العالِم والنهج أثناء تخصصي ، وتمرست بطرائقه أثناء دراستي الحقلية للأحلام – وإن كانت مقاربتي أنثروبولوجية – لأتفكر وأعقل هذا الجانب تحديداً .
يعد فرويد من الممثلين الرئيسيين للتيار الطبيعي الذي لا يقبل أي حقيقة غير الطبيعة والعالم المدرك ، ويعتمد حصراً على الظواهر الطبيعية ، لا على افتراضات منطقية ، ولا على أي شكل من أشكال الوحي الإلهي ، إذ أن الأبحاث تظل عرضة للشك ما دامت المعاينة والفحص لم يحلا محل الإفتراض .
يعتبر فرويد أن هناك علاقة صراعية بين الإنسان ومحيطه ، بين رغباته وغرائزه من جهة وبين متطلبات ومحرمات العالم المحيط به من جهة أخرى . هذه العلاقة الصراعية تماثل ما ابتدعه داروين في نظريته التطورية ، حيث هناك صراع وتنافس بين الكائنات ، والبقاء هو للأصلح – الأقوى .
إضافة إلى تنحيته للعقل ، إذ ليس العقل وحده هو الذي يقود أفعالنا ، لأن الإنسان ليس كائناً عقلانياً بحتاً ، فغالباً ما تحدد اندفاعات لاعقلانية سلوكنا وتصرفاتنا وتفكيرنا .
وهذا يعني ، أن معظم السلوكيات والتصرفات ليست عقلانية ، وبالتالي المسؤولية لا تقع على كاهل الفرد ، بل هناك بناء نفسي مركب (complex) يوجّهه ويتحمل مسؤولية أفعاله ، وكأن هناك هستيريا جمعية تسمح لكل فرد بالتملص من أخطائه ، برميها على مكبوتاته ولاوعيه !
هذا كاستخلاص أولي يمكن من خلاله الإشارة إلى طبيعة الإدعاءات التي ينادي بها البعض عن مدى التأثيرات الوراثية ، لتصبح كينونة الإنسان وأفكاره وسلوكياته رهن باللولب المزدوج من الدنا (double helix of DNA) ، حيث يشكل اللاوعي مركزاً ومنسّقاً وموجّهاً ومحدّداً للتصرفات التي تغافل العقل والإرادة ، فيصبح الإنسان رهين لاوعيه ، كما ارتهن لاحقاً لجيناته !
أحاول أن أقدم ، من خلال ما سبق ، تأطيراً للفكرة التي أريدها من هذا النص ، وهي قراءة متدبرة لكتاب تفسير الأحلام .
يمكن القول أن هذا الكتاب يحوي التسلسل التالي :
1. سؤال مركزي .
2. مناقشة جميع النظريات والفروض التي سبقته وتكلمت عنه .
3. إثبات بُعدها وخطئها وعدم جديتها .
4. وضع نظرية وأسلوب خاص في التفسير .
5. تعليل أهمية الأسلوب الجديد .
6. ربطه بكل البناء النفسي الذي توصل إليه .
إن أسئلة فرويد المركزية هي : لماذا نحلم ؟ ما هي أهمية الحلم ؟ هل له علاقة بالعمليات النفسية الداخلية ؟ وهل من الممكن أن يدلنا على البناء النفسي ؟
إن اتخاذ فرويد لهذه الأسئلة هادياً له ، أوصله إلى هذه النتيجة . إن فرويد ، انطلق من تصورات وتحيزات مسبقة – تبعاً لتكوينه الفكري ، المجتمعي ، الثقافي ، الديني – وطرح سؤالاً ليصل إلى حل إشكالية تؤرقه ، وإشكالية موجودة عنده أساساً .
إن الأشخاص المصابين بالهستيريا ومن خلال تفاصيل أحلامهم ، أوصلوه لنتيجة/فكرة ، هذه الفكرة طرحها على الأحلام بالمجمل ، ومن ثم عمّمها على الناس الأسوياء أيضاً !
اعتبر فرويد الأحلام إحدى المظاهر الرئيسية والمسؤولة فعلاً عن العمليات النفسية ويمكن من خلالها أن نبني صورة كاملة عن العمليات النفسية . لذا بنى فرويد هذا الجهاز : ما قبل الشعور ، اللاشعور ، الآثار الذكروية ، الذاكرة ، الحركة ، الإدراك .
من خلال هذا الطرح ، بنى صورة مشوهة للبناء النفسي خاصة أنه اعتمد على شكل مشوه للحياة الحلمية . إذ لم يكن هناك أدلة “علمية” ، فقد كان يركب صوراً ، أشكالاً ، تكويناً ، بناءً ، تبعاً لنظرة مسبقة ، بنى من خلالها هذه التفاصيل التي أوصلته لنظريته النفسية .
إن هذه الفكرة المسبقة مستقاة من التوراة تحديداً ، حيث تُعتبر الأحلام رسائل لا بد من قراءتها ، ولأنه اعتبرها مسلّمة ، اتجه لتأكيدها ، وإلباسها لباساً علمياً موضوعياً .
إن طريقة فرويد في التفسير تعتمد أساساً على المعلومات التي سبقت الحلم ، أي المعلومات التي أوصلت لهذا الحلم . فهو لا يعتبر أن الحلم قائم بذاته بمعزل عن كل المعطيات التي أوصلت إليه .
لماذا هذا الحلم وليس حلماً آخراً ؟ هو سؤال جوهري عنده . ومن خلال نظرته لفكرة تشكل الحلم ، وصل إلى هذه النظرية .
إن وجهة النظر التي اعتمدها ، لا يؤكدها سوى ارتباطها بالبناء النفسي الذي شيده . فنظرته إلى أن كل حلم له معنى (باعتباره جزءاً من اللاشعور) و/أو هو تحقيق لرغبة ، وتأكيد هذه الفكرة من خلال التداعي الحر ، وغيرها من الآليات التي ابتدعها أو استخدمها ، دون أي تحقق علمي عن صحة وجود هذا البناء تحديداً ، خاصة إذا تم ربطه بمفهومه الخاص عن العلم .
إن القول أن لكل حلم معنى ، ليس صحيحاً بالمطلق ، إذ لو كان له معنى ، فهذا يعني ضرورة تذكره ، وهذا يعني ارتباطه بآليات لاشعورية تحفزه ، لكن وبما أن طريقة تحفيزه تتم بشكل آلي ، عن طريق حركة العين السريعة (R.E.M.) ، فهذا يعني أن الرغبات لا تتقنع بالأحلام ، والأحلام ليست معبراً (صحيحاً ومطلقاً وثابتاً ودائماً) للرغبات الدفينة المكبوتة .
كما أن الدلائل التي اعتمدها ، لا يمكن تفنيدها ، إذ هي أحلامه (وأحلام مرضاه) وتفسيراته لها . فهو قام بتطويع التفسيرات لإيصالها للنتيجة التي يريد ، والتي قد لا تعني فعلاً هذه النتيجة . إن تطويعها تم من غير أدلة حسية ملموسة ، خاصة أن فرويد يقول أنه يقوم بإجراء علم يدّعي تخليصه من التأويلات الشعبية والصوفية .
يعتبر فرويد الحلم صدى ، أو نوعاً من التواصل مع كل الأحداث النهارية التي سبقته ، فكل حلم بالنهاية يمتاح ويستقي من التجارب النهارية (أحداث النهار السابق خصوصاً) ، وإن كان يعود إلى الطفولة أحياناً لشرح العقد الكامنة ، إلا أنه يعتبر أحداث النهار السابق هي المنبه والمحفز الذي بعث بهذا الحلم دون غيره ، بصور دون غيرها ، وأساساً بتفاصيل دون أخرى . إن أحداث اليوم السابق تؤثر وترتبط بالمقدرة على تفسير الحلم ، وبدون هذه المعرفة لا يمكن تفسير الأحلام .
إن هذا الربط ضروري ولازم بين الحلم وبين أحداث النهار الذي سبقه ، والتي دفعت الحلم إلى البروز ، ومن دونه (أي من دون هذا الربط) ليس بالإمكان القيام بالتفسير . ولأنه اعتمد هذا الأسلوب اضطر إلى تحديد العمليات النفسية التالية : التعيين ، الربط بين فكرتين ، ربط بين الكلام “الحلمي والنهاري” ، إذ أن كل الأحاديث التي تحصل في المنام هي أكيد منظورة مسبقاً (أي مرئية ومسموعة في الحياة النهارية) .
هذا المنهج قاصر ، لأنه قام بقراءةٍ للأحلام لإثبات وجهة نظر خاصة فيه ، من غير أدلة علمية . فالمقدرة على التفسير لا ترتبط ضرورة ولزوماً بمعرفة الأحداث التي أدت إلى هذا الحلم ، كما أن معرفة جميع الأحداث التي انبنت داخل الحلم ، من خلال ربطها بأحداث نهارية ، وتفسيرها تبعاً لذلك ، للوصول إلى حقيقة محتواها الكامن ، يوصل إلى حقائق خاطئة ، خاصة عند التعامل مع الرؤى ، أو الأحلام الإستشرافية .
إن عملي الحقلي انطلق من هذا السؤال الرئيسي : لماذا نتشارك الأحلام ؟ لماذا يدفعنا هذا الحلم إلى التواصل بشأنه (على اعتبار أنه لولا قيمته لما كانت هناك ضرورة لمشاركته) ؟
كما كنت أعتمد السياق (الأحداث) التي حفّزت رواية الحلم ، وليس الأحداث التي حفّزت رؤيته ! إن الرموز الموجودة في الحلم (أو التفاصيل) ترتبط بما يظنه الحالم عنها ، إذ لكل تفصيل (وعن طريق التداعي الحر أحياناً) مغزى خاص عند الحالم ، لذا ليس هناك من تفسير لرموز تصح في كل مكان .
هناك رموز عالمية ، هذا صحيح ، لكن ليس هناك من تفسيرات مشابهة عند كل البشر وفي كل الثقافات .
إن للحلم أهمية ، إلا أنها اتخذت حجماً أكبر من حجمها – وهذه نتيجة من نتائج كتاب فرويد – الذي أسس لمنظور يدّعي تخليص الأحلام (وتفسيراتها) من التفكير الشعبي ، ومن الطرق الصوفية أو الوجدانية في التفسير .
وهناك سؤال آخر يمكن من خلاله الإنطلاق في دراسة الأحلام ، بمعزل عن الأحداث (التي حفّزتها) والرغبات (التي تقنّعت بها) وهو : ما هي توظيفات الأحلام الثقافية ، السياسية ، الدينية ، الإجتماعية ، والإقتصادية ضمن المجتمع ؟ وكيف يتم استخدامها ؟ وهل يمكن من خلالها تبرير القيام بفعل ما دون مخافة اللوم أو الذنب ؟
هذا يعني أن المشاركة تعتمد أساساً الفكر الواعي ، فالرغبة قد تكون دافعاً ومحفّزاً نحو مشاركة الأحلام وروايتها (ولكن ليس علة رؤيتها) .
إن الإعتماد على أسلوب فرويد في التفسير ضمن بيئتنا ، سيدفع إلى تشكيل وعي بالنفس والذات مختلف ، وكأننا نقول أن الثقافة الفييناوية الأرستقراطية “الهستيرية” في أواخر القرن التاسع عشر تشابه ثقافتنا ، لذا فتطبيق آليات التفسير التي إعتمدها ، يسمح بتطبيقها على أي مجتمع وثقافة ، وهو أمر لا ينطبق ضمن نفس الثقافة والمجتمع ، فلِمَ تم قبوله بهذا الشكل الموسع ؟!
هذا سؤال يستحق التأمل …
السلام عليكم روحمة الله وبركاته
الأستاذ علي هاشم بعد التحية
أود التواصل معك عبر البريد أو الواتس
أنا باحث في علم تفسير الأحلام
وأود أن أستفيد من مقاربتك في إكمال بحثي فهل تسمح لي بالتواصل معك
أسعدك الله
هذا رقم جوالي
00966533533626
السلام عليكم روحمة الله وبركاته
الأستاذ علي هاشم بعد التحية
أود التواصل معك عبر البريد أو الواتس
أنا باحث في علم تفسير الأحلام
وأود أن أستفيد من مقاربتك في إكمال بحثي فهل تسمح لي بالتواصل معك
أسعدك الله
هذا رقم جوالي
00966533533626
دمت