تحت هذا العنوان انتظمت يوم السبت 11 أبريل 1986 جلسة ثقافية بمدينة مكناس، بمبادرة من فرع اتحاد كتاب المغرب وجمعية البعث الثقافي، واسهم فيها الأساتذة: عبد الله زيوزيو، محمد الشركي، محمد أسليم، موليم العروسي.
ترى هل تمكنت الندوة من تحقيق مطمحها المرسوم في العنوان الذي اختارته؟ هل قدرت المداخلات على حفر خطى الجمهور الحاضر إلى مغرب غير مرئي؟ مغرب مسكوت عنه في الخطابات المعرفية المتداولة؟ عن هذين التساؤلين لا يمكننا إلا أن نجيب بالإيجاب، إذ شكلت الندوة إطارا مفتوحا لصياغة قراءات وتأملات لا يهمها القبض على مغرب جاهز ونهائي قدر ما استهدفت توريط الجمهور في حفريات شفافة للجسد المغربي، كهوية وجغرافيا وثقافة… ولا شك أن ردود الفعل المختلفة التي أثمرتها المداخلات داخل القاعة أكدت أنه في الإمكان قراءة المغرب وتأمله بعيدا عن سلطة الأرقام والإستبيانات والتواويخ والتنميطات المتجاوزة.
عبد الله زيوزيو: هل الجذبة نوع من الجنون؟
من الملاحظات المؤسية أن نجد بعض المثقفين المغاربة يعيدون إنتاج طروحات ووجهات نظر تحقيرية لبعض مظاهر ثقافتنا الشعبية. ومن ذلك، اعتبار طقوس هداوة وعيساوة مجرد ممارسات همجية، وفق ما نجد في بعض الكتابات الغربية أو السلفية. إن الجذبة لا يمكن التعامل معها إلا كطريقة علاجية، بل وكطريقة تحظى بالأولوية، لأن حالات كثيرة تثبت أن من تصنفهم كمرضى ومجانين يمرون بالأضرحة والطقوس الجذبوية قبل انتهائهم إلى أسرة المستشفيات العمومية أو العيادات الخاصة. فالأمر يتعلق، في العمق، بمباشرة الجسد للغته، لبلاغته، وهو ما يستعدي الحدب على هذه اللغة ومحاولة قراءتها وتفكيكها في سياق بحثنا.
محمد الشركي: مغارب قصوى. نحو جغرافيا شعرية للانتساب
هل النص تفكير في المغرب من مقترب جغرافي شعري، يتحالف داخله وجه الفكر وسلالة الذكرى، وهو لا يتغيا سوى ترصيع انخطاف لا هوادة فيه، وتلمس عتبة لا يزال اللغز يانعا خلفها، لذلك لا يتعامل مع المغرب كمجال مؤقنم في التاريخ وفي الخطاب، بل كخريطة مزدحمة بخرائط رمزية وسرية ومن ثم كحركة متعددة، وعليه فإنه لا يتوسل بأية فذلكة جغرافية، وإنما بجغرافيا استعارية وأساطيرية ممكنة، لعل الانتساب إلى المغرب يعي، بعمق، أنه انتساب لمغارب في الجسد والكلام.
محمد أسليـم: المغرب كفضاء لقراءة إثنوغرافية:
إذا كانت كل قراءة تفترض وجود نص، فما حدود النص حينما يتعلق الأمر بالشأن الثقافي؟ كيف يمكن قراءته إثنوغرافيا؟ إن أول معطى يواجهه الإثنوغرافي، في الميدان المغربي، حينما يتعلق الأمر بالسحر، مثلا، هو إعلان هذا الأخير، مسبقا، على أنه لا نص، وذلك من خلال الإلحاح على الباحث بمجموعة من الأسئلة: «هل السحر موجود؟»…، وهذا يقلب معادلة العمل الميداني بحيث يعلن ما يفترض أنه نص [= المخبر] نفسه قارئا ويصبح من يقدم نفسه كقارئ [= الباحث] نصا للقراءة. ما الذي يجعل هذا الوضع ممكنا؟ ما دلالته؟ كيف يمكن قراءة ما يتمنع عن القراءة؟
هذه هي جملة الأسئلة التي حاولت المداخلة إثارتها على مرحلتين: إثارة المشاكل التي تطرحها إمكانيات الاستفادة من الإثنوغرافيا في استيعاب الثقافة المغربية، ثم عرض معلومات ميدانية، تتعلق بالسحر، والاستراتيجيات التي مكنت من الحصول عليها.
موليم العروسي: المغرب كأفق جمالي:
ينطلق النص من تأمل للذات من حيث تموقعها داخل نسيج نصي منطوق يسمى «مغرب»، وقد أريد لهذا المغرب أن يقابل المشرق وأن ينظر إلى المشرق حتى لا يرى نفسه، إلا أن الحديث الذي يسكن المتخيل الشرقي والغربي على السواء لا يسمح، إلا نادرا، بالنظر إلى المغرب كمغرب، في هذا المتخيل يبدو المغرب وكأنه سديم أو عالم وهم. إنه عالم المغارات والسحر، عالم الدم والذهب والشهوة. نص من ألف ليلة وليلة دعم هذا التدخل، وقراءة لبعض أعمال المستشرقين الرسامين مثل فيرني ودولاكروا أسست عمق التحليل، أي المساحة التي كان يتجول عليها النظر ناظرا إلى أفق الغروب، متأملا عند الأصيل.
ينتهي النص بجملة حكم تترابط فيما بينها/ عمقها العشق العارم للأرض، ونغماتها نظريات متعددة سابقة تبدأ من أفلاطون مرورا بابن عربي والسهروردي إلى هايدغر ووالتر بنيامين، إلا أن الإحالات في الكلام كانت ممحوة.
أساس هذه الشذرات ن تحمل الفرشاة لتضع خطا معناه أنك ستضيع الخط/الأثر الذي ينحفر أبدا على المغرب، فمن أي عالم غيب ستسرق الشكل الذي ستؤسسه؟
*(نشر هذا المقال، في الأصل، ضمن مواد الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة لاتحاد الااشتراكي، يوم 17 ماي 1987، العدد 178)