علال ركوك /كاتب من المغرب
شكلت الفروسية تراثا تاريخيا عبر العصور، فمنذ القدم كان للإنسان تعامل مع الفرس سواء في الحرب أو السلم، حيث كان وسيلة تستعمل في الأسفار والجر والحرب فضلا على أنه كان يمثل أداة للتسلية والفرجة ومظهرا من مظاهر الزهو والافتخار و هذا ما يؤكد الحضور القوي للفرس في الحضارة الإنسانية، علاوة على أن الفارس الضليع في ركوب الخيل يصبح محط الاهتمام لدرجة تجعله حافزا للاحتذاء والاقتداء باعتباره حاملا لمشعل الشجاعة والعنفوان والإقدام، كما هو الشأن في الحضارة اليونانية، حيث كانوا يقدسون فرسانهم وأبطالهم.
والحضارة العربية غنية بمثل هذه القيم فالحياة الجاهلية على سبيل التمثيل لا الحصر كانت تفرض على فلذة كبدها تعلم أدب وفنون الفروسية، كما عرفت المجتمعات الأوربية أدب الفروسية وترسخت بشكل كبير في العصور الوسطى.
فالفروسية نظام قائم بذاته من نظم المجتمع أفرزته مجريات الحياة وتطوراتها وفرضت عليه تقدير الفرسان وكن الاحترام لهم.
وقد أولى المغاربة عناية فائقة بالفروسية من حيث أنها تشكل أحد فنون الحرب والدفاع. وكذلك من حيث أنها ظاهرة احتفالية مستحسنة لدى القبائل المغربية. ولعل هذا كان محط اهتمام مجموعة من المصادر التاريخية التقليدية وكذلك الكتابات الكولونيالية التي أفرزت للفروسية وقفات خاصة للإشادة بالفرسان المغاربة وتمرسهم على هذا الفن سواء تعلق الأمر بزمن الحرب أو زمن السلم. و نتناول فيما يأتي أهمية الفروسية كظاهرة تسلية ومتعة وفرجة.
أهـــمية الفــــرس داخل
المنظومة القبائلية بالمغرب:
ظل الفرس مقياسا على إثره تقاس الثروة والجاه على السواء بين الأسر البدوية الشيء الذي يذكي جو التنافس على اقتناء خيرة الخيول وإعطائها عناية خاصة وذلك بتخصيص ميزانية خاصة لها، كل ذلك لغاية الظهور في «ميدان التبوريدة» بشكل بارز ومميز يرفع من شأن العائلة والقبيلة ويضفي عليها طابع الفخر والنخوة.
إن هذا الاهتمام بالفرس و«التبوريدة» ليس عبثا ولا وليد عهد قريب وإنما أفرزته جملة من المعطيات التاريخية، وبهذا فقد ظل فرسان قبائل المغرب على نهج السلف والإئتمان على ثرواتهم والفخر بما خلده أناس سبقوهم.
وهناك إشارات تاريخية متعددة مثلا في كتاب «إتحاف أعلام الناس» تؤكد مدى اهتمام القبائل البربرية بالفرس وهكذا تأصل هذا الاهتمام في أوساطها الشيء الذي استحال معه استئصاله لا لشيء سوى لأنها تتلهف إلى امتلاك الخيل باعتباره تاجا من العز تتحلى به، كما أن الروايات الشفوية لا تكاد تخلو من إشارات اختزنتها الذاكرة الجماعية.
كل ذلك مؤشرات قوية على أهمية الفرس في حالتي الحرب والسلم وكذلك على وشاجة العلاقة بين الإنسان والفرس، لكونه يمثل أفضل وسيلة لإظهار نخوته رغم ما يكلفه امتلاك فرس من تكاليف.
ويمكن القول أن الخيل تشكل وسيلة نقل نموذجية وهذا راجع إلى سرعتها بحيث يمكنها قطع ضعف المسافة التي تقطعها مثيلاتها من الدواب المسخرة للنقل في مسافة زمنية واحدة أو أقل.
قد يجد الواحد منا إذا ما رجعنا إلى التاريخ في تلك المنطقة أن هناك ضرورة وحاجة ملحة إلى وجود فارس للذود وحماية الحريم والصبية، فهو دائما على أهبة الاستعداد لخوض الصعاب التي من أجلها جند الفرس الذي يضفي على وضعية امرأة راجلة تحمل الأثقال ورجل يمتطي صهوة جواده صفة المشروعية والقبول لا لشيء سوى لأن هناك حتميات تاريخية واجتماعية أملت ذلك.
هكذا نجد أن الفرس قد أنيط به القيام بوظائف كثيرة في المجتمع المحلي بحيز مهامها لخوض غمار الحرب، وبين استعمالها كوسيلة للتنقل وقهر طول المسافات وللتلاقح والاتصال بين الأهالي وكذا حضوره في المواسم كدلالة رمزية على الأصالة في مسيرة «التبوريدة».
الأبعــاد الاجتماعية لظاهرة الفروسية:
يشكل الفرس حيوانا له جذور وروابط راسخة في المغرب مما يجعله كفيلا بالاحترام والتقديروإعطائه مكانة متميزة في الحياة العامة، ويكفي أهاليها شرفا وفخرا تسخيرها للركوب فقط بالنظر إلى باقي الحيوانات الأخرى، كما أن ركوب الخيل في الاحتفالات الشعبية والوطنية»التبوريدة» عملية كانت تقتصر على العنصر الذكوري وتقصي العنصر النسوي من المشاركة، لكن هذه المعطيات تغيرت كما سنقف عليها من خلال طقوس الاهتمام بالخيل وتحمل كل أتعاب مؤونتها لأن الأهالي يرون فيها الفأل الحسن وطالع اليمن والخير، وبهذا فاقتناء الفرس لا يقتصر على شريف النسب دون غيره وإنما الأمر سيان للموسر والمعسر وهذا يجد ضالته في ولع وميول بركوب الخيل وهو ما يعرف محليا ب«الحال» بحيث لا يطيق الرجل نفسه إذا لم يكن بحوزته فرس، وسيرا على هذه السنة الحميدة فإنهم يلقنونها لأبنائهم منذ نعومة أظافرهم.
الطقوس الاحتفالية لفن «التبوريدة»:
تعد الفانتازيا أو التبوريدة بمثابة نموذج للاحتفالات الجماعية التي تبرز قوة الفارس المتمرس الماهر، وترتبط بجملة من المواسم والمناسبات الدينية والاحتفالات الشعبية كالزواج والختان والعقيقة وغيرها، حتى يتسنى للفرسان بخيولهم المنمقة بوسائل الزينة والبنادق إطلاق العنان لكفاءاتهم الإبداعية على صهوة جيادهم في جو احتفالي ودوي البارود في السماء إلى جانب «عبيدات الرمي» في شكل منظم تحت شروط العلام»وسيرا مع هذه الحركات ترقص الخيول بشعورها المسترسلة انسجاما مع نغمات«الغِِيطة» وإيقاعات الطبول.
أما في المناسبات الوطنية التي يتوافد فيها أهل القرى على المدينة رغبة في الاحتفال محملين بكل مستلزمات الاحتفال من خيام وأفرشة، وكما هو معلوم أن من أعراف الفلاح البساطة وعدم البذخ فإن في مثل هذه المناسبات تكون شر شفة الشاي مع أبناء طينته والتفرج على سربات الخيل غاية و قمة في السعادة.
طقوس وتقالــيد التــــــبوريدة:
إن الحديث عن تقاليد فن التبوريدة كنظم مقننة تفرض على ممارسيها شروطا معينة، وهي بمثابة تعاليم متأصلة ومتوارثة يرثها الأبناء عن الآباء ويتمرنون عليها منذ نعومة أظافرهم حتى يشتد عودهم ويصبحون فرسانا مهرة.
I-مواصفات خيول الــتبوريدة:
هناك مجموعة من المواصفات يجب أن تتوفر في خيول التبوريدة حتى تتمكن من القيام والاستجابة لضوابط لعبة الفروسية ومن ضمنها نقف عند البعض:
1-أن تكون الفرس حرة: والمقصود من هذا أن تكون عزيزة النفس ومن مؤشرات الرفعة: التعفف عن أكل علف غيرها، وكذلك تحريك الأذنين في اتجاهين مختلفين عند اقتراب عنصر غريب منها.
2-صغر السن: وهو شرط مهم لدى من يرغبون في اقتناء الخيل وألا يكون قد حمل السرج قط حتى يسهل ترويضه من طرف صاحبه الجديد.
3-الطول: أن يكون طويلا حيث يعمد إلى قياس المسافة بين ركبتيه وبين ملتقى الحافر والساق وإذا تجاوزت أربعين سنتمترا فهي مزية فيه لأنه خيل واف.
4-الهيئة من الخلف/»السلهام»: من العلامات المميزة للفرس اتساع خاصرته وأن تكون عضلاته مفتولة وذيله قصيرا ينتهي بخصلة من الشعر الطويل وهذه هي ما يصطلح عليها ب»السلهام».
5-الهيئة من الأمام: أن يكون واسع الصدر عريض الركبتين مرفوع الرأس.
6-اللون: بحيث يختار الفرس للونه أيضا ومن ألوان الخيل الأشقر الأدهم، والمذهب اللون، والأسود الداكن،
ثم هناك الذي يتخذ ثلاثة ألوان حيث يولد أسود ثم يتحول مزركشا بالأبيض والأسود وهذا هو اللون المحبب.
II-الترويــــض:
وتقتضي هذه العملية تدريب المهر أولا على الرقص وهي من المراحل المتعبة التي يمر بها صاحبه بهدف حصول نوع من الألفة بين المهر وصاحبه، وفي مرحلة ثانية يوضع له اللجام رغم ما يواجهه من صعوبات في البداية لكن سرعان ما يعتاد عليه بوضعه في فمه، وبعدها تأتي مرحلة الركوب بشكل متقطع ولمسافات قصيرة حتى يشتد عوده.
الآليات المحركة لعملية التبوريدة :
– الميدان أو «المطرك»: إن نجاح فن التبوريدة كفن شعبي رهين احترام مجموعة من الشروط منها ما يرتبط بالفرس ومنها ما يرتبط بالفارس، ومنها أيضا ما يتعلق بالمكان المخصص لممارسة هذا النشاط الفني وهو ما يعرف لدى العامة ب»المطرك» أو «المجبد» هو الميدان الذي يحتضن ملتقيات ومجريات فن التبوريدة وعلى أرضيته يتم العرض والفرجة.
وعلى هوامش هذه المطارك تنصب الخيام والأقبية بالإضافة إلى ممارسة بعض الأنشطة الرياضية من طرف شباب الأحياء القريبة الشيء الذي يجعلها مرتعا خصبا لإبراز المواهب، و تقام هذه الأخيرة تزامنا مع مناسبات متعددة خلال السنة.
– الإعداد والتحضير لفن التبوريدة:
ففي السنوات الأولى عند اقتراب إحدى المناسبات كانت السلطات المحلية هي التي تسهر على التأهب لهذا المهرجان حيث تعطي الأمر للأعوان من شيوخ ومقدمين لتبليغ العامة بضرورة المساهمة في الاحتفالات الوطنية بالتبوريدة.
أما في السنوات الأخيرة فإن السلطة لم تعد تهتم وبالرغم من ذلك فإن أغلب القبائل تحضر بخيلها وفرسانها رغبة في الاحتفال لكسر رتابة المشاغل اليومية.بحيث أن كل قبيلة تكون منطوية على أفخاذ وبطون وعظام، ول»التبوريدة» شيخها وقد لا يكون بالضرورة هو «العلام» وإنما يمكن أن يكون شخصا آخر لا يركب الخيل أصلا ومهمته المعاينة ترشحه الجماعة أو يتطوع للقيام بذلك.ومن بين ما يقوم به جمع المال من الأفراد الذين ينضوون تحت«عظمته»لشراء معدات ولوازم الاحتفال من خيام وأفرشة وبارود….
الخيــمة أوالــخزانـة: او لفراك
لقد طرأ تغيير عليها فإلى حدود التسعينات كنا نلمح خياما منسوجة من صوف الغنم والمعز محلية الصنع من طرف نساء الأسرالمالكة للخيل، فتكون ملكا بحوزة أحد الأفراد الذين يقومون بإعارتها للعظمة.
إلا أنه في السنوات الأخيرة أصبحنا نرى خياما/أقبية بيضاء كبيرة الحجم تدعى»الخزاين»تغطي جوانب»لمطرك» خلال الاحتفال، ما يميزها شكلها ولونها وشساعة المساحة التي تشغلها الشيء الذي يضفي رونقا وجمالا ويزيد الاحتفال حرارة.
اللــباس:
يرتدي الفارس زيا تقليديا خاصا بـ«التبوريدة» ويكون موحدا بين أفراد «السربة»، ويتكون من جلباب أبيض رقيق تحته «الفرجية» أو«التشامير»والسروال العربي الواسع في لون أبيض وفوق الكل «برنوس»رقيق أبيض كذلك.
ويضع عمامة بيضاء ترصع رأسه ويستعمل أيضا«الحراف»وهي عبارة عن حبال حريرية حمراء، وأحيانا يتمنطق الفارس ب»الكُمِّية» أوالخنجر أو«الشكارة»التي ب»مجدُول»أحمر إلى كتفه.
أما حذاء الفارس فهو«التّماك»مصنوع من الجلد خفيف يصل إلى ما دون الركبة تربط فيه من جهة القدم مهاميز لنقر الخيل في حالة تقاعسها.
الــــسرج: أو السناح
يزين الفرس بمجموعة من مظاهر التأنق والزينة قبيل ولوجه ساحة التبوريدة حيث يزين بسرج خاص على الطريقة التقليدية ويتكون من مكونات أساسية، وأخرى كمالية تستعمل تنميقا:
اللبد: وهو عبارة عن نسيج صوفي ناعم محلي الصنع يوضع على صهوة الفرس.
الطّراشح: عبارة عن ستة سجاجيد من «الملف»وظيفتها حماية صهوة الفرس من الاحتكاك ب»القربوس».
القربوس: وهو العنصر الأكثر أهمية في السرج ويربط هذا الأخير إلى الفرس من مقدمة البطن برباط محكم يسمى«تاكُست»وبآخر من صدر الفرس ويدعى«الدِّّير».
وهناك بعض عناصر الزينة أخرى تعلق بها أجراس وهي عبارة صغيرة وخيوط حريرية تربط إليها حبات«الموزُون»و«أقبِض»وهو وشاح مذهب اللون في رقبة الخيل و«تِسككِرِّيت»التي تربط إلى اللجام في ناصية الفرس.
I-العناصر البشرية الأساسية في عملية التبوريدة :
1-العـــــلام:
وينعت كذلك بالمقدم وهو الفارس الذي توكل له مهمة التسيير والقيادة داخل السربة.ويشترط فيه الأقدمية في الممارسة وإتقان مهارات التبوريدة كاليقظة والانتباه والصوت الحسن والحرص على أداء كل الطقوس في شكلها اللائق ومن خلال استعراضه لمشهد السربة يبدو أن العلام فارس متميز عن بقية فرسان السربة بحيث يكون في أغلب الوقت واقفا على الركاب ليس جالسا على السرج ليتحكم في تسيير سربته ويصدر أوامره لكل فارس لاحظ أنه متأخر أو غير متحكم في فرسه وتكون بذلك علاقة العلام بالفرسان يحكمها الأمر والتوجيه.
وإذا ما لاحظ العلام أن أحد الفرسان لا يتحكم في أداء بعض المهام كالرقص أو أنه يندفع ويرى كل الخيول الأخرى فإنه يأمر الفارس بالخروج من وسط السربة والتموقع في الهوامش، أو قد يأمره بالخروج نهائيا من السربة لأن فرسه غير منضبط قد يشوش على السير العادي للسربة رغم أن المسؤولية قد تتحملها الخيل.
وهناك مشكل آخر يتعلق بالطلقة أي لحظة إطلاق البارود ذلك أن أي خلل في عدم احترام وقت الضغط على الزناد يوقع ارتباكا وعدم تناغم بين طلقات الفرسان التي يجب أن تكون متساوية.وإذا حدثت مثل هذه الحالة فللعلام كامل الصلاحية في اتخاذ العقوبات المناسبة في حق الفارس الذي ارتكب الخطأ والتي تصل إلى معاقبته بالنزول من أعلى الفرس ثم الركوب من جديد أو الحكم عليه بتأدية غرامة مالية وغيرها مما هو متعارف عليه.
2-الـــعمـار:
وهو الشخص الذي يتكلف بحشو بنادق الفرسان والتي هي من نوع «بوحبة»التي تكون مرصعة بالفضة ولهذا فهو يرافق السربة طيلة مدة أنشطتها السنوية.
وكبعض الخاصيات التي يتميز بها العلام فإن العمار الذي يعتبر أحد آليات عملية التبوريدة يجب أن يراكم مجموعة مهارات وكفايات تجعله أهلا للمهمة، منها التجربة والخبرة بميدان البنادق والبارود.ويقوم الفرسان بعد نهاية كل خرجة أو «وجبة» أي بعد إطلاق البارود بالرجوع عند العمار يناولونه البنادق ويخلدون للراحة وشرب الشاي في انتظار دورهم.ويقوم العمار بدوره بتعميرها بالبارود. وهكذا يتم سد مكبس«القرص»حتى لا يتدفق البارود من الأسفل ثم تملأ جعبة البندقية بالبارود حوالي نصف حفنة أي «نصف مُُد ويقوم بعدها بعملية دك البارود داخل الجعبة بواسطة قضيب يكون معلقا في البندقية بالتوازي مع الجعبة.بعد ذلك يتم فتح مكبس القرص والتأكد من أن البارود موجود في القناة التي تمرر شرارة النار إلى البارود عن طريق الحبة التي تعتبر هي الموقد للشرارة وحرصا على سلامة البنادق فإن الموقد أي الحبة لا يضعها إلا في وقت انطلاق عملية الخرجة.
المشهد أو الإخراج النهائي لعملية التبوريدة :
الهدة أو تحية المتفرجين:
عادة ما تكون هذه العملية التي يمكن أن تدعى بالتجربة في بداية وصول السربات أو العلفات أو المجموعات إلى ميدان التباري أو المطرك أو المجبد أو المحرك، حيث يتم تبادل التحايا بين الفرسان ثم يطلبون التسليم«لرجال البلاد»أي شرفاء وصلحاء و أضرحة المكان، وتصطف جميع السربات الواحدة وراء الأخرى.إلا أن ما يميز الخرجة الأولى أو الجولة الأولى هو أن الفرسان لا يطلقون فيها البارود و لا يصلون إلى نهاية المحرك. أي هي عبارة عن خرجة استعدادية وتآلفية مع المجال.
الخرجة الرســــمية:
تخضع هذه العملية لنظام محكم كذلك، في البداية نجد أن كل السربات مصطفة في بداية المطرك تنتظر دورها.بعد أن تكون كل بنادق الفرسان معمرة بالبارود وحينما يصل دور السربة يتجه العلام إلى نقطة الانطلاقة بشكل منفرد ثم يلتحق به أعضاء السربة الذين يصطفون في صف واحد مع احترام تراتبية الأقدمية حيث نجد الفرسان القدماء يصطفون بجوار العلام وقد تدخل صفة الجمالية والرونق ضمن معايير وقوف الفرسان.
مباشرة قبل الانطلاقة يقوم العلام بمراقبة موكب سربته ثم تشرع الخيول في التحرك ببطء.فيعطي العلام إشارة الانطلاق مرددا عبارة«والحافظ لله» وكأنه يتوسل بالله من أجل حفظ وسلامة موكبه. فيقف الفرسان على الخيول ويشرعون في عملية ترقيص الخيول وهي مهارة يظهر الفارس من خلالها ما استطاع ترويض الفرس عليه،وبين الفينة والأخرى ترى العلام يعطي إشارات للفرسان للتقدم أو التأخر والتحكم في التوازي، وبعد قطع مسافة في المحرك يصيح العلام و«المكاحل» وهي عبارة تدل على الاستعداد لاستعمال المكاحل أي البنادق وهنا يضع الفرسان بنادقهم فوق أكتافهم اليمنى ثم يقومون بتحريك البنادق إلى الأمام ويرجعونها. وبعد قليل يصيح العلام «أرو الخيل»وهنا تركض الخيل بأقصى سرعتها وخلال هذه المرحلة يحاول الفرسان الحفاظ على توازيهم. وعلى طول مسافة المحرك وبسرعة فائقة يقوم الفرسان بحركات بالبندقية وفق إشارات صوتية من العلام حيث يقومون بوضع البندقية باليد اليمنى ويضعونها على الكتف الأيسر ثم يعيدونها إلى اليد اليسرى ويمررونها نحو الخلف في اتجاه الأرض وتدعى الخرطة ثم يعيدون البندقية نحو الصدر «التجنيحة»ثم يقوم كل فارس بوضع سبابته على الزناد منتظرا إشارة العلام الصوتية التي تكون ممتزجة بدوي البارود وقد تحدث أن يلاحظ أحد الفرسان أنه متأخر عن وقت الطلقة فلا يفعل حتى لا يشوش على سربته ولا يتحمل المسؤولية. ومباشرة بعد دوي البارود تنطلق زغاريد النساء وترديد المتتبعين لعبارات مثل «الله يعطيكم الصحة والعز»
لقد أبدع الفرسان مجموعة من الطقوس والممارسات في هذه اللعبة التي تجعل المتتبع يستحسن هذه المشاهد التي تعود في الأصل إلى إبداعات فردية نابعة من كل خيال خلاق ومعطاء.من هذه الإبداعات مثلا نجد أن بعض الفرسان يقومون بكل طقوس الخرجة وقوفا فوق السرج وهذه عملية لا يوفق فيها إلا المتمرسون.
ولا تقتصر لعبة الفروسية هذه على الرجال فقط بل أصبحنا نجد بعض السربات تضم في صفوفها النساء أي بنات شابات ينحدرن في أغلبية الأحيان من أسر تهتم بالخيل ولعبة التبوريدة وغالبا ما نصادف هذا ضمن سربات منطقة الشاوية، وفي إحدى الاستجوابات لبعض النساء من الفرسان صرحت بأنها تفكر مستقبلا في تكوين سربة خاصة بالنساء.والملاحظ أن طقوس اللعبة لا تختلف في ممارستها بين الرجال والنساء.