عبدالرحمن بن عبدالله الشقير
من الندرة بمكان أن يكتب باحث عن الخيال في مجالات العلوم الاجتماعية أو في غير الخيال العلمي الذي يتخيل مستقبل العالم والفضاء والثورات التقنية، وقد تجرأ عالم الاجتماع الأمريكي رايت ميلز وكتب “الخيال الاجتماعي” في الستينيات، ووجه فيه نقدًا مركزًا ضد الطرح الاجتماعي التقليدي تجاه قضايا المجتمع ومشكلاته، ثم صدر في الثمانينيات كتاب “علم الاجتماع: العين الاجتماعية والخيال الاجتماعي الجديد وطقوس التفاعل” لإيفريت سي هيوز، ثم صدر كتابان عربيان هما “الخيال السياسي” لعمار علي حسن، و”الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وبعدها” لهبة رؤف عزت، وهذه أبرز المؤلفات حول الخيال في العلوم الاجتماعية والإنسانية. ولكن ماذا نعني بالخيال الأمني؟
ما الخيال الأمني؟
يختلف الخيال الأمني عن مفهوم الخيال العلمي، فالخيال العلمي يعني القدرة على استشراف المستقبل والتنبؤ بالواقع القريب، في حين أن الخيال الأمني يعني تنمية تفكير الإنسان المتخصص والإنسان العادي على السواء، ليتمكن من حسن تقدير المخاطر المحيطة به أو التي يتعرض لها عبر تطبيقات التواصل في الحياة اليومية.
يقصد بالخيال الأمني: القدرة على التفكير أمنيًّا في العمل وفي الحياة اليومية، وفي اتخاذ القرارات أثناء استخدام التقنية، ويشمل ذلك قرارات العمل والسكن واختيار الحي والأصدقاء والسيارة والزواج وجميع مجالات الحياة، سواء المصيرية أو الترفيهية. ويتضمن الخيال الأمني القدرة السياسات العامة في التعليم والصحة والتنمية والقرارات التي تصدرها الدولة أو الشركات الكبرى على مواكبة التهديدات الأمنية التي يمكن أن تواجه الأفراد والأسرة في المستقبل، وحجم انعكاساتها على المجتمع، ومدى استعداداتهم لمواجهتها، ويشمل ذلك المتخصصين في العلوم الأمنية أو الأشخاص العاديين.
إذن؛ يؤكد الخيال الأمني على أن المسؤولية الأمنية أصبحت أو ستصبح مسؤولية أخلاقية واجتماعية أكثر مما هي مسؤولية الدولة، وأصبح على المؤسسات التنموية والتعليمية والصحية، كما أنه على الأفراد العاديين أيضًا أن يفكروا بطرق تحليل أمنية.
وهذا يعني ضرورة أن يكون الخيال الأمني أسلوب حياة، وأن جزءًا كبيرًا من جودة حياة الأفراد نابع من ذواتهم، وقدرتهم على تطوير مهارات الانتباه وحسن تقدير العواقب وامتلاك خيال أمني يساعدهم على بناء تصورات مستقبلية لأي قرارات يمكن أن يتخذونها، ويأتي ذلك استجابة للتحديات الأمنية باستخدام التقنية أو التعامل المباشر التي تتعرض لها الشعوب والمؤسسات والأفراد بشكل مستمر.
وتأتي أهمية تنمية الخيال الأمني للأفراد من كثافة الهجمات التي يتعرضون لها بغرض النصب والاحتيال، سواء من عصابات أجنبية أو مؤسسات وشركات محلية لديها الرغبة في تجاوز الأنظمة أو التحايل عليها من خلال توريط الأفراد بعقود استثمارية بإيهامهم بأنها ذات عوائد سريعة وعالية، أو بعقود عمل غير واضحة وغير جادة، أو طلبات الصدقات المالية المتناهية الصغر، أو التحايل للحصول على البيانات السرية لعملاء البنوك والشركات…
وهذا يعني أيضًا انتهاء عصر الإنسان التلقيني الذي يعتمد في حياته على التعلم عن طريق التلقين، وممارسة عباداته الدينية عن طريق التلقين، واتخاذ قراراته الاقتصادية عن طريق التلقين، أو حتى تلقي التحذيرات الأمنية والتقنية عن طريق التلقين العام. وبروز الإنسان التحليلي الذي يسعى بجهد لفهم منظومة احتياجاته وإمكاناته والظروف الاجتماعية المحيطة به، واتباع ما هو أفضل له شخصيًّا، وليس الأفضل للمجتمع أو وفق ما يراه الآخرون.
ويؤكد ذلك أن الخيال أداة تفكير منضبطة، وليست أوهامًا منفصلة عن الواقع، ومن ثم فإنه يسهم في فهم المشكلات الأمنية، ويساعد على التقاطها وهي في بذورها، ويمكّن الباحث الأمني من التنبؤ بسلوك المشكلات الأمنية، مما يحد من انتشار الجريمة أو يقضي عليها قبل أن تتشكل.
ويختلف الخيال الأمني عن الدراسات المستقبلية الأمنية في أن الثانية تعمل بمنهجية المؤشرات القابلة للقياس، وتتنبأ بالمستقبل وفقًا لمعطيات الواقع. في حين أن الخيال الأمني قادر على ربط الأشياء التي تبدو متباعدة أو متناقضة برابط دقيق ومنطقي، وأنه قادر على رؤية المهددات الأمنية في كل شيء، ويستطيع أن يرى المشكلات الأمنية التي لم تنشأ بعد في المشكلات الأمنية التي تم حلها؛ حيث يتوهم كثير من المعنيين أن مؤشر نجاح قراراتهم يتمثل في انتهاء المشكلات التي يعالجونها، في حين أنهم اتخذوا قرارات سمحت بانتقال المشكلات لمكان آخر أو أنها سوف يعاد تشكيلها في المكان ذاته.
مبادئ عمل الخيال الأمني
ينطوي الخيال الأمني على مبادئ عمل كثيرة، ولكن من المهم البدء بثلاثة مبادئ رئيسة، هي:
الأول أن الأمن ينبغي أن يتقدم إلى الواجهة الاجتماعية، ويشارك الثقافة الأمنية للناس العاديين، ويسهم في تبديد المخاوف لديهم، ويخاطب المجتمع بوصفه مؤسسة اجتماعية. وهذا يعني بالضرورة التخلي عن السياسات القديمة القائمة على العمل الأمني الميداني ونظريات القبض والضبط أو على التقارير الأمنية غير المنشورة؛ إذ صارت الثقافة الأمنية مطلبًا ملحًا، وتشهد المجتمعات العربية عجزًا كبيرًا فيها، مما جعل الشعوب العربية سوقًا ضخمة لعمليات النصب والاحتيال التقني، وتتطلب سياسات الثقافة الأمنية توسيع مجالات الدورات التدريبية للناس العاديين والأهالي في الأحياء والمدارس وعمال المتاجر ومن في حكمهم، ودعم تأليف الكتب وترجمة الكتب الأجنبية والنشر الإلكتروني، ودمج المعلومات الأمنية والخيال الأمني في مناهج التعليم وفي وسائل الإعلام والمنتديات الثقافية والفلسفية.
والمبدأ الثاني يؤكد على أن التطورات التقنية والرقمية التي أتيحت للأفراد بصلاحيات استخدام واسعة، تعني بالضرورة أن التقنيات الخطرة التي كانت محتكرة لأجهزة الاستخبارات أو تقع تحت هيمنة الدول ستكون منتشرة وفي متناول الجميع، ومن ثم قد يزدهر جيل من المجرمين والقتلة للإيجار، بل قد تتحول كثير من الجرائم إلى وجهات نظر، وقد تحظي كثير من الانحرافات الأخلاقية بدعم منظمات دولية وإصدار تشريعات تجيزها وتدافع عنها. وقد تظهر مؤسسات للتتبع وجمع المعلومات وتحديد المواقع وتقديم خدمات لا يسمح القانون ولا الأخلاق بتقديمها، فقد ينظر إلى كثرة القتلى مثلاً على أنها تشكل نوعًا من التوازن البيئي. وقد يبسّط التواصل بين سكان الأرض إلى مستويات متقاربة زمانيًّا ومكانيًّا، وقد يفقد الإنسان الشعور بأهمية الدين ودوره في حياته، مما يعزز طغيان الحياة المادية، وهذا “الخيال الأمني” نابع من معطيات واقعية، ولها مؤشرات تدل على سلوكها المستقبلي.
والثالث أنه سوف يكون لكل مسؤول وجود جانب عقلاني بالنسبة له، في ترك الأزمات حتى تنتشر وتتحول إلى ظواهر اجتماعية، تكمن في بروز البطل الذي تصدى لها، بينما البطل الحقيقي هو الذي يلتقطها في بذورها ثم يقصيها، فهذا يخفف العبء على مؤسسات الدولة، ويقلل التكاليف المادية، ويسهم في حفظ هيبة الدولة. إلا أنه لن يعرفه أحد؛ وذلك لأن طبيعة تكوين العقول العامية والشعبية لا تمنح التقدير إلا إذا تُركت لمواجهة التهديد.
ويمكن للخيال الأمني أن يدخل في إجابات مع الأسئلة التي قد تبدو بسيطة وبديهية مثل: هل يمكن لظاهرة الطلاق أو ترك الدراسة مبكرًا أو الإلحاد بأي نوع من أنواع، أو زيادة البطالة واستبدالها بتحصيل الأموال الأسبوعية من البث المباشر في تطبيقات التواصل التي تدفع مقابل عدد المشاهدات مهما صغر المبلغ مثلًا، أن تكون قضايا أمنية في المستقبل أو وجهات نظر فردية؟ وهل يمكن أن تعود مهنة العسس، والمعروفة شعبيًا بمسمى “العسة” المعنية بحفظ النظام العام، ولكن يكون عسس رقمي؟
وتمثل هذه المبادئ أهم الأسس التي تعكس الشعور بأزمة الخيال الأمني، والعمل لإيجاد بيئة عمل أمنية صحية ومنهجية.
الخيال الأمني في كل شيء
يمكن لعقل الخيال الأمني أن ينتج رؤيته لكل ما هو مهدد أمني أو يحدد السلوك الأمني في الفن والعلم والسياسة والحياة العامة، وأن يمتلك مهارة التوازن بين ما ينبغي الانتباه له ومتابعته وما ينبغي القضاء عليه وما ينبغي احتواؤه، وسوف أذكر مواقف وأحداث متنوعة ومتباعدة لتأكيد وجود الخيال الأمني في كل شيء.
من المرجح أن أي مؤامرات خارجية لإشعال ثورات داخلية أو غضب شعبي صامت سوف تبدأ مما يعده كثير من الناس توافه الأمور، مثل: استطلاعات الرأي العام عن الأسعار وارتفاع الخدمات الأساسية، وعن محادثات الواتساب وتغريدات تويتر وما ينشر في تطبيقات التواصل الاجتماعي من يوميات لا يؤبه لها. فهذه هي المادة الخام الأساسية لتصميم البرامج الإعلامية للتأثير على المزاج العام من الخارج.
عندما ثارت بعض الشعوب العربية عام 2011 كانت أسباب الثورة احتقان شعبي متراكم من زيادة نسب البطالة وارتفاع أسعار المعيشة، أو هكذا هي الأسباب التي يقرأها الباحث بعيدًا عن اختصار الموضوع في نظرية المؤامرة، إلا أنه مهما كانت هناك مؤامرات فلا بد لها من مسببات تنتجها، ومن هنا يأتي الخيال الأمني. وعندما عادت ثورات الشعوب عام 2019 كان جزء كبير منها لذات الأسباب، إلا أنها اشتعلت مع إضافة أسباب جديدة مثل: رسوم استخدام التقنية، وزيادة رسوم النقل العام وما في حكمها، كما هو الحال في لبنان والربيع اللاتيني في هاييتي والأكوادور تشيلي وفنزويلا وكولومبيا.
يمكن للباحث في الخيال الأمني أن يدرك بعمق أن الذي يحرك الشعوب هو الصورة الذهنية المتخيلة للأشياء، وليس بالضرورة ما هو واقع فعلًا، وتؤكد المدرسة التفاعلية الرمزية في علم الاجتماع أن تفاعل البشر فيما بينهم إنما هو نتاج ما يتصورونه عن بعضهم البعض وعن الرموز المقدسة، سواء الرموز الدينية أو القبلية أو أشكال الوجاهة الاجتماعية…، وتضطلع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بعمليات تضليل وبناء صور ذهنية مكثفة وزائفة حول الأحداث والأشياء، وبالتالي يمكن التعامل مع الصورة الذهنية أكثر من التعامل مع الكلام الذي يقال أو الممارسات والسلوك؛ لأنها ستفتح آفاقًا معرفية لا يمكن الوصول إليها بالطرق التقليدية.
ويمكن للخيال الأمني أن يدرك أن مجتمعات الحدود والمجتمعات منخفضة التنمية تشكل أحد أسباب العودة للتمسك بهوية القبيلة والمنطقة، مما يجعلها عرضة لتوسيع المسافة بين الولاء القبلي والمناطقي مع الولاء للدولة والوطن، وتظهر هذه الحالة بوضوح في مجتمعات الحدود أكثر من غيرها؛ وذلك لوجود عمق مع المجتمعات المتاخمة في دول الجوار، ومن ثم فإن الحزام الأمني الفعال للدول يكمن في تنمية المجتمعات الحدودية، من خلال برامج عمل تشمل: التنمية وتعزيز ولاء الأطراف المستمر للمركز، وإنشاء أسواق حرة مزدهرة بينها وبين المجتمعات المتاخمة لها في دول الجوار، من أجل رفع مستويات التعليم والصحة وخفض مستويات البطالة وتوفير فرص عمل مشروعة، فهذا سوف يشكل حزام أمني بشري طبيعي، ويؤدي خدمات كبرى على المدى البعيد، ولكنها خدمات أمنية غير مرئية.
من الخيال الأمني أن تنفذ دورات مكثفة وحضورية لأكبر عدد من الناس حول موضوعات مثل: كيف يمكن ان تسرق اموالك عبر الانترنت؟ وكيف يمكن ان تستغل صورك وبياناتك الشخصية عبر الانترنت؟ وذلك لعدم فاعلية التحذيرات العامة التسطيحية؛ حيث أن مخاطبة الجميع لا تعد مخاطبة لأحد، والإنسان يستجيب في الغالب أكثر إذا كان الحديث موجه له شخصيًّا.
وفي مجال الألعاب التقنية، يمكن أن تعد ألعاب الأطفال والألعاب التقنية بصفة عامة مجالًا خصبًا للخيال الأمني على مستويات مختلفة، حيث ظهر منذ عام 2106 لعبة “الحوت الأزرق” التي شجعت كثير من الأطفال والمراهقين على الانتحار، ثم لعبة “مريم” ولعبة “بوكيمون”، وصارت الألعاب تسرق الأرواح، وليس الأموال والأوقات فقط. إضافة إلى الألعاب أضحت تشجع على الفردانية والاستقلال عن الأسرة العزلة عن المجتمع وزيادة الاستهلاك، بدلًا من الادخار.
وفي المقابل يمكن تصميم ألعاب تستهدف التعرف على اتجاهات الأطفال والمراهقين والشباب نحو الإرهاب، وقد سبق أن اشتركت مع فريق عمل عربي لتصميم عشرات القيم الاجتماعية التي تحدد موقف اللاعب في كل خطوة ينتقل إليها، وتحويلها إلى برمجية ضمن اللعبة، ويكون أمام اللاعب إذا أسر خصمه مجموعة خيارات هي (قتله، أسره، مفاوضته على مال أو معلومات…) وفي كل مرحلة يتخذ قرارات تتضح اتجاهات اللاعب وميوله الفكرية، ويتضمن البرنامج بعد تحديد الموقع والعمر والنوع.
وتعد الأفلام مجالًا خصبًا للخيال الأمني، كما أنها تقدم نماذج تساعد المجرم على توسيع آفاقه لارتكاب جرائم ذكية، ومن ثم فإنه من الخيال الأمني حسن تقدير مهارات المجرم، وحجم إمكانية الاستفادة من خبراته، وتحويله إلى خبير معلومات، وليس مصدر معلومات فقط، ويظهر فيلم الجريمة الشهير “امسكني إن استطعت” Catch Me If You Can (أنتج عام 2002) شخصية فرانك أباغنيل، الذي زوَّر شيكات كثيرة وشهادات جامعية وتذاكر طيران في الستينيات، وكان إذا وجد ثغرات أمنية في كل شيء يقابله يحوله إلى فرصة احتيال له ويكسب منها مبالغ كثيرة، ثم بعد القبض عليه كشف آليات التزوير، وساعد على تطوير نسخة من الشيكات الأكثر أمانًا ويصعب تزويرها، وتم تجنيده في خدمة وحدة التزوير في FBI. وهي مأخوذة عن قصة حقيقية، تم توظيفها للتحذير الشعبي بالترفيه.
وقد كانت شركات التنقية العملاقة تدفع في بداية إنتاجها للبرمجيات مبالغ طائلة لكل من يستطيع أن يخترق برامجهم أو يوجد بها ثغرات أمنية، ثم استطاعت أن تستقطب كثيرًا من الهاكر للعمل لديها مبرمجين ومنتجي أفكار يمكن تحويلها إلى برمجيات.
ويوجد ارتباط ناعم وخفي بين عمليات الاحتيال وخفة الدم والأناقة، وقد من أكثر مجالات الاختراق الأمنية التي يصعب كشفها ظاهرة “اللص الظريف”، الذي يتمتع بكاريزما ومظهر أنيق ومتحدث لبق وشهادات عليا وربما تخصصات نادرة، لكنه في الحقيقة سارق محترف، فهو سارق بتصنيف سبعة نجوم، ويخدع الكل، ولكنه يتعامل معهم بلطف ويظهر أهميتهم في مجالهم، مما يجعلهم يتقبلونه بسهولة؛ لأنه يتمتع بالثقة العالية والقدرة على عرض الأفكار وتقديم الوعود وتمرير قصص نجاح تدل على أهميته، وغالبًا ما ينتزع هؤلاء قيم الثقة والحب والارتياح ممن يقابلونهم، وكثير منهم تزداد فرصهم في تحقيق أهدافهم أو الحصول على المناصب والأموال، لصعوبة كشفهم.
سمات عقل الخيال الأمني
يلحظ من النماذج السابقة أن الخيال الأمني ينبغي أن يتمتع بسمات تكتسب بالتدريب، من أبرزها: أن يكون على قدر من الثقافة العامة، ومتابعة الأحداث المؤثرة في داخل المجتمع وخارجه، وامتلاك مهارة الخيال الذي يستطيع أن يوجد علاقات بين أحداث تبدو في ظاهرها ليست مترابطة، والقدرة على منح أهمية كبرى للأشياء التي تبدو غير مهمة.
من سمات عقل الخيال الأمني أنه يتعامل مع أي قضية بسؤالين رئيسين هما:
السؤال الأول: هل انتهت القضية أو تمت السيطرة عليها؟
والسؤال الثاني: لماذا حدث ذلك؟
يضمن هذان السؤالان مبدأ السيطرة والتعمق في معرفة الواقع، بينما تكون أسئلة المحقق التقليدي والموظف البيروقراطي: من المتسبب، ومتى كان ذلك؟ وكيف كان؟ ومن المستفيد؟ وهي أسئلة مهمة، ولكن في سياق العمل الروتيني.
ومن سمات عقل الخيال الأمني الشخصية أن يكون على مسافة خطوات قريبة من جميع التيارات والاهتمامات، سواء النخبوية أو الشعبية، وأن يظهر احترام الجميع، ويكسب ثقتهم، ويمد لهم يد العون قدر الاستطاعة.
أخيرًا
تمثل فكرة الخيال الأمني محاولة لتطوير العمل الأمني من المجال التقليدي إلى المشاركة في الحياة العامة، ومن العمل الميداني إلى العمل الفكري، وتحويل الأمن إلى ثقافة شعبية وأسلوب حياة.
وتؤكد التحولات السريعة في المجتمع وزيادة هيمنة التقنية ووسائل التواصل وتدفق الأفكار والقيم بشكل يصعب السيطرة عليه، على أهمية تكثيف الثقافة الأمنية ودعم فلسفة الأمن، وإدماج القيم الأمنية في الأعمال الفنية والأفلام السينمائية.