التراث الشعبي الفلسطيني كحلقة وصل
أ.د.يحيى جبر أ. عبير حمد
تمثل الأغنية الشعبية متنفسا عاطفيا في كثير من الحالات النفسية التي يمر بها الشعب أو الفرد على حد سواء، مثل التعبير عن الفرحة، أو للحث على القتال والحماسة، أو لاستنهاض الهمم لإنجاز عمل ما، أو للتسلية والترفيه وغير ذلك.
ومن أهم سمات الأغنية الشعبية أنها مجهولة القائل، ومن هنا فلا يمكن نسبتها إلى شخص بعينه،ولا حتى لشعب بعينه، وكثيرا ما نجد تشابها يصل حد التطابق في الأغاني الشعبية الخاصة بالمناسبات المختلفة في الأقطار العربية. وفيما يلي سنتعرض للأغنية الشعبية في بعض الأقطار العربية لنلاحظ مدى التشابه أو الاختلاف فيما بينها.
ومن الأغاني الشعبية المشهورة على طول الوطن العربي وعرضه أغنية “العتابا أو الميجنا”، “وأغنية العتابا تعرف بهذا الاسم أو باسم “أوف” أو “الميجنا” إلا أن الاسم الأول هو الأعم. وإذا صادف أن تكون مسافرا في الريف الأردني، خاصة في الضفة الغربية، فإن من المؤكد أن تتاح لك فرصة الاستماع لأغنية العتابا، يغنيها الرعاة على أنغام الربابة واليرغول، ويغنيها الحراثون والحصادون أو مقتطفو الزيتون، أو في واقع الحال في أية مناسبة أخرى أو في موسم آخر.” (1)
ولا تقف شهرة أغنية العتابا عند حدود الأردن وفلسطين، أو حتى بلاد الشام، بل نجد لها شهرة واسعة في الجمهورية العراقية فيما يعرف باسم “الأبوذية والعتابا”. “وهاتان الأغنيتان تتشابهان تشابها يقل قليلا عن درجة التطابق، فهما لونان غنائيان كل منهما يتكون بيتهما من بيتين من الشعر، أي من أربع شطرات، تنتهي ثلاث منها بكلمة متحدة اللفظ مختلفة المعنى، بينما تختم الرابعة في الأبوذية بكلمة آخرها ياء مشددة وهاء مهملة، وتختم في العتابا بكلمة تنتهي بألف ممدودة أو بألف بعدها ياء ساكنة. والأغنيتان كذلك من بحر الشعر الفصيح الوافر،كما هو الحال بالنسبة للعتابا في أقطار بلاد الشام جميعا. (2)
ومن الأغاني الشعبية المشهورة في الوطن العربي عموما أغنية “السحجة” التي لايكاد يخلو منها حفل عرس يقول الدكتور عبد اللطيف البرغوثي الباحث في الأدب الشعبي: “إن زيارة الأردن في فصل الصيف لا تخلو من فائدة، ذلك أن الصيف هو موسم الخطوبة والزواج في الريف الأردني ……………والغناء الشعبي في هذه المناسبة يعرف باسم “السحجة”، وهو اسم يعني التصفيق بصورة معينة، لأن التصفيق يكون جزءا أساسيا من هذه الأغنية. وفي أداء هذه الأغنية يقف الرجال على شكل دائرة واسعة حول النار، وينقسمون إلى صفين، ثم يبدؤون بالسحجة ويتداولون الغناء والتصفيق، بحيث يغني أحد الفريقين بينما يصفق له الفريق الآخر وهكذا. ويبدأ الغناء عادة على النحو التالي:
أوّل كلامي بصلي عالنبي الهادي وامحمد اللي عليه النور بِزيادِي
وكل أبناء القرية المشاركين في الغناء يعتبرون أنفسهم مضيفين، ولذلك فهم يلتفتون إلى القادمين من القرى المجاورة للمشاركة في الاحتفال ويحيونهم بالغناء قائلين:
يا مرحبا بك أمن دلّك أمن جابك يا مرحبا بالطريق العرّفتنا بك
ويرد الضيوف الذين يقفون عادة في أحد نصفي دائرة الغناء بالقول:
لولا المحبي على القدام ما جينا ولا دعسنا أراضيكم برجلينا
اللي يحبك ييجي لك عالقدم ماشي واللي ما يحبك يقل لك ما دريناشِ (3)
ونحن نلاحظ أن هذه الأغاني بكلماتها ذاتها تتردد في أكثر من قطر عربي غير الأردن ولا سيما فلسطين لما بينهما من تقارب جغرافي وثقافي.
أما في الإمارات العربية المتحدة، فرغم اختلاف اللهجة الدارجة هناك عنها في بلاد الشام، ورغم البعد النسبي من ناحية جغرافية، إلا أننا نقع على تشابه كبير في الأغاني الشعبية الشائعة هناك، وبين تلك الشائعة في بلاد الشام، سواء من حيث التسمية أو الشكل أو المعنى العام، حيث إن ” الشعر الشعبي في الإمارات شديد الشبه بالشعر الفصيح، مع فارق أساسي وحيد، هو استخدامه للهجة العامية الدارجة، وهي لهجة عربية في مفرداتها وتراكيبها، تختلف عن الفصحى في عدم التزامها للإعراب، كما هي الحال بالنسبة للهجات العربية العامية المختلفة ………. وأوزان الشعر النبطي تقترن في الذهن الشعبي بألحانه، ومعظمها أوزان فصحى، كما هي الحال بالنسبة للقصائد العربية الشعبية في مختلف أرجاء الوطن العربي، ولكنها قد تتعرض لتغييرات مقبولة في أحوال التفعيلة، أو في الحذف أو الزيادة بما يتفق مع مراعاة أذن الشاعر للحن الذي ينشد قصيدته عليه.
ومن التسميات المشهورة لهذه الأوزان في دولة الإمارات العربية المتحدة:
المنظوم: وهو أكثرها استعمالا وهو الطويل في الفصحى.
لِصْخرِي: وهو البحر الفصيح الوافر.
الرَّدح: وهو أقرب إلى مجزوء الكامل المزيد في الشطرين.
لِهجيني: وهو أشبه ما يكون ببحر الرمل في الفصحى.
الحَرْبِيَّه: يشبه بحر الرجز الفصيح بزيادة فاعلاتن أو إحدى* مشتقاتها في نهاية كل شطرة.”
السامر: وهو كالمديد في الفصحى بزيادة (فاعلن) على نهاية كل شطرة.
الفرادي : وهو أشبه بالبحر البسيط الفصيح مع تسكين آخر تفعيلتيه الثانية والرابعة في كل شطرة.
الرِّدِيوي: وهو أشبه ما يكون بمجزوء الرجز. (4)
فنحن نلاحظ التطابق في تسمية لون معين من ألوان الغناء الشعبي ب “السامر” في الإمارات العربية وكذلك في بلاد الشام حيث يقول الدكتور البرغوثي: “شاهدت في أكثر من مناسبة أيام الانتداب البريطاني في فلسطين،عددا من اللبنانيين “البراجوة” نسبة إلى بلدة برجا في لبنان يحملون الأقمشة في رزم كبيرة على ظهورهم، ويطوفون القرى لبيعها، وكنت ألاحظ فرح الناس بمجيئهم، إذ أن وجودهم في قرية ما كان يعني دائما أن القرية ستقيم تلك الليلة سامرا تستمع فيه إلى العتابا والطلعات والزجل والشروقي، والحدود بين فلسطين والأردن وسوريا ولبنان، لم تستطع في يوم من الأيام أن تقف حاجزا في وجه الأدب الشعبي، فهو متشابه في كل هذه البقاع، وإن اختلف فإنما يختلف في ظلاله وتفاصيله، لا في جوهره ونوعيته، لذلك فإن من ا لصعب على المرء أن يقرر في أية بقعة من هذه البقاع نشأ نوع من أنواع الأدب الشعبي لأول مرة. (5)
الهوامش :
- البرغوثي، عبد اللطيف. الأغاني العربية الشعبية الفلسطينية في فلسطين والأردن، مطبعة الشرق العربية، ط1،1979م، ص 15.
- التراث والمجتمع، مصدر سابق، ص127
- الأغاني العربية الشعبية الفلسطينية في فلسطين والأردن، مصدر سابق، ص 19 ـ 20، ولمزيد من المعلومات انظر كتاب ******سليمان الأفنس الشراري، الرباض، 1999.
- التراث والمجتمع، مصدر سابق، ص126 ـ 128 (بتصرف).
- الأغاني العربية الشعبية الفلسطينية في فلسطين والأردن، مصدر سابق، ص.192