التفسير الأنثروبولوجي الثقافي لثقافة الأوباش
د. عزالدين دياب
علم الإنسان ” الأنثروبولوجيا ” هو العلم الذي جعل من الإنسان موضوعا له، أقصد نشأته وتكوينه. نشاطه الاجتماعي والثقافي. فنونه وآدابه وحضارته المادية .
وتفرع عن هذا العلم مجموعة كبيرة من العلوم الأنثروبولوجية _ علوم الإنسان _ بحيث غطت بالدرس والتحليل والتفسير كل ما يتعلق بالإنسان جسماً وذهنية وأنشطة. بدأت بالأنثروبولوجيا الطبيعية التي تدرس تكوين الإنسان ونشأته ومجالاته الجغرافية والتاريخية، ومرت بعلم الإنسان الاجتماعي، وعلم الإنسان السياسي والثقافي والنفسي..إلخ. وهناك امكانات مشروعه لنشوء علوم انثروبولوجية جديدة بتجدد نشاط الإنسان، ومعطيات العصر، وثوراته المعرفية.
ولماذا كل هذه الفروع،ولماذا هذا التعدد في موضوعات علم الإنسان ؟ لأن علم الإنسان نظرية وتطبيق،والبحث عن المعاني وتفسيرها.
والحق أن الأمم المتقدمة تتفرد بإنتاج العلوم التي تهتم بمعرفة الإنسان،أي معرفة شخصيتها، ورفاهها واندماجها الاجتماعي، وسويتها الأخلاقية والحضارية ، وتجدد عقدها الاجتماعي، والمحافظة على شرعيتها الاجتماعية والسياسية المقترنة بتطور ثقافتها،ورقي تطلعاتها . حيث إن لكل عصر رجاله وأجياله. ولكن في سياق مصلحة المجتمع، وممارسة دوه الحضاري.
تريد التوضيحات السابقة أن تقول إن الوطن العربي في سائر مستوياته المحلية والوطنية والقومية بحاجة إلى هذا العلم . أقصد علم الإنسان، من أجل أن يدرس نظرياً، وتطبيقياً، و حقلياً أوميدانياً حياة الإنسان العربي بكل تشعباتها وموضوعاتها،وأيضا من أجل أن يفسرثقافيا الظواهر التي تعينت في ضروب هذه الحياة،وأن يقول كلمته الأخيرة في الأسباب التي جعلت الوطن العربي يهرب إلى الخلف بمشاكله وتحدياته. بل قل معركة مستقبله،في أعقاب صعود قوى اجتماعية بعينها، وسيطرتها على السلطة السياسية،حيث لا رصيد لها إلا في خيراته، تنهبها وتسرف في استهلاكها، وتودع ما جنته بالفساد والتبعية في البنوك الأجنبية.
وهذه القوى تمعن في كل ما من شأنه تخريب المواطن العربي لأنه خصمها، وتهدف إلى إيذائه بأخلاقه وعلمه وتراثه، حتى تستريح على استقرار يتم بقوة السلاح والأمن. وتمضي في نهب المال العام لأنها خالية الوفاض من التقاليد الوطنية، والولاء والانتماء للوطن.
من أجل المضي في تفسير الظواهر الاجتماعية تفسيراً ثقافيا يساعد في تسليط الضوء على الظواهر المعتلة- على حد قول دركا يم – التي أشاعتها تلك الفئات، التي تستهدف على وجه الدقة حصانة الإنسان المتمثلة بوطنيته وعروبته وتراثه وأصالته وهويته، حتى إذا توفرت العوامل لأعداء الوطن،سارعت لاكتساحه واقتلاعه من جذوره . ونبش الأحقاد والولاءات الجهوية
والعشائرية، والمذهبية،والإثنية التي خلفتها عصور العسر التاريخي.
نقول من أجل أن يباشر التفسيرالثقافي مهامه في تسليط الضوء على الخلل الاجتماعي السياسي المتعين في أكثر من بلد عربي. اجتهدنا في اختيار ظاهرة بنائية- نسبة إلى البناء الاجتماعي-اعتقادا أن درسها وتحليلها وتفسيرها انثروبولوجيا يُحضرثقافة الفئات الحاكمة، ويسلط الضوء عليها ، ويضعها أمام الذاكرة العربية ، ويحولها إلى دائرة الوعي التي أخذت تغرب عن الذهنية العربية .
والظاهرة التي نحن بصدد درسها، ومن ثم تحليلها وتفسيرهاثقافيا، هي ” ثقافة الأوباش ” انطلاقاً من التأثير المتبادل بين الثقافة والإنسان، لأنَّ في خراب الثقافة خراب الإنسان وعمرانه.
ونستند في هذا الحكم إلى قاعدة ثقافية تحليلية تقول: إعطني ثقافة أمة ما، أقول لك على الفور من هي هذه الأمة.
والوبش من وجهة نظر التحليل الثقافي،هوالإنسان الذي يضخم أناه ويمده على مجتمه،فيرى كل مافيه من خلال هذا الأنا،ويقوم أحداثه ووقائعه اليومية من خلال شخصه ومصالحه.بل قل أنانيته التي تمثل له قوة الدفاع عن ذاته.كما يجعل من لبسه وهندامه،تقليدا يجب أن يحتذى.
والوبش في كل حالاته يعمل على نشر ثقافة الفساد وشراء الضمائر،وتسويغ وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب،وتوسيع مساحة الرشوة،ويُعمل تفكيره في معرفة نقاط الضعف في صديق له، ليكون عرابه في قبول العزيمة من قبل شخص عرف بماله المنهوب من المال العام،والحضورالدائم على موائده،وتسويغ هذا الحضور بمنطق اللذة،ومعاشرة أهل المال والسلطان.
وثقافة الأوباش ،أحد تعينات ثقافة الوبش‘مدعومة ومعززة بثقافة الكراهية والاحتقار،والخوف،والغرور،والتعالي على الناس،واستباحة حقوقهم،وحرمانهم من الفرص المستحقة لهم،وإيقاع الأذى بهم، وكل ما من شأنه النيل من كرامتهم وإذلالهم.
وثقافة الأوباش بما تستند إليه من تفرقة،وهبش المال العام،وحرمان المواطن من حريته وعدله الاجتماعي،والاحساس بوطنيته ومواطنيته،ليكون رهن أوامرهم،صاغرا لتعدياتهم،وتجاوزاتهم وظلمهم،فثقافة الأوباش ثقافة تقسيمية، تفرق ولاتجمع،تنشر الكراهية والحقد بين الناس لتكون في كل مرة عونا لهم في استغلال المجتمع ونهب خيراته،وتضليله حتى لايرى مصالحه،ويكف عن المطالبة بها،والدفاع عن حقوقه ومستحقاته.
وإذا بحثت عن الوبش تجده مهموما بمصالحه ومنافعه،يتحين الفرص بقدراته التنازل عن كرامته،وقدرته على تغيير لونه،والتماهي في شخصية هذا المسؤل أوذاك من أهل “حديثي النعمة”،وإذا سألته عن فعلته ووبشيته-إذا جاز هذا التعبير-أشهركل مايملك من قدرات وطاقات للدفاع عن فعلته وتسويغها.
والوبش من أهل الثقافة والفكر، دائما وأبدا من ركاب العربية الذهبية،والمناصب الرفيعة،المأخوذة بالنفاق,والقدرة على النط من فوق أقرانهم من أصحاب المواقف المبدئية،والكلمة المسؤلة.ومن أخذ عهدا على نفسه أن يدفع الغرم ويرفض الغنم كلما أراد وطنه ذلك.
وثقافة الأوباش،هي ثقافة الحرمان،والظلم الاجتماعي،وعدم الاعتراف بالآخر،وهي بالتالي الثقافة المولدة للعنف،والعنف المضاد والخوف.فإذا بحثت عن مفرداتها وجدتها في شخصيات الأوباش،ومن في معيتهم،وفي أقوالهم ،وأفعالهم،وفي سلوكهم الاجتماعي الذي يغطونه بأوراق التوت.
والمعروف أن ثقافة الأوباش موجودة ومنتشره في مجتمعات الاستبداد،الفاقدة لشرعيتها المدنية والأخلاقية،والإنسانية،والأنظمة التي تشرع الفساد،والقتل بدم بارد،واحتكار الفرص لصالح شطارها وزعارها،وأتباعها،وكل ما من شأنه معاداة الإرادة الشعبية المسلحة بثقافة الاعتراف بالآخر،وحقوق الإنسان.
قال لي صديقي لماذا أعدت الكتابة عن الوبش وثقافتهم،وعن الشطار الزعار من ركاب العربة الذهبية،وأنت الذي كتبت عن أنشروبولوجيا الشطارة،وأنثروبولجيا النطوطة،وحاضرت فيها منبها لمخاطرها في حياتنا العربية؟وأجبته .. ذكرني بذلك أحد الأوباش والشطار الزعار من ركاب العربية الذهبية،الذي يتباها بنطوطته،وثرثرته بالحكم والأقوال المأثورة، وشطارته على طريقة دليلة وعلي الزيبق، ومن لف لفهما، ممن يمتهنون الكذب والنفاق وتمسيح الجوخ ، وتقبيل أيادي حديثي النعمة المسروقة من المال العام.وسألت صديقي أتدري ماهو ثمن الشطارة والنطوطة.
أجاب: الكرامة أولا.
المصدر: http://goo.gl/Nbzvlj
جميل جدا…انا طالب علم اجتماع من طلبة الدكتور عز الدين دياب بجامعة دمشق انتقلت الى فرنسا و فقدت الاتصال بدكتور عز الدين ارجو ممن يعرفون عنه أي معلومة او وسيلة اتصال أيميل او رقم هاتف…ان يساعدني بتواصل معي عبر الفيسبوك على اسم
Fadi al.rshed
ايميل جمايل:
Fade.alrshed@gmail.com
هاتف واتسآب
0033751227971
جميل جدا! ما أحوجنا نحن العرب لهذه الجرأة في طرح القضايا. شكراً.