” إنّاير” أو عيد الفرح بالأرض والحياة المتجددة

" إنّاير" أو عيد الفرح بالأرض والحياة المتجددة
عبد الله خليل
تتعدد الآراء حول التقويم الأمازيغي الذي يصادف فيه الأول من يناير الثالث عشر من يناير الميلادي. ويبقى الرأي الراجح عند بعض الدارسين هو ذاك الذي يربط فاتح السنة الأمازيغية ” ما يسمى بالسنة الفلاحية” بذكرى انتصار أحد ملوك الأمازيغ “اللوبيين” وهو “شيشونغ” الذي استولى على عرش مصر كما تذكر ذلك المصادر وكما تروي لنا رسومات قبور بعض الفراعنة. ” ودشن عهد الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين سنة 935 ق.م، واتخذ “بوباستيس” Bubastis عاصمة له، فرد لمصر نفوذها السياسي في الشام بالاستيلاء على أوكاريت، وجبيل “Byblos” وأورشليم، وقد ظل الحكم متوارثا بين الأسر الأمازيغية الليبية إلى حوالي 715 ق. م ، وكان آخر فرعون أمازيغي “صريح” ساد مصر هو تافناخت” .
إلا أننا لا نجد في التقاليد الاحتفالية الخاصة بالمناسبة – على الأقل ما بقي منها مترسبا إلى الآن – ما يمجد الحرب ويعبر عن الانتصار، بل على عكس ذلك، فأغلب مظاهر الاحتفال تعبر عن الحب والأمل، ذلك أن أكلة “أوركيمن” التي مازالت تقليدا يتحدى الزمن، هو شكر وامتنان لهذه الأرض المباركة التي تهب أبناءها كل هذه النعم. فأن تطبخ السوسية كل ما تحت يدها من قطاني (فول، حمص، عدس وذرة) بالإضافة إلى كوارع الغنم وتهدي منه إلى الجيران الذين لم يتسن لهم طبخ الأكلة، كل هذا في جو من الاحتفال الذي تصاحبه طقوس خاصة. نقول لا نظن أن ذاك يعد من باب الاحتفال بالحرب الذي هو من اختصاص الرجال، حيث يعبرون عنه بواسطة رقصات خاصة في مناسبات معينة.
وحين تقوم الفتيات الصغيرات بصنع دمى من عظام مكسوة بأقمشة ذات ألوان مزركشة يلعبن بها بالمناسبة وهن يحلمن بأنفسهن وقد صرن عرائس ينتظرن قدوم فارس الأحلام. أو حين يخرج الشباب ذكورا وإناثا، ليلة رأس السنة، إلى مغارة أو مكان مهجور باعتقاد أن الجن تسكنه، ويرمون حبيبات القطاني المطبوخة في أكلة “أوركيمن” فيما يسمونه ب “أصيفض” ثم يصيخون السمع في جو من الرهبة، يترقبون ما يمكن أن يصدر من الأصوات كرمز يؤول على ما ستكون عليه ما يستقبلون من أيام السنة الجديدة من أفراح وأتراح. كل هذا، لا نظن أنه استحضار للحرب أو النصر، بل إننا نعتقد ومن خلال معايشة هذه الطقوس الاحتفالية التي يسودها الفرح والبهجة والتفاؤل أن ذلك من باب تمجيد الأرض والاحتفال بالحياة ليس إلا .
ومما يقصي فكرة استحضار النصر ويعضض رفضنا لها ما ذهب إليه العلامة المختار السوسي نفسه وهو يتحدث عن هذه التقاليد وأصلها. يقول: ” ويوثر أن أصل هذه الحبوب أثر من آثار نزول نوح من السفينة. فقد طلب ممن ركبوا معه ما تبقى مما تزودوا به فأتى كل واحد بما عنده فطبخ الجميع طبخا واحدا. والإلغيات يطبخنه تيمنا ودرءا للعين والجن، ولذلك يعمد بعضهن إلى إراقة بعض مرق هذا المطبوخ على بعض زوايا الدار، وإزاء أسراب المياه من الساحات وما هي بالعادة الوحيدة التي تصنع ليلة أول السنة، فأتذكر أن الناس يحرصون ألا يبيت أي واحد خارج منزله مسافرا “.
الملحق الثقافي – الاتحاد الاشتراكي- 1/14/2011