عبد الحكيم أبواللوز
فرضت الحالة السلفية نفسها على المشهد المغربي في بعد احتجاجات حركة 20 فبراير التي حملت شعارات الربيع العربي على المستوى المحلي . فقد زاد الانشغال بمتابعة الشأن السلفي لعدة اعتبارات في مقدمتها ما كشفت عنه حركة الشارع من حضور وقوة هذا التيار والانتشار الكثيف له، إضافة إلى ذلك فقد ساهمت الماكينة الإعلامية في تصاعد حالة الشغف الجماهيري بمعرفة المزيد عن أفكار وطروحات هذا التيار بعدما انتشرت الأقاويل عن قيام بعض منتسبي التيار السلفي بامكانية االعمل السياسي، وهو الامر الذي استقطب اهتمام بعض الوسائط الإعلامية بغرض فهم التحول الجديد.
يطرح اعلان ستة ناشطين سلفيين عن انتمائهم الرسمي إلى حزب النهضضة والفضيلة تتعلق بملاحظة مدى التطور في الخطاب السلفي، وآفاقه وما يعترض طريقه من تحديات، وهل بالإمكان الوثوق بأن التيارات السلفية قادة على طرح مشروع سياسي وتبني رؤى تلتقي مع القواسم المشتركة التي تتفق عليها جل القوى الوطنية بما فيها تيارات إسلامية ، رغم ان كثيرا من الضبابية تعتري الموقف الطرح السلفي الجديد و تدفع إلى حالة من القلق والتوجس إزاء هذا التيار.
وهناك عينة يمكن الوقوف عندها في هذا السياق تصريحات للشيخ رفيقي أحد أعضاء احد أكثر من ستين شخصية قيادية عالمة في الحالة السلفية، بجانب بينهم الشيخ الفيزازي وعمر الحدوشي والكتاني.
التصريحات السالفة من المشايخ دالة بدرجة قوية على حدود وآفاق التطور في الخطاب السلفي كونها تصدر عن شخصية تنتسب لمرجعية رمزية تمثل كل أطياف الحالة السلفية بين جنباتها، كما أنها تشتبك مع قضايا محورية كاشفة للرؤية السلفية ووجهة نظرها بالنسبة للمستقبل المغربي. فاعلان الانتساب غلى حزب سياسي لا يمكن أن تقرأ بشكل تجزيئي أو استقطاعي لأغراض المحاججة سواء كانت للدفاع والتبرير أو للهجوم والإدانة، كما أنها لا يمكن أن تقرأ بمعزل عن عموم الظروف الذاتية والموضوعية التي تحيط بالتيار السلفي في الآونة الأخيرة.
النقطة الاكثر اهمية في الواقف السلفية كما عبر عنها في اليانات بالغرم من عموميتها إلا أن المؤكد أن هذه الرؤية ليست بحال رؤية التيارات الإسلامية. فللعدالة والتنمية رؤية للشريعة وأحكامها وكيفية إنفاذ مبادئها رؤى وأفكار تختلف كثيرا عن المقولات السلفية.
في العمق ويبدو لي ان الرؤى الجديدة بتقى في مجملها قريبة الصلة فيما يخص أحكام الشريعة في التصريحات السلفية ورؤية التيارات الإسلامية الوسطية الناشطة على الساحة المغربية هو استبطان الوعي بأن تطبيق أحكام الشريعة لا يعني انقلاباً جذرياً في القوانين والممارسات، وأن البون بين ما يحكم حياة الناس والمجتمع وبين أحكام وتعاليم الشريعة ليس بتلك المسافة وهذا البعد الذي يتخيله البعض، وكأن المجتمع يحيا حياة غير إسلامية.
هذا الاستبطان في حد ذاته يعد ملمحاً دالاً في سياق خمائر التطور في الخطاب والوعي السلفي الذي كان يركز دوما على الهوة السحيقة والفاصلة بين المثال الإسلامي في نصاعته وبين الواقع المتردي. وهذا التصور هو ما حدا بجل المكونات السلفية إلى الابتعاد عن الشأن العام والانسحاب من همومه على خلفية أن الخلل كبير والخرق متسع بما يتصور معه صعوبة الحديث عن الإصلاح والتغيير في الآماد المنظورة.
ما يلفت بقوة في أن الحديث الجديد عن نقاط مثل ‘ شورى العلماء’ وهو بمثابة مرجعية علمية للتيارات السلفية ولا يمكن تجاوزه م أي طرف النظام السياسي على ان يقع تنويعه وضم جميع الحساسيات إليه عوض التركيبة الحالية التي يوظف فيها المجلس العلمي الأعلى لخدمة مشروعية النظام السياسي
قد يجد البعض في هذا التصريح تطوراً هائلاً في مضامين الخطاب السلفي الذي يجاهر بقطعيته وعدائه للتيارات التي تحمل أفكاراً علمانية أو ليبرالية لا تتوافق مع عموم منهج الإسلاميين. ومما لا شك فيه أن مجرد صدور هذا الكلام عن شخصيات قيادية ورمزية عالمة في الحالة السلفية هو تطور بحد ذاته ونقلة في الخطابات والمواقف، إلا أن هذا لا يعني أن التحول بذلك الذي يمكن أن يتخيله البعض في رؤى متسرعة.
وتلك نقطة ثثير في اكثر من بلد عربي جدلا واسعا بين القوى السلفية ونظرتها الإسلامية بل مع بعض التيارات الإسلامية الرئيسة، والتي ترى بأن التعامل مع هذه القضايا ينبغي أن يكون وفقاً لمنهجية التدرج والتأهيل المجتمعي، ومراعاة توفر الشروط الخاصة بتحقيق المناخ المجتمعي الملائم لتطبيق تلك الأحكام بعدالة وفق مقتضيات الشريعة ذاتها، وليس التطبيق الفوري المتعجل والذي حدث في بعض التجارب وثبت فشله كما أنه لم يخل من التوظيف السياسي.
ولكي نتحدث الجديد في الخطاب السلفي في سياقه الاجمالي نقول أن ثمة تغييراً لافتا في الخطاب السلفي، وأن هناك قدراً من التطور طال بنية هذا الخطاب ، لكن تظل هذه التغييرات في حدود ضيقة لا تصل إلى حد النقلات النوعية، ما يعني أن الأفق ما زال مفتوحاً على كل الاحتمالات أمام فرص التطور والانفتاح والتجديد في مفاصل الخطاب، بما يتماشي ومستلزمات وثوابت المشروع السلفي الرسمي المعهود والذي يشهد حواراً بل ضمنيا وصراعاً بين القوى السياسية والاجتماعية لتحديد أطره ومعالمه إذ يحمل العددين الاخيرين من مجلة الفرقان حول الاشعربة والوظيفة المسجدية نظرة نقدية بديلة لطريقة تدبير الشأن الديني على المستوى الرسمي.
إن مجرد اعلان الانتساب أحزاب اسلامية موجودة سلفا خطوة هامة في مجال تطور الرؤية السلفية، إنها الحلقة الأكثر تطوراً داخل المنظومة السلفية باعتبارها تطويرا لعمل الوعظ المنفرة من العمل السياسي التي ظل المدرسة المغراوية تعمل من خلالها، نحن إذن أنها شكلت حالة من التجدد حتى في مسار الوعضة التي ظلت حتى وقت قريب تنفر من العمل السياسي وتحذر من العمل الحزبي وتنأي بنفسها عن الانخراط في الفضاء السياسي.
بيد أن هذه الخطوة لا تشكل كما يتوهم البعض قفزة تجعل الحالة السلفية أو أحد تجلياتها تقف على مقربة من مدرسة الإسلام الساسي. فمن الجلي أن خطوة من الانتساب حزب سياسي والإعلان عن القبول بالتداول لا يكفي للقول بأن الخطاب السلفي يشكل عامة إضافة للمشهد السياسي، ويبتعد عن مخاطر التأزيم.
فبجوار تأسيس أحزاب ذات أبعاد سلفية وقول تلك الأحزاب بالقبول بالتداول لا يزال هناك حديث ثابت ومستقر عن حاكمية المشروع الإسلامي وثوابته، ما يعني أن القوى الوطنية غير الإسلامية وفق تضمينات الخطاب السلفي في أقصى درجات تطوره حتى الآن بعيدة عن الاعتراف لها بالحق في طرح مشاريعها السياسية على الرأي العام وأن تكون الإرادة الشعبية الحرة هي الفيصل في الترجيح، وهو ما يقبل به الأحزاب الإسلامية من غير الاتجاه السلفي.