سعيدي محمد*
الجزء الثاني
و يأتي بعد الفضاء المقدس كمصدر للتسمية فضاء العائلة حيث أن تخليد اسم الجد ظل ضرورة عائلية ملحة، حيث لا تتريث العائلة في إعادة إحياء اسم الجد عنوانا و اعترافا بالأصالة العائلية. فكان لاسم الجد حضور كبير. ثم يليه اسم العم الذي مات حيث يبقى لزاما على الأخ تخليد اسم أخيه. و لا يقتصر دور التخليد إلا على الجد أو العم. فقد يشع ليشمل اسم الجار الذي مات و بالتالي أصبح لزاما على الجيران تخليد اسم جارهم الذي كانت تربطهم به و بعائلته علاقة ود و محبة. فالجار عضو في العائلة مهما اختلفت العائلات كما أن على الأب أحيانا حق وواجب تخليد اسم صديقه.
إن تخليد اسم الجد، عملية تكاد تكون قيمة ثابتة في العائلات العربية و خاصة في تسمية المولود الذكر الأول الذي “يأخذ اسم جده حفاظا لذكره في العائلة. وهذه قاعدة متبعة قل من يسد عنها… حتى أنهم يعيبون الرجل الذي لا يسمي ابنه على اسم جده و يتهمونه بالتمدن الزائف. و يسمون هذا التمدن “فرنجة” [11].
و لعل ما يثر الانتباه في هذه الظاهرة المتمثلة في تخليد اسم الجد أنها تكشف عن دلالتين اثنتين.
الأولى : أن تخليد اسم الجد يترجم أصالة الانتماء العائلي و بالتالي فسلطة الجد حاضرة حتى و لو كانت على المستوى الرمزي.
الدلالة الثانية : خوف الأب من لوم الآخرين له باعتباره لم يخلد اسم أبيه واسم أصالته و انتماءه العائلي. ثم يلي بعد تخليد اسم الأب. اسم العم، ثم اسم الجار أو الصديق.
و لعل ما يثير الانتباه، هو عدم تخليد اسم أب، الأم – الزوجة، أو اسم الخال، أخ الأم-الزوجة، حيث لم نجد طفلا يحمل اسم خاله.
و لغياب أسماء عائلة الأم – الزوجة، ما يبررها على مستوى طبيعة المنظومة العائلية الأبوية البطريكية التي ظلت إشعاعاتها الروحية و الفلسفية مستمرة وحية في العائلة المحلية، حيث لا يزال النظام العائلي المحلي بطريكي شكلا و مضمونا يرفض أية مساومة مع النظام الأموسي الذي ليس له أي وجود شرعي حسب الاعتقاد السائد.
إن إحياء اسم الجد (أب الأم) أو اسم الخال (أخ الأم) يعتبر عيبا و ضعفا من قبل الأب الذي يسمى أبناءه بأسماء أي واحد من عائلة الزوجة. حيث أنه يفضل إحياء و تخليد اسم جاره أو أحد أصدقاءه أو أي اسم آخر عن تخليد اسم صهره.
و في هذا الصدد نشير إلى أن الظاهرة الاسمية في حالتها الاجتماعية و الثقافية تبرز نفس بنيات القرابة الأبوية و الأموسية التي يكشف عنها النظام العائلي التقليدي المحلي حيث يعبر عن نفس الطرح العقائدي و الإيديولوجي القائم على نظام المعاملة بين النظام الأبوي و النظام الأموسي و طبيعة مسعى الفكر الشعبي المحلي على إبراز النظام الأول و ترسيخ فلسفته الاجتماعية و العقائدية وتخليد رموزه و مآثره و شخصياته و احتقار النظام الثاني و العمل على إقصاءه و نفيه والتنكر له.
إن نظام التسمية في نطاق الأسرة التقليدية المحلية نظام موسوم بالأبوية حيث يفضل اسم الجد (أب الأب)، اسم العم، اسم الأخ، اسم ابن العم، اسم الصديق، اسم الجار على حساب اسم الجد (أب الأم) و اسم الخال و اسم كل ماله صلة بعائلة الأم الأصلية.
كما كان لعاملي التاريخ و السياسة بعض الآثار في توجيه العائلة نحو اختيار بعض الأسماء و خاصة في المرحلة الأولى من الاستقلال حيث أحس بعض الأباء بنوع من المسؤولية التاريخية من اجل تخليد أسماء بعض الرفاق الذين استشهدوا أيام الثورة و ذلك لا لشيء إلا من أجل الإعلان عن الوفاء للعهد الثوري و الانتماء الشرعي له.
و لعل ما يثير الانتباه في هذا العدد، أن فعل التسمية المحلية تعدى الحدود الجغرافية ليحاور ثقافات و عوالم سياسية و تاريخية من فضاءات جغرافية عربية. فكان لاسم عبد الناصر حضورا قويا و مكثفا، تخليدا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر. كما كان أيضا نفس الحضور لاسم فيصل تخليدا للملك فيصل بن عبد العزيز، شخصيتان تركتا أثارا عميقة في الذات الشعبية الجزائرية المحلية.
كما شكل عالم الفن و الثقافة مرجعا أساسيا للعائلة من أجل اختيار بعض الأسماء. فكان للمسلسلات تأثير كبير في توجيه الحركة الاسمية. حيث تأثرت بعض العائلات ببعض الشخصيات الفنية سواء في مجال الأغنية أو في مجال التمثيل حيث كان الإعجاب الكبير بهذه الشخصيات إلى درجة تخليدها على مستوى الذات العائلية التي لم تتريت في اختيار أسماءها من هذا العالم فنجد الأسماء التالية :
– فريد نسبة إلى فريد الأطرش
– عبد الحليم نسبة إلى عبد الحليم حافظ
– أنوار نسبة إلى أنوار المغني الشاب التلمساني
– راغب نسبة إلى راغب علامة
كما نجد أسماء مستمدة من بعض المسلسلات المصرية مثل : جلال – أيوب – شوقي – طه – حكمت – شئت – عصمت…
لقد أوحت بعض المناسبات و الأعياد مادة حية لاختيار أسماء الأطفال الذين يصادف يوم ميلادهم هذه الأعياد. حيث وجدنا بعض الأسماء و التي يفسر الأباء أنها لم تختر و إنما جاءت مع المناسبة بطريقة طبيعية.
صادفت الأسماء التالية :
رمضان : لأن هذا الطفل الذي يحمل هذا الاسم ولد في اليوم الأول من شهر رمضان
العيد : طفلان يحملان هذا الاسم لأن ميلادهما صادف يوم العيد.
عاشور : لأن هذا الطفل الذي يحمل هذا الاسم صادف يوم ميلاده يوم عاشوراء.
يذكرنا هذا السلوك في تسمية الأطفال حسب المناسبات بالسلوك نفسه عند البدو الطوارق حيث يقول عنهم د. محمد السويدي في هذا الموضوع بالذات “أما الأسماء التي تطلق على الأطفال فهي متنوعة جدا و غريبة في الوقت نفسه. إذ يرى الأنثروبولوجي الفرنسي هونري لوت H. Lote، أن عادات الطوارق في تسمية الأطفال شبه عادات الهنود الحمر الذين يعتقدون في كثير من المظاهر و الحوادث الطبيعية التي ترافق ازدياد المولود”[12].
صاحبت عملية اختيار الاسم للمولود الجديد ثقافة خاصة و مميزة و كذا ممارسات اجتماعية و عقائدية متعددة في أصول ماهيتها و في أطروحاتها و خاصة في تلك المتعلقة بصاحب الاختيار و سلطته العائلية و في مرجعيته.
و شاع أن عملية الاختيار تعود شرعا و عرفا و ثقافة إلى الجد حيث له الشرعية و السلطة المطلقتين في اختيار الاسم الذي يبدو مناسبا و منسجما مع انتماء العائلة الاجتماعي و الثقافي و العقائدي. لأن الاسم مهما كان وقعه و طبيعته. فهو عنوان انتماء العائلة و بالتالي لا بد من مراعاة المعطيات و المعالم الاجتماعية و الثقافية و العقائدية بصورة دقيقة و محكمة. فالاسم ليس خاصا بالشخص الذي يحمله فقط و إنما هو ملكية جماعية اجتماعية ثقافية عقائدية تاريخية، فهو كذلك و ليس لحامله أية مسؤولية في ذلك، لأنه لم يختر اسمه و لم يستشار في ذلك. و قد ينوب عن الجد في حالة غيابه الأب الذي هو الآخر مطالب بمراعاة نفس الشروط و المعالم الأساسية التي تحدد انتماء العائلة.
يشارك في عملية اختيار الاسم للمولود بعض الشخصيات الغريبة عن العائلة تربطها بها علاقة صداقة، جورة، مذهبية، كأن يكون صاحب الاقتراح صديق العائلة أو جار للعائلة أو إمام المسجد الذي قد يصله خبر الولادة فيفرح و يشارك العائلة إن الذي أثار انتباهنا هو غياب صوت الأم أو المرأة في عملية اختيار الاسم للمولود أو يسمع لاقتراحه.
إن عملية اختيار الاسم لم تمر بصمت و لم يستسلم كل أعضاء العائلة أحيانا لسلطة الجد أو الأب حيث يبدي الآخرون رغبتهم في المشاركة و في اقتراح بعض الأسماء. فَيَيْنَ فإن بين إصرار سلطة الجد أو الأب و رغبة الآخرين في المشاركة علاقة صراع و رفض. فكل واحد يريد فرض اسمه المختار، لأن وراء هذا الاسم خطاب ثقافي، اجتماعي، عقائدي، إيديولوجي، يريد صاحب الاختيار تمريره و إشاعته في أحضان عائلته و محيطه.
فليس الاختلاف في حقيقة الأمر حول هذا الاسم أو ذاك الاسم و إنما فيما قد يثيره الاسم من مرجعية و من مواقف مختلفة. لأن الاسم هو أولا و قبل كل شيء خطاب و موقف ونية إيديولوجية عقائدية ثقافية.
و قد يشتد الصراع بين الأطراف حول أحقية و شرعية الاختيار إلى درجة درامية. و أمام تمسك كل واحد برأيه و موقفه، يفتح المجال إلى تقبل الاقتراحين أو الثلاثة في بوتقة اسمية واحدة مركبة، فيحمل المولود اسما مركبا من اسمين أو ثلاثة بدون حرج إلا حرج إرضاء الأطراف المتصارعة.
و لعل هذا التفسير هو الأكثر شيوعا في الإجابة عن سبب ظهور الأسماء المركبة مثل :
– عبد القادر محمد يزيد
– اسلام سيد أحمد
– محمد فتح الله
و ما يثير الانتباه في الأسماء المركبة أن فضاءها اللغوي و البلاغي و الرمزي غير مستقر حيث تسودها فوضى و تفقدها انسجامها الشعري و الشاعري. كأن يجمع أسماء لا تنمي إلى نفس الدائرة الإيقاعية و الدلالية و بالتالي يحس المستمع ثقلا وتعسفا في العلاقة الموحدة بين هذه الأسماء المشكلة للاسم الواحد مثل : عبد القادر محمد فؤاد و مهما يكن من أمر، فإن الطفل قد لا يعرف بكل هذه الأسماء، و إنما يشاع واحد منها و ينادى به من قبل الآخرين.
أن يحب كل إنسان اسمه، أمر طبيعي و عادي و بعيدا عن كل نرجسية، أما أن يكره الإنسان اسمه ساخطا على من اختياره له و كيف تم هذا الاختيار و ماهو مغزاة و ماهي مرجعيته فذلك أمر غير طبيعي و موطن تساؤلات عجيبة و غريبة. حيث أننا صادفنا بعض الأشخاص الثائرين على أسماءهم و ذلك وراء اعتبارات و مبررات مختلفة بعضها ديني عقائدي و البعض الأخر اجتماعي ثقافي كما يظهر من خلال مساءلتنا للنماذج التالية :
1- عبد النبي : شاب، يبلغ من العمر ستة و عشرين سنة، يرغب في تغيير اسمه الذي عرضه لانتقادات كثيرة من قبل بعض من يدعون المعرفة الدينية حيث يعتبرون أن لفظة “عبد” لا تكون مقترنة إلا بأسماء الله الحسنى. و أن العبادة لله وحده لا شريك له ليست للنبي الذي هو إلا بشر مثل سائر البشر. فأمام ثقل الانتقادات و كثرة التدخلات التفسيرية و الملاحظات و التساؤلات التي تتهاطل عليه من قبل الفضوليين، اقتنع بأن اسمه خطأ و أحيانا يحس به و كأنه كفر و شرك بالله. حيث لا يتريث في صب غضبه و لومه للذين اختاروا له هذا الاسم.
2- عواد : شاب يبلغ من العمر ثلاثة و ثلاثين سنة، ينفر من اسمه لا لشيء إلا لأنه يتقاطع من حيث بنية لغته مع كلمة فاحشة سيئة “قواد” التي كثيرا ما ينعت بها من قبل الآخرين مداعبة أحيانا و سخرية احتقارا أحيانا أخرى.
تذكرنا هذه الظاهرة ببعض مآثر الثقافة العربية القديمة التي كانت تقدس الاسم و تعمل جاهدة على حسن الاختيار مراعاة كل الإلتباسات اللغوية و الاجتماعية و الثقافية التي قد تحدث نتيجة تشابه البينات اللغوية من جهة و نتيجة بعض أخطاء النطق أو أخطاء سواء السماع. كل هذا قد يؤثر سلبا على سلامة الاسم الحقيقي الذي قد ينحرف انحرافا شكليا و دلاليا مزعزعا الطابع الروحي و الجمالي للاسم ذاته. لقد كان العربي قديما لا يسمى ابنه حتى يستشر أهل الحكمة و اللغة والأدب و ذلك تفاديا من الوقوع في الانحرافات أو في ما قد يؤدي إليها.
و لعل ما قد يميز فضاء الاسم على المستوى العائلي التلمساني أنه يميل كثيرا للتصغير diminutif. الأمر الذي يؤثر سلبا على سلامة البنية اللغوية و الدلالية للاسم في حد ذاته حيث تحولت الأسماء التالية للصيغ جديدة.
بومدين Ñ ديدن
غوتي Ñ تيتي
محمد Ñ حمي
هبري Ñ بابي
عبد العزيز Ñ زيزي
لقد اقترن هذا التصغير بهؤلاء الأشخاص في مرحلة الرضاعة أو الطفولة، و في أغلب الأحيان كان مصدرها الأم أو الأخت أو الخالة اللواتي لم تكن تقصدن التصغير من أجل التصغير و إنما هي صورة من صور المحبة و الإعجاب و التدلل والتحذلق.
بعد هذا الطرح الوصفي للأسماء سوف نحاول تحديد تصور عن العلاقة الجوهرية القائمة بين الاسم و المرجعية العقائدية و الاجتماعية و الثقافية و التاريخية، و قد تحكمت في سيرورة هذه العلاقة بعض المقولات المحركة لكل الأنشطة البشرية الاجتماعية الجماعية و التي لخصها العالم الاجتماعي و الفيلسوف لوسيان كولدمان في المحطات الثلاثة : الذات الجماعية، الوعي الجماعي و رؤية العالم [13].
و من هذا المنطلق المعرفي و المنهجي، إننا نعتقد أن الاسم كإيداع لغوي دلالي لا يمكن له أن يخرج عن دائرة الإطار الاجتماعي الذي ابدعه و الذي ألهمه الكينونة وحمله رؤية جماعية للأشياء. فليس الاسم خطابا لغويا شكليا فارغا الدلالة و مستقل عن مرجعيته، فهو بنية دلالية توليدية و موحية لدلالات أخرى في نفس الوقت. و بالتالي مهما كان الوقع اللغوي و الرمزي الذي قد يحدثه الاسم فهو ليس إلا محاولة لاعطاء أو لصياغة إجابة معرفية لوضعية معطاة تبحث عن تحقيق نوع من التوازن بين فاعل الاسم و الشخص الذي يقع عليه فعل الاسم او حامله سواء على المستوى الواعي الإرادي الجلي أو على المستوى غير الواعي الخفي و الضمني. فالاسم يتحرك على مستويات دلالية مختلفة و بصورة فجائية و سريعة بدون مقدمات و بحرية مطلقة و من هذا المنطلق يتحتم علينا مساءلته بطريقة حذرة ودقيقة كما يقول ر.بارت “Roland Barthes” :
« Un nom propre doit être toujours interrogé soigneusement, car le nom propre est, si l’on peut dire le prince des signifiants, ses connotations sont riches, sociales et symboliques »[14].
إن دلائلية الاسم في مجال التخاطي الإتصالي الاجتماعي الجماعي المحدد والمعروف، تتم على حسب مرجعية عقائدية اجتماعية ثقافية تاريخية جمالية متواضع عليها مسبقا. إن هذه الحركة الدلالية الشاملة و المتعددة الروافد تفسر الوعي الجماعي و رؤية العالم التي حددت الاسم وفق قانون خاص و مميز ساهمت في بلورته مجموعة من المعطيات البشرية، الثقافية الاجتماعية الدينية الإيديولوجية والتاريخية و الجغرافية. إن تفسير الاسم و تأويل دلالته لا يخرجان عن السياق والإطار المرجعي الذي وجد فيه و الذي ألهمه الحياة و الكينونة و الاستمرارية. وبالتالي يصبح الاسم لغة، نصا أدبيا، وثيقة اجتماعية، ثقافية، خطابا تاريخيا أيديولوجبا، صورة فنية ثقافية جمالية، فالاسم هو كل هذا بصورة مفتوحة فهو ليس نظاما لغويا مغلقا، و لا يعكس نفسه فقط.
فهو ترجمان صادق وحي لثقافة المجتمع، و لعقيدته و لايديولوجية أفراده، وبالتالي فإن دلائلية الاسم مهما كانت بنيته ليست مستقلة لذاتها و ليست مستقلة عن خارجها، فالاسم ليس له وجود عيني إلا بفضل مرجعيته التي ألهمته المادة والميلاد و الحركة ضمن بنيات اجتماعية و ثقافية محلية و التي ساهمت في توجيهه توجيها اتصاليا تواصليا حيث يصبح صوتا ثقافيا و اجتماعيا، و رسالة يتجول بها عبر الأزمنة و الأمكنة، يحملها طول حياته الشخص المسمى بهذا الاسم و حتى بعد مماته تبقى علامة مسجلة على قبره.
فالاسم لا يتقاطع مع هذه المرجعية متعددة الروافد فحسب، بل يكشف دلالاتها بمستويات لغوية و بلاغية أيضا فهو في حركة دلالية توليدية ديناميكية تفاعليه مع المخزون الذاكراتي الشعبي المحلي و ما يحتويه من محطات معرفية و ثقافية وفق فانون التناص الثقافي حيث تفاعلت فيه و معه اللغة، الأدب، الدين، الفن، الجمال، الاجتماع الثقافة، التاريخ و الأيديولوجية، تفاعلا تعبيريا. فالاسم تعبير، والتعبير غاية مقصودة و غاية كافية و غاية لا يعيبها أن تنفصل عن سائر الغايات [15].
لقد اكتسبت هذه المرجعية متعددة الروافد و التقاطعات الاسم حركة تناصية قوية حيث تحاور مع الدين، و تحاور مع الفن، كما تحاور مع التاريخ و السياسة، تحاور مع هذه المعارف حوارا بناءا توليديا، حيث تربطه بها روابط عضوية أساسية و محددة لطبيعته غير مستقلة عن خارجه. فهو “ليس شيئية أو تشيؤ ذاتي. و ليس له خصوصية أو فرادة خاصة به، و ليس… حاملا معنى مقنن تفرزه اللغة فيه، فكل شيء رهن اللحظة التي تتحول إلى لحظات متناسخة، على حسب حالة الاستجابة من ذات إلى ذات، و من ثم… فهو يتشكل على مدى زاوية النظر إليه وعلى حسب رؤية الناظر إليه[16]“.
فالاسم هو بنية تناصية و بالتالي فإن التناصات التي طبعت سيروته ليست تجمعات مجانية، و ليست أيضا مجرد تداعيات قمرية من سلطة الذاكرة الشعبية المحلية، و إنما لها أثرها و تأثيرها في توجهات قراءة مساره اللغوي و الأدبي والبلاغي و الاجتماعي و الثقافي و التاريخي و الأيديولوجي، فهي “تفرز في تعدد القراءات ما يتجاوز أحادية اللغة و الفكر و التأويل، و من هنا فإن السمة الفارقة للنص المتناص أنه يتيح بفاعلية القراءة تزامن البنيات مهما تختلف مسافاتها الزمنية و ذلك من خلال التواليات و الدالات و التي تنفتح على تاريخية زمنية ومزمنة أيضا و كأنها بذلك. اختزال لخطاطة التشكيل الأدبي مما يتيح فضاءات تاويلية، وكأن الملفوظات المتعددة في خطابات نصوص أخرى تتحول في النص المتناص إلى ملحوظ يجمع الكل في واحد”[17].
الــمــراجـــع
1. د. بدران، ابراهيم و د الخماش، سلوى.- دراسات في العقلية العربية.- بيروت، الخرافة – دار الحقيقة، 1988.
2. د. عبد رجاء .- القول الشعري.- منظورات معاصرة، ط. منشأة المعارف بالاسكندرية، 1997.
3. العقاد، عباس محمود.- يسألونك.- مطبعة مصر، 1964.
4. سعيدي، محمد.- ظاهرة زيارة الأولياء و الأضرحة بمنطقة تلمسان و أبعادها الاجتماعية و الثقافية.- مطبعة CRASC، 1996.
5. د.السويدي، محمد.- بدو الطوارق بين الثبات و التغير دراسة سوسيو أنثروبولوجية في التغيير الاجتماعي.- الجزائر، ط. المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986.
6. BERQUE, Jacques : Structures sociales du haut–atlas, Ed. PUF, 1955.
7. CHEBEL, Malek : L’imaginaire arabo-musulman, Ed. PUF, 1993.
8. CHERIGUEN : Toponymie algérienne des lieux habités. Dar El Djihad, Alger, 1993.
9. COLONNA, Fanny : Savants paysants. Eléments d’histoire sociale pour l’Algérie, OPU Alger.
10. GOLDMANN, Lucien : Pour une sociologie du roman. Ed. Gallimard 1964.
11. LEVI STRAUSS, Claude : La pensée sauvage, Paris, 1962.
L’identité.- Paris, 1977
La structuré élémentaire de la parenté.- Bris, 1949.
12. Sémiotique narrative et textuelle.- ouvrage collectif, Ed. Larousse, 1973.
13 LUBLET, Jacqueline.- Le voile du nom, Essai sur le nom propre arabe.- Ed. PUF, 1991.
الهوامش
* أستاذ بقسم الثقافة الشعبية – جامعة تلمسان –
[11] . فرنجة، أنيس.- حضارة في طريق الزوال.- بيروت، ط. الجامعة الأمريكية، 1957.- ص.177.
[12] . د. السويدي، محمد.- بد و الطوارق بين الثبات و التغير المؤسسة الوطنية للكتاب.- الجزائر، 1986.- ص.102.
.[13] GOLDMANN, Lucien.- Pour une sociologie du roman.- Ed Gallimard, 1964.
[14] . BARTHES, Roland.- in sémiotique narrative et textuelle.- El. Larousse, 1973.- p.34.
[15] . العقاد، عباس محمود.- يسألونك.- مطبعة مصر، 1964.- ص.177.
[16] . د. الشعري، رجاء عبد القول.- منظورات معاصرة.- منشأة المعارف بالاسكندرية، 1997.- ص.226.
[17] . رجاء عبد .- م.س.- ص.227.
كتاب حول صفات الجزائري