الكتاب: الساقية الحمراء ووادي الذهب في الكتابات الإسبانية
الكاتب: محمد دحمان
سنة النشر: 2014، الرباط
عدد الصفحات: 172
أصدر محمد دحمان كتابا تحت عنوان “الساقية الحمراء ووادي الذهب في الكتابات الإسبانية” ما بين سنة 1855 و1933. يقع الكتاب في 172 صفحة من الحجم المتوسط. وهو موزع حول ثلاثة مباحث
مخصصة لثلاثة نصوص. يحمل النص الأول عنوان “إيميليو بونللي Bonelli Hernando Emilio: التاجر العسكري”، والنص الثاني “الجنرال فرانسيسكو بينسF. Argandona Bens وسياسة قالب السكر”، أما الفصل الثالث فخُصص للداخلة في مذكرات المنفيين إليها، وفي طليعتهم أندريس كولAndres Coll. والكتاب بالمناسبة مهدى لروح المرحوم محمد جسوس.
أولا: إيميليو بونللي Bonelli Hernando Emilio
تعرَّف هذا الرجل على المغرب منذ طفولته. خبرَ لغة البلد وأهلها، ولما تسلح بالعلم والمعرفة عاد ثانية إلى المغرب في صفة تاجر وعسكري. مكنه وضعه الجديد من رفع تقرير عن الوضع في الصحراء إلى الحكومة الإسبانية، والأكثر من ذلك، كان من المساهمين في دخول إسبانيا إلى الصحراء. بعد ذلك، عاد الى الداخلة مفوضا ساميا، فعمل على استقطاب القبائل والأعيان. ويعتبر أيضا من أهم من جمعوا معلومات وصفية حول صحراء وادي الذهب. ويذكر أن الغاية من رحلته إلى تلك الأراضي القاحلة، هو ضمان استغلال تلك المخازن، وفتح أسواق جديدة للمنتوجات الإسبانية.
دعا بونللي إلى ضرورة القيام بدراسات استكشافية وأبحاث علمية داخل المنطقة من أجل ضبط امتداداتها الجغرافية ومؤهلاتها الطبيعية وأوضاع سكانها. كما دعا إلى تشييد متاجر على الرؤوس البحرية (متار، الداخلة، الرأس الأبيض) من أجل التبادل التجاري مع القبائل، وتخصيص باخرة لنقل الماء الصالح للشرب من كنارياس إلى الداخلة. بعد ذلك، حثَّ على التنقيب عن الماء وحفر الآبار، وإحداث “قوة مسلحة لحماية وضمان الممارسة التجارية”، واحترام الديانة الاسلامية.
انتبه الرجل إلى ضرورة الاهتمام بضعفاء الناس والمحتاجين ومراعاة طبيعة أبناء الصحراء. كما أكد على ضرورة القيام بدراسات إثنولوجية حول الصحراء، وهو الذي يميز بين الذين يقِيمون على الشواطئ البحرية، والذين يقيمون في الداخل. تعيش الفئة الأولى على صيد الأسماك، وتعيش الفئة الثانية على زراعة الحبوب وتربية الماشية. وصف بونللي وضع الفئة الأولى بالبئيس “قليل منهم يرتدي الثياب كاملة وتقطن المغارات وتحت الأجراف البحرية”، في حين كان وضع سكان المناطق الداخلية أفضل حالا من المجاورين للبحر. ومن جهة أخرى، أوصى بضرورة تكوين الضباط العسكريين المتجهين لهذه المنطقة (الإلمام باللغة والأعراف)، مع ضرورة فتح علاقات متينة مع الأشراف بالمنطقة للتأثير على السكان.
قام بونللي بدراسة جغرافية تجارية وفلاحية للمنطقة الواقعة بين رأس بوجدور والرأس الأبيض. قسم المجال الصحراوي إلى مجال محاذي للمحيط الأطلسي، وآخر قاري شديد الحرارة. قام برصد المواقع البحرية وخصائصها: رسو البواخر، صيد السمك، ضعف الرياح أو شدتها، وجود الماء الصالح للشرب، غطاء نباتي، أراض صالحة للزراعة، وسط بيئي يستقبل الطيور والحيوانات. وقدَّم خريطة معلوماتية لكل المناطق التي زارها بالصحراء، ومعطيات تؤرخ للأماكن وتتسع لتشمل معطيات عامة حول كل شبر من هذه المناطق.
رصد بونللي المؤهلات الاقتصادية بالصحراء، وأبرَزها فيما يلي:
- الفلاحة: المنتوج الزراعي ضعيف لا يستحق التدوين، والمزروعات المعروفة هي القمح والشعير، مع ميل الناس إلى استهلاك الثمور لقدرتها على الصبر، ولكونها ألذ وأنفع. كما سجل صعوبة تحول الأهالي إلى مزارعين.
- الثروة الحيوانية: وجود أصناف من الحيوانات (أليفة ومتوحشة)، أما الأغنام فحجمها يضاعف مثيلتها في إسبانيا. الماعز ناعمة ورشيقة وأفضل من مثيلتها بأوروبا. الأبقار من النوع الجيد. ويذكر بونللي أهمية الجمل لقدرته على الصبر والتحمل، فهو الأداة المؤهلة للحركة والتبادل التجاري والاستعماري، فضلا عن أهميته في توفير اللحوم والحليب. كما سجل وجود ثروة حيوانية مفترسة كالثعلب، والضبع، والنمر، والذئب، والهر الوحشي، والبنذق، والأفاعي والعقارب، والغزال، والأيل، والظباء.
- الصيد البحري: وقف بونللي في المنطقة الصحراوية على مخزون سمكي هائل، مؤهل للاندماج في قطاع عصري قادر على التسويق. وتنبَّه لأوضاع الصيادين الذين يعملون في ظروف صعبة، ومراكبهم الهشة التي تهدد أرواحهم باستمرار. كما راهن على الصيد في أعالي البحار لأجل الإنتاج والتسويق، وعرض لأنواع الأسماك التي تتوفر عليها المنطقة. هذا مع التأكيد على عيش أهالي الشاطئ القائم على الصيد بأدوات تقليدية وخبرة متواضعة، وبيعه لسكان المناطق الداخلية.
أما عن القبائل والحياة الاجتماعية بالصحراء، فإن بونللي يذكر مجموعة من الأعراق البشرية، منها: الشلوح (البربر)، والطوارق، واكناوة والأهالي الصيادين. أما العرق العربي فهو حاضر في حياة البادية الظاعنة بالصحراء (أولاد الدليم، والعروسيين). ويلاحظ محمد دحمان أن التحديدات التي يقدمها بونللي يشوبها التعميم والخلط وتنقصها الدقة.
كما يرصد بونللي ملامح الصحراويين، فيركز على قوة عضلاتهم، وجفاف جسمهم، ولونهم البرونزي الداكن، وقناعتهم، وخفة حركتهم، وميلهم للحرية ونفورهم من السلطة. ويذكر عاداتهم المرتبطة بحلق الرؤوس بالسكين، والاعتناء بنظافة الأسنان، والتمسك بمؤسسة الأسرة والعائلة، مع التأكيد على حياتهم التي تتسم بالبؤس وشغف العيش. ويصفهم بجماعة الناهبين الذين يعيشون من الحروب. وبناءً على هذه الملاحظات أوصى ببتزويدهم بالقماش لستر أجسام أبنائهم، والمقص لحلق رؤوسهم، والمشط لتنظيف الشعر. لأن مثل هذه الأشياء، على بساطتها، من شأنها تؤثر أثرا إيجابيا على الساكنة، لمراهنته على تحويلهم إلى مستخدمين، واستغلالهم في العمل الصناعي والتجاري. وإذا كان بونللي يعترف بنباهة الصحراويين وذكائهم، فإنه يُرجع “تخلفهم” لبعدهم عن الشعوب “المتحضرة”، حسب قوله.
وفي وصفه لمظاهر الحياة اليومية يذكر بونللي السكن، وهو خباء ذو شكل مخروطي قائم على الركيزة الخشبية.والأثاث الذي ينعته بالبساطة. أماالمرأة، كغيرها من نساء القبائل الرحالة، فتغلب على حياتها الهشاشة، وتُسند لها غالبية الأعمال كالزراعة، وتربية الماشية ورعايتها. في حين نجد في ملكية نساء الأشراف العبيد والإماء لخدمتهن.ويرى أن تعاطي الرجال للتدخين يعتبر من الكماليات.
وقد تقرَّب بونللي من زعماء القبائل الذين يسميهم الأشراف، بغية استمالتهم واستقطاب القبائل والاستفادة من التجارة العابرة للصحراء.ومن بين هؤلاء الشريف ماء العينين، الشريف أحمد عايدة، بيروك، ولد عايدة، وغيرهم. بل يعتبرهم من السادة الفيوداليين بهذه المنطقة، لكونهم يمتلكون مناطق شاسعة ويقدم لهم الناس الإتاوات.ويستمد هؤلاء الأشراف نفوذهم من الدين الإسلامي وممارسة السلطة المادية على الأهالي. وقد وجد بونللي في صداقة هؤلاء دعما لمشروع إسبانيا الاستعماري، ولتطوير التجارة بإفريقيا. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بللعب هؤلاء دور الوساطة.
وقف بونللي على الحواضر المهمة وعدَّها في خمس حواضر وهي:
- أَطار. يقدم وصفا للمدينة، ودورها، وعدد سكانها، وأنشطتهم.
- شنقيطي. يصف هذه الحاضرة باعتبارها عاصمة أدرار ومركز الأرستقراطية الصحراوية والتجارة، حيث يحظى العلماء والأشراف بمكانة رمزية.
- وادان. يذكر أن هذه الحاضرة قريبة من الحاضرة الأخيرة (شنقيطي). وتضم قبائل أولاد السباع والعديد من الطوارق وقبائل مختلفة. كما تضم مجموعات في منافسة دائمة. وهي مجموعات ذات قوة عددية، تملك البنادق، لضمان مكانة اجتماعية مميزة.
- ولاتة. مدينة أثرية تعد باب السودان، توجد اليوم في تراب موريتانيا.ويصف هذه الحاضرة بكونها تقع وسط الطريق بين شنقيطي وتمبكتو. وقد عُرفت ببيع العبيد، ومحيطها مليء بالوحش.
- تمبكتو. وهي أشهر المدن وسط إفريقيا.
ركز بونللي في وصفه لهذه الحواضر على الأسواق التجارية، وعدد السكان، ونوعية المنتوجات الترابية، فضلا عن الاهتمام بالدين والثقافة.
وظف بونللي التجارة للدعاية السياسية لبلده إسبانيا، مؤكدا على ضرورة مد يد العون لهذه القبائل تفاديا لقدوم قوة أخرى تحرم إسبانيا من جزر الكناري. ولاحظ بونللي أن منطقة واد نون ذات تربة خصبة، وغطاء نباتي غني، بما في ذلك أشجار النخيل والأركان..الخ. مراهنا على القارة الإفريقية لتصبح المنفذ الحقيقي لأوروبا، بفضل مواردها الطبيعية الغنية. ومن جهة أخرى أوصى باحترام الديانة الإسلامية لمكانتها الكبيرة في قلوب المسلمين، منبها إلى أهمية دراسة الخصوصيات الثقافية للصحراء من عادات وأعراف تجنبا لمخاطر مفترضة، مع ضرورة الجمع بين العنف والتسامح، والقهر والملاطفة، والسلطة والحرية، لتدبير شؤون العرق الإفريقي تفاديا للفوضى. وأكد من الناحية الاقتصادية علىضرورة فتح خطوط مواصلات تفك العزلة عن الحواضر والمرافئ التجارية لممارسة التجارة مع ضرورة العمل على استقطاب الأعيان والوجهاء تيسيرا للتوغل الإسباني في الصحراء.
ورغم ما قدمه بونللي من معطيات طبيعية وبشرية حول الصحراء، يلاحظ دحمان أن الرجل غابت عنه معطيات تهم قبائل ومناطق، وأنه كان معميا بنظرته التجارية والاستعمارية.
ثانيا: للجنرال فرانسيسكو بينسF. Argandona Bens وسياسة قالب السكر
فرانسيسكو بينس جنرال إسباني التحق بالصحراء، وقضى بها 22 سنة توَّجها بكتابة مذكراته. راكم هذا الرجل تجربة غنية، بدأها بالاطلاع على الكتب والمذكرات والتقارير المتعلقة بالمنطقة.منذ 1904 لاحظ من خلال هذه المذكرات والتقارير أن الحكام الذين سبقوه هناك لم يقوموا بالرحلات داخل الصحراء. كمالاحظ أيضا أن رُحل الصحراء متمردون، ينفرون من السلطة والنظام، ولهم نظرة دونية للمسيحي، ويرفضون حتى مصافحته.
في سنة 1906 أقنع الرجل بعض شيوخ القبائل من زعماء أولاد الدليم بالسفر إلى جزر الكناري، وهم يتشكلون من أولاد أبي السباع والركيبات والعروسيين.ونهج سياسة استقطاب البدو بواسطة إقامة حفلات، وزيارة القبائل، وتقديم الهدايا لاستمالتهم، معلنا أن هدفه رسالة سلام وأخوة. وقد ظهر هذا الأمر في العلاقات التي ربطها، بعد احتلال طرفاية والكويرة، مع أبناء الشيخ ماء العينين كالهبة، ومربيه ربه، ومحمد الأغظف، مؤكدا على أن عملية استقطاب الأهالي لا تتم بتبذير المال، بل بتقديم هدايا بسيطة كالشاي، والكوفية، وقطع من القماش وقالب من السكر.بهذه السياسة جعلَ الداخلة مدينةً لضيافة البدو واستقبالهم، وفتحَ الخدمات الطبية للناس، آخذا بسياسة خبزة في يد وهراوة في يد أخرى.وفي هذا وذاك، كان يركب الجمل، ويأكل لحم الإبل مع البدو، ويحترم قواعد السير الصحراوية، كالنظر في الأرض وترقب أثر القوافل تقديرا لعدد البهائم والإبل العابرة للمكان.
كان للجنرال فرانسيسكو بينس حضور دائم بالصحراء، مكنه من فهم تركيبة أهالي الصحراء كونهم يتشكلون من عائلات، ومن فروع على مستوى كل عائلة.ولذلك كان يختار الشيوخ على أساس إنجازاتهم الحربية، وعلى أساس التوارث العائلي، ناهيك عن الأعراف والوجاهة الشخصية لأجدادهم. وهذا الفهم هو الذي دفعه إلى الاقتناعبضرورة نهج سياسة ملائمة تجاه القبائل قصد التعايش السلمي. كما مكنه هذا الحضور من معرفة إيكولوجية الصحراء كالأحياء، والآبار، وتغير لون الرمال حسب الفترات، ومعاني الأشياء وقيمتها كمعنى الغروب، وقيمة الاجتماع والمحادثة، وكرم الضيافة،ومكانة الفقهاء. وفي كل هذه الملاحظات، وقف علىمفارقةٍ، كون أن هذه الفيافي أكثر أمنا من مدن أوروبا.
سجلهذا الجنرال الإسباني تخوف البدو من الكتابة خاصة إذا تعلق الأمر بما يكتبه الأجانب، ولاحظ أن شبابهم يمجدون السطو والنهب والقوة والصيت، ويميلون للتدين بقوة. في الصحراء حيث كل شيء مفرط، كالرياح، والرمال، والحرارة، والضوء، والمجال، توجد في المقابل الكلمة موجزةً ومختصرةً. فالرحالة لا يسرف في الكلام امتثالا للمثل الصحراوي القائل: “الكلام الملفوظ قد يكون أكبر عدو لك، ومن لزم الصمت فلا إثم عليه”(ص 94). كما أن الصحراوي يحب العدل والمجاملة، إذ تظهر عليه رواسب النبل والسيادة والفروسية، وفي المقابل يكره الظلم. ومن مميزات الإنسان الصحراوي، على النحو الذي سجله فرانسيسكو بينس، أنه يريح عينه خلال الليل ليُشغل أذنه كحاسة قوية خلال المساء، فيلتقط عن طريقها كل ما يجري ليلا بمجاهل الصحراء (ص 95).
استطاع فرانسيسكو بينس، “رجل الصحراء” والمؤسس الحقيقي للاستعمار الاسباني بغرب إفريقيا، فهم العنصر البشري الصحراوي والاقتراب منه بل وجعله يحب إسبانيا (ص 97). فقد قام بينس بحملات ضمت رجالا من الصحراء، وكان يتصل بالقبائل ويعلن عن الطابع السلمي لحركته، فقابل بعض الشيوخ وأعيان القبائل الذين لهم مكانة معتبرة في الصحراء. ويفسَّر احترام أهل الصحراء لهذا الرجل باحترمه للديانة الاسلامية وعادات القبائل، وقدرته على تقوية العلاقة مع وجهاء المنطقة وتقديرهم. وكل ما كان يقوم به فرانسيسكو بينس كان بتنسيق مع الإدارة المركزية بإسبانيا. فقد كان يرى، انطلاقا من تقاريره عن أهل المنطقة، أنه من السهل تنظيم حملة إلى قلب الصحراء ولكن من الصعب النفاذ إلى نفسية الصحراوي الذي يغلف أحاسيسه بابتسامة وخضوع ظاهري. بفضل هذه السياسة عمل على توطيد الاستعمار بالصحراء انطلاقا من الداخلة.
ويُذكر أن أرشيفه تعرض للتلف باستثناء طرد حافظت عليه زوجته. وإذا كان هذا الرجل قد قضى معظم وقته بالصحراء، فإن حياته انتهت بين جدران ضيقة بمدريد.
ثالثا: الداخلة في مذكرات المنفيين إليها: نموذج أندريس كولAndres Coll
أندريس كول قس مسيحي نقل إلى الداخلة رفقة آخرين سنة 1931، وخضعوا لمراقبة الحامية العسكرية الإسبانية. يقف كول على دلالات تسمية الداخلة أو شبه جزيرة وادي الذهب. ويعزي أسباب غزو أوروبا لإفريقيا إلى التبادل التجاري والتصدي لتجارة العبيد. ويوزع ساكنة الداخلة إلى ثلاثة تجمعات: الموقع العسكري، ومجموعة سكان المورو، وتجمع المنفيين. كما يركز على أهم الخصائص الطبيعية والثرواتية للداخلة. ندرة المياه الصالحة للشرب وللزراعة، مقابل جودة الأحياء البحرية، وهي ثروة تصلح لإقامة مركز صناعي، مع إمكانية استغلال الطاقة الريحية لدوام الرياح، وتحلية مياه البحر. ويسجل غياب الغطاء النباتي مقابل انتشار أنواع متعددة من الوحيش. أما المناخ فيقر أنه صحي.
وبالنسبة للإنسان، يرى القس كول أن الصحراوي صبور يكتفي بالقليل من الطعام والأقل من الشراب ويكره العمل. وهو كتوم يحرص على أسرار قومه وعاداتهم. وعلى مستوى الدين، يلاحظ أن رجل الصحراء متدين، يمارس الشعائر الدينية، ومتصوف زاهد في كل شيء، ذلك أن الدين حاضر في جميع الأنشطة، فالناس يقدسون القرآن، ومستعدون جميعهم للصلاة. ويرى أن هناك تراتبية دينية بين صنفين من الناس، العابدين والفقهاء. مقابل ذلك يسود الإيمان بوحدانية الله (مولانا)، والاعتقاد بوجود جهنم التي هي مآل مرتكبي الذنوب والمعاصي، ووجود الجنة التي هي دار المتقين ونعيمها الدائم. ويقف عند الطقوس المرتبطة بالصلاة وشعائر العقيقة والختان وطقوس الوفاة والزواج والطلاق، وعند مكانة المرأة وسلطتها على الزوج والأبناء، مبيِّنا مكانة العائلة ودور الأبناء والملكية.
ومن جهة أخرى، يصنف القس كول المجموعات الاجتماعية إلى ثلاث، وهي: القبائل المحاربة، والرعاة ومربي الماشية، والقبائل الدينية. هذا بالإضافة إلى وصف مظاهر وعادات أخرى كالهندام، وأدوات الزينة، والتجميل، والأطعمة والأشربة، والعناية الصحية، والسواك، والحناء، والألعاب، والطب التقليدي، والأعشاب، والتمائم، والحجامة، والحرف، والحدادة، وصناعة الجلد، والموسيقى.
وعلى مستوى آخر، يتحدث كول عن سيكولوجية المورو فينعتهم بالمكر، والريبة، والحذر، والغيرة، وعدم التصريح بالحقيقة، ويعدد صفاتهم كالكرم، والضيافة، والوفاء للتقليد، والعدل، والثرثرة، والفوضى، والكسل. ويرى أن سود الداخلة أصلهم عبيد (الفئة العاملة). كما يؤكد على غنى هذه المنطقة وأهميتها بالمقارنة بباقي مستعمرات إسبانيا في إفريقيا،خاصة فيما يتصل بوجود المعادن والثروة الرعوية.
لا يكتفي محمد دحمان، صاحب الكتاب، بترجمة هذه النصوص وتقديمها، بل يشرح ويحلل ويستخرج منها استنتاجات عامة من شأنها أن تفيد في تدبير شؤون المنطقة. وتكشف روح هذه النصوص عن الصورة التي تحكم الغير في علاقته بنا، ومن ثمة فإن قراءة هذه النصوص تجعلنا نكتشف من جديد ذاتنا من خلال عيون الآخرين.
*المصدر: مجلة رباط الكتب
http://goo.gl/jHgWEh