مالينوفسكي ، أيقونة الأنثروبولوجيا الإجتماعية …
بدأ بالمشاركة الميدانية لمجتمع التروبرياند ، لاحظهم في كل أحوالهم ، إقترب من فكرتهم حول العالم ! ومن ثم قفز لمنظومة التبادل الشعائرية الإحتفالية “الكولا” ، وفيها يكون لكل صَدَفَة معنى رمزي يتم تأويله عبر ذاكرة ممتدة حول كل من لبس هذا العِقد أو الإسورة !
ومن ثم عَقَد مقارنته الشهيرة بين هذه المجموعة من الأصداف ، ومجوهرات التاج البريطاني ، التي تأخذ جزءاً من رمزيتها (كما الأصداف) من تاريخها لا من ذاتها !
إذن ، عقد مالينوفسكي حاجبيه ، هذا النظام يشكل وظيفة ضمن بنية إجتماعية أكبر !
نبعت الوظيفية كمدرسة ، نظرية ، منهج ، تقنية ، ونموذج إرشادي !
وحصل مالينوفسكي على رتبته الأرستقراطية التي سعى جهده ليحصل عليها !
ومن ثم (بعد وفاته بفترة) تم نشر مذكراته !
وفيها يظهر لنا أنه ليس سوى كولونيالي مؤمن بتفوق العرق الأبيض …
وفيها يظهر أنه مجرد كولونيالي يعتبر المحليين عبيداً عنده وإماء ، وتصرف جنسياً معهن على هذا الأساس !
هذا مالينوفسكي … الأسطورة !
هل يعني هذا أن أسلوبه أضحى بلا معنى ! وأن طرقه أصبحت عديمة الفائدة ؟!
هذا يحتاج إلى تأمل …
*** *** ***
الأيقونة الثانية هي مارغريت ميد … ودراستها التحفة : البلوغ في ساموا !
وفيها قدمت أساطير حول ساموا متخيّلة في ذهنها ! فصدّقها الجمهور … وأضحت أفكارها مقدسة !
وعندما قدّم الأنثروبولوجي الأسترالي “ديريك فريمان” معطياته الإثنوغرافية حول ساموا ، والتي أثبت من خلالها أن ميد إما حرّفت معطياتها ، أو (على الأقل) تم تضليلها من قبل المستجوبين (بحسن نية منها أو سذاجة) ! صوّتت الجمعية الأنثروبولوجية الأمريكية أن معطياته لا تعد دليلاً كافياً !!
وفي الحالتين (التحريف والتضليل) ، الإشكال الأساسي الذي كشفه “فريمان” (وأثبت خطورته) أن “ميد” وصلت إلى ساموا مع “أجندة” ، مع فرضيات مسبقة قررت أن تعمد جهدها لتأكيدها ، إما عبر التحريف أو عبر قبولها الساذج بالتضليل .
هي ذهبت مع أجندة ، لذا فالتضليل الذي وقعت في حبائله ، هي من إستدعاه !
وإن كان بعض من دافع عنها ، أصر على تأكيد الإختلاف بين معطيات “ميد” ومعطيات “فريمان” ، إنطلاقاً من منظور إبيستيمولوجي يؤكد أن العمل الأنثروبولوجي ذاتي ، ويمكن لباحثيْن أن يكشفا جوانب متعدّدة مختلفة متباينة ومتناقضة ضمن ذات المجتمع المحلي الذي تتم دراسته !
*** *** ***
لماذا أذكر هذا الآن ؟!
لأن هناك سرديات ضمن هذا الحقل تحتاج إلى إعادة نظر ، والصراع بين النزول إلى الميدان مع أجندة أو بدونها ! كما ذاتية الفعل الأنثروبولوجي ! من الضروري النقاش فيها ، لتأكيد قوة طرح في مقابل سلبيات آخر ، كما لتفعيل طروحات جديدة تنبثق منهما وعليهما .
لماذا أذكر هذا الآن ؟!
لأنه من الخطأ أن يستمر تقديمهما كأيقونتين ! على الأقل ، ليتم تقديمهما بشكل متكامل ، وليترك للباحث الجديد أمر الحكم !
فهل سيحكم لصالح الكولونيالي العنصري أو الساذَجة المحرِّفة ؟!
مقالة مهمة و رائعة