أمل صالح سعد راجح
لكل شعب من الشعوب تراث من الحكايات والقصص والاساطير، تمجد تاريخه البطولي وهزيمته للأعداء أو تتحدث عن الأرواح الشريرة والجنيات وقدراتها الخارقة. وعلى مدى التاريخ تزداد جاذبية هذه الحكايات للمتلقين الجدد، وقد يتم اعتبارها تراثًا حقيقيًا وليس مجرد اسطورة اختلط فيها الخيال بالواقع. “ولئن كانت الأساطير سردًا رمزيًا لحياة الشعوب، ودين الإنسان البدائي، فإنها لم تسلم من كونها مرجعًا خصبًا للخرافة، والملاحم والقصص البطولية، لانغماسها في العجائبي، واستغراقها في عالم الخوارق. إن الأسطورة تصور بعض الاحداث والشخصيات التي يعتبر وجودها حقيقة مسلما به، لكن حرفها او ضخمها الخيال الجمعي، والتقاليد الأدبية، والأعراف الراسخة”[1]. ولمدينة عدن مجموعة من الاساطير والحكايات، شكلت الجن مادة أساسية في قوامها، فهناك أساطير تروى عن جنيات البحر ومردته، وحكايات عن جنيات يجبن شوارع المدينة، وحاراتها ويكلمن سكانها. وأغلب الحكايات المتصلة بالجن كانت ترتبط بالصيادين، الذين كانوا يجوبون البحر ويشكل الصيد رزقهم وموردهم الاساسي، لذلك نسجت العديد من الاساطير كان ابطالها الجن أو بمعنى آخر في سبيل محاولة إرضاء هذه الكائنات نسجت العديد من الأساطير عن الجن وقوتهم الخارقة، يمكن مرد ذلك إلى:
– ضرورة تهدئة البحر الهائج ولن يتم ذلك إلى بإرضاء هذه الأرواح باعتبارها قوة خارقة تحمل في جنباتها الخير والشر.
– إرضاء هذه المخلوقات للحصول على صيد وفير ولن يتم ذلك إلا عن طريق تقديم النذور والتمور والحلوى؛ لكسب رضى الجان.
لأجل ذلك نسجت العديد من الاساطير عن هذه الأرواح وكأنها حقيقة ملموسة أمام الناس والصيادين. ومن أهم هذه الاساطير ما ذكره نجمي عبد الحميد عن الاساطير التي تتحدث عن الجن وخصوصا في مدينة البريقة قبل انشاء مصافي عدن، حيث كانت المنطقة عبارة عن سواحل وصخور وهضاب لم تعرف تحديث لذا انتشرت هذه الاساطير عن الجن وبكثرة وخصوصا لدى صيادي المنطقة ويذكر نجمي عبدالمجيد عن أساطير عدن وخرافاتها ، الجانب المجهول من هذا التاريخ أنه من المصادر الحديثة التي دونت بعض حكايات هذا التاريخ ما جاء في مجلة (المصافي) الصادرة عن شركة BP التي كانت تعرف باسم (عدن) العدد 2 عام 1960م ولم يذكر اسم كاتب المادة ولكنها قدمت معلومات مهمة عن حقبة من تاريخ البريقة قبل أن تتحول إلى منطقة صناعية في عام 1954م وقد جاء في هذه المادة التاريخية (أن شبه جزيرة عدن الصغرى تزخر بالحواديت والأساطير الشعبية.. وسكانها يستطيعون أن يرووا الكثير من هذه الحواديت والأساطير الغريبة وذلك في ما يخص الجن والعفاريت الذين يقال عنهم إنهم كانوا يسكنون في الصخور والهضبات الرملية في البريقة التي احتلتها الآن المصافي ومداخنها ووحداتها المختلفة .وتروى الاساطير أنه كان يجتمع في شهر سبتمبر من كل عام عدد كبير من الصيادين لشراء التمر لوضعه بالقرب من ولي الله الصالح احمد بن احمد عمر الزيلعي المعروف باسم “ الغدير” وبعد مضي أربعين يوماً يحمل التمر إلى جهة أمام جزيرة “ صليل” حيث يسكن – كما تقول الأساطير الجني الرئيسي في المنطقة ويعرف باسم “ صليل – الكبير” ثم تقسم كمية التمر إلى قسمين : قسم يؤخذ إلى الولي الصالح “ الغدير” وثلاثة من الجان التابعين له .. والقسم الأخر يؤخذ إلى ثلاثة آخرين من الجان الذين يسكنون في جبال عدن الصغرى.
وكان هناك أناس مخصصون يحملون هذه الكميات من التمر وكانت نفس هذه العملية تتكرر في شهر يونيو من كل عام. وبما أن الهدف من هذه الهدايا هو جعل الجن يفرحون.. فإن الصيادين يتوقعون مجيء السمك بكثرة.. أما إذا لم تفلح هذه الطريقة فإنهم يلجؤون إلى طريقة أخرى ألا وهي تحضير خروف احمر وذبحه بالقرب من مخبأ الجني المعروف باسم “ أبو قيامة” بجانب ولي الله الصالح “ الغدير” ثم يأخذون هذا الخروف والدم ينزف منه مع كمية من السكر والتمر والحلويات والبخور ويرمونه إلى البحر .وفي بعض الأحيان يذبح خروف ويرمى إلى عرض البحر مع بعض المأكولات وذلك بالقرب من جزيرة صليل .. والهدف هو الوصول إلى قلوب الجان ولكن إذا كان الجن لم يجلبوا السمك إلى قرب السواحل فان الصيادين يطبخون بطريقة سرية جداً خليطاً من الدقيق المطحون وزيت السمسم ويذهبون سراً بعد منتصف الليل إلى مكان يقطن فيه جني يدعي (الضربة) وذلك بالقرب من محطة الكهرباء التي تدار بزيت الديزل في الطريق إلى مستشفى المصافي في البريقة، ثم توضع الشباك على الأكل وبعد ذلك ينشر الأكل في أماكن مختلفة من المنطقة وجاءت المصافي لتغير وجه الصحراء إلى مدينة عامرة بالسكان، واختفت هذه الاساطير. هذا من جانب ومن جانب آخر ظهرت الجن أيضا في أساطير أخرى لا ترتبط بالصيد، وانما بدور الجن كقوة عظيمة في بناء المدن والصهاريج أو ككائن غير مرئي ينشر الرعب والخوف بمجرد سماع اسمه، من هذه الاساطير:
أسطورة مدينة خلاد الغارقة في البحر وحكاية الجن في بناءها
أنها مدينة أسطورية تحاكي مدينة عدن الحالية، ولكنها مدينة غارقة تحت سطح البحر، حيث ينسج الصيادون حكايات عن هذه المدينة الموشحة بالذهب والغارقة في أعماق ساحلهم ويعرفونها بمدينة خلاد، كما يحددون وقت ظهورها وذلك عندما يبلغ البحر ذروة هدوءه ويكتمل القمر ذروة وضوحه ليصبح بدرًا وخلال فترة الأيام من 13 إلى 17 من كل شهر هجري، يظهر بريقًا في أسفل البحر، قائلين بأنهم لم يتمكنوا من التعرف على مصدر ذلك البريق، وبنفس السياق فقد قال صيادون آخرون بأنه عندما تكون الشمس على مركزها في الساعة 12:00 ظهرًا من صباح كل يوم ، يرون أثر لوجود مدينة تحت الماء ولكنها ليست واضحة تمام ويتناقلون حكايات ماضية عن أجداهم بأنهم قد استخرجوا من تلك المدينة الأسطورية أكواب ذهبية وكنوز. ويذهب البعض من الرواة إلى الادعاء ان من بنى هذه المدينة هم الجن والذين يسكنونها ايضًا، وانهم يقذفون كل من يحاول ان يصيد السمك في جبل صيرة أو معاشق أو في جزيرة صغيرة تعرف باسم (أم الحجار) في التواهي على مر الازمان عند ساحل العشاق.
ويذهب الرواة إلى إضفاء اللمحات السحرية على اسطورتهم لتشد المتلقي وتجعله في دائرة سحرية من الدهشة وكأن المدينة ماثلة أمامه فتتراء له بكامل بنيانها وجمالها داخل البحر، وبالتالي تصبح الأسطورة من حكاية نسجت من واقع الخيال إلى حقيقة وارث ثقافي للمدينة تتناقله الأجيال على مدى تاريخها الطويل.
أسطورة الجنية (معجز)
تعد أسطورة الجنية معجز من ضمن الاساطير والحكايات الشعبية لأهل المدينة والقرى التي حولها وتختص مدينة البريقة بهذه الأسطورة حيث يتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، كما تستخدم أيضا هذه الحكاية لتخويف الأطفال عندما لا يذهبون للنوم وذلك باستدعاء معجز لمعاقبتهم.
وتنسج الاسطورة حكايتها بجنية مشهورة تسمى (معجز) فقد كانت يوماً ما تمشي على شاطئ الغدير وتمشط شعرها ثم رآها صياد وأسرها وربطها إلى شجرة شائكة قطعها بعده أربعة رجال، ولكن (معجز) قتلتهم ثم تنقلت في البريقة، ولإدخال البهجة إلى قلبها ليأمنوا شرها فقد ركز الصيادون جذعاً عليه علم جديد، ويقال إنها كانت تزور هذا الجذع من الشجرة في فترات مختلفة، وإذا مر أي إنسان بالقرب من جذع النخلة فإنه لا شك يشعر بالخوف والرهبة.
الجن وبناء الصهاريج
تعد الصهاريج من أهم الاثار الموجودة في مدينة عدن، حيث توجد بوادي يعرف بوادي الطويلة، وسبب بناء الصهاريج استخدامها كخزانات لتخزين مياه الامطار لاستخدامها للزراعة، وللشرب وكذا حماية المدينة من السيول التي تسبب دمارا كبيرا حين نزولها كل عام واختلفت المصادر التاريخية في تحديد الوقت الذي تم فيه بناء الصهاريج فلم يجد الدارسون والباحثون الأثريون أي سند أو نقوش أو دلالة تشير إلى تاريخ بنائها، ولكن القول الغالب أن بناءها مر بمراحل تاريخية متعددة كان أولها في القرن الخامس عشر قبل الميلاد في عهد مملكة سبأ. وكلمة (صهريج) لفظة مستعربة من اللغة الفارسية وتعني: حوض الماء.
وقد حفرت هذه الصهاريج بالوادي بين الجبال ولعظمة تشييدها حاول بعض العامة من سكان عدن وضع تفسيرات عديدة توضح من بنوا هذه الصهاريج ومن ضمن التفسيرات استحضار قوة خرافية وهي الجن حيث تروي الأسطورة، أن من حفر هذه الخزانات العملاقة هم الجن، وان كثير من المردة والجن والعفاريت تسكن الصهاريج، وان هناك جنية تخرج بعد منتصف الليل لتغوي اول رجل تصادفه وتطلب منه أن يوصلها إلى منزلها في (بركة عنبر)، وهناك من سكن منطقة الطويلة في عهود سابقة من تحدث عن أصوات غريبة تسمع في الصهاريج، وكذلك الطبل والمزمار، وعندما تسقط الأمطار على عدن وتصبح الصهاريج غارقة بالمياه، كان العديد من الشباب يذهبون إلى السباحة ويغرق بعضهم، فكانت العامة تظن أن الجن هم من يأخذون أرواح الشباب لأنهم تجاوزوا مكان (الحد) ومكان الحد في لهجة أهل عدن الفاصل بين مكان الإنسان والجن.
أسطورة قبور السبع البنات العذارى والجنية:
حيث تروي الأسطورة ان هناك جنية تظهر من منطقة المقابر وتنادي على بعض الرجال بأسمائهم مما يؤدي إلى خوفهم وهلعهم.
لقد شكلت الجن المادة الأساسية لمعظم الاساطير والحكايات المروية في مدينة عدن؛ إما للخوف منها باعتبارها قوة خارقة، أو لجلب الرزق، ولذا قامت المزارات ورفدت بالنذور والتمور لجلب رضى هذه المخلوقات، ورويدا رويدا اخذت هذه العادات في الاختفاء وبقت الحكايات والاساطير تشكل عبق وسحر المدينة.
المراجع
1- جوهرة القدس عكيه، المثيولوجيا العربية والإسلامية وتجليات الحدث المقدس، مجلة ابن خلدون للدراسات والأبحاث، المجلد الثاني، العدد الخامس،2022.
2- نجمي عبد المجيد، أساطير عدن وخرافاتها، الجانب المجهول من هذا التاريخ.
* أ. م. د أمل صالح سعد راجح – قسم علم الاجتماع – كلية الآداب – بجامعة عدن
تدوين الاساطير المرتبطة بالجنس والأساطير بشكل عام في عدن وغيرها من مناطق اليمن عمل رائع
تدوين الاساطير المرتبطة بالجن والأساطير بشكل عام في عدن وغيرها من مناطق اليمن عمل رائع