لخياري رضوان
في كتابه الوصم:الاستخدامات الاجتماعية للإعاقة، قدم غوفمان تحليلا عميقا لهوية الفرد الموصوم، مستخدما تقنية الاستقصاء النوعية، حيث نجد في عمله مقتطفات من المقابلات وحتى مقتطفات من الكتب، معتمدا في تحليله على سير أشخاص موصومين، انطلق غوفمان من فكرة مفادها أن لكل فرد هوية اجتماعية، و أن كل فرد يلتقي بأخر يصنف هذه الهوية، بمعنى أخر كل فرد يصنف الأفراد الذين يلتقي بهم في فئات مختلفة، عندما تقابل شخصا غريبا يتم إجراء هذا التصنيف على الانطباع الأول الذي يعطيه، وهذا ما يفسر وجود هويتين اجتماعيتين احدهما حقيقية والأخرى افتراضية( الافتراضية هي التي يبنيها الأخر على الانطباع الأول الذي يأخذه عنك). ويتم هذا التصنيف للهوية عن طريق التفاعل بين الأفراد، حيث يميز غوفمان بين نوعان من الأفراد: العاديين أو المعياريين الذين يلتزمون بالمعايير الاجتماعية السائدة بالمجتمع، والأفراد الموصومين الذين خرقوا إحدى المعايير أو جلها سواء اجتماعية كانت أو دينية أو قانونية، وكلاهما حسب غوفمان نتاج للتفاعلات الاجتماعية، بمعنى أخر فالفرد العادي و الموصوم مرتبطان بالكيفية التي يتم إدراكهما من خلال التفاعلات الاجتماعية. ويحدد غوفمان ثلاثة أنواع للوصم:
1-الصفات المتوحشة للجسد: وهي وصمات جسدية مثل الإعاقة الجسدية أو مشاكل الرؤية أو عيوب الوجه أو الجسم.
2–عيوب الشخصية: وهي النذبات المرتبطة بماضي الفرد أو بشخصيته مثال المرضى العقليين السابقين أو مدمني الكحول.
3-العلامات القبليةles signes tribaux : إنه يتعلق بكل ما يمكن أن ينتقل من جيل إلى جيل مثل الجنسية أو الدين مثال ذلك وصم الإرهاب الذي قد يلصق بالفرد الذي يعتنق الديانة الإسلامية بأوروبا وأمريكا في أحدى السياقات.
انطلاقا من هذه التحديدات لأشكال الوصم، وعند تركيزنا على موقف الأفراد العاديين les normaux تجاه الموصومين، فإننا سنرى أن هناك ممارسات تمييزية، تجعل الفرد الموصوم يشعر بالخزي و الازدراء على نفسه في ظل غياب مجموعة مرجعية يمكنه الانتماء إليها، بحيث يتساءل غوفمان كيف يتفاعل الموصوم مع هذه الحالة؟
يجيب غوفمان بثلاثة طرق ينهجها الموصوم للتفاعل مع نوع الوصم الذي يواجهه، وهي كالأتي:
أولا-من بين ردود الفعل المحتملة محاولة تصحيح الوصم مباشرة، بعد ذلك الموصومين جاهزين للذهاب إلى أبعد من ذلك ففي بعض الأحيان يلجأ الموصوم إلى الدجالين( مثال تأخر الزواج عند الفتاة في المجتمعات العربية، فيتم وصمها تلجأ إلى الدجال) في هذه الحالة يمكن أن يلعب هذا الموصوم دور الضحية، حيث نجد خطاب افتقاد الحظ أو الإصابة بالعين أو السحر.
ثانيا-يمكن كذلك للموصومين أن يحاولوا بشكل غير مباشر التحسين من شروطهم، مثال ذلك القيام بأفضل ما يمكن، ليصبحوا مقبولين في مجال هم مرفوضون فيه.
ثالثا-كما يمكن كذلك للموصومين أن يجعلوا وضعهم أفضل، في هذه الحالات نجد خطابات من قبيل الألم علمني la souffrance m’a appris.
وبالتالي فإن الهدف النوعي لغوفمان من هذا العمل هو تلك التفاعلات والتواصلات المختلطة عندما يشترك الموصومين والعاديين في نفس الوضع الاجتماعي، يجد الموصوم نفسه في حالة تفاعل مع الأخر، لا يعرف كيف سيتم تقبله أو كيف سيتم تعريفه من طرف الأخر، هذه الحالة من الشك تضعه في حالة قلق خلال التواصل، بحيث يجد نفسه أمام طريقين، إما أن يجعل نفسه صغيرا جدا أو العكس أن يجعل نفسه عدوانيا baravade agressive، وتحوله من حالة ضعف إلى حالة عدواني تجعله غير قادر على استدماج التفاعلات مع الأخرين. إلا أن هذه التواصلات المختلطة بين الموصومين والعاديين تشكل أيضا للأفراد العاديين صعوبة، التي تتجلى في أنهم لا يعرفون كيف يتفاعلون مع الموصومين، وبالتالي فكلاهما يتشاركون نفس الإحساس بعدم الراحة. وقد يبحث الموصومين عن شخص عطوف يشاركونه الوصم، بحيث يمكن أن ينخرطوا في مجموعة أو شبكة للبحث عن الدعم المعنوي والمجموعة المرجعية ،يقول غوفمان في هذا الصدد أن الفرد الموصوم يمكنه أن يجعل من حرمانه أساسا لتنظيم حياته شريطة أن يستسلم لقضائها في عالم متدني.
« Parmi les siens، l’individu stigmatisé peut faire de son désavantage une base d’organisation pour sa vie، à condition de se résigner à la passer dans un monde diminué ،C’est là qu’il peut élaborer dans tous ses détails la triste histoire du stigmate qu’on lui impute. Les efforts des débiles mentaux pour expliquer leur admission dans l’établissement prévu pour eux en sont un exemple» p33
إلا أنه بالرغم من انتماء الموصوم لمجموعة الموصومين كمجموعة مرجعية يمكن أن لا يشعر بالراحة داخلها ، إلا أن وجود هذه المجموعات المفتوحة في وجه الموصومين تسمح لأعضائها بإيذاء وجهة نظرهم في الفضاء العمومي، حتى يصبحوا ممثلين ومتحدثين باسم مجموعتهم، من خلال نشر كتب وسير ذاتية تتناول الوصم. ويرجع سبب تكوين ووجود هذه المجموعات الخاصة بالموصومين إلى أن الأفراد العاديين يتجنبون ويقمعون العلاقات مع الموصومين لأنه غالبا ما يلمس الوصم الأشخاص المحيطين بالموصوم وهو ما يتجسد في مجتمعنا في خطاب (معامن شفتك معامن شبهتك)، إلا أن كوفمان يقر بوجود المطبعيين وهم أفراد عاديون غير موصومين يفهمون ويخترقون جزء من حياة الموصومين، ويعطي غوفمان مثال لطفل أبيض اللون استطاع اختراق مجموعة خاصة بالأطفال السود الموصومين بالزنجيين:
Je ne sais pas si je devrais، mais je vais vous raconter une petite histoire. Une fois، j’ai été admis dans un groupe de garçons noirs qui avaient à peu près mon âge et avec qui j’allais souvent pêcher. Au début que j’étais avec eux، ils prenaient soin d’employer le mot << Noir » en ma présence. Peu à peu، comme nous allions de plus en plus souvent à la pêche، ils se sont mis à plaisanter entre eux devant moi et à s’appeler « nègres ». Le vrai changement، c’était qu’ils utilisaient ce mot de « nègre » en plaisantant، alors qu’au- par avant، ils étaient absolument incapables de l’employer.
Un jour، alors que nous nagions، un des garçons m’a poussé violemment pour rire، et je lui ai dit : « Arrête de faire ton nègre avec moi. >>
Avec un grand sourire، il a répliqué: « Va donc، eh، salaud. >>
A partir de ce moment، nous avons tous pu employer le mot nègre>>p42
ويميز غوفمان بين الموصومين الظاهرين والموصومين المخفيين:
فالنوع الأول من الموصومين الظاهرين Le stigmatisé est discrédité، عندما يعرف وصمه أو تتم رؤيته في هذه الحالة يواجه الموصوم وصمه باللامبالاة التي تولد التوتر.
أما النوع الثاني المخفي أو المشكوك في وصمه Le stigmatisé est discréditable، حيث يتمكن من إخفاء وصمه، ويطرح غوفمان سؤالا ما إذا كان يجب إخفاء وصمه أم لا ومع من وفي أي حالة يتم إخفاؤه؟
إن النوع الثاني من الموصومين(المخفيين) يواجهون خطر كشفهم، ويجب عليهم تطوير استراتيجيات لإبقاء الوصم الخاص بهم غير مرئي للآخرين، وتسمى هذه العملية باستراتيجيات التحكم في المعلومات الاجتماعية. حسب غوفمان تنتقل المعلومة الاجتماعية عن طريق الرموز والعلامات، هناك رموز شكلية تعارض رموز الوصم ( في مجتمعنا مثلا المحتال يمكنه ترك اللحية كرمز ديني شكلي يعارض وصمه كمحتال) مما يعطي ثنائية في الهوية أو هوية مزدوجة. كما أنه للرؤية أهمية كبيرة في المعلومة الاجتماعية أي الصورة الخارجية التي يعطيها الفرد للمجتمع ، فالتظاهر المزيف للموصوم يطرح إشكالية زيادة أو نقصان رؤية وصمه، وكذا سهولة أكبر أو أقل في إخفاء وصمه. إذا أراد شخص مخفي الوصم أن يحافظ على هويته الشخصية، فعليه أن يعرف كيف يحدد لمن يدين بالكثير من المعلومات ولمن يدين بالقليل، فالفرد ثابت بقدر ما هو موضوع ممكن للسيرة الذاتية، والسيرة الذاتية تخضع بشكل كبير لإعادة البناء اللاحقة ارتباطا بمدى الإبقاء على الوصم مخفي. وتهدف تقنيات استخدام الهويات إلى إخفاء الوصم، يمكن أن تقود الفرد إلى ما سماه غوفمان بالمتاهة عندما يغرق في الكذب، كما يشرح غوفمان أنه على الموصوم التمييز بين ثلاثة أنواع من الأماكن على الموصومين تكييف سلوكهم و إخفاء أو عدم إخفاء وصمهم حسب هذه الأماكن:
1-الأماكن الممنوعة : يطرد الموصوم فورا لأن وصمه غير مقبول
2-الأماكن المنظمة: فيها يعرف العاديين الموصوم ويعامل بلباقة
3-الأماكن المعزولة: مفتوحة في وجه الموصومين حيث يمكنهم العيش فيها بدون حاجة إلى إخفاء وصمهم.
وبالتالي يجب على الموصوم أن يطور من تقنيات التحكم في المعلومة في أماكن وبحضور أشخاص معينين. ويحدد غوفمان ستة إستراتيجيات للتظاهر المزيف على الموصوم المخفي تطبيقها:
-1إخفاء أو مسح العلامات التي تكشف عن رمز الوصم .
2- استخدام الهوية المزدوجة المبنية على العناصر التي تعطي المعلومة الاجتماعية التي تتعارض مع معلومة الوصم.
3– المرور من الوصم إلى وصم أقل خطورة(مثال شخص أمي يتظاهر بضعف البصر)
4– الثقة في أشخاص من المرجح أن يحددوا الوصم من أجل جعلهم متواطئين.
5– أخذ مسافة هذا في صالح الموصوم المخفي كما الظاهر.
6– أن يكشف الموصوم عن نفسه إراديا أو إكراهيا ، يفضل الفرد الانتقال من التحكم في المعلومة إلى التحكم في التفاعل بشكل سلس مثال المخفيين.
خلاصة القول فإن غوفمان في هذا التحليل لهوية الفرد الموصوم، نجده قد ميز بين الموصوم الظاهر والموصوم المخفي، مركزا أكثر على النوع الثاني لأنه يحمل هوية مزدوجة (فردية واجتماعية) ، عكس الموصوم الظاهر الذي يملك هوية وصمه فقط، وعودة للنوع الأول، فالموصوم المخفي يعمل على إخفاء هويته الفردية المتمثلة في الوصم الذي يخفيه ، ويحاول تبني الهوية الاجتماعية التي يقبلها ويفرضها المجتمع، من خلال تبني رموز وعلامات تناقض علامات ورموز هويته الفردية الموصومة ، والتطوير من استراتيجيات التخفي، المتمثلة في التحكم في المعلومة الاجتماعية ، بمعرفة لمن عليه أن يدلي بالكثير من المعلومات ولمن يدلي له بالقليل، وهو ما يسمى بتقنية استخدام الهويات للحفاظ على السيرة الذاتية التي يبنيها الموصوم باستخدام هذه التقنية. إلا أن هذه التقنية قد تؤدي بالموصوم إلى التيه حينما يغرق في الكذب في الإدلاء بالمعلومات الاجتماعية، مما يجعله معرضا لكشف وصمه في أي لحظة.
Référence:
Erving goffman. Stigmate: les usages sociaux des handicaps. Le sens commun. Les editions de minuit. traduit de l’anglais par alain kihm en 1975.