سليم بتقــــه*
الأدب الإثنوغرافي (La littérature ethnographique) ويسمى الأدب الإثني، (الكلمة مأخوذة من الكلمة اليونانية (Ethnos) وتعني العرق والجنس)، هو فرع من فروع الأنثروبولوجيا(Anthropologie) من أنثروبوس (Anthropos) وهوالإنسان. ظهر علم الأنثروبولوجيا في القرن التاسع عشر، موضوعه الإنسان أو الشعوب البدائية، ويتفرع عن هذا العلم: الأنثروبولوجيا الثقافية، والاقتصادية…
الإثنوغرافيا عمل ميداني، هو وصف لهذه الشعوب وتلك السلالات، عمل يقوم على رصد ثقافتها، من مسكن ولباس وشرب ومعاملات وأعراس…وصف شامل لحياة الإنسان أو المظاهر الخارجية للثقافة (Les manifestations extérieures de la culture) التي يراها الملاحظ (السائح، العالم، الأنثروبولوجي) فيسجلها.
ظلت الإثنوغرافيا منصبة على الشعوب البدائية، حيث كانت محصورة في مناطق معينة مناطق تعيش خارج التاريخ، أي أنها تعيش حياة معزولة، وهذا الوصف شبيه بالبطاقات البريدية(Les cartes postales).فمن يقوم بهذا العمل؟ بطبيعة الحال هم الأوروبيون ممثلون في المستشرقين، علماء الجغرافيا، المشتغلين بالحفريات… يقوم هذا الأدب على الغرائبية والعجائبية(L’exotisme) (نظرة الأنا الأوروبي للآخر) حيث ينظر هذا الأوروبي إلى الآخر نظرة العرفان والسلطان(Sens/puissance) (Savoir/pouvoir).
هذه الجدلية فحواها أنني أعرفك يعني أنني أتسلط عليك. لقد مهدت الأنثروبولوجيا الأوروبية للإستعمار، حيث عمل العالم والتاجر والجندي ورجل الدين جنبا إلى جنب على تحقيق ذلك. فالأنثروبولوجي الأوروبي ينظر إلى تلك الشعوب من الخارج ولا ينظر إليها من الداخل بروح استعلائية، فيوهمها بأنها ميتة جامدة ولا يظهر لها الحقيقة فتبقى متقوقعة على ذاتها.
يتسلح الانثروبولوجي عند قيامه بعمله بثقافة تلك الشعوب، فيتعلم لغتها، وثقافتها وتاريخها ثم يحاول الاندماج معها، فيأكل مأكلها ويتبنى عاداتها، وتقاليدها…
اتجه العلماء إلى طريقة الذات والموضوع، فالذات هو الإنسان والموضوع هو موضوع البحث، بعد استحالة الحصول على معرفة علمية من الأدب. والسؤال هو كيف نجري تجارب على الإنسان؟ كيف نسمو بالأدب إلى العلوم التجريبية؟ لقد كانت هناك محاولات، خاصة في علم الاجتماع لجعل العلوم الإنسانية علوما تجريبية كما فعل أوجست كونت (Auguste Conte).
لكي يتم تحقيق الالتقاء بين الذات والموضوع فلا بد أن يكون ذلك عن طريق التماهي
(Identification) ذوبان الذات بالموضوع، التجلي عن الذات والعيش لحظة الإبداع بالنسبة للآخر، ينظر كما ينظر ويعيش عاداته وتقاليده ليصل الباحث في النهاية إلى إنجاز معرفة داخلية أي يفهمه كما يعيش من الداخل، ثم يخرج ليسلط الرؤية الخارجية، فهو ينظر إلى الذات من الداخل ومن الخارج فيحصل على معرفة حقيقية كما فعلت الباحثة الأمريكية “مارغريت ميد” (Marguerite Mead) التي أرادت أن تقيم دراسة أنثروبولوجية عن الحياة في أستراليا، فتزوجت من رئيس القبيلة وبقيت معه ثم انفصلت عنه بعد أن أنهت دراستها تلك.
بدأ الأدب الإثنوغرافي في الجزائر مع الاستعمار، فلما كانت نية فرنسا استعمار الجزائر بعثت بجواسيسها لتدوين وتسجيل كل ما يسمح لها بالتدخل، فقد كان يطلق على الجزائر بلاد البرابرة (Pays des barbaresques). احتاجت فرنسا إلى تلك المؤلفات في احتلالها للجزائر
فكانت المقاومة الشعبية (صالح باي، الأمير عبد القادر، بوعمامة، الزعاطشة..) ولكن تلك المقاومات أخمدت، فانتقلت إلى المتخيل تحقيقا للتوازن الذاتي (إيهام النفس بالانتصار، وأن المستعمر هو المنهزم) وهو ما يسمى بالمقاومة السلبية.
قام بعض العسكريين المتقاعدين بكتابة ذكرياتهم عن الحملة على الجزائر، حيث وصفوا المناطق، واللهجات، والعادات، والتقاليد، والقبائل.. فنشطت الإثنوغرافيا واتجه المستعمر إلى إدخال الجزائريين متحف التاريخ قبل أن تموت هذه الأجناس، فقدم صورة منحطة لشعب بدائي فكتب تاريخ الغالب على حساب المغلوب، وظهر القتل الرمزي للجزائر، أي إفراغ الجزائر من الحياة، من الديناميكية وإخراجها من التاريخ.
في القرن التاسع عشر انتقلت الإثنوغرافيا من العسكريين إلى المدنيين من جامعيين وباحثين من الجيل الثاني حيث اهتم هؤلاء بكل ما يتعلق بالمظاهر الخارجية من لباس ومساكن ووسائل نقل.. دون أن يصفوا الثقافة الداخلية، ولم يطلعوا على عقلية الإنسان الجزائري، ولا على روح المقاومة، وانتشرت دراساتهم في بلاد القبائل، حيث أسسوا للأسطورة القبائلية(Le mythe Kabylie) .
في مرحلة لاحقة، بدأ علم الاستعمار يدرس في الجامعات، حيث اضطلع الجامعيون بالبحث في الإثنوغرافيا، ثم انتقل هذا الاهتمام إلى الأدباء الفرنسيين الذين وفدوا إلى الجزائر فظهر الأدب الإثنوغرافي.
لم يكن هذا الاهتمام بالأدب الإثنوغرافي حكرا على الأدباء الفرنسيين بل انتقل إلى الأدباء الجزائريين ممن تخرجوا من المدارس الفرنسية، حيث لقنوا الإثنوغرافيا وكأنها معرفة علمية عن الجزائريين في المراحل التعليمية المختلفة (الابتدائي حتى الجامعي) ومن هؤلاء محمد ولد الشيخ الذي له رواية بعنوان مريم في سعف النخيل (Myriam dans les palmiers) والتي كتبها سنة1936. الرواية من خلال العنوان تبدو فيها إثارة، وغرابة، فالأجنبي يرحل عبر الواحات والصحراء، صور نمطية جاهزة تتماشى مع فكرة البطاقة البريدية(La carte postale).
ومن الذين برعوا في الرواية الإثنوغرافية الكاتب مولود فرعون الذي عد المؤسس لهذا النوع من الرواية (Mouloud Feraoun fondateur du roman ethnographique) الكاتب تلقى تعليمه في المدرسة الفرنسية المسماة (L’école normale) والتي تكون المعلمين الجزائريين، يقوم العلم الذي تلقاه على المعرفة الإثنوغرافية سعيا من الاستعمار تلقين الجزائريين النظرة الاستعمارية حتى يكون هؤلاء المعلمون الجزائريون منتجين للأيديولوجيا الاستعمارية. أول كتاب لهذا المؤلف أسماه نجل الفقير (Le fils du pauvre). الرواية عبارة عن سيرة ذاتية، فشخصية “فرولو”(Fouroulou) الذي التحق بالمدرسة الفرنسية استطاع أن ينفلت من قبضة المجتمع القروي ويصل إلى ما وصل إليه وفي ظروف قاسية، فهو إنجاز عظيم، بل ملحمة. في الرواية أيضا تصوير لمنطقة القبائل على أنها منطقة بدائية ومعزولة في الزمان والمكان ومنغلقة على نفسها. من ناحية التاريخ إفراغ المجتمع من التاريخ ومن الديناميكية والحيوية، والتركيز على المظاهر البدائية للثقافة، وصف الزوايا، العادات اللباس التقليدي للمرأة والرجل، دون أن يتعرض للاستعمار، أو للمقاومة، بل فيه تمجيد لفرنسا. التي جعلت المجتمع الجزائري ينتقل من الحياة التي تقوم على القبلية والعروش إلى حياة تقوم على مركزية الفرد، كما جعلت الأديب الجزائري يتكلم عن طريق المثاقفة، هو اندماج المثقف الجزائري في الثقافة الفرنسية(سياسة الاندماج).
الرواية فيها استبطان لتلك المعرفة، (عزل الجماعة عن المحيط العربي الإسلامي). فيها وصف الشخصيات والمحيط الثقافي الذي تتحرك فيه تماشيا مع فكرة البطاقة البريدية على اعتبار أنها موجهة للمتخيل الفرنسي لذلك نشرت في فرنسا حيث دور النشر التي تشجع مثل هذه الكتابات والتي تظهر تلك الصور النمطية عن الجزائر.
المراجــــــع:
1- إبراهيم عبد الله: المركزية الغربية، إشكالية التكوين والتمركز حول الذات المركزالثقافي العربي، بيروت 1997.
2- لوكا فيليب وفاتان جون كلود: جزائر الأنثروبولوجيين، ترجمة محمد يحياتن، بشير بولفراق، وردة لبنان، منشورات الذكرى الأربعين للاستقلال، الجزائر2002.
3- نسيب يوسف: مولود فرعون، حياته وأعماله، ترجمة حنفي بن عيسى، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1983.
4- Dejeux jean :littérature maghrébine de langue française,édition nàaman, sherbrook
quebec,canada1980.
* أستاذ بجامعة جيجل – الجزائر.
شكرا على هذه المقالة لكن لو فصلت فيها بكثير من الحيثيات كذكر النخبة التي كانت تقوم على التعليم في جامعة بوزريعة و عن أهم الدراسات الأدبية الوصفية حتى و لو كانت البدايات مع الشفهي ثم المرور إلى المكتوب
شكرا لك على هذه المقالة أتمني أن تراعي أهم الكتابات الكولونيالية و الإبتعاد عن الأطروحة التقزيمية لتلك الأعمال التي قام بها جزائريون بلسان مختلف تعبيرا عن الثقافة المحلية ففي كثير من النصوص لا نجد أنهم أفرغوها من دينامكيتها بل أخرجوها للعلن و بينو الأدوار الإجتماعية و ردوا على الإثنية المركزية و النظريات الإنقسامية بإمكانية وجود نظام آخر غي التنظيم الذي حاول أن يفرض من الغير تنظيم قائم على الإلتحام، إبرازهم للبنى الإجتماعية على أنها فاعلة مثل “التاجماعت” كما أنهم عبروا عن المخيال و التصورات و تمثلاتهم في اطار خاص و محدد قد لا نفهمه اليوم بنفس الغاية و الآلية التي أنتج لأجلها (بالطبع بعيدا عن المتعة أقصد الايديولوجي الكاتب)
شكرا لك على المقال الرجاء الإستشهاد بمقاطع من الأعمال الروائية