التراث الشعبي الفلسطيني كحلقة وصل
أ.د.يحيى جبر أ. عبير حمد
تمثل العادات والتقاليد قانونا ملزما لأفراد المجتمع كافة، ومن يخرج عليه فإنه يعرض نفسه لعقوبات اجتماعية صارمة، ومن هنا، فقد كان الحرص على معرفة تفاصيل هذه العادات والتقاليد، من أجل اتباعها لنيل رضى المجتمع. وفيما يلي سنرصد بعض العادات والتقاليد الشعبية في مناسبات مختلفة.
فمثلا في مناسبات الزواج والأعراس، نلاحظ تشابها كبيرا في الخطوط العامة العريضة في هذه المناسبة، مثلا طلب العروس من أهلها ثم الخطبة الرسمية وبعد ذلك الكسوة وحفلة الحناء ثم الزفاف. ولكن تختلف بعض التفاصيل من بلد عربي إلى آخر، بل من قرية أو مدينة إلى أخرى في القطر ذاته. ففي حين يتحمل العريس نفقات تأثيث بيت الزوجية في معظم الأقطار العربية، نجد أن العروس وأهلها هم الذين يقومون بهذه الأعباء في مصر.
وكذلك الأمر في العادات والتقاليد الخاصة بمناسبات الوفاة، حيث من المعروف أن هناك مراسم متفق عليها ولا تزال موجودة إلى يومنا هذا، من إعلان عن الوفاة وتغسيل الميت ثم تشييع جثمانه ودفنه. ولكن بعض التفاصيل قد تغيرت بحكم التطور الحضاري والتقدم التكنولوجي وزيادة إعداد السكان، فمثلا الإعلان عن الوفاة، كان يتم بطريقة بسيطة وذلك من خلال النسوة قريبات الميت فيعلم أهل البلدة أو الحي بأن هناك مكروها في هذا البيت فيذهبون ليستطلعوا الأمر، وهكذا، أما اليوم فقد اختفت تقريبا عادة الصراخ والنواح، وأصبح يتم الإعلان عن الوفاة من خلال الملصقات أو الصحف والإذاعة.
والحداد كذلك كان يأخذ أشكالا قاسية، ففي جنين مثلا، تلطخ قريبات الميت وجوههن ” بسناج القدور وذلك في يوم الدفن، وبعد ذلك يلزمن البيوت ولا يخرجن منها لزيارة أحد ويتوشحن بالسواد إلا إذا حدثت مناسبة سعيدة في بيت الميت نفسه (كأن يتزوج أحد من أهله … الخ) فعندها تبدل تلك الملابس بأخرى اعتيادية وقد كان يقال “دار أبو فلان قلبوا الكره بفرح” وقد كانت الكثيرات من نساء البلد يشاركن بلبس السواد، وقد كان لزاما عليهن أن يبقين كذلك حتى تخلع قريبات الميت السواد فيمكنهن عند ذلك خلعه. وقد انتشرت في القديم عادة أخرى عند بعض النساء وهي عدم لبس السواد بل لبس ملابس ملونة جديدة وعدم خلعها ولا حتى مرة واحدة، بل تركها على الجسم، وقد يستمر لبس هذه الملابس أكثر من خمس سنوات حسب أقوال بعض العجائز في المدينة.” (1)
أما أرملة المتوفى فقد كان عليها أن تلتزم بعادات وتقاليد ربما أبعد ما تكون عن العقل والدين، ولكن للعادات والتقاليد سلطة لا تفوقها سلطة، فمثلا “كان عليها أن تنام على الأرض مدة العدة. لكن أدى انتشار التعليم وزيادة الوعي الديني إلى انحسار مدة تحريم النوم على الفراش إلى أربعين يوما. وصارت تفرش الأرض بجريدة سعفية لتنام عليها بدلا من النوم على الأرض مباشرة، ثم مؤخرا صار يوضع على الحصيرة في الأرض مرتبة تفرش بملاءة بيضاء لتنام عليها حتى يوم الأربعين ……..
ومن القيود الأخرى التي تتعلق بنوم المرأة المتوفى زوجها، أن تنام سواء على جانبها اليمين أو الشمال، بجهة واحدة لمدة أربعين يوما. وبعد الأربعين تغير المكان الذي كانت تنام فيه ….. وخلال أيام العدة وأثناء ساعات النهار، تجلس أرملة المتوفى على المرتبة في الأرض … ومن إجراءات العناية السحرية بها وحمايتها من المخاطر التي قد تتعرض لها في فترة العدة، يوضع بجوارها المصحف، والطبق النحاس به قليل من حبة البكرة (كمون أسود) والبن والملح فضلا عن قطعة من الحديد، ويربط أيضا في طرف الثوب الذي ترتديه قليل من حبة البركة والبن لتشم رائحتها، وفي الطرف الآخر يربط مرواج الكحل ليحرسها عندما تذهب لقضاء الحاجة،وإلى جانب ذلك وقبل الأربعين لا بد وأن تذهب معها أيضا لقضاء هذا الغرض إحدى قريباتها. (2)
هذه بعض العادات والتقاليد الفلسطينية والعربية في مناسبات مختلفة، وكما لاحظنا فإن هذه العادات والتقاليد تتشابه في بعض النواحي، وتختلف في بعضها الآخر، وهذا المحور وحده، يحتاج لبحث مستقل، وربما لكتاب. ولكننا حاولنا أن نضرب أمثلة نرجو أن تكون قد نقلت الصورة وأوضحت الفكرة.
الهوامش :
- التراث والمجتمع، مصدر سابق، عدد4، 1975، ص 84ـ85.
- الجوهري، محمد، وزملاؤه. الدراسة العلمية للعادات والتقاليد الشعبية، ج3، دار المعرفة الجامعية، 1988، ص 310 ـ 311