سحر زاهر
مقدمة :
الاتجاه المعرفي يدرس ما “يتصوره الناس طريقة تفكيرهم وأسلوب إدراكهم للأشياء والمبادئ التي تكمن وراء هذا التفكير والتصور والإدراك وهو احد الاتجاهات التي ظهرت كمحاولة نقدية للنظرية الوظيفية في الأنثروبولوجيا
·يرى مارك وايتيكر أنه لابد من التمييز بين (3) أنواع من النسبية الأنثروبولوجية هي :
1.النسبية الثقافية الكلاسيكية :- وهي تحتوي على فكرتين أساسيتين هما :
أ-أن الاختلافات السلوكية بين الجماعات هي في أساسها نتيجة للاختلافات الثقافية أكثر من أي شيء آخر
ب-أن تلك الاختلافات الثقافية تستحق الاحترام والدراسة والنظر إليها في ضوء مصطلحاتها وهذا الشكل يرفض فكرة العموميات و تفوق ثقافة على أخرى .
2.النسبية الأخلاقية :- تؤكد أن فكرة إصدار أحكام أخلاقية عامة على الثقافات تعد فكرة غير منطقية وغير عادلة لأن القيم نتيجة للتاريخ التطوري لثقافة ما ، وعلى ذلك لا وجود لحقائق أو قيم مطلقة لأنها محددة ثقافيا .
3. النسبية المعرفية : – تؤكد أن أنساق المعرفة التي تتميز بها الثقافات المختلفة هي أنساق لا قياسية غير قابلة للمقارنة أو الترجمة ، فهي كلية ومنفردة ، وبهذا يصبح التعميم مستحيل .
·يحدد سبيرو أحد نقاد النسبية الثقافية المعاصرة العديدين ثلاثة أنماط النسبية الوصفية والمعيارية والابستمولوجية منها:-
1- النسبية الوصفية:- وتقوم على حقيقة هي أن الثقافات تختلف عن بعضها وبدرجات متباينة من الحماسة والتعصب كان الأنثربولوجيون منذ نهاية القرن التاسع عشر ومازالوا “حتميين ثقافيين” أو يعتنقون مذهب “الحتمية الثقافية” يقررون أن الثقافة تنظم الطرق التي يدرك البشر العالم بواسطتها وكانت النتيجة الطبيعية لذلك أن يفرز التغير والتباين الثقافي إدراكات أو تصورات اجتماعية وسيكولوجية تختلف باختلاف الشعوب يطلق علي هذا الموقف مصطلح النسبية الوصفية وذلك مقبولاً من مدارس الأنثروبولوجيا كافة .
2- النسبية المعيارية:- نظراً لأن الثقافات تصدر أحكاماً تؤكد علي بعضها البعض بحسب معاييرها الداخلية فإنه ليس هناك معايير عامة للحكم فيما بين الثقافات.
والنسبية المعيارية:- لها شكلين هما:-
أ- النسبية المعرفية. ب- النسبية الأخلاقية.
تتعلق النسبية المعرفية بالافتراضات الوصفية كافتراض أن موسيقي البوب تسبب آلام وتتصل النسبية الأخلاقية بالافتراضات التقييمية كافتراض “أن الأحكام الجمالية والأخلاقية يتعين تقييمها وتقديرها بمصطلحات القيم الثقافية الخاصة المحلية لا بلغة القيم الثقافية العامة أو عن طريق مصطلحات اجتماعية وسيكولوجية يتعين أيضاً الحكم علي كل من السلوك الملائم وعمليات التفكير (العقلانية- العمليات العقلية) وفقاً للقيم الثقافية .
3- النسبية الايستمولوجية:- تتخذ النسبية الايستمولوجية من الشكل الأكثر تطرفاً من النسبية الوصفية منطلقاً لها. وتجمع بين موقف حتمي ثقافي هو أن التنوع الثقافي لا محدود من الناحية الواقعية ومن الضروري هنا التمييز بين الحتمية الثقافية العامة أو الشاملة والحتمية الثقافية الخاصة:
أ- الحتمية الثقافية العامة أو الشاملة: ( تؤكد أن هناك نمطاً ثقافياً عاماً إنساني بصورة تتنوع بداخله الثقافات – المقصود هنا “الوحدة النفسية” للجنس البشري)
ب- الحتمية الثقافية الخاصة تنكر وجود هذا النمط) .
ويعتنق أصحاب النسبية الابستمولوجية مبدأ الحتمية الثقافية الخاصة ويؤكدان أن الطبيعة الإنسانية والعقل البشري متغاير ثقافياً وبناء عليه يزعمون أن التعميمات بشأن الثقافة والنظريات العامة في الثقافة زائفة ومغلوطة.
نظرية النسبية:
فرانز بواس وظهور النسبية الثقافية:
ظهرت النسبية الثقافية الكلاسيكية في أعمال فرانز وتلامذته وهو ينمي إلي النسبية الوصفية خلال النصف الأول من القرن العشرين (النموذج الإرشادي) الغالب في الأنثروبولوجيا الأمريكية وقد أكد بعض أنصارها وشيعتها (بمن فيهم بواس نفسه) علي ثراء الثقافات التي عادة ما اعتبرت في ذلك الوقت ثقافات “بدائية”.
واستخدم العديد من العلماء الأيديولوجيا النسبية للبرهنة علي معاداتهم للتميز العنصري (النظرية العرقية) السامية والتعصب القومي بينما طور آخرون أفكارهم وتصوراتهم عن طريق دراسة العلاقة بين اللغة والثقافة مازال آخرون يطورون أفكارهم عن طريق دراسة المظاهر أو الجوانب السيكولوجية للثقافة.
ولد فرانز بواس في ألمانيا في العام 1858 وأهم أفكاره ما يلي :
1.رفض النظرية التطورية علي أساس أن مهمة الأنثروبولوجيين اكتساب خبرة مباشرة في ثقافات أخري وليس تكوين صياغة تخمينات وافتراضات عن ماضي تلك الثقافات
2.رفض فكرة التفوق السلالي والثقافي داخل الكتابات التطورية وقاوم تأكيد الأثنوجرافيين علي أن يجرون دراساتهم الحقلية للغة المحلية (الأصلية) بواسطة استعمال هذه اللغة ويحصلون بذلك علي النظرة الداخلية للثقافية قيد الدراسة.
3.ومن أشهر كتابات بواس “عقلية الإنسان البدائي تطورياً وجنسوياً (يرتكز علي التمييز بين الذكور والإناث)” قصد معارضة التمييز العنصري في أمريكا والعالم وأكد أن “السلالة البيضاء” ليست متفوقة من الناحية العقلية أو الذهنية لكنها أكثر تقدماً عن “السلالات” الأخري ويستشهد علي ذلك بحقيقة (جذور الحضارة العالمية)
4.يرفض بواس أي أساس بيولوجي للثقافة ويرى أن اللغة توجد مستقلة عن “السلالة” وأن الثقافة أكثر استقلالية
5.يعرف بواس “البدائيين” بطريقة تخلو من إصدار الأحكام بأنهم أناس تتميز أساليب حياتهم بالبساطة والانتظام وتتسم ثقافتهم بالضالة والتناقض من الناحية الفكرية أو العقلية ويواصل موضحاً أن الشعوب البدائية هي شعوب بدائية ومتقدمة من أوجه مختلفة ويضيف أنه لا وجود لجماعة أو لشعب لم تطاله أو تشوبه التأثيرات الخارجية ويخلص إلي أن محاولة تعيين ثقافة كلية وترجع إلي فئة “بدائية” أو “محتضرة” هي محاولة ومشوهة.
– كانت معظم أعمال ودراسات بواس ذات طبيعة خاصة مميزة وذلك في مقاربته لموضوعات من أمثال الفن والأسطورة واللغة لكنه كثيراً ما وجه مناقشاته الأنثروبولوجية إلي الجمهور العام وقد كان تأثيره عميقاً.
الثقافة والشخصية:
كانت الثقافة الاهتمام الدائم الذي للأنثربولوجيا الأمريكية إبتداءً من بواس وحتي جيرتز ولم يكن هناك اتفاقاً علي ماهية “الثقافة” وقد أورد الفريد كروبير وكلايد كلاكهون (1952) في مقاربة مائة تعريف صاغها أنثربولوجيون وفلاسفة ونقاد للأدب وآخرون ويقسمان التعاريف الأنثروبولوجية إلي ست مجموعات:-
1- التعاريف الوصفية (وتستند علي المضمون).
2- التعاريف التاريخية (وتؤكد علي التقليد أو التراث).
3- التعاريف المعيارية (وتؤكد علي القواعد).
4- التعاريف السيكولوجية (وتقارب فكرة التعلم أو حل المشكلة).
5- التعاريف البنائية (ذات الصلة بفكرة النمط).
6- التعاريف الوراثية (علي سبيل المثال القول بأن الثقافة نتاج للطبيعة الإنسانية أو أنها ببساطة سمة تفتقدها وتفتقر إليها الحيوانات غير الإنسانية).
– ومع كل ذلك فإن من المثير للسخرية مع ذلك أن أفكار بواس وأتباعه ليست هي ما يتذكره معظم طلاب الأنثروبولوجيا وإنما تعريف تايلور (الوصفي) للثقافة “باعتبارها ذلك الكل المركب الذي يشتمل المعرفة والمعتقد والفن والدين والأخلاق والعادة وأية إمكانيات وعادات أخري يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع”
إسهامات روث بندكت :
– وعلي الرغم من أن تعريف تايلور اعتدت عليه الكثير من النظريات عن مفهوم الثقافة فإن منظور روث بنكث هو حاسم فاصل بالنسبة لموقف وموضع هذا التعريف بوصفه مفهوماً أنثروبولوجيا جوهرياً أو مثالياً ويعتبر كتابها “أنماط الثقافات” أهم المؤلفات.
– بدأت الاهتمام بدراسات الأنثروبولوجيا وتوصلت إلي أن زملائها قد أجروا كافة الأنواع الخاطئة من المقارنة وقررت أنه ينبغي النظر إلي مظاهر الثقافة في ضوء الثقافة وقد ركزت بندكت على المقارنة بين ثقافات كلية ينظر إليها عبر فهم أو تصور “لحوافزها الغالبة” وفي دراستها “أنماط الثقافات” تقارن بين ثلاث جماعات الزوني في نيوميكسيكو والكواكيوتل في جزيرة فانكوفر والدوبوانس في ميلانيزيا وخلصت إلي نتيجة مؤداها أن السلوك السوي في ثقافة معينة لا يعد كذلك في ثقافة أخري حتي الحالات السيكولوجية تحددها الثقافة.
تقارن بندكت الزوني بهذه الشعوب مستخدمة في ذلك تمييز (ثنائية تقابل) اصطنعه في القرن التاسع عشر الفيلسوف والناقد الأدبي فريدريك نيتشه الذي ميز بين عنصرين في التراجيديا الإغريقية “الابوللوني” و”الديونيزي” .
– يرتبط الجانب أو المظهر الابوللوني بالاعتدال والتحفظ أو التقييد (الكبح) والتناغم (التوافق) ويرتبط الجانب الديونيزي بالانفعال والعاطفة والإفراط أو الإسراف وتحوي التراجيديا الإغريقية في رأي نيتشة الجانبين أو المظهرين معاً.
– وقد وصفت أفراد جماعة الزوني بأنهم أبوللونيون يعيشون حياة منظمة ومسالمة إذ يؤدي كل شيء بدقة تامة وأفراد الزوني لا تسهل استثارتهم وكل ما يقومون به هو أداء الشعائر بالطريقة المعتادة دوماً.
– ووصفت الكواكيوتل ويوسمون بنقيض السمات المميزة للزوني والكواكيوتل هم مثال علي الثقافة الديونيزية ، وقد أعتاد أفراد الكواكيوتل علي إدارة اقتصادهم في موازاة مبادئ ديونيزية مماثلة وذلك عن طريق نظام يطلق عليه البوتلاتش.
– ووصفت الدوبوانس فقد وصفتهم بأنهم أفراد تمثل الحقد والخيانة أعلى فضائلهم .
واستخدمت بندكت مستعملة نفس الأسلوب في دراسة المهاجرين اليابانيين في الولايات المتحدة.
اسهامات مارجريت ميد وكلايد كلاكهون :
– تأثر آخرون بآراء بندكت كان من أبرزهم مارجريت ميد وكذلك كلايد كلاكهون الذي طبق أفكار بندكت علي الجوانب السيكولوجية للثقافة وذلك في دراسته الأثنوجرافية للنافاجو وخلال العقدين الأخيرين صارت أعمالهم عرضة للهجوم والنقد خصوصاً أفكار وأعمال مارجريت ميد عن الحريات الجنسية المفترضة التي تتمتع بها الفتيات المراهقات في الساموا وعلى الرغم من أن كتاباتهم كانت أقل وضوحاً فيما يتعلق بمقاربة “الشخصية” إذ ما قورنت بكتابات بندكت فإن ميد أصبحت الأشهر والأبرز لمدرسة الثقافة والشخصية كما رسم عملها إنطلاقة الأنثروبولوجيا النفسية كما نعرفها اليوم.
اسهامات سابير :
– عالم اجتماع أمريكي لغوي تأثر بعلماء النفس الألمان خاصة (مدرسةالجشطلت) التي تقوم على قانون هو أن الكل أكبرمن مجموع أجزاؤه .
– يؤكد سابير لأن الباحث عندما يحاول فهم ثقافة معينة بطريقة كلية فإنه يكون أكثر الماما بخصائص وسمات تنظيم معين للشخصية ، وأن أنماط الشخصية مترابطة
– يرى مع أصحاب هذا الاتجاه أن سلوك الأفراد منط ثقافيا وكذلك خبرة الطفولة ، وأن سمات الشخصية في مجتمع معين تؤثر في ثقافة هذا المجتمع ونظمه وأنماط تغيره وأمراضه النفسية وأن الثقافة تشكل الخبرة الذاتية إسهامات لينتون وكاردينر
– رأى كلا منهم وجود نمط من التكامل من داخل الثقافة يستند على الخبرات المشتركة لأفراد مجتمع معين وأن خصائص وسمات الشخصية هي التي تفرز هذه الخبرات .
– أشارا أن مفهوم البناء الأساسي للشخصية هو مجموع السمات المشتركة بين أغلب أفراد جماعة معينة والذي يتكون نتيجة الخبرات التي تكونت عبر قواعد ونظم الطفولة والأسرة .
– ويمكن القول أن عام ( 1950) يمثل نقطة حاسمة لمدرسة الثقافة والشخصية حيث تعرضت لانتقادات كثيرة أهمها ما يلي :
1.أن تحليلاتها غاية في البساطة بالنسبة لتحليل الثقافات
2.تركيزها الشديد على التشاكل وتماثل الأفراد مما يجعل الثقافة استاتيكية
3.عدم وجود أدلة تثبت أن هناك سمات عامة للشخصية
4.إغفال حقائق التغير والتباين
5.التركيز على فكرة ( الاختزالية السيكولوجية )
6.أن معظم دراساتها تتسم بالدائرية حيث افترضت أن نمو الشخصية واكتساب الثقافة عملية واحدة
7.أنها عجزت أنتجمع آراؤها في بحث علمي قوي متماسك
– وكنتيجة للانتقادات السابقة عدة نتائج أهمها :
1.ظهور أساليب المقارنة عبر الثقافة
2.ظهور اتجاه ملاحظة الفاعل
3.ازدياد الوعي بالمحددات البيولوجية والأيكولوجية والموقفية واللغوية كمحددات للسلوك .
وتحاول تلك الاتجاهات فهم التوتر والتفاعل بين ذاتية الفرد والتفكير والسلوك الجمعي .
إسهامات بريل ولي وورف :
– حاول كلا من ( ليفي بريل ولي وورف ) الاجابة على بعض التساؤلات عن إمكانية المقارنة بين التفكير البدائي والتفكير العلمي الحديث السائد في العالم الأوروبي ومن هذه التساؤلات :
1.هل يمكن القول أن هناك ثقافات أكثر بدائية من أخرى ؟
2.هل يعد التفكير البدائي مساويا للتفكير العقلاني المنطقي أم هو مختلف عن ذلك ؟
3.هل يعد التفكير البدائي أكثر عقلانية من التفكير العلمي ؟
-كل هذه التساؤلات أجاب عنها بريل وورف في العقدين الثاني والثالث من قـ20، ويعد تفكير كلا منهما على النقيض من الآخر .
أولا : ليفي بريل ( معاداة النسبية ) :
-فيلسوف اجتماعي فرنسي ، كان من أكثر من اهتموا بقضية التفكير البدائي له العديد من المؤلفات أهمها العقلية البدائية ، كيف يفكر السكان الأصليون .
-رفض فكرة الوحدة النفسية وأكد أن التفكير البدائي مختلف عن التفكير المنطقي لأنه تفكير يطلق علية قبل منطقي .
-ويرى أن ذلك التفكير قبل منطقي لأنه يفتقد إلى القدرة على الربط بين السبب والنتيجة (العلة والمعلول)
-قسم بريل التفكير الإنساني إلى فئتين هما ( العقلية البدائية – العقلية المتحضرة )
-يؤكد بريل أن الإنسان البدائي يفكر بطريقة منطقية تماما في مواقف الحياة اليومية ولكنه يعجز عن التفكير بطريقة منطقية في المجرد ( مثال البدائي يساوي بين روح وظل الشخص ) ، ويرى أنه يعجز عن التمييز بين شيء ما وما يماثله من رمز أو مضمون .
-يرى بريل أن التفكير البدائي نتاج للعقل الجمعي لا الفردي – فكرة ( التمثيلات أو التصورات الجمعية )
-رفض بريل ومعه العديد من العلماء الفرنسيين أمثال دوركايم في رفض الفكرة التي تول أب بإمكان الفرد أن يختزل الفعل الجمعي إلى عدد من الأفراد أو اختزال ثقافة ما وطبق ذلك على المقارنة بين الشعوب التي تعرف الكتابة والثقافات التي لا تعرف ، وأكد في مقارنته أن الثقافات التي تعرف الكتابة هي ثقافات أكثر فردية .
-وبعد الحرب العالمية أدخل بريل بعض التعديلات على أفكاره فنجده يقول أن الثقافات ليست مختلفة في النوع ولكنها مختلفة في الدرجة فالمعرفة تختلف ولكن المنطق واحد .
-وخلاصة ما سبق أن آراء بريل تطورت مع ( بندكت وميد ) ولكنه نقدهم في( النزعة الرومانسية ) والجدير بالذكر أن أعمال بريل تأثر بها العديد من العلماء الآخرين مثل ( هال بيك )
ثانيا: لي وورف ( النسبية اللغوية ) :
-إذا كانت أعمال بريل تحمل فكرة هي أن الشعوب البدائية أدني وأقل شأنا من الناحية العقلية منا في لوقت الحاضر فإن تلك الفكرة لابد أن تراعي بعض الاعتبارات مثل :
1.أن الشعوب البدائية مثلنا من الناحية العقلية أو الفكرية .
2.أن الشعوب البدائية مختلفة عنا من الناحية العقلية ولكنها ليست أدنى أو أسمى
3.أن الشعوب البدائية أسمى منا من الناحية العقلية أو الفكرية .
-والاعتبارات السابقة اتخذت كبدائل لعدة اتجاهات علمية على النحو التالي :
البديلين الأول والثاني يقعا في رؤية وسطية بين الاتجاهين ( التطوري – النسبي الراديكالي )
البديل الثالث يمثل اتجاه النسبية الراديكالية التي هي على النقيض من التطورية
-والبديل الثالث هو الأكثر أهمية وهو الذي أيده ليفي بريل ويمثله بكل وضوح ( بنجامين لي وورف)
– يعد لي وورف العالم اللغوي الأنثروبولوجي عالما تأثر بفكر فرانزبواس خاصة في الفكرة التي تقول بأن كل اللغات متماثلة تقريبا(فمثلا إذا ألم الفرد بقواعد النحو اللاتيني فسوف يكون قادرا على وصف أي لغة في العالم)
– توصل وورف إلى فكرة تقوم على أن الأفراد متكلمي اللغات يمتلكون أساليب مختلفة لرؤية العالم وذك مقارنة بالأفراد الذين يتحدثون لغات أبسط مثل الإنجليزية .
أوجه التشابه والاختلاف بين ( سابير – وورف ) :
– اتفق كلا منهم على القول بفرضية هي أن هناك الكثير من أساليب التفكير يرتبط كلا منهم بلغة مفكريه وأسلوب تفكيرهم .
– اتفق كلا منهم في المعلومات التي تتناول العلاقة بين التعبير والتفكير في المجتمعات المحلية البدائية
– كان كلا منهم على وعي بالتعقد الموجود في القواعد النحوية اللغوية التي استخدمتها الشعوب البدائية
– اختلف كلا منهم في تأويل ظاهرة التفكير البدائي والفرق بينه وبين التفكير العلمي الحديث .
الانتقادات التي وجهت لنظرية وورف :
-تعرضت نظرية وورف للعديد من أوجه النقد نعرض أهمها فيما يلي :
1.تتميز نظريته بالبساطة الشديدة خاصة في رأيه بأن اللغات تحدد التفكير فالأفراد في ثقافة واحدة قد يتحدثون عدة لغات .
2.تشدد نظريته في التأكيد على الاختلاف اللغوي فمثلا كل لغة تحتوي على كلمات وعبارات وجمل فعلية واسمية وذلك لا يعني أن اللغات لا تختلف كل الاختلاف كما يقول وورف .
3.عدم وجود دليل واضح على أن اللغة تحدد التفكير
4.أنه إذا كانت أنماط التفكير المترابطة عبر لغات مختلفة تختلف في الدرجة فلا يمكن لشخص من ثقافة ما أن يفهم طريقة تفكير شخص آخر ، وعلى ذلك لا يمكننا إذن المقارنة بين أساليب التفكير .
جدل العقلانية :
-منذ الستينات كان هناك اهتمام متفاوت ومتقطع بقضية التفكير البدائي ( عقلانية التفكير البدائي )
-وقد قام العديد من علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والفلاسفة الاجتماعيين بتناول تلك القضية أهمهم
( سبيربر- جيلنر) .
أولا : سبيربر :
-صنف سبيربر النظريات النسبية الرئيسية في الأنثروبولوجيا الاجتماعية الى نوعين :
1.عقلانية
2.رمزية
-يري العقلانيون أن المعتقدات اللاعقلانية أو غير المنطقية ظاهريا ليست بهذه اللاعقلانية ولكنها في الحقيقة خاطئة ( مثال – يؤمن بعض الناس بأن الأرض مسطحة لأنهم يؤمنوا بذلك )
– بينما يرى الرمزيون أن الأساطير والشعائر لاعقلانية فقط على مستوى بسيط ( ظاهري ) ولكنها عقلانية تماما في قدرتها على استعارة قيم أخلاقية
-يؤكد سبيربر أن المزية ميكانيزم ( وسيلة ) إبداعي ينتج المعنى المتضمن ( الداخلي ) في الأبنية لثابتة للفهم
ثانيا : جيلنر :
-يعد جيلنر أحد المعاديين بشدة للنسبية ، ويرى أن النسبية ووجود عموميات إنسانية أمران متعارضان
-يعرف النسبية بأنها ” مذهب في نظرية المعرفة يؤكد عدم وجود حقيقة وحيدة قائمة بذاتها ”
-انتقد جيلنر النسبية المعرفية والأخلاقية وحاول البرهنة على النسبية السوسيولوجية في مقابل النسبية بالتنوع .
-يرى أن مشكلة النسبية تتحدد بصفة عامة في أنه لايوجد كان هناك عالم واحد فقط ، وأن العموميات أمر غير عام بل هو نوعي ( محدد بالثقافة ) فهو لايوجد في كل الشعوب ، ويرى أن ذلك( العموميات )
يمكن أن يتحقق مثلا في قارئي كتاب ما .
– ويمكن القول أن معظم أنصار النسبية الأنثروبولوجية ركزوا على التنوع الثقافي أكثر من العموميات والحقيقة أن وجود العموميات الإنسانية لا يجعل من النسبية فكرة غير مقبولة كذلك لا يستبعد فكرة التنوع الإنساني .
الأنثروبولوجيا المعرفية:-
– أحدث اللغوي الأمريكي كينيث بيك تقدماً هائلاً في العام 1954 عندما نشر مقال تحت عنوان “اللغة في علاقتها بنظرية موحدة لبناء السلوك الإنساني”.
– حاول بيك دراسة الاختلافات الصوتية بين اللغات وأنطلق بيك فيه من فكرة وجود علاقة بين الأصوات ووحدات الصوت ذات المعني وافترض وجود علاقة بين الوحدات من أي نوع وبمعنى آخر التفرقة بين ( الداخل –الخارج الموضوعي )
1.الخارج : هو مستوى العموميات أو الأشياء التي يمكن ملاحظتها
2.الداخل : هو مستوى التقابلات الثنائية (المعنى)في لغة أو ثقافة معينة
– لم يتفق الجدل على المعنى الدقيق لمصطلح الداخل ويمكن عرض ذلك فيما يلي :
1.اعتبره ( هاريس ) أقوال الإخباريين .
2.أكد(بيك )أنها الطبيعة البنائية للنسق الداخلي .
-يوصف العلم المعرفي أنه محاولة للربط بين عدة علوم هي( علم النفس المعرفي – الفلسفة – اللغويات – الأنثروبولوجيا ) وذلك لفهم المعرفة .
-وتحاول الأنثروبولوجيا المعرفية الربط بين اللغة والثقافة على أساس الاعتقاد في أن الثقافة تماثل اللغة حيث يتم التفكير في الثقافة ونقلها كنص عن طريق اللغة .
– جاءت بدايات الأنثروبولوجيا المعرفية في الخمسينات من قـ20 مع علم النفس المعرفي ، وركز في بدايته على علم الدلالة الاثنوجرافي (علم دراسة أنساق التصنيف الشعبي ) وفي السبعينات اهتم بالفعل الاجتماعي وبإستراتيجيات وضع القرار وفي الثمانينات تطورت مناهج له في علم دلالات الخطاب
-بدأ الاتجاه المعرفي من النقد الذي وجه للتحليل البنائي الوظيفي والذي مؤداه أن ملاحظة الباحث لسلوك أفراد مجتمع ما وتتبع علاقاتهم في المجتمع وتحليل ذلك هو مجرد انعكاس لما يتصوره الباحث نفسه(مرجعية الباحث) أو لما يتصوره الناس أنفسهم(مرجعية المبحوث) .
— يقوم الاتجاه المعرفي على البحث عما يتصوره الناس طريقة تفكيرهم وأسلوب إدراكهم للأشياء والمبادئ التي تكمن وراء هذا التفكير والتصور والإدراك والوسيلة التي يصلون بها إلى ذلك .
-يعطي هذا الاتجاه تصور جديد للثقافة باعتبارها تتكون من أفكار وأنماط سلوكية وكأنها خريطة معرفية تحتفظ بملامح ومقومات ثابتة ولكنها لا تخلو من الاختلافات خاصة من جيل لآخر بل ومن جماعة لأخرى في نفس الوقت ، ويعني ذلك أن لكل مجتمع تصورات الخاصة عن العالم أو الكون.
-تؤكد الأنثروبولوجيا المعرفية على وجود عموميات فطرية في العقل الإنساني وتنطلق من أفكار علم اللغة الأوروبي والأمريكي ( وقد فعل بواس ذلك من قبل هو وبعض تلاميذه أمثال سابير وورف الذين يرون أن الخبرة العملية للمعيشة تشكل فئات التفكير) وهداما قامت عليها الأنثروبولوجيا المعرفية في بداية نشأتها
-تركز الأنثروبولوجيا المعرفية على الجانب الفكري أو العقلي للثقافة حيث تؤكد أن الثقافة ظاهرة عقلية أو (تنظيمات معرفية للظواهر المادية ) فهي المسئولة عن السلوك الثقافي الملائم – كما يؤكد تايلور .
-والثقافة في الأنثروبولوجيا المعرفية تشابه فكرة ( النحو ) . ويكون هدف الأنثروبولوجيا المعرفية الكشف عن المباديء التي وراء تنظيم الثقافة في العقل .
-مثل الاتجاه المعرفي في الستينات مدرستين هما :
1.البنائية في فرنسا
2.الإثنوجرافيا الجديدة في أمريكا
وكلتا المدرستين اهتم بدراسة العلاقة القائمة بين اللغة والثقافة في المجتمعات التي درسوها
مدرسة الإثنوجرافيا الجديدة في أمريكا :
-مثلت تلك المدرسة محاولة علمية لدراسة الثقافة عن طريق وصف المفاهيم والتصورات التي تتعلق بأفراد ثقافة ما كماهي موجودة في لغتهم.
– ومن أجل تحقيق الموضوعية العلمية رأى علماء تلك المدرسة أن الباحث الأجنبي عليه ألا يستخدم تحليلاته في الدراسة وعليه أن يترك ذلك لأصحاب تلك الثقافة أنفسهم ( فكرة علماء ما بعد الحداثة) وقد عرف أصحاب هذا المنهج باسم علماء دراسة أنساق التصنيف الشعبي .
-يرى هؤلاء العلماء أن الهدف الرئيسي من دراسة ثقافة ما هو الكشف عن تصورات شعب معين لنمط الحياة داخل مجتمعهم ، وإيضاح الأسس العقلية والأصول الثقافية التي يعتمدون عليها في تنظيم علاقاتهم الاجتماعية ووضع قواعد السلوك ونظم القيم ورأوا أن تحليل لغة الأهالي هي السبيل لتحقيق ذلك الهدف
-ولذلك اهتموا اهتما كبيرا بتحليل اللغة الوطنية لمجتمعات الدراسة لمعرفة مفاهيمها وما تحتويه من أفكار ومعاني وتصورات لا يمكن التوصل إليها من ملاحظة السلوك الظاهري .
-اهتم علماء هذه المدرسة أيضا بمعلومات الإخباريين .
-وعلى الرغم من أهمية هذا الاتجاه المعرفي في تحليل الثقافة من خلال دراسة اللغة فإنه انتقد نقدا شديدا من الأمريكي المعاصر( جيرتز ) صاحب الدعوة للأنثروبولوجيا الرمزية وذلك كما يلي :
( أنه لابد من الاعتماد على المعنى أو الرمز المصاحب للممارسات الثقافية بدلا من الاعتماد على ما يقوله الأفراد عن ثقافتهم )
الخلاصة (خاتمة)
1) أسس بواس أنثروبولوجيا جديدة تقوم علي مبادئ نسبية أو علي الأقل علي مبادئ تؤكد الاختلاف الثقافي والقيمة الأخلاقية في التصورات المختلفة للعالم.
2) تحدي بواس النظام القديم لكن الأنثروبولوجيا التي نشأت في أمريكا في عصر فرانز بواس كانت (لوقت معين) مختلفة بعمق عن الأنثروبولوجيا في بريطانيا عصر مالينوفسكي ورادكليف براون .
3) أن أصحاب مدرسة “الثقافة والشخصية” كانوا هم أنصار النسبية الأقوياء بطرقهم المختلفة ومع ذلك كان الاختلاف بدرجة كبيرة اختلافاً في الاهتمام (مجموع الحالات والعمليات العقلية المميزة لشخص أو فئة من الأشخاص السيميولوجيا أو اللغة) واختلافاً في الموقف النظري.
4) يعتبر الاهتمام بالجوانب المعرفية للتصنيف أحد فروع الأنثروبولوجيا البواسية الذي يركن علي الإنفصال الحاد بين التأكد البواسي علي الثقافة بوصفها طريقة في التفكير والتأكيد البرواني علي الثقافة باعتبارها ملحقاً ثانوياً بالبناء الاجتماعي.