الحكاية الشعبية فى اليمن بين الدراسة و التوثيق
عبد الرحمن عبد الخالق محمد
الحكاية الشعبية هي تلك الحكاية التي تناقلها الناس عن طريق الرواية الشفوية منذ القدم، ويلعب الخيال الشعبي دور كبير في صياغتها، وفي تأطير بعض الأحداث التاريخية والشخصيات، بالمبالغة والغرائيبية، وتأتي الحكاية الخرافية في الإطار نفسه، وإن تميزت عن الحكاية الشعبية بأن أبطالها هم من البشر أو الجن، بينما تقف الحكاية الشعبية عند حدود الحياة اليومية والأمور الدنيوية العادية، ذلك كمكر النساء ومكائد زوجات الرجل الواحد، وقسوة زوجة الأب على الطفلة المسكينة التي تتدخل العناية الإلهية لإنقاذها، وتتداخل الحدود بين الخرافة والحكاية الشعبية (1) . لذا عند العودة إلى الكتابين التوثيقيين الهامين للأستاذين علي محمد عبده و محمد أحمد شهاب ” حكايات وأساطير يمنية ” و ” الحكايات الشعبية “، نجد الحكاية الشعبية كما نجد الحكاية الخرافية، مع ما بينهن من تداخل، وينتمي هذان الشكلان إلى الأدب الشعبي أحد مكونات الفلكلور .
أما الأسطورة فشأنها آخر تماما، وتختلف عن الحكاية الشعبية من زوايا عدة، أبرزها أنها تعود في الأصل إلى الديانات المبكرة، وأبطالها هم من الملائكة والآلهة وأنصاف الآلهة، وهو ما جعل الأسطورة تُطبع بالقداسة، فضلا عن لغتها الرفيعـــة،
على عكس ما هي عليه الحكاية الشعبية، لذا أعتبر الأخوان جريم الحكايات الشعبية حطام أساطير، أو بقاياها وأشلائها المتأخرة، بل أن بعض الباحثين يخرجون الأسطورة من باب الفلكلور، باعتبار أن الأسطورة علم قائم بذاته، يُعرف بالمثولوجيا.
* الحاجة لتوثيق الحكايات الشعبية :
ونحن بصدد الحديث عن ” الحكاية الشعبية بين التوثيق والدراسة ” من الطبيعي أن يبرز سؤال مفاده : ما هي الحاجة لتوثيق الحكاية الشعبية ؟ وهو ما سنحاول الإجابة عليه باقتضاب، مقتصرين فــــي ذلك، على أخذ اليمن نموذجا في هذا الشأن.
اليمن غنية بتراثها القولي / الشفوي، من حكايات شعبية وغيرها، فضلا عن المكونات الأخرى للتراث الشعبي، وما تم جمعه وتدوينه حتى الآن منها يعد يسيرا جــــدا.
وارى أنه من المفيد في هذا المقام العودة إلى بعض الكتب القديمة، التي عملت علـــــى تسجيل بعض الحكايات والقصص، وهي لا تخرج كثيرا – في اعتقادي – عن سياق موضوعنا، من ذلك كتاب ” التيجان ” لوهب بن منبــــــه، المولود في صنعاء سنة 34هـ، أو ما احتوته كتب التراث في اليمن من نماذج قصصية، مثل كتاب ” حوليات يمانية ” لمؤلف مجهول، و ” نشر الثناء الحسن ” للوشلي، و” المفيد في أخبار زبيد ” لابن الديبع، و” السلوك ” للبهاء الجندي، وغيرها من الكتب ( 2 )
وتورد اليمن كمخزن للمرويات والموروثات الشعبية والأساطير في كثير من الكتب والدراسات، كعاد وثمود وطسم، فضلا عن الأماكن ذات الدلالات الأسطورية، كوجـــود أماكن مشئومة، مثل جبال ختا أو خياف، والجبل الأشيب، سيد جبال النار، وقطب اليمن، وهو جبل يقال أنه يظهر عليه أهل النار والخراب، وتعوي فيه الذياب، وأماكن ملعونة من بينها، نجران و صعدة، وبكلي، ويُروى عن هذه الأماكن الكثير من الخرافات، وهناك أيضا الجبال المقدسة، مثل جبال حضور وحنين، وراس جبال علي، وراس صبر، وتعكر … الخ، كما تذكر هذه المدونات أن في اليمن واديا يُعرف بوادي عشار ” كثير الإخصاب “، نسبة إلى الألهة إيشار أو عشتروت، وهناك أيضا قصر غمدان، المنسوب إلى سام بن نوح، الذي ابتدأ بناءه واحتفر بئره، وتنسب حوله الخرافات، إن طائرا اختطف المقرانة، وطار بها، وتبعه سام لينظر أين أوقعها الطائر ثم أقام البناء ( 3 ) .
ومعلوم أن توثيق التراث الشعبي، والحكاية الشعبية في الأساس منها، ليس غاية بذاته، لذا نجد أن عملية التوثيق مرتبطة شديدة الارتباط، بدراسة هذا التراث، ومن هنا فأن تحديد الحاجة لتوثيق التراث الشعبي، تحديدا في الآن ذاته لحاجة دراسته، وتتمثل هذه الحاجة – حسب الدكتور محمد الجوهري – بالتالي :
– الإسهام في دراسة تاريخ الثقافة والحياة الاجتماعية، من حيث إعادة ترتيب الفترات التاريخية الغابرة، التي لا يوجد عنها إلا شواهد ضئيلة متفرقة، وهو ما يُعرف باسم منهج إعادة البناء التاريخي .
– تقدم دراسة الفولكلور بما فيها الحكاية الشعبية، خدمة مباشرة في عملية التغيير الثقافي : عواملها، وسرعتها، واتجاهاتها …الخ، وهي أمور هامة لدارس تاريخ الثقافة، وعالم الاجتماع، القائم على رسم سياسة التخطيط بمستوياتها المختلفة .
– تساعد على تحليل علاقات التفاعل والتأثير المتبادل بين الثقافات المختلفة، وهي العملية المعروفة في الأنثروبولوجيا الثقافية باسم ” التثاقف “- يقدم الفلكلور إسهاما في التنمية، ويتضح ذلك من خلال استخدام التراث الشعبي في وسائل الإعلام، من أجل تحقيق أغراض التنمية، حيث يسهم ذلك في تغيير الأفراد، أو دفعهم نحو التغيير، فالأفراد يتقبلون أساليب الثقافة الحديثة، طالما أنها تقدم لهم في إطار من ثقافتهم الأصلية ( 4 ) .
– يقدم التراث الشعبي مادة غنية للأدباء، من شعراء، وقصاصين، وروائيين، على وجه التحديد، من خلال تمثلها في نتاجاتهم الإبداعية والاشتغال عليها، وفي أدبنا اليمني والعربي شواهد عدة على ذلك .
* توثيق الحكاية الشعبية :
إن الجمع والتدوين ما زالت مقصورة على قلة من المهتمين بقضايا التراث الشعبي، وهم أولئك الأساتذة الذين قاموا بالتدوين مبكرا للحكاية الشعبية، مثل علي محمد عبده، ومحمد أحمد شهاب، في كتابيهما سالفي الذكر، وحمزة علي لقمان في كتابه ” أساطير من تاريخ اليمن”.
لقد حاول بعض من تصدوا بتواضع، لدراسة التراث الشعبي اليمني، أن يمروا سريعا على بعض أسباب ضعف عملية التوثيق أو التدوين تاريخيا- ولا بأس في ذلك – ومن هؤلاء، الأستاذ عبد الفتاح عبد الولي، حيث أشار إلى ( إن خلو النقوش واللقى الأثرية – المكتشفة – عن أي عمل فني حكائي، ربما يعود إلى أن اليمني القديم لم يكن مهتما أو متفرغا لتسجيل وتدوين فنونه في هذا الجانب، كما فعلت الكثير من شعوب الحضارة القديمة، نظرا لحالة الحـــــرب، وعـــدم الاستقرار الأمني والنفسي التي عاشها، فيما عدا فترات قصيرة استغلها في بناء المنشآت الزراعية ) ويشير في مكان آخر من الموضوع نفسه، إلى أن ظاهرة إهمال تدوين التراث أو الموروث الشعبي، ليست قاصرة على اليمني القديم فقط، بل أنها مكتسبة منه وتوارثتها الأجيال، مستعينا بما قاله المؤرخ اليمنـــي أبو العــــز مسلم اللحجي( ت 550هـ )، صاحب كتاب ” طبقات المطرفية ” من أن قلة الرغبة في أهل اليمن في إحياء ما يكون في بلادهم وأهلها من الأخبار والآثار، مؤكدا على أنه قد كان في اليمن من المحاسن الحسنة في أخبار الدنيا، في الجاهلية والإسلام، ونوادر العجائب التي قد دون أهل العراق والحجاز ومصر والشام وخراسان ما هو دونها ( 5 ) .
وأرى أن طرحا مثل هذا يجعلنا وجها لوجه أمام قضية هامة، يضعها الباحثون والدارسون لأي ظاهرة إنسانية – دائما – في الصدارة، وهو البعد التاريخي لهذه الظاهرة أو تلك وتأصيلها، وللتقريب أكثر من حيث وجود المثل أو النموذج أو التقليد، وتأثير ذلك على الحاضر .
* الدراسات الخاصة بالحكاية الشعبية :
يمكننا التحدث بالفم المليان عن غياب التراث الشعبي، من حيث التدوين والدراسة والبحث، من أجندة الرسمي ممثلا بالدولة، والشعبي كهيئات، ومؤسسات مجتمعية، وكذا من أجندة مبادرات الأفراد، والظاهرة الفريدة والمضيئة في هذا الجانب ما يقوم به ” بيت الموروث الشعبي ” على قلة إمكانياته المادية، لصاحبته المتألقة، الأديبة والباحثة الأستاذة أروى عبده عثمان .
وإن كنت أميل كثيرا لتحميل الدولة المسؤولية الأساسية في هذا الغياب أو التقصير في أحسن الحالات، باعتبار أن التصدي لموضــــــوع التراث الشعبي جمعا
وتدوينا وتصنيفا وبحثا ودراسة، عبئ كبير لا يستطيع سده إلا الدولة من خلال مؤسسات علمية متخصصـــــة، تمتلك الكثير مـــــن الإمكانيات المادية والتقنيـــــة،
وبكفاءات وقدرات علمية رفيعة، وهو ما أكدت عليه الاتفاقية الدولية لليونسكو التي وقعت عليها بلادنا.
هناك ثلاث ودراسات في مجال التراث الشعبي والحضاري – حسب الباحثة أروى عبده عثمان – ، أحداهما في صنعاء والأخرى في عدن، لم تظهرا للوجود حتى الآن، إلى جانب دراسة عن الحكايات الشعبية للباحثة نفسها، ستنشر قريبا، ودراسة أنثروبولوجية “التراث الشعبي وعلاقته بالتنمية ” للدكتور حمود العودي، فضلا عن كتابين في المجال ذاته للأستاذ عبد الله البردوني في هذا المجال ” فنون الدب الشعبي في اليمن ” و ” الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل ” وتجميعه لأقوال علي بن زايد مع مقدمة ضافية وإصدارها بكتاب .
وبين يدي مجموعة من الدراسات المتفرقة الجادة، لمجموعة من المهتمين بموضوع التراث الشعبي، يمكن أخذها – على ما بها من هنات – إلى جانب ما سبق ذكرها، وما لم يذكر، كنشاط بكر في هذا المجال، يفترض بنا أولا أن نجمع أشتاته ونوثقه، وهذا يتطلب وجود مؤسسة أو مركز متخصص، يشكل بوتقة لمجمل هذه الأعمال، ويقدم المساعدة العلمية والتقنية لأصحابها .. ومن الدراسات الجادة والهامة في الوقت نفسه في هذا الجانب :
1 – ” في التراث الشعبي اليمني ” كتاب ، حسين سالم باصديق ، إعداد وتوثيق مركز الدراسات والبحوث اليمنية – صنعاء ، يناير 1993م .
2 – ” القصة اليمنية ومنابعها الأصلية ” دراسة مهمة تحتوي على شروحات موجزة لقصص وحكايات شعبية، عبد الفتاح الحكيمي، مجلة الثقافة الجديدة – عدن، العدد التاسع، 1985م .
3 – ” الأساطير في تراث اليمن الثقافي ” دراسة تحتوي على قراءة لبعض الحكايات الشعبية، القرشي عبد الرحيم سلام ، مجلة ” الحكمـــــة ” مارس 1977م ، السنــــة السادسة ، العدد ( 58 ) .
4 – ” عـــن الحكاية والقصة فـــــي التراث – قصـــة الوعظ نموذجا” دراسة ، عبد الفتاح عبد الولي، مجلة ” الثقافة ” – صنعاء، السنة الرابعة، العدد ( 27 )، نوفمبر 1996م .
5 – ” الحدوثة والحكاية تراث له جذور في الأدب الشعبي اليمني “، موضوع قصير، جميل حاجب، مجلة ” الحكمة “، العدد ( 191 )، مايو 1992م .
6 – ” كيف نفهم الأدب الشعبي ” دراسة هامة، ركزت على بعض الحكايات الشعبية اليمنية، وما يشابهها في آداب الشعوب الأخرى، د . أحمد علي الهمداني، مجلة التواصل، تصدر عن نيابة الدراسات العليا والبحث العلمي، جامعة عدن ، العدد العاشر، يوليو 2003م .
7 – مزرعة القمر – أدب الأطفال : تخطيطات وقراءات, دفاتر أدبية،اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين،2003م ، وكان قد نشر في مجلة ” الحكمـــــــــة اليمانية “، عدد ( 126 ) أكتوبر 1985م .
8 – ” الموروثات الشعبية القصصية في الرواية اليمنية ” دراسة في التفاعل النصي، إبراهيم أبو طالب، إصدار وزارة الثقافة والسياحة، 2004م .
وهي دراسة تعمل على تتبع التأثر والتفاعل النصي بين الروايات – كعمل فني لاحق – وما تأثرت به من متفاعلات وموروثات قصية : أسطورية ودينية وشعبية.
إن التصدي لموضوع كهذا – الحكاية الشعبية بين التدوين والدراسة – أمر بحاجة إلى دراسة وافية وضافية، والخروج بتوصيات عملية، يمكن أن يضعها على عتبة المعالجة، ووضع الخطوة الأولى في الاتجاه العلمي لتدوين ودراسة مجمل التراث الشعبي اليمني .
* المــــــــراجـــــــــــع *
1 – السواح , فراس ( 1981 ) ” مغامرة العقل الأولى – دراسة في الأسطورة – سوريا وبلاد الرافدين ” سومر للدراسات والنشر والتوزيع , نيقوسيا – قبرص , الطبعة السادسة , ص 22 .
2 -عبد الولي، عبد الفتاح ” عـــن الحكاية والقصة فـــــي التراث – قصـــة الوعظ نموذجا” دراسة، مجلــــة ” الثقافــــــة ” ، وزارة الثقافــة والسياحــــة – صنعاء، السنة الرابعـــة، العدد ( 27 )، نوفمبر 1996م ، ص64 .
3 – انظر : عبد الحكيم، شوقي ( 1978 ) ” الفولكلور والأساطير العربية “، دار ابن خلدون – بيروت، الطبعة الأولى .
4- راجع : الغولي ، حسن أحمد ” مفهوم التراث الشعبي وأهميته ” مجلـــــة ” ثقافة الطفل ” المجلس الأعلـــــى للثقافــــــة – المركــز القومــــي لثقافة الطفل، مصر، المجلد 16 ، 1996، ص 23، 24 .
5 – عبد الولي ، عبد الفتاح ” عـــن الحكاية والقصة فـــــي التراث – قصـــة الوعظ نموذجا” دراسة ، ، مجلــــة ” الثقافــــــة ” ، وزارة الثقافــة والسياحة – صنعاء، السنة الرابعة، العدد ( 27 )، نوفمبر 1996م ، ص 61 – 62 .
الإخوة الأعزاء في الموقع المتميز ارنتروبوس..
تحية طيبة؛؛
أشكركم كثيرا على إعادة نشر مقالي “الحكاية الشعبية في اليمن بين الدراسة والتوثيق”.. متمنيا عيكم الإشارة إلى اسمي ككاتب للمقالة من باب الحق الفكري.. واثقا من حرصكم إلى ذلك.. وللتأكد من الاسم يمكنكم العودة إلى الموقع المقتبس منه.
وتقبلوا خالص مودتي.
الدكتور. عبد الرحمن عبد الخالق محمد