إن موضوع الهوية معقد وذو مستويات عدة، كيف يمكن القول أن (أ) هي ذاتها (ب)؟! هل هي خصائص جسدية فيزيقية؟! (سوما) كما أسماها أفلاطون (Plato) في ثنائيته المشهورة بين السوما والسايكي (الجسد والنفس)؟! الجسد ينتمي إلى عالم التغير والزوال (العالم المادي – عالم الشهادة –)، أما السايكي (النفس أو الروح) تنتمي إلى العالم غير المتغير من الأشكال الأبدية أو الأفكار (عالم المثل – عالم الغيب –).
هل إذا إستمرت السوما، ستستمر الهوية عبر الزمن؟!
أي أنني أنا في طفولتي ذاتي أنا في شيخوختي! ذاتي = ذات الشخص = ذات الهوية!
كيف يمكن البقاء أنا أنا إذا خسرت عضوًا أو أكثر؟! إذا بترت أطرافي، (السوما) تغيرت، فهل أنا بقيت أنا؟!
ثنائية أفلاطون أنقذته عندما إعتبر للهوية مستويين منتميين إلى عالمين مختلفين، يكفي إستمرارية أحدهما، فإذا حدث تبدل في السوما، يمكن للسايكي أن تبقيك ذاتك!
لكن النفس بالمفهوم الأفلاطوني تدخلنا في متاهة مختلفة! كيف لها أن تكون من عالم الأفكار الأبدية، وهي جزء من عالم الزوال عبر مشترك الشخص؟! أي أن الشخص ذاته زائل وأبدي!! والهوية لهذا لا تتغير، لكنها تفعل في ذات الوقت.
إذن، لا بد أن يكون هناك أمر آخر غير ثنائية أفلاطون يمكن له أن يشرح لنا الهوية.
في رد مباشر على نظرة أفلاطون للهوية، لم يؤيد لوك (John Locke) ثنائيته كنظرة عالمية. لقد إعتبر أن تعريف الشخص من خلال جهازه البيولوجي يخاطب منحى واحدًا من الهوية البشرية، بينما الوعي، برأيه، ما يحدّد الهوية الشخصية! توسّع لوك في القياس الإفتراضي عن جسد إسكافي سكنته روح أمير! للعالم الخارجي، تبدو هوية هذا الهجين كأنها للإسكافي، بينما في جوهره، يعرف الأمير عبر الإستبطان أنه الأمير! الهوية الداخلية، تتحدّى تطبيق المعيار العام. يدرك لوك أن معيار الهوية الأهم العابر للذات ينشأ من المسؤولية والمحاسبة من قبل الشخص نفسه.
هي ثنائية مختلفة عن ثنائية أفلاطون (الجسد والنفس)، حيث يحددها لوك بـ (الجسد والوعي) وأساسها الوعي! طالما كان الوعي حاضرًا (ومنه المقدرة على المحاسبة ، كما القدرة على تحمل المسؤولية) طالما بقي الشخص ذاته!
لكن مع تبدل النفس (والوعي)، من خلال إضطراب نفسي أو عقلي؟! فهل سأبقى أنا أنا؟! هل هويتي واحدة؟! مرضى الألزهايمر، يفقدون ذاكرتهم (تاريخ هويتهم الشخصي) ويبقون مع ذلك هم أنفسهم بعين الآخرين. يفقدون “الوعي” الذي يحدّد ذاتهم الداخلية، فكيف يمكن للهوية أن تستمر ضمن المجال العام! عندما تبدل الجسد، ولوك وافق على إزاحة هذا المعيار، فماذا عن معيار الوعي؟! كيف يمكن لغير الواعي أن يكون هو هو؟!
الإشكالية هي في إمكانية المعرفة وحدودها عند كل من أفلاطون ولوك!
وهذا مبحث ابستمولوجي شيّق،
له حديث منفصل|متصل…
ملاحظة: نشرتها مسبقًا على مدونتي..