رضوان السيد*
بدأ تأمّل العرب للعالم من حولهم في أسفارهم التجارية, وفي رحلات الشتاء والصيف, التي ذكرها القرآن الكريم. ونعرف من القرآن أيضاً رؤية استراتيجية تبدّت في المفاضلة بين فارس والروم. ثم شكّلت الفتوحات نقلة واسعة لا يزال المؤرخون مختلفين حولها, وهل كانت نتاج خطة أو توجهات عامة على الأقل, أم انها حدثت بطريقة التداعي والاطّراد, اي كلما فُتح اقليم قاد ذلك الى التدخل في الناحية المجاورة. بيد ان البارز في هذا السياق, المعرفة الجيدة التي أظهرها العرب الأوائل بالمسالك والممالك من المدينة وحتى الصين – وبالقوى السياسية والدينية في تلك الأصقاع الشاسعة.
وعندما اكتمل قيام الدولة, بدأت الكتابات في “رؤية العالم” وموقع العرب والمسلمين ودولتهم أو خلافتهم فيه. بدأوا بترجمة كتب “الأقاليم السبعة” عن الفرس, والمجسطي أو الجغرافية عن بطليموس. وقد كان الاهتام بالحسابات الفلكية على الأهمية بالنسبةاليهم, بحيث كثر النقل عن الايرانيين والفرس والهنود, وعسُر أو تعذّر للفاحص المتأمل حتى القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي, تبيان معالم (ولو رئيسة) لرؤية أخرى للعالم, غير رؤى الامبراطوريات القديمة. كل ما في الأمر انهم شأنهم في ذلك شأن الفرس وضعوا أنفسهم في اقليم العالم الاوسط: الاقليم الرابع, وانصرفوا لتدقيق الحسابات الفلكية لهذا الموقع أو ذاك, ولهذه المدينة أو تلك تبياناً لأحوال الطقس تارة, وللسعود والنحوس تارة أخرى.
لكن عصر الفلكيين لم يطل. فبعد كتب الأقاليم جاءت كتب المسالك والممالك, ثم جاءت كتب المسالك والبلدان, التي صارت الأقاليم السبعة مقدمات لها وحسب – فإلى كتب الرحلات والرحّالة, والتي لا علاقة لها بصورة الأرض أو