د. إدريس مقبول
المركز التربوي الجهوي/جامعة المولى إسماعيل مكناس المغرب
الملخص
في عصر الانهيارات الكبرى وفي ظل آليات الهيمنة العالمية تحولت الثقافة الاستهلاكيةConsumer Culture إحدى مجالات تدويل النظام الرأسمالي إلى آلية فاعلة لتشويه البنى التقليدية والأصيلة لمكونات الهوية العربية والإسلامية للشباب العربي ، وبالتالي تغريبه وعزله عن قضاياه وإدخال الضعف لديه والتشكيك في جميع قناعاته الوطنية والقومية والدينية. الشيء الذي بات يلح على الفاعلين والمهتمين بالشأن الشبابي ومستقبله للنهوض تفكيرا في إمكانيات خلق مقاومة تربوية وثقافية تستند إلى
رؤية سياسية واجتماعية لتقوية هذا العنصر/ الرهان من أجل الصمود والمقاومة في عالم موار لا يعطي اعتبارا لمكونات الخصوصية والهوية الثقافية ،بل يعمل على تفتيتها وسحقها في منظور شمولي كلياني يستهدف اغتصاب القناعة في الانتماء للأرض والوطن والتاريخ والدين.
تسعى الورقة إلى تسليط الضوء على المخاطر الجدية التي تحيق بالشباب العربي وتهدد تماسكه الاجتماعي كما تهدد سلامته وأمنه النفسيين انطلاقا من تفكيك الآليات التي تعمل على طمس حروف ونقوش وجوده واختلافه الثقافي، تلك النقوش التي تشكل عناصر هويته وقوام كينونته وبقائه في زمن العولمة ،زمن إعلان “انتصار” العقل الواحد والمسيرة الواحدة والفكر الواحد واللغة الواحدة والاقتصاد الواحد والثقافة الواحدة والعادات الغذائية الواحدة. هي كما يقول”Serge Latouche” أمركة العالم والقضاء على الهويات ومحو الثقافات. العلامة البارزة للعولمة هي التطابق المعمم”Le conformisme généralisé” والتعبير للمفكر الفرنسي Carneliu Castoriadis.
من اجل أن يبقى الشباب العربي حاملا لرسالة التنوير والنهوض والتجديد والإبداع، وحتى لا ندفع بالشباب العربي لركوب قوارب الموت وإيثار السهولة والوقوع فريسة للأوهام بشكل لاواعي بالتفكير في الهجرة خارج أوطانه أو التنازل السهل عن أخص ما به يكسب معركة الغد في مواجهة تيارات اللامعنى.
وحتى لا يصير الشباب العربي إلى حقيقة الجهل بهويته ويضيع في البحث عن هوية أو هويات أخرى يتبناها ويتقمصها معلنا استلابه وتخليه عن رسالته الوطنية والقومية والدينية. وحتى لا يتحول الشباب من قوة بناءة ورأس مال بشري لأوطانه إلى طاقة تدميرية وعبوات ناسفة بانخراطه السريع في مساريب الإرهاب والعنصرية المظلمة أو انجرافه المفاجئ في تيارات العبث واللامسؤولية التي تفرغه من كل معنى وتتركه نهبا للضياع.
من أجل كل ذلك وغيره تتوجه الورقة للشباب باعتباره وجودا واعيا عليه واجبات وله حقوق وباعتباره يمثل مرحلة العمق في مجتمع المخاطرة، وإلى المؤسسات القائمة على الشأن الشبابي تربية وتعليما وتأطيرا ، كما تتوجه إلى الأنظمة الاجتماعية والسياسية بعدد من التوصيات التي تامل أن تسهم في حل معضلات الشباب وتسهل إندماجهم في مجتمعاتهم بإيجابية وبطريقة بناءة منفتحين على علوم العصر ومستجداته ومتطلباته ومؤمنين بالتعدد والاختلاف من غير أن تكون هويتنا فريسة للذوبان والتلاشي.
كيف نؤسس لتربية متوازنة للشباب تقوم على الاعتزاز بالذات وبالخصوصية الحضارية التي نستطيع على أساسها أن ننتقل إلى الاعتماد على الذات، ليخدم كل ما هو عالمي كل ما هو عربي وإسلامي.
لتجاوز هذا النوع من الوعي غير المُجدي ينبغي تحديد طبيعة الإشكالية في عالم المسلمين بطرح سؤالين:
-كيف يمكن تجاوز المواقف الدفاعية التي تعتبر أن التراث المنجَز له كامل القدرة على مواجهة واقع الهيمنة الحضارية الحديثة؟
كيف يتأتّى تأهيل الثقافة الإسلامية في حين أننا نواصل الإعراض عن اعتبار الإسلام في لحظة التأسيس كان تواصلا وقطيعة في آن واحد، تواصلا مع السمات الأساسية لقيم الإنسان وسيرورة التاريخ في العالم القديم وقطيعة أسست لرؤية جديدة للعالَم والحياة والمجتمع؟بذلك تبرز معضلة الثقافة والفكر لدى مسلمي اليوم بوجهيها: وجه الخصوصية التي لا معنى لها إنْ لم تُتَرجَم ضمن فاعلية في التاريخ ووجه العالمية التي تقتضي مراجعة جديّة للنظريّة التي تستبطن عنفا مدمّرا والقائلة إن الإصلاح لايكون إلاّ ذاتيا في مضمونه و أدواته و آفاقه.
الشباب العربي وأسئلة الهوية:
لابد أن نشير في البداية أن بحث أسئلة الهوية عند الشباب العربي نريد من خلاله توضيح أفق اهتمامنا بضرب من الطموح العربي والإسلامي المتجه صوب صياغة مشروع حضاري يمكن أن يشكل إطارا فكريا يساعد شباب الأمة على ممارسة حضور فاعل ومبدع في التاريخ المعاصر.
إن البحث في الهوية([1]).. وعن الهوية ليس بحثاً ميتافيزيقياً مجرداً، غايته إرضاء نزعة” شوفينية” عند شباب الأمة، بقصد الحصول على صك بتمايزها- ولا أقول تميزها- عن سواها من الأمم. إنما هو بحث يجب أن يهدف أصلاً إلى المساهمة في عملية النهوض الشاملة، التي تتطلع إليها الأمة. إنه تنمية حضارية، هدفها خوض نضال حضاري، ضد تحد حضاري يواجهنا، وما زلنا نتعرض لضغوطه المتزايدة:” لاسيما عبر فرض نوع من التنمية الاقتصادية المشوهة، والتابعة، والتي لايمكن أن تقود إلا إلى مزيد من التبعية…”([1]).
إن تصورنا للمشروع الحضاري العربي والإسلامي الذي يشكل الشباب ركيزته وأساسه البشري لا يدخل في باب الحديث عن التصور الجاهز أو الاختيار المغلق، إن الأمر يتعلق قبل كل شيء بمشروع أو بمسعى يتجه نحو بناء وعي شبابي مطابق لمتطلبات الأحوال العربية والإسلامية في إطار مواجهتها لمصيرها الحالي، ومن منظور نقدي وتحليلي.
فنحن قد خرجنا من القرن العشرين ودخلنا القرن الحادي والعشرين وما تزال كل طموحات الأمة التي بلورها الخطاب النهضوي منذ منتصف القرن التاسع عشر بدون تحقق: ما يزال مشروع استكمال الاستقلال، تحقيق الوحدة، بلوغ عتبة التنمية الاقتصادية، استيعاب وضعيتنا الحضارية، إلخ،..ما تزال كلها آمالا في أغلب وطننا العربي والإسلامي.
البحث في أسئلة الهوية… وعن أسئلة الهوية إنما نريد الوصول من خلاله إلى إطار مرجعي، لكي نشيد مجتمعاً عربياً يريد أن يحقق شيئاً… الإطار المرجعي الصالح ، الذي يؤخذ من أنفسنا وممن حولنا. إذا لم نبدأ بهذا الإطار ، فلن يكون لدينا فكر أو انتاج ، أو- حتى ثقافة، أو إنجاز، ولعل سر الارتباك الذي نعيشه هو تعدد الأطر المرجعية، ولكي نبدأ السير من نقطة معينة، علينا أن نجمع على هدف معين، يدفعنا إليه فكر معين([1]).
فيتحصل من كل ما تقدم أن موضوع الشباب العربي وأسئلة الهوية دعوة للتفكير العقلاني في المستقبل العربي، ومحاولة للتغلب على معطيات الحاضر وسعي لصياغة الرؤى والبرامج القادرة على تفعيل أوضاع الأمة بالصورة التي تمكنها من النهوض والتقدم ، إنه مشروع الجميع وعنوان مرحلة لا تسمح بالتخاذل والتراجع قدر ما تتطلب شحذ الضمائر والهمم والإرادات لإثبات الذات وبناء الهوية واكتساب ما يؤهلنا لاحتلال المكانة المناسبة لطموحنا التاريخي وطموحنا الحضاري.
الشباب العربي وعقدة الانبهار امام الغرب:
يمكن تلخيص موقف شريحة مهمة من الشباب العربي من الآخر ( النموذج الغربي )، وهو ما يطلق عليه الأستاذ( حسن حنفي ) ظاهرة التغريب-بما يلي:
* اعتبار الغرب النمط الأوحد لكل تقدم حضاري ولا نمط سواه.
* اعتبار الغرب الإنسانية جمعاء وأوربا هي مركز الثقل.
* اعتبار الغرب المعلم الأبدي واللاغرب التلميذ الأبدي ([1]).
لاشك أن هذا الوضع الذي عليه أكثر الشباب العربي مأتاه من مسرب تعليمي خطير([1]) كرسته مناهج التربية والتعليم وبرامجها عبر سائر الأسلاك والمراحل حيث رُتِب على أسطورة الثقافة العالمية واعتبارها مرادفة لكل الثقافات المحلية وبديلا عنها لا فرق في ذلك بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية مع أن كل علم هو تعبير عن رؤية للعالم، وجزء من المكون الحضاري. وعلى كل منها التأقلم معها والتخلي عن خصوصيتها العالمية، وهو ما عرف في الانثربولوجيا الثقافية باسم المثاقفة أو التثاقفAcculturation .الثقافة الغربية هي الثقافة العالمية التي على كل ثقافة أن تتمثلها باعتبارها ثقافة العقل والعلم والإنسان والحرية والتقدم والمساواة، ثقافة التنوير وحقوق الانسان، في حين أن الثقافة المحلية مرادفة للخرافة والسحر والدين والقهر والتخلف والتعصب واللاعقلانية([1]).
ومن ينظر مليا في أسباب هذه الآفة التي دخلت على شبابنا العربي حتى بات يرى أن التقدم في أن يحاكي الغرب ويتماهى فيه شكلا ومضمونا لفظا ومعنى ، فإنه لا يلبث أن يتبين أنها ترجع إلى كون السياسات التعليمية والتربوية في وطننا العربي والإسلامي أخلت بالركن الأساسي الذي تقوم عليه الهوية وتحتمي به ، وهو مبدأ المحافظة الواعية والتي تتجلى من خلال تقديم الخاص على العام ، والتعريف بالمحلي والقومي قبل الكوني ، والتحيز في الذات بدل التحيز في الآخر، وما يزال الأمر على حاله حتى صرنا في بعض أنظمتنا التربوية إلى تقليد الآخر ومتابعته حذو القدة بالقدة حتى إذا دخل جحر ضب دخلناه . فتجد مناهجنا وبرامجنا التعليمية عبارة عن استنساخ كربوني لبرامج مستعمر الأمس فرنسيا كان او أنجليزيا. وإذا ضاع المنهج والشكل تلاشى المضمون وتشوهت الأفكار، لأنه لا بقاء لمفردات الهوية مع دوام التقلب في استعارة الأشكال من الخارج من غير النظر في ملاءمتها مع حاجيات الذات وخصوصيتها.
وبهذا، يتضح أن النزعة الإمعية التي استحوذت على شطر كبير من شبابنا العربي هي أثر من آثار ما يسميه الدكتور طه عبد الرحمن “غياب معنى”المعية الرافعة”([1]). التي يعتبر “التعالي” شاهدها الأمثل، المعية التي تستصحب نموذجا أصيلا وفطريا وتاريخيا ممتدا بفروعه للمستقبل ، ولا يضر هذه الهوية آنئذ أن تتوسط بالقيم المادية أو تزدوج بها، نظرا لأن هذه القيم تبقى تابعة لها ومسترشدة بها([1]). وينقلب النموذج السالب لعقول شبابنا إلى نموذج نسبي ومحدود ، وهي مرحلة أولى ترشح لمرحلة تربوية يرتقي فيها العقل لينظر إلى النموذج باعتباره موضوعا محل نقد لقصوره ومحدوديته واختزاليته، وبذلك نتخلص من عقدة إسار الغرب أو ما يسميه بعض الدارسين المرض بالغرب أوالتغرب.
إذا تبينا هذا جاز لنا أن نستوعب المقصد المنهجي من تقديم مبحث الانبهار بالغرب([1]) في درس أسئلة الهوية عند شبابنا العربي ، لأن مبحث الانبهار بالآخر هو المفتاح لمعالجة أزمة الذات، هذه الذات التي فقدت مناعتها وبوصلتها نتيجة لتظافر عوامل داخلية وأخرى خارجية فباتت تعرف كل شيء إلا اتجاهها في الحياة، وهو أعظم خطر يتهدد وجودنا ورسالتنا.
لقد تقرر في الدراسات الاجتماعية والنفسية أن الشباب هو مرحلة اكتشاف للذات التي تعرف بأزمة الهوية، والتي يكتنفها شعور بالاغتراب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي يأخذ صورة الثورة والرفض لأغلب القوانين والأنظمة القائمة على أثر ما يصادفه الشباب من إحباط وفقدان ثقة، ما يزيد شعوره بالتناقض الذاتي ما بين رغبة في الاستقلال، وضرورة الاعتماد على الآخرين ، ما بين رغبة في الانغلاق على مفردات الهوية وحاجة لتكسير كل ما من شأنه أن يعترض انطلاق الطاقة الشبابية وتحررها حتى وإن كان من عناصر الهوية([1]). هذه الوضعية إزاء مقومات الهوية يمكن أن نرصد بعض ملامحها من خلال بعض أركان الهوية من قبيل: اللغة والدين والتاريخ والوطن ، ثم نردف ذلك بحاجتنا إلى مشاريع تحرر طاقات الشباب في أفق الإبداع على أرضية من الهوية العربية والإسلامية متماسكة.
ولنبدأ بالركن الأول:
الشباب العربي واللغة القومية:
يذهب بعض الباحثين إلى أن اللغة هي أقدم تجليات الهوية، أو لنقل: هي التي صاغت أول هوية لجماعة في تاريخ الإنسان. “إن اللسان الواحد هو الذي جعل من كل فئة من الناس”جماعة” واحدة، ذات هوية مستقلة. ويزداد الاهتمام باللغة والهوية معا ويشيع الحديث عنهما، في المنعطفات أو المفاصل التاريخية في حياة الجماعات”([1])
ولا مراء في أن اللغة العربية باعتبارها اللغة القومية تعد بحق أعظم كنز وأعظم وعاء حفظ تراثنا القديم الخالد، ونحن في وثبتنا الحاضرة محتاجون إلى أن نزود أبناءنا وشبيبتنا من هذا التراث حتى يظلوا على دوام الصلة به. واللغة أداة التفكير والتعبير في آن واحد، ولا تستغني التربية التي تتطلبها حياتنا الحاضرة عن تلك الأداة اللغوية، التي تشرح أهدافنا وحاجاتنا، وأوضاعنا في الميادين المختلفة.
وإذا تأملنا وجدنا أن تربية الشباب تحتاج في كثير من الحالات إلى تعبئة القوى وإيقاظ العواطف وتنبيه القلوب، واللغة القومية بما تملك من التعبير المؤثر، والتصوير البارع المثير، تستطيع أن تحقق هذه الغايات.
وسؤال الهوية في هذا الموضع يتجلى من خلال ما نلاحظه من ظواهر سلبية تضعف من قوة هذه اللغة في الواقع لصالح لغات ولهجات أخرى، فمن ذلك الإعلام الذي باتت العربية فيه تشكو إلى ربها النسيان والهجران كما تشكو ظاهرة التخليط والتلوث اللغوي الذي يعتبر قتلا بطيئا لجمالية اللغة العربية . ومن جهة أخرى ما تزال عدد من الإدارات في عالمنا العربي تعتمد لغات المستعمر الأجنبية (الفرنسية أو الإنجليزية)في مراسلاتها ومخاطباتها مما يزيد الهوة اتساعا ويكرس حالة من الاستلاب الحضاري تؤكد مع الوقت مقولة ابن خلدون بأن المغلوب مولع بتقليد الغالب. ولعله من مظاهر هذا الانحدار ما نراه من مسارعة للأسر العربية لتسجيل أبنائها في المدارس الأجنبية والخاصة الأنجلوساكسونية والفرنكوفونية اعتقادا منهم أن هذا المسلك هو وحده الذي يمنح التميز والتفوق في المستقبل، حتى يصير الشباب المتخرج من هذه المدارس فاقدا لأهم شرط في وجوده وهو هويته اللغوية التي أصبح غريبا عنها وغريبا عن قيمها الحضارية والدينية والثقافية بالاستلزام.
إننا لا نقصد من تنبيهنا على هذا الركن ضمن مشمولات الهوية أن نقصر المعرفة اللسانية عند شبيبتنا على اللغة العربية، فنضرب حولها بسور حصين يحبسهم في مجال من الثقافة والفكر مغلق، ويضطرهم إلى نوع من العزلة الفكرية الموحشة، ويقطع ما بينهم وبين الآفاق الحيوية التي تزخر ولا شك بالمعرفة والثقافة الحية المتجددة. وإنما المقصود ترتيب الأولويات لأنها تشكل الخارطة المعرفية والنموذج الإدراكي على حد قول الدكتور عبد الوهاب المسيري الذي يسمح باحترام الخصوصية والدفاع عنها وتقديمها حيث تزاحمها هويات أخرى في زمن التشكل النفسي في مرحلة النضج عند الشباب.
إن اللغة ليست من منظورنا وسيلة للتواصل فحسب، وإنما هي أداة تختزن تصورنا ورؤيتنا وتقطيعنا الخاص للعالم على حد قول اللساني الفرنسي أندري مارتيني A.Martinet ، وهي بالتالي تعكس تحيزاتنا الحضارية والثقافية التي تحفظ استمراريتنا الوجودية، ومن دونها نصير إلى التلاشي والذوبان. إن لغتنا العربية القومية هي ضمان تجذرنا حتى لا تذهب بنا رياح اللاتوجهIndeterminacy في العالم المعاصر حيث لا يوجد مركز ولا توجد أية توابث على حد قول فوكو Foucault ([1])، وحيث السيطرة للالتباس والانقطاع والهرطقة والانزياح عن المألوف والشذوذ والتحويل التشويهي وما إلى ذلك من آفات الإبداع الإنساني الجديد.
وإذا نحن تأملنا في طبيعة السؤال اللغوي في منظور تماسك بناء الهوية وجدنا الجواب في أن اللغة القومية أداة من أدوات تخليد الأفراد والجماعات رمزيا عبر الزمان والمكان، فعلى المستوى الجماعي تمكن اللغة المكتوبة على الخصوص المجموعات البشرية من تسجيل ذاكرتها الجماعية والمحافظة عليها وتخليدها وذلك رغم اندثار وجودها العضوي والبيولوجي، وهو أمر لا حاجة للاستدلال عليه في ثقافتنا العربية والإسلامية([1]).
وللذين ما يزالون يعتقدون من شبابنا في عجز اللغة القومية عن التعبير عن حاجات العصر نذكرهم بأن أول مراتب الهزيمة هي في هذا الاعتقاد، ولنتذكر جميعا كيف نهضت اليابان بلغتها وليس بلغة غيرها، وهي اليوم على رأس قافلة الحضارة الإنسانية، والياباني وإن تعلم لغات أجنبية فهو معتز بلغته اليابانية التي يكتب بها ويفكر بها ويبرمج الحواسيب بها والتي يعتبرها اللساني تادانوبو تسونودا (Tadanobu Tsunodo) في كتابه المخ الياباني (The Japanese Brain) سر الفرادة والتميز الياباني ) Japanese Uniqueness([1]) يقول : يبدو أنني اكتشفت ما يفسر الأوجه المتفردة العامة للثقافة اليابانية، لماذا ينهج اليابانيون هذا السلوك المتميز؟ وكيف شكلت الثقافة اليابانية ملامحها الخاصة وطورتها ؟ أعتقد أن مفتاح الإجابة عن هذه الأسئلة يكمن في اللغة اليابانية، أي أن اليابانيين يابانيون لأنهم يتكلمون اليابانية التي تختزن تصورهم للعالم ماضيه وحاضره ومستقبله.
وقد سأل فرانسيس غزافيي ([1]Francis Xavier)()، الذي جاء إلى اليابان سنة 1549 : لماذا لا يكتب اليابانيون «بطريقتنا «من اليسار إلى اليمين أفقيا ؟ فأجابه الدليل الياباني الذي كان يرافقه بسؤال كان يمكن أن يفيد فرانسيس لو أجهد نفسه في فهم مضمونه. والسؤال هو : لماذا لا يكتب الأوربيون بالطريقة اليابانية، من اليمين إلى اليسار، ومن أعلى إلى أسفل ؟
ونحن ينبغي أن نستوعب من هذا درسا نعطيه لشبابنا في قوة التحيز للغتنا العربية وفاعليته في النهوض بعيدا عن التسول الحضاري والاستيراد البليد يقول أبو يعرب المرزوقي منبها إلى هذا المنزلق “إن الاستيراد الميت يصيب الأمم اللواقح بالعقم لكونه يحول دونها والمعاناة التي يتدرج بها الفكر من زاده الخاص إلى الإسهام في تحقيق الزاد الإنساني العام تدرجا مسهما في إبداع هذا الزاد، إذ دون ذلك لا تكون الكونية والكلية بين البشر إلا الاشتراك في الحيوانية طبيعة، والعبودية للسائد تاريخا”([1]).
إن اللغة العربية هي أهم عناصر الهوية، والتفريط في اللغة من قبل شبابنا هو تفريط في هويتنا التاريخية وقيمنا الثقافية والأخلاقية وسيادتنا القومية. وكلما اهتم شبابنا بلغته كان ذلك دليلا على قوته ونهضته وأصالته، والعكس صحيح.
الشباب العربي والدين:
حين نتحدث عن الشباب العربي لا بد أن نستحضر حقيقة سوسيولوجية وهي أنه ليس كتلة متجانسة ووحدة متساوية([1])، فمواقفه من بعض عناصر الهوية تتباين بحسب مستوياته التعليمية والثقافية ووضعه الطبقي(فقراء أو أغنياء) والمهني(عاطل أو موظف)وأيضا الجغرافي(سكان البادية وسكان المدينة) والجنسي(الذكور والإناث). غير أن هذه التفاوتات لا تمنعنا من أن نقرر اتجاهات عامة تسعف في فهم بعض الظواهر ولو بشكل نسبي([1]). ومن ذلك الموقف من الدين باعتباره مكونا رئيسا من مكونات الهوية، وعلى خلاف الرؤية الماركسية التي ترى أن الدين هو نتاج الإنسان ومن صنعه([1])، فإننا نعتقد أن الدين ياتي على رأس الحاجيات أو لنقل بلغة الأصوليين الضروريات في حياة الإنسان، ولا يمكن أن يحقق الإنسان كائنا ماكان توازنه من غير دين. وعندنا ينبغي التمييز بين مستويين مستوى الدين بما هو مجموعة من الشرائع والمعتقدات ونسق تصوري ثابت عن العالم والخالق وهذا اختصاص العلوم الشرعية وما يتفرع عنها، وبين التدين([1]) بما هو ممارسة وهو موضوع سوسيولوجيا الدين في هذا الموضع([1]). وإذا تأملنا وجدنا الشباب العربي ثلاث فئات في موقفه من الدين وممارسته له، فئتان تطرفتا وفئة توسطت:
أما الفئتان المتطرفتان([1]): فإحداهما هربت إلى الدين وأخرى هربت منه.
أما الأولى التي هربت إلى الدين فاحتماء من عاديات الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الرديء والمتناقض محليا ودوليا، وهذه الفئة عادة ما تنحدر من الفقراء ومتوسطي الحال([1])، و قد تحول الدين عندها إلى شكل من أشكال الرفض للواقع وتكفيره وتبرير تغييره بالقوة والعنف. فهذه الفئة من الشباب ذات توجه عدواني وإقصائي وغضبي وحقيقة معرفتها البنيوية بالدين سطحية وحَرْفِيَّة ([1])كما أكدت ذلك عدة اختبارات ومحاورات وهي موضع استغلال من قبل جماعات احتجاج رافضة ومكفرة في الغالب. كما تجدر الإشارة إلى انها فئة متنامية بسبب تصاعد معدلات التسلط والإرهاب الذي تمارسه أمريكا والكيان الصهيوني في فلسطين والعراق وغيرها من البلدان العربية والإسلامية. ومعالجة هذه الوضعية ليست بالهينة إذ يلزم الرجوع إلى مصادرها وأسبابها والتفكير في إيجاد حلول مناسبة ، وذلك بإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلداننا العربية وتوسيع هامش الحرية والمبادرة ، وخلق سياسات تربوية تؤسس للحوار والاقناع ، فإنه لا شيء أضمن من الحوار لاستئصال شأفة التطرف([1])، غير أنه لما كانت بعض أسباب التطرف خارجية متعلقة بسياسات دولية خاصة فيما يتعلق بقضية فلسطين والظلم اليومي الذي يمارسه الكيان العدواني الإسرائيلي بمباركة وتزكية أمريكية فقد تعقدت سبل إيجاد حلول نهائية لمرض العصر إلا بوقوف جبهة دولية ضد الصلف الأمريكي حفاظا على السلام والأمن العالميين.
أما الفئة الثانية التي هربت من الدين فهي تنحدر في الغالب من الفئة الموسرة، وعلاقتها بالدين هي انعكاس لعلاقة وسطها المعيشي بالدين ، إذ على قدر ضعف الصلة بالدين وشكليتها تعيش هذه الفئة بعيدة مبعدة عن الدين، تربيتها وتكوينها النفسي في مدارس أجنبية(وعادة لا يتقنون العربية باعتبارها مساعدة على فهم القرآن) تجعلهم نسخة مشوهة من الأجانب يرطنون بلغاتهم ويسلكون مسالكهم في الاحتفال والعيش([1]) وينظرون إلى الدين مرادفا للخرافة او الأسطورة. وسؤال الهوية الدينية من صنف سؤال الهوية اللغوية والقومية ضعيف جدا أو لا يكاد يذكر، وذلك أن هذه الفئة من الشباب تعيش في البلدان العربية بهويات غير عربية، وليس لها في الحقيقة من صلة بالوسط إلا الانتساب إلى السطح الذي تتحرك فوقه، سطح يعكس سطحية في التفاعل مع قضايا الأمة المصيرية وابتعاد عن هموم الوطن وواجبات الدين.
أما الفئة الثالثة وهي الفئة المتوسطة ، فعلاقتها بالدين تتميز بالاعتدال وهي تسعى لتحصيل قدر متميز بالمعرفة الدينية، وتجتهد في تحسين أدائها وتدينها مع حرصها على تحقيق نوع من التوازن وهي فاعلة ناشطة في قطاعات مدنية حيوية تمارس أنواعا من الدعوة والإرشاد والإصلاح من خلال مواقعها وبحسب الإمكانات المتاحة من غير أن تثير حفيظة محيطها ولا أن تستفز السياقات التي تشتغل فيها.وهي أيضا تعرف نموا ملحوظا ساهم فيه نمو التيارات الإسلامية المعتدلة وبروز ظاهرة الدعاة الجدد والفضائيات الدعوية.
الشباب العربي وسؤال الجغرافيا والتاريخ:
كان مما قاله الشيخ رفاعة الطهطاوي رحمة الله عليه في كتابه “مناهج الألباب” منبها على ما ينبغي أخذ الشباب به في التربية :”وإرادة التمدن للوطن لا تنشأ إلا عن حبه من أهل الفطن”([1]) ، وأورد قول الشاعر:
وحبب أوطان الرجال إليهم***مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكرت أوطانهم ذكرت لهم***عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
ولي موطن آليت أني أعزه***وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا.
إن المتتبع لأوضاع قطاع من الشباب العربي عريض يجدهم لفرط ضيقهم بالمعيشة في بلدانهم يفضلون الهجرة عنه ولو بطرق جنونية وعدمية بلغت في بلدان شمال إفريقيا على سبيل المثال إلى حد ركوب البحر والمخاطرة في قوارب صغيرة “قوارب الموت”في ما يعرف بظاهرة “الحريك”([1]) طلبا للعيش في الضفاف الشمالية للبحر المتوسط في إسبانيا او إيطاليا. وفي دراسات متعددة أبانت عن ما يناهز عشرات الآلاف الذين يتحينون الفرصة في كل وقت وحين من أجل الفرار من اوطانهم التي لم تعد تمثل بالنسبة لهم غير “جحيم لا يطاق”. وسؤال الهوية الوطنية تضاءل عند هذه الفئة من الشباب العربي حتى ما عاد يعني شيئا أمام كماشة الواقع التي تمسك بأسنانها عليهم وتعضهم بقوة، وغالب من يفكر في الهجرة السرية من الشباب كما أظهرت الدراسات الاستطلاعية يكون مدفوعا بسبب البحث عن لقمة العيش في ظروف تتنامى فيها نسب البطالة([1]) كما يتنامى الفطر في الأماكن الرطبة، ويوازيه غلاء الأسعار والمعيشة الشيء الذي يزيد من حدة هذه الظاهرة السوسيوقتصادية الخطيرة.
هذه الظاهرة في الحقيقة تطرح سؤالا على مكون الوطن باعتباره “جغرافيا مقدسة” لها حرمتها وقيمها وواجباتها على من ينتسبون إليها ، والواقع أن بعض الباحثين يعتقد أنه”لا هوية إلا وتبدي انغلاقا وانفتاحا في آن”([1])، ونحن نحتاج في الحقيقة لأن نراجع حدود هذه المرونة في كل وقت لأنها مرونة تداولية راجعة لطبيعة الإنسان الزمنية والتاريخية. غير أن هذه المراجعة لا تعني سيولة الهوية الوطنية كما لم تكن تعني تصلبا وتحجرا في الارتباط. وفي علاقة بسؤال الوطنية او المواطنة يظهر أن حل هذا الإشكال راجع إلى تقوية الارتباط من قبل القائمين على تدبير السياسات والشأن الشبابي العام في هذه الدول وذلك عبر برامج تحقق العدالة الاجتماعية وترسخ قيم الحرية والكرامة والمساواة وحقوق الإنسان وتعيد الثقة للشباب ([1]) وتحد من قلقه على المستقبل ([1])حتى لا نصير إلى وضع يطلب فيه المواطن الشاب العربي وطنا آخر يفضله على وطنه الأصلي، أو وضع آخر لا يقل عنه خطورة حيث يستجيز عدد من الكوادر الشابة العربية في مختلف القطاعات التنموية والعلمية الحيوية الهجرة إلى أوربا وكندا وأمريكا للعمل في مؤسسات تقدم لهم إغراءات مادية تحرم وطنهم من الاستفادة من خبراتهم التي يقدمونها مع قدر ليس باليسير من مواطنتهم وهويتهم وانتمائهم. وهو أمر بالغ الخطورة ينبغي للجهات الرسمية في بلداننا العربية ان توقفه لأنه نزيف العقول أو”المادة الرمادية” أغلى ما تملكه الأمم والشعوب.
وإذا كان الوضع الشبابي مع الجغرافيا على ما ذكرناه، فإن وضعه مع التاريخ لا يقل حرجا إذ هناك مفارقة تعترض المتأمل في علاقة جيل الشباب بسؤال التاريخ باعتباره مكونا من مكونات الهوية ينبغي رعايته والمحافظة عليه في مجموعه، هذه المفارقة ينزل فيها الواجب التاريخي على الشباب منزلة الثقل أو لنقل العبء وذلك لأن الشباب يعيشون للمستقبل أكثر من عيشهم للماضي أو الحاضر، يقول الدكتور عزة حجازي “لما كان الشباب لم يعيشوا الماضي، فليس عندهم ما يجعلهم يحنون إليه أو يعتزون فيه، وبما أن الحاضر ليس من صنعهم ولا يشاركون في إدارته ، فليس فيه ما يدفعهم إلى التمسك فيه، فضلا عن الدفاع عنه. أما المستقبل فإنه بهم ولهم، رضوا أم أبوا، وهو مفتوح غير متعين، ومن ثم فهو مجال خصيب لأحلامهم وآمالهم وطموحاتهم …إنهم قادرون على أن يصنعوا فيه المستحيل”([1]). إن هذه الرؤية رغم تفاؤلها بمستقبلية الشباب وتسجيلها للمفارقة من زاوية خاصة إلا أنها أغفلت شرطا أساسيا في تصور هذا الجيل الفريد وهو ارتباطاته النفسية والروحية والثقافية بذاكرته الجماعية والقومية التي تشكل جزءا من كينونته.وبدونها يكون أشبه بلقيط مهما تقدمت معرفته وإدراكه لخريطة مستقبله، ثم إن مستقبله يتهدده التزلزل إن لم يحسن قراءة تاريخه جيدا. إذ هو في الجوهر لا يكاد ينفك عنه وإن حاول إلا أن يكون كائنا مقطوعا مفصولا عن أصول انحدر منها يتغذى عليها وعلى خبراتها وتراكماتها حتى لا يعيد الأخطاء. فالتاريخ علاوة على كونه ركنا من أركان الهوية هو مدرسة يتجلى فيها ذكاء مناورة أخطاء التاريخ، وفيها ينماز الكائن البشري عن الحيوانات إذ لا تاريخ لها تستلهمه على الأصح.
ينبهنا جاك بيرك إلى أهمية التاريخ في حياة الأمة بقوله: “ إن الهوية لا تنفصل عن التاريخ. ولكن لكي نحافظ على الهوية عبر تتابع الأطوار التاريخية لا بد من وجود ثوابت بدونها سيكون الأمر تغييراً في الكينونة” ([1]). وإذا تغيرت الكينونة تغيرت الملامح الأساسية التي تحفظ بقاء الهوية وبالتالي بقاء النوع الثقافي. إننا في مسيس الحاجة لأن نعيد النظر في برامج التاريخ العام لأمتنا والتي تقدم لشبيبتنا ،بحيث نركز فيه على الكفايات الاستنتاجية للدروس والعبر توخيا لجعل التاريخ درسا حيا في وجدان شبابنا يستلهمونه ويستمدون منه القوة لبناء المستقبل.
الشباب العربي والحاجة للإبداع من داخل الهوية:
قد يتصور البعض أن الإلحاح على أسئلة الهوية يمنع إمكانات الإبداع عند الشباب ويغلقه في إطار حديدي يحبس إمكاناته، والحق أن الإبداع الحقيقي هو ذلك الذي يعكس الروح العليا للهوية والتي هي محل تفاضل الأمم والشعوب.
غير أنه لما كنا شعوبا تعتمد على غيرها في الغذاء والكساء والسلاح والعلم، فإن التنمية المستقلة في الوقت الحاضر تصبح هدفا قوميا لشبابنا ومطلبا وطنيا بحيث يتم تحرير الإرادة الشبيبية من سائر الضغوط نحو أفق لا ينتسج إلا بالروح الإبداعية وحدها فقط، تلك الروح التي تميز بين فعلي البناء والهدم، بين فعلي التقدم والتأخر،وأخيرا بين فعلي التقليد والتجديد بحرية. فمن أين لنا أن ننشد حريتنا ونحن لسنا بقادرين على “إعادة إنتاج المعايير التي يتميز بها الإبداع عن التكرار والخلق عن الاستبدال والتغيير عن التخريب”([1]).
من هنا يستمد تعلم الإبداع مشروعيته, فالقدرة على الفعل الحضاري وتجاوز حالة التبعية التي تتمثل بالتكرار واللهاث وراء تجارب الآخرين والانبهار بكل عناصر حضارتهم , ليسا ممكنين بدون ولادة عصر الإبداع العربي. وبلوغ أدنى درجات النجاح في صنع المشروع الحضاري الجديد ليس ممكناً إلا بامتلاك قدرات إبداعية بعيداً عن انتظار المخلص الذي يأتي من وراء الحدود, أو من عالم الغيب ليأخذ بيدنا من مستنقع الدوران حول النفس وبنفس المكان.
وهذا يعني النهوض بالعلوم التربوية والسلوكية اعتماداً على دراسات حقيقية تنطلق من رؤية شاملة للبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, لا الأخذ بمقاربات هذه العلوم واتجاهاتها جاهزة, لأنها في واقع الأمر نتاج استقراءات لبيئات ومجتمعات مغايرة. فلا بد من جهود جماعية متعاظمة تعمل على إعادة إنتاج هذه المقاربات ونقدها, كيما نبلغ الطمأنينة اللازمة التي تعزز خطانا على أننا سائرون على طريق صحيحة وبخطوات متماسكة. وهذا لا يعني بطبيعة الحال الابتداء من الصفر, مواصلة الطريق تحتاج إلى المزيد من المعارف, ولكن عن طريق المزيد من النقد(للوصول إلى نماذجنا وموديلاتنا الخاصة بنا) فإذا ما التقى النقد والمعرفة “قامت سلطة العلم كأعلى السلطات”([1]) وهذا هو الذي قصده شاعر المكسيك (كارلوس فونتيس) في مقابلة معه: “لقد نجمت إخفاقاتنا السابقة عن حقيقة أننا لم نكن قادرين على العثور على موديلاتنا السابقة ونماذجنا الخاصة”([1]).
النماذج الخاصة هي تلك التي تنطلق من نسيج الهوية وألوانها لا تلك التي تفتش بعيدا عن الحقيقة تتوهم أنها لا توجد إلا هناك. في الوقت الذي يتعطل فعل العقل عند كثير من شبيبتنا لتعلق الإبداع عنده بمتابعة نموذج هو في الوقت ذاته يقتل كل إبداع، لانه ليس أضر على العقل من التقليد.ومن رغب في أن يكون حداثيا فإنه ينبغي أن يحذر من آفات التقليد، وهو عين ما يقع فيه مُدَّعُو الحداثة عندنا إذ هي عندهم تقليد الغرب، والحداثة مضادة التقليد، فيقعون في التناقض من حيث يشعرون أو لايشعرون.
لهذا كان من اللازم على الشباب العربي أن يفكر في حداثة داخلية مبدعة تؤكد استقلاليته وقدرته على استئناف العلم والعمل من خلال تطبيق عربي وإسلامي-كما يقول الدكتور طه عبد الرحمن- “لا يقطع صلته بالتراث جملة، لأن هذا القطع من باب المحال، وإنما يقطع صلته بجزئه الذي انقضى نفعه، ويعيد إبداع جزئه النافع كما يقطع صلته بالجزء الفاسد من الواقع الحداثي الغربي، ويعيد إبداع جزئه الصالح”([1]).
الإعلام والشباب والهوية:
لا حاجة لتأكيد أن عصرنا عصر تقنية وتواصل بامتياز، وتقنية”تلح على الشباب لكي يتفاعل وينطلق ولو بصورة الكترونية مع ثقافة ما بعد المكتوب وقد استجاب معضم الشباب في مجتمعنا العربي” ([1])، في الوقت الذي ابتعدوا فيه بشكل كبير عن الجيل الذي يكبرهم ومن المفروض أن يوجههم وذلك بسبب تأخر الجيل الكبير في الأخذ بأسباب التقنية ، الشيء الذي أدى إلى ضرب من الانقطاع بين الجيلين تقريبا كان من نتائجه وجود حالة من عدم التوازن في شبكة العلاقات لدى هذا الجيل من الشباب وإلى نوع من التشتت في تشكيل أفكاره تزيد يوما بعد يوم مع تصاعد معدلات الإستهلاك الرقمي وخاصة السلبي.
في دراسة أجريت حديثا ونشرت في صحيفة تحت عنوان sexual addiction and compulsivity، وجد أن العدد الأكبر من مرتادي الأنترنيت([1]) من الشباب منشغلون بالبحث عن الصور الإباحية . وهم يقتلون الأوقات والساعات في البحث عن هذه اللذة الافتراضية البذيئة([1])
وتتمثل مخاطر وسائط الاتصال الحديثة في تدفق المعلومات الذي لا رادع له يحمي هذه المنطقة من عمليات الاختراق الثقافي بخاصة في عصر الأقمار الصناعية وبسبب من وقوع المنطقة العربية تحت تأثير إعلاميات متباينة تتعرض لها يومياً عبر وسائل الإذاعة والتلفزة من البلدان المجاورة.(التلفزات الأوروبية المتاخمة لبلدان شمالي أفريقية, والتلفزة التركية والإيرانية المتاخمة لمناطق شمال سورية والعراق ومنطقة الخليج العربي). مما يسهم في شيوع فوضى ثقافية عربية. ومما يزيد من خطورة ذلك غياب سياسة إعلامية عربية موحدة ناهيك عن شعور عدم الثقة في أجهزة الإعلام العربية من قبل المواطن بخاصة بسبب من خضوعها لسياسات قطرية تفتقر لعناصر التنسيق فيما بينها إضافة لاستخدامها في الدعاية لأنظمة همها تزويق نفسها وشتم الأنظمة التي تعدها منافسة لها.
ما سبق يدعونا للتأكيد على أهمية العمل الجاد الهادف إلى تحقيق مناعة إعلامية تخدم الأمن الثقافي العربي لشبابنا وتحافظ على لغته الأم اللغة العربية([1]) .كما تحفظ عليه دينه ووطنيته واعتزازه بمقومات هويته وأصالته التي تصبح عامل بناء وتطوير وإبداع بدل أن تكون عامل إحباط وشعور بالدونية والنقص.وقبل أن نطوي هذه الورقة نقترح عددا من التوصيات – هي عبارة عن أفكار ومبادئ عامة – نرجو أن تسهم في أهداف هذا المؤتمر العلمي المتميز عن مجتمع المخاطرة:
1- تأكيد دور الشباب العربي كقوة دافعة رئيسية كبرى وراء الإنتاج والابتكار الثقافي وليس كجمهور مستهلك.
2- حق الشباب في المشاركة في وضع السياسات الخاصة بمستقبلهم دفعا لإحساسهم بالتهميش والتجاهل.
3- تحقيق الحريات العامة وتوسيع هوامشها وترسيخ قيم الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان.
4- إعداد برامج تربوية وتعليمية وإعلامية تخدم تقوية ارتباط الشباب العربي بمقومات هويته وتدفعه للإبداع.
5- الاهتمام باللغة العربية وبطرق تدريسها للناشئة والشباب باعتبارها الحامية لروح الشعوب العربية في طقوسها ورموزها وتقاليدها ومعانيها.والحافظة لكنوز المعرفة وصلابة الإيمان وقوة الانتماء.
6- العناية بتصعيد قيمة الرموز الثقافية العربية والإسلامية التي تعكس مفردات الهوية وترسخ تجذر الشباب في تربة حضارته العريقة حتى يحمل من عناصرها ما يضمن له التقدم في المستقبل بأمان.
7- تقوية الحس الوطني والديني عند الشبيبة وذلك بتقوية قيم الانتماء والانتساب وترسيخ الحس الأخلاقي بترسيخ ولاء الشباب لدينهم وثقافتهم دون افتئات على حق أصحاب أي دين آخر أو ثقافة أخرى في التعبير عن هوياتهم.
8- التصدي لتيار العولمة التنميطي الذي يتغيى تحويل العالم بما فيه الشباب العربي إلى أدوات للاستهلاك والتدمير الذاتي عبر إفراغه من جانبه القيمي والأخلاقي، وذلك عبر توحيد جهود جمعيات المجتمع المدني والمؤسسات التربوية الرسمية وغير الرسمية للتصدي بخطة موحدة لهذا الخطر الذي يستهدف مستقبلنا الشبابي.
9- شبابنا اليوم إما أن يكونوا الأداة الأولى في بعث نهضة حديثة لدولنا وشعوبنا, وإما أن يتحوّل إلى وسيلة لتدمير ما بنته الأجيال السابقة, ففي عصر العلم والعولمة, ليس أمامنا كثير من الخيارات, ولا الكثير من الوقت لنفكّر ونقرر, فنحن والزمن في سباق مميت, وعلينا – حكومات وقيادات وفعاليات في كل المواقع – أن نبدأ في وضع قضيتهم في مقدمة المسائل الوطنية والقومية.
الهوامــش
– الهوية كلمة تتمحور دلالاتها حول الذات والحقيقة والماهية والوحدة والاندماج والانتماء والتساوي والتشابه، وهي مع هذه المرادفات –على الرغم من بعض الفروق التي تقوم على اعتبارات متباينة- قادمة من عالم الفلسفة. وهي لغويا من قبيل المصدر الصناعي فقد تم توليدها من النسبة إلى”هو” الذي هو في اصطلاح الفلاسفة”الغيب” أو “الحقيقة المطلقة” أو “الله” وبعد الحقيقة المطلقة أصبحت تطلق على الحقيقة ، حقيقة الشيء، حقيقة الإنسان أو غيره. يراجع: محمد عابد الجابري: الموسوعة الفلسفية العربية، بيروت: معهد الإنماء العربي، 1986، 2/821.
[1] – صلاح قانصوه: الهوية والتراث. ندوة شارك فيها عدد من الباحثين.” دار الكلمة، بيروت، 1984″، ط1.
[1] – المصدر السابق، ص 95.
[1] – حسن حنفي:موقفنا الحضاري: من بحوث المؤتمر الفلسفي العربي الأول – ص 30
[1] – للمزيد من المعلومات يراجع العمل المفيد للدكتور جلال أمين: خرافة التقدم والتأخر، العرب والحضارة الغربية في مستهل القرن الواحد والعشرين، دار الشروق، ط1، 2005. ص9.
[1] – يراجع: حسن حنفي: المشروع الحضاري الجديد، الماضي والحاضر والمستقبل، ضمن مجلة الوحدة، ع105، 1994، ص19.
[1] – يراجع: طه عبد الرحمن: روح الحداثة، المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، المركز الثقافي العربي، ط1، 2006، ص120.
[1] – طه عبد الرحمن: م.س. ص118.
[1] – جلال أمين: خرافة التقدم والتأخر، ، م.س. ص141 وما بعدها.
[1] – يراجع:ناهد عز الدين”الشباب العربي ورؤى المستقبل” ، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2006، ص36.
[1] – فيصل الحفيان: العلاقة بين اللغة والهوية، ضمن اللغة والهوية وحوار الحضارات، جامعة القاهرة، برنامج حوار الحضارات، 2006، ص75.
[1] – يراجع: المسيري عبد الوهاب: اللغة والمجاز، بين التوحيد ووحدة الوجود، دار الشروق، 2002، ص130
[1] – يراجع ما قاله صديقنا: محمد الذاودي في كتابه عن اللغة باعتبارها أرقى الرموز الثقافية:
M.Daouadi,Toward Islamic Sociology of cultural Symbols(Kuala Lumpur:A.S.Nordeen1996)
وأيضا في مقالته: المنظور الإسلامي والرموز الثقافية كمفهوم متعدد الاستعمال في التخصصات المعرفية الحديثة،2004، ص59 ضمن المجلة التركية للدراسات الإسلامية .Islam Arastirmalari Dergisi
[1] – باتريك سميث. اليابان (رؤية جديدة). ترجمة سعد زهران. عالم المعرفة. ع 268. ص 176.
[1] – مسعود ظاهر. النهضة العربية والنهضة اليابانية. تشابه المقدمات واختلاف النتائج. عالم المعرفة. ع 252. ص 23.
[1] – المرزوقي أبو يعرب: آفاق النهضة العربية ومستقبل الإنسان في مهب الريح ،دار الطليعة بيروت، ط1، 1999، ص71.
[1] – في دراسة لعالم الاجتماع الفرنسي أليفيي كالوند يرفض أن يسمي هذه الكتلة البشرية “جيلا” لافتقادها شرط التجانس في الهوية والوعي الجماعي. يراجع حواره :
« Une génération sacrifiée ? Entretien avec Olivier Galland » Sciences humaines. N’26. 1999.p20.
[1] – يراجع:”الشباب العربي: مشاكل وآفاق” ضمن المستقبل العربي، السنة5، ع48، ص87-88.
[1] – لاشك ان كل الديانات باستثناء الإسلام لما داخل التحريف نصوصها صارت من صناعة الإنسان وفقدت ارتباطها بالأصل الإلهي . إلا أن هذا الكم لا يسري على شرع الله الإسلام الذي تكفل الله تعالى بحفظه حين قال جل من قائل(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
[1] – الدين لا يكون إلا واحدا والتدين انواع لان التديّن هو شكل الممارسة ونوع التأويل ومحتوى المصداق الخارجي لمفاهيم الدين وقيمه . وتبعاً لذلك فإن هناك أشكالاً كثيرة للتدين . فلا يمكن أن نتصوّر وجود شكل واحد أو نمط خاص للتدين . وتتعدّد الأشكال والأنماط باختلاف المعايير والثقافات والخلفيات والظروف القائمة (التدين الطائفي ، التدين السياسي ، التدين الحزبي ، التدين العشائري.
[1] – يراجع : دانيال هيرفيه ليجيه وجان بول ويلام: سوسيولوجيا الدين، ترجمه عن الفرنسية درويش الحلوجي، المجلس الأعلى للثقافة، 2005.
[1] – التطرف في اللسان العربي مشتق من “الطـَّرَف” أي “الناحية”، أو “منتهى كل شيء”. وتطرّف “أتى الطرف”، و”جاوز حد الاعتدال ولم يتوسط”. وكلمة “التطرف” تستدعي للخاطر كلمة “الغلوّ” التي تعني تجاوز الحد. وهو من “غلا” “زاد وارتفع وجاوز الحد”. ويقال الغلو في الأمر والدين: “لا تغلوا في دينكم” (النساء: 171، المائدة: 77).
[1] – هذا حكم على التغليب وليس على الإطلاق. ولهذا يعتبر تدينها رد فعل على الحرمان الاجتماعي والاقتصادي على الخصوص.
[1] – السطحية والحرفية هنا مرادفة للظاهرية الجديدة التي تنكر القياس والتعليل وتهمل الالتفات للمقاصد الشرعية والمصالح المرعية وتبني على الفهم الظاهر وترفض المجاز.
[1] -يقول الدكتور طه عبد الرحمن” الحوار لا يوجد إلا حيث يوجد الاختلاف في طرق البحث، فالراجح أن طريق الوصول إلى الحق ليس واحدا لا ثاني له، وإنما طرقا شتى لا حد لها، لأن الحق هو نفسه على خلاف الرأي السائد، ليس ثابتا لا يتغير، بل أصله أن يتغير ويتجدد، فلا بد أن يكون الطريق الموصل إليه متعددا، وحيثما وجد التعدد في الطرق، فثمة حاجة إلى قيام حوار بين المتوسلين بها أو السالكين لها” من كتابه: في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، المركز الثقافي العربي، ط2، 2000، ص20.
[1] – وسط هذه الفئة من الشباب العربي المترف الذي يعيش فراغا رهيبا تشيع اليوم ظواهر سلبية هي بدون شك من آثار العولمة نذكر منها ما يعرف بـ”الروشنة” وهي شكل من أشكال التمرد على القيم ، والروشنة مشتقة من الكلمة العامية “مرووش” أي مضطرب بسبب تعاطيه مسكرا أو مخدرا، لكن هنا لها مدلول آخر إذ تعني الشاب المستهتر اللامبالي بطبعه، إضافة إلى تعاطيه هذه الأمور.
[1] – الطهطاوي: مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، المجلس الأعلى للثقافة2002، ص 10
[1] – “الحريك” لفظة دارجة في العربية المغاربية هي تحريف للحريق، ويقصد بإطلاقها الإشارة إلى العملية التي يقوم بها الشباب من إحراق أوراق الهوية التي تثبت انتساب الشاب المهاجر بطريقة غير شرعية إلى دول جنوب المتوسط حتى لا يتمكنوا من معرفة موطنه الأصلي فلا يعيدوه بل يستبقون عليه في مآوي الشباب اوالإصلاحيات او السجون، وفي بعض الأحيان قد يطلقون سراحهم ليعيشوا في ظروف قاسية.
[1] – تشير الإحصائيات الرسمية إلى ارتفاع نسب البطالة في العالم العربي وذلك بسبب غياب ترشيد للسياسات التعليمية في علاقتها بسوق الشغل، حيث تحكي الإحصائيات أنها بلغت في الجزائر وتونس وفلسطين واليمن20 بالمئة وأنها في مصر والمغرب تقترب من 15 بالمئة وهي في تزايد مستمر. حيث يتم تخريخ كل سنة أفواجا من العاطلين في اختصاصات لا تمت إلى سوق الشغل بصلة.
Karin tourné, « Le chomeur et le pretendant : les maux de la jeunesse ou l’impossible passage à l’age adulte » Egypte/ monde arabe. 2001. pp191-192.
[1] – علي حرب: نقد الحقيقة، المركز الثقافي العربي، ط1، 1993، 87.
[1] – عن أزمة الثقة عند الشباب العربي والمغربي على وجه الخصوص، يراجع: أحمد التهامي:”القيادة المغربية الجديدة:الفرص والتحديات” ورقة قدمت إلى أعمال المؤتمر الثالث للباحثين الشبان تحت شعار: تجدد القيادة والتنمية في الوطن العربي.تحرير صلاح سالم زرنوقة وعبد العزيز شادي، قضايا التنمية،ع31، القاهرة: مركز دراسات وبحوث الدول النامية، 2004،ص 98-100.
[1] – يراجع للمزيد من المعلومات عن الخلفية النظرية لقلق المستقبل وصلته بالعدالة التوزيعية والتناشز المعرفي وغيرها من القضايا : محمود شمال حسن: قلق المستقبل لدى الشباب المتخرجين في الجامعات، ضمن المستقبل العربي، 1999، ع149. ص 70-85.
[1] – عزت حجازي: الشباب العربي والمشكلات التي يواجهها، ضمن سلسلة عالم المعرفة،ع6، الكويت، 1978.ص 39
[1] – جاك بيرك: مقابلة أجراها بدر الدين عردوكي-الفكر العربي-ع 2- ص 281
[1] – مطاع صفدي: عصر الاستشهاد الثقافي-الفكر العربي المعاصر-العدد 13-ص 10
[1] – المصدر السابق: ص 13
[1] – مجلة الكر مل: عدد 18-ص 114
[1] – طه عبد الرحمن: روح الحداثة. ص41.
[1] – فيصل محمود غرايبة: الشباب العربي ومستجدات العصر، ضمن “الشباب العربي ورؤى المستقبل”، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2006، ص18.
[1] – نشرت مجلة إنترنيت العالم العربي دراسة عام1999، وجدت فيها أن معدل عمر المستخدم العربي وصل إلى 30سنة، أي أقل بثلاثة أعوام عن المعدل العالمي، وأن الشريحة الأكبر راوحت أعمارها بين 21 و35 عاما .
[1] – كيف تحمي طفلك من المواقع الضارة على الانترنيت، دار الفاروق للنشر والتوزيع،ص 107-110.
[1] – مصطفى المصمودي:النظام الإعلامي الجديد- ص 267- سلسلة عالم المعرفة-الكويت 1985.