الهنود:
في الكتب الهندية المقدسة، التي تعود إلى الفترة من (1500) إلى (1000) ق.م.، ورد ذكر الأحلام الطيبة والسيئة، وطريقة التخلص من السيئة عن طريق بعض طقوس التطهر.
كما تم (في هذه الكتب) ربط توقيت الحلم أثناء الليل بمدى تحققه في اليقظة، فالأحلام التي يراها الشخص في الجزء الأول من الليل لن تتحقق قبل عام على الأقل، والأحلام التي يراها في القسم الثاني من الليل لن تتحقق قبل ثمانية شهور، أما الأحلام التي تأتي للشخص في الجزء الأخير من الليل فإنها شبه متحققة بالتأكيد، فهي بذلك أصدق أنواع الأحلام جميعًا.[1]
وفي الأوبانيشاد، وهي المبادئ الهنديـة الروحية القديمة، حيث يتم التركيز على الحقيقة المطلقة، يعتبر واقع الحلم أرفع قيمة من واقع اليقظة.[2]
وفي ذلك تقول الأسطورة، أن “برجباتي” [الذي يمثل قوى الكون الخلاقة] قام بتعليم “أندرا” [الذي يمثل الآلهة] و”فيروكانا” [الذي يمثل الشياطين] بأن الذات هي ما يريانه عندما ينظران إلى انعكاسهما في المرآة. فنظرا وشاهدا صورتهما العضوية، وقد اكتستا بالملابس وتجمّلتا، وقد ابتهج “فيروكانا” بهذه المعرفة، فعاد إلى عالم الشياطين، وعلّم أن الجسد هو الذات، وهكذا هي تعاليم الشياطين.
لكن “أندرا” تأمل هذه التعاليم ورأى أنه إذا كانت النفس هي والجسم سواء، فإن النفس تفنى عندما يفنى الجسم، وتلك لا يمكن أن تكون النفس الخالدة التي ينشدها، ولذا فإنه سأل “برجباتي” مجددًا عن النفس. وفي هذه المرة حدّثه “برجباتي” بأن النفس الحالمة هي النفس الحقيقية، ولكن “أندرا” بقي يشعر بعدم الإرتياح، وهكذا فإنه بحث من جديد عما تكونه النفس الحقيقية. وفي هذه المرة قال له إن النفس الغافية التي تتجاوز الأحلام هي النفس الحقيقية، إلا أنه لم يقتنع أيضًا.
ونحو ذلك مضى “أندرا” مائة عام وعام واحد في ممارسة الإنضباط وإعداد نفسه لتلك المعرفة الأسمى (بارافيديا)، وعندما أصبح مستعدًا للإصغاء لما يتعلق بالنفس المطلقة، قال “برجباتي”: ’عندما يمضي المرء للنوم، فإنه يأخذ معه مادة هذا العالم الذي يحوي كل شيء، ويمزقها بنفسه إربًا، ويشيد صرحها بنفسه، ويحلم من خلال سطوعه، من خلال سناه، وعندئذ يصبح هذا الشخص مستنيرًا بنفسه‘.[3]
*** *** *** *** *** *** *** *** ***
الشعوب الأصلية لقارة أمريكا (ما يطلق عليهم تعسفًا الهنود الحمر):
قد يكون أول “الهنود” وصل أميركا من آسيا منذ نحو (20) ألف سنة، (40) ألف سنة، وربما أكثر! والنظرية الأشهر هي عبورهم المسطحات الجليدية التي غطت النصف الشمالي للكرة الأرضية، وخاصة عبر مضيق “بيرينغ” الذي يفصل حاليًا آسيا عن أميركا الشمالية.
كانوا يعيشون في حواضر كبرى، ومدن، كما في قرى صغيرة، (وكتب الباحث منير العكش توضّح تاريخهم وما تعرضوا لها من إرهاب) وأصبحوا يعيشون الآن في منعزلات/سجون بعد أن غزاهم المستعمر الأبيض (البداية كانت مع الإرهابي كولومبوس) وقضى على حواضرهم وحضارتهم.
إن للنوم دورًا كبيرًا في نظرهم، فهم يصفون العالم، قبل الخلق بالسبات العظيم، ويسمون الشتاء شهر الرقاد الطويل، والنوم الواحد هو أصغر وحدة يقيسون بها الزمن، تقول بداية إحدى أساطيرهم: في البعيد البعيد، وعلى مسـافة ألف نوم، من بلاد الأنهار الكثيرة، كانت تعيش عشيرة…[4]
وبما أن للنوم هذه الأهمية، فللأحلام أهمية مضاعفة، إذ هي رسائل من الأرواح، وهي تهيم في الليل، ومهمة شرك الأحلام (Dream Catcher) أن يصطادها ويصفيها، فالحلم الجيد ينـزلق عبر الثقوب الخارجية، أما السيء فتمسكه الشبكة، ليذوي مع أول خيوط الشمس.[5]
تقول أسطورة شرك الأحلام، أن العنكبوت كان يحوك بهدوء شبكته بالقرب من مكان نوم الجدة “نوكوميس” (Nokomis).
وكل يوم كانت “نوكوميس” تراقبه مستمراً في حَوك شبكته. وفي يوم، أثناء مراقبتها له، وصل حفيدها، ’نوكوميس‘ صرخ، لامحًا العنكبوت، ركض باتجاهه، حاملًا حذاءه، يريد ضربه.
’لا، “كيجْوا” (Keegwa)‘، صاحت العجوز، ’لا تؤذه‘.
’”نوكوميس”، لِمَ؟ هل تقومين بحمايته؟‘، سأل الصغير.
ابتسمت العجوز ولم تجب. عندما رحل الصبي، ذهب العنكبوت إلى العجوز وشكرها لإنقاذها حياته.
قال لها: ’لأيام عدة، شاهدتني أحوك شبكتي، وقدّرت عملي، في مقابل إنقاذك حياتي، سأعطيك هدية‘. ابتسم ابتسامته العنكبوتية المميزة وذَهَبَ. حائكاً حين ذَهَبَ.
وقريبًا، إلتمع القمر على شبكة فضية سحرية تتحرك بهدوء قرب الشباك. ’أنظري كيف أحوك‘ قال، ’أنظري وتعلّمي، فكل شبكة ستمسك حلمًا سيئًا. فقط الأحلام الجيدة ستمر من خلال الثقوب الصغيرة. هذه هديتي لك. استخدميها لكي يتم تذكر الأحلام الجيدة فقط. الأحلام السيئة ستبقى متشابكة إلى الأبد‘.[6]
يعلَّق عادة شرك الأحلام فوق مهد الطفل (وفوق النائم بشكل عام)، ومهمته تنقية الأحلام. ومن التقاليد وضع ريشة في منتصفه، ريشة البومة تحفظ الحكمة وتعلق للبنات، ريشة النسر تحفظ الشجاعة وتعلق للصبيان.[7]
*** *** *** *** *** *** *** *** *** ***
تعليق:
إننا لا نتفرد بنظرتنا للأحلام، إذ أن كل شعب، لديه مقاربته الخاصة المبنية على فلسفته، ونظرتـه للحياة، فهو يرى الأحلام من خلالها، ويموقعها ضمن إطار عام وخاص في حياته. فهي:
- إما تجربة تستحق أن يكشف النقاب عنها، ويشاركها مع آخرين يمتلكون نفس الشحنة الإنفعالية ونفس مخزون الذاكرة، وبالتالي يتواصل معهم ويتواصلون معه بشكل يعزّز العلاقات فيما بينهم.
- وإما يبقيها خاصة، ويبحث بينه وبين نفسه عن إجابة عليها، وعن أوهامه حولها.
- أو لن يهتم بها إطلاقًا، باعتبارها شيئًا لا يستحق عناء محاولة التفكير فيه.
إن العرض السابق يسـتهدف بالأساس تحديد سـياق نظرتنا ونوعيتها، والكيفية التي أدت إلى مثل هذا التشـكيل، وما الذي أثّر عليها.
ويطرح أيضًا، أسئلة حول النشأة الأولى للجماعة البشرية، إضافة لنوعية، وكمية، وكيفية حدوث عمليات التثاقف بين هذه الشعوب.
[تمت]
الهوامش:
[1] محمد الجوهري، علم الفولكلور (الجزء الثاني –دراسة المعتقدات الشعبية–)، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1990، ص 290.
[2] Barbara Tedlock, Dreaming and dream research, In: Barbara Tedlock, Dreaming (Anthropological and Psychological Interpretations), Santa Fe/New Mexico, school of American Research Press, 1st ed, 1992, p. 3.
[3] جون كولر، الفكر الشرقي القديم، ترجمة: كامل يوسف حسين، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة/عدد 199، تموز/1995، ص.ص 58، 59، 60 (بتصرف).
[4] فلاديمير هلباتش، حكايات الهنود الأمريكيين وأساطيرهم، ترجمة: موسى الحالول، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة إبداعات عالمية/عدد 334، شباط/2002، ص 105.